فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب علامة المنافق

( بابُُ عَلاَماتِ المُنَافِقِ)

الْكَلَام فِيهِ من وُجُوه.
الأول: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ أَن الْبابُُ الأول مترجم على أَن الظُّلم فِي ذَاته مُخْتَلف وَله أَنْوَاع، وَهَذَا الْبابُُ أَيْضا مُشْتَمل على بَيَان أَنْوَاع النِّفَاق، وَأَيْضًا فالنفاق نوع من أَنْوَاع الظُّلم، وَلما قَالَ فِي الْبابُُ الأول: ظلم دون ظلم، عقبه بِبَيَان نوع مِنْهُ.
وَقَوله الْكرْمَانِي: وَأما مُنَاسبَة هَذَا الْبابُُ لكتاب الْإِيمَان أَن يبين أَن هَذِه عَلامَة عدم الْإِيمَان، أَو يعلم مِنْهُ أَن بعض النِّفَاق كفر دون بعض لَيْسَ بمناسب، بل الْمُنَاسب ذكر الْمُنَاسبَة بَين كل بابَُُيْنِ متواليين، فَذكر الْمُنَاسبَة بَين بابَُُيْنِ بَينهمَا أَبْوَاب غير مُنَاسِب.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مُرَاد البُخَارِيّ بِذكر هَذَا هُنَا أَن الْمعاصِي تنقص الْإِيمَان، كَمَا أَن الطَّاعَة تزيده.
قلت: هَذَا أَيْضا غير موجه فِي ذكر الْمُنَاسبَة على مَا لَا يخفى.
الثَّانِي: إِن لفظ بابُُ مُعرب لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا بعده تَقْدِيره: هَذَا بابُُ فِي بَيَان عَلَامَات الْمُنَافِق.
والعلامات جمع عَلامَة، وَهِي الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على الشَّيْء، وَمِنْه سمي الْجَبَل: عَلامَة وعلما أَيْضا.
فَإِن قلت: كَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: بابُُ آيَات الْمُنَافِق، مُطَابقَة للفظ الحَدِيث.
قلت: لَعَلَّه نبه بذلك على مَا جَاءَ فِي رِوَايَة أخرجهَا أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه بِلَفْظ: ( عَلَامَات الْمُنَافِق) .
الثَّالِث: لفظ الْمُنَافِق من النِّفَاق، وَزعم ابْن سَيّده أَنه الدُّخُول فِي الْإِسْلَام من وَجه وَالْخُرُوج عَنهُ من آخر، مُشْتَقّ من نافقاء اليربوع، فَإِن إِحْدَى جحريه يُقَال لَهَا النافقاء، وَهُوَ مَوضِع يرققه بِحَيْثُ إِذا ضرب رَأسه عَلَيْهَا ينشق، وَهُوَ يكتمها وَيظْهر غَيرهَا، فَإِذا أَتَى الصَّائِد إِلَيْهِ من قبل القاصعاء، وَهُوَ جُحْره الظَّاهِر الَّذِي يقصع فِيهِ، أَي: يدْخل، ضرب النافقاء بِرَأْسِهِ فانتفق، أَي: خرج، فَكَمَا أَن اليربوع يكتم النافقاء وَيظْهر القاصعاء، كَذَلِك الْمُنَافِق يكتم الْكفْر وَيظْهر الْإِيمَان، أَو يدْخل فِي الشَّرْع من بابُُ وَيخرج من آخر؛ ويناسبه من وَجه آخر وَهُوَ أَن النافقاء ظَاهره يرى كالأرض، وباطنه الحفرة فِيهَا، فَكَذَا الْمُنَافِق.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: يُقَال: نَافق اليربوع ينافق فَهُوَ مُنَافِق إِذا فعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ نفق ينْفق فَهُوَ مُنَافِق من هَذَا، وَقيل: الْمُنَافِق مَأْخُوذ من النفق وَهُوَ: السرب تَحت الأَرْض يُرَاد أَنه يسْتَتر بِالْإِسْلَامِ كَمَا يسْتَتر صَاحب النفق فِيهِ؛ وَجمع النفق أنفاق.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: النافقاء وَالنَّفقَة جُحر الضَّب واليربوع، وَالْحَاصِل أَن الْمُنَافِق هُوَ الْمظهر لما يبطن خِلَافه.
وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام ويبطن الْكفْر، فَإِن كَانَ فِي اعْتِقَاد الْإِيمَان فَهُوَ نفاق الْكفْر وإلاَّ فَهُوَ نفاق الْعَمَل، وَيدخل فِيهِ الْفِعْل وَالتّرْك، وتتفاوت مراتبه.
قلت: هَذَا التَّفْسِير تَفْسِير الزنديق الْيَوْم، وَلِهَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ عَن مَالك: إِن النِّفَاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الزندقة الْيَوْم عندنَا.
فَإِن قيل: الْمُنَافِق من بابُُ المفاعلة، وَأَصلهَا أَن تكون لإثنين.
أُجِيب: بِأَن مَا جَاءَ على هَذَا عِنْدهم لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة خَادع وراوغ، وَقيل: بل لِأَنَّهُ يُقَابل بِقبُول الْإِسْلَام مِنْهُ، فَإِن علم أَنه مُنَافِق فقد صَار الْفِعْل من اثْنَيْنِ، وَسمي الثَّانِي باسم الأول مجَازًا للازدواج، كَقَوْلِه تَعَالَى: { فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} ( الْبَقَرَة: 194) وَاعْلَم أَن حَقِيقَة النِّفَاق لَا تعلم إلاَّ بتقسيم نذكرهُ، وَهُوَ: إِن أَحْوَال الْقلب أَرْبَعَة، وَهِي: الِاعْتِقَاد الْمُطلق عَن الدَّلِيل وَهُوَ: الْعلم.
والاعتقاد الْمُطلق لَا عَن الدَّلِيل وَهُوَ: اعْتِقَاد الْمُقَلّد.
والاعتقاد الْغَيْر المطابق وَهُوَ: الْجَهْل.
وخلو الْقلب عَن ذَلِك، فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام، وَأما أَحْوَال اللِّسَان فَثَلَاثَة: الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وَالسُّكُوت، فَيحصل من ذَلِك اثْنَا عشر قسما.
الأول: مَا إِذا حصل الْعرْفَان بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، فَهَذَا الْإِقْرَار إِن كَانَ اختباريا فصاحبه مُؤمن حَقًا، وَإِن كَانَ اضطراريا فَهُوَ كَافِر فِي الظَّاهِر.
الثَّانِي: أَن يحصل الْعرْفَان القلبي وَالْإِنْكَار اللساني، فَهَذَا الْإِنْكَار إِن كَانَ اضطراريا فصاحبه مُسلم، وَإِن كَانَ اختياريا كَانَ كَافِرًا معاندا.
الثَّالِث: أَن يحصل الْعرْفَان القلبي، وَيكون اللِّسَان خَالِيا عَن الْإِنْكَار وَالْإِقْرَار، فَهَذَا السُّكُوت إِمَّا أَن يكون إضطراريا أَو اختياريا، فَإِن كَانَ اضطراريا فَهُوَ مُسلم حَقًا.
وَمِنْه مَا إِذا عرف الله تَعَالَى بدليله، ثمَّ لما تمم النّظر مَاتَ فَجْأَة، فَهَذَا مُؤمن قطعا؛ وَإِن كَانَ اختياريا فَهُوَ كمن عرف الله بدليله ثمَّ إِنَّه لم يَأْتِ بِالْإِقْرَارِ، فَقَالَ الْغَزالِيّ: إِنَّه مُؤمن.
الرَّابِع: اعْتِقَاد الْمُقَلّد لَا يَخْلُو مَعَه الاقرار وَالْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار وَكَانَ اختياريا فَهُوَ إِيمَان الْمُقَلّد، وَهُوَ صَحِيح، خلافًا للْبَعْض.
وَإِن كَانَ اضطراريا فَهَذَا يفرع على الصُّورَة الأولى، فَإِن حكمنَا هُنَاكَ بالأيمان وَجب أَن نحكم هَهُنَا بالنفاق، وَهُوَ الْقسم الْخَامِس.
السَّادِس: أَن يكون مَعَه السُّكُوت، فَحكمه حكم الْقسم الثَّالِث اضطراريا أَو اختياريا.
السَّابِع: الانكار القلبي، فإمَّا أَن يُوجد مَعَه الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اضطراريا فَهُوَ مُنَافِق، وَإِن كَانَ اختياريا فَهُوَ كفر الْجُحُود والعناد، وَهُوَ أَيْضا قسم من النِّفَاق وَهُوَ الْقسم الثَّامِن.
التَّاسِع: أَن يُوجد الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِنْكَار القلبي، فَهَذَا كَافِر.
الْعَاشِر: القلبي الْخَالِي فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اختياريا يخرج من الْكفْر، وَإِن كَانَ اضطراريا لم يكفر.
الْحَادِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ فَحكمه على الْعَكْس مَعَ حكم الْقسم الْعَاشِر.
الثَّانِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ اللِّسَان الْخَالِي، فَهَذَا إِن كَانَ فِي مهلة النّظر فَذَاك هُوَ الْوَاجِب، وَإِن كَانَ خَارِجا عَن مهلة النّظر وَجب تكفيره، وَلَا يحكم بالنفاق الْبَتَّةَ؛ وَقد ظهر من هَذَا النِّفَاق الَّذِي لَا يُطَابق ظَاهره بَاطِنه، فَافْهَم.



[ قــ :33 ... غــ :33 ]
- حدّثنا سُلَيْمَانُ أبُو الرَّبِيع حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفرٍ قَالَ حدّثنا نَافِعُ بنُ مَالِكِ ابنِ أبِي عامرٍ أبُو سُهَيلٍ عَن أبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آيةُ المنافِق ثَلاَثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذا وَعَدَ أخْلَفَ وَإِذا ائْتُمنَ خانَ.


مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: سُلَيْمَان أَبُو الرّبيع بن دَاوُد الزهْرَانِي الْعَتكِي، سكن بَغْدَاد، سمع من مَالك حَدِيثا، وَسمع فليح بن سُلَيْمَان وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عِنْدهمَا، وَإِسْمَاعِيل بن جُنْدُب عِنْد البُخَارِيّ، وَجَمَاعَة كَثِيرَة عِنْد مُسلم، روى عَن البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم، وروى النَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ،.

     وَقَالَ : ثِقَة.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة.
توفّي بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير الْأنْصَارِيّ، أَبُو إِبْرَاهِيم الزرقي، مَوْلَاهُم الْمدنِي، قارىء أهل الْمَدِينَة، أَخُو مُحَمَّد وَيحيى وَكثير وَيَعْقُوب بني جَعْفَر، سمع أَبَا سُهَيْل نَافِعًا وَعبد الله بن دِينَار وَغَيرهمَا.
قَالَ يحيى: ثِقَة مَأْمُون قَلِيل الْخَطَأ صَدُوق.
.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة وَأحمد وَابْن سعد: ثِقَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ من أهل الْمَدِينَة، قدم بَغْدَاد فَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ.
وَهُوَ صَاحب خمس مائَة حَدِيث الَّتِي سَمعهَا مِنْهُ النَّاس توفّي بِبَغْدَاد سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: أَبُو سُهَيْل نَافِع بن مَالك بن أبي عَامر، وَنَافِع أَخُو أنس وَالربيع وأويس، وهم عمومة مَالك الإِمَام، سمع ابْن مَالك وأباه وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالقَاسِم وَابْن الْمسيب وَغَيرهمَا روى عَنهُ مَالك وَغَيره،.

     وَقَالَ  أَحْمد وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: أَبُو أنس مَالك بن أبي عَامر، جد مَالك الإِمَام، وَالِد أنس وَالربيع وَنَافِع وأويس، حَلِيف عُثْمَان بن عبد الله أخي طَلْحَة التَّيْمِيّ الْقرشِي، سمع طَلْحَة بن عبد الله عِنْدهمَا، وَعَائِشَة عِنْد البُخَارِيّ وَعُثْمَان عِنْد مُسلم فِي الْوضُوء والبيوع.
أما فِي الْوضُوء فَمن طَرِيق وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي أنس عَن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ.
وَأما فِي الْبيُوع فَفِي بابُُ الرِّبَا من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار عَنهُ، فاستدرك الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره الأول، فَقَالَ: خَالف وكيعا أصحابُ الثَّوْريّ والحفاظ حَيْثُ رَوَوْهُ عَن سُفْيَان عَن أبي النَّضر عَن بسر بن سعيد عَن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ الصَّوَاب، وَكَذَا قَالَ الجياني: إِن وكيعاً توهم فِيهِ، فَقَالَ: عَن أبي أنس، إِنَّمَا يرويهِ أَبُو النَّضر عَن بسر بن سعيد عَن عُثْمَان.
.

     وَقَالَ  مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) فِي الحَدِيث الثَّانِي: إِنَّه بلغه عَن جده عَن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ،.

     وَقَالَ  فِي الْإِيمَان فِي حَدِيث طَلْحَة: إِنَّه سمع طَلْحَة بن عبيد الله، فَأتى فِي طَلْحَة بِلَفْظ: سَمِعت، وَكَذَا صرح بِهِ ابْن سعد،.

     وَقَالَ : وَقد روى مَالك بن أبي عَامر عَن عمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَأبي هُرَيْرَة، وَكَانَ ثِقَة، وَله أَحَادِيث صَالِحَة،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سرُور الْمَقْدِسِي: قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سبعين أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة، وَكَذَا حكى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبُو نصر الكلاباذي،.

     وَقَالَ  الْحَافِظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ: كَيفَ يَصح سَمَاعه عَن طَلْحَة مَعَ أَنه توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سبعين واثنتين أَو سبعين؟ فعلى هَذَا يكون مولده سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة، وَلَا خلاف أَن طَلْحَة قتل يَوْم الْجمل سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة والإسناد صَحِيح، أخرجه الْأَئِمَّة وَفِيه أَنه سمع طَلْحَة بن عبيد الله.
قلت: فَلَعَلَّ السّبْعين، صوابها: التسعين، وتصحفت بهَا، وَقد ذكر أَبُو عمر النمري أَنه توفّي سنة مائَة أَو نَحْوهَا، فعلى هَذَا يكون مولده سنة ثَمَان وَعشْرين، وَيُمكن سَمَاعه مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: يشكل أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن سعد من أَنه رأى عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَتُوفِّي عمر، رَضِي الله عَنهُ، لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين، فَكيف يَصح لَهُ رُؤْيَته؟.

     وَقَالَ  ابْن سعد: أخبرنَا يزِيد بن هَارُون، أخبرنَا جرير بن حَازِم عَن عَمه جرير بن زيد عَن مَالك بن أبي عَامر، قَالَ: شهِدت عمر، رَضِي الله عَنهُ، عِنْد الْجَمْرَة وأصابه حجر فدماه، فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه: فَلَمَّا كَانَ من قَابل أُصِيب عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَقد نبه الْحَافِظ الْمزي أَيْضا على هَذَا الْوَهم فِي الْوَفَاة فِي أَنَّهَا سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَة مَعَ السن الْمَذْكُور.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي حَاشِيَة تهذيبه: إِنَّه خطأ لَا شكّ فِيهِ، فَإِنَّهُ قد سمع عمر فَمن بعده، وَنقل فِي أصل تهذيبه عَن وَلَده الرّبيع أَن وَالِده هلك حِين اجْتمع النَّاس على عبد الْملك، قَالَ: يَعْنِي سنة أَربع وَسبعين، وَجزم بِهِ فِي ( الكاشف) وَالله أعلم.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، رَضِي الله عَنهُ، وَقد مر ذكره.

بَيَان الْأَنْسَاب: الزهْرَانِي: نِسْبَة إِلَى زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نضر بن الأزد، وَهُوَ قبيل عَظِيم فِيهِ بطُون وأفخاذ.
والعتكي: فِي الأزد ينْسب إِلَى العتيك بن الْأسد بن عمرَان بن عَمْرو بن عَامر بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد، وَفِي قضاعة ولخم أَيْضا.
والزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء بعْدهَا الْقَاف؛ فِي الْأَنْصَار وَفِي طي.
فَالَّذِي فِي الْأَنْصَار: زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج، وَالَّذِي فِي طي: زُرَيْق بطن بن عبد بن خُزَيْمَة بن زُهَيْر بن ثَعْلَبَة بن سلامان بن ثقل بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طي.
والتيمي: فِي قبائل، فَفِي قُرَيْش: تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر، مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله عَنهُ.
وَفِي الربابُُ: تيم بن عبد مَنَاة بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر، وَفِي النمر بن قاسط: تيم الله بن نمر بن قاسط، وَفِي شَيبَان بن ذهيل: تيم بن شَيبَان، وَفِي ربيعَة بن نزار: تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عكابة، وَفِي ضبة: تيم بن ذهل بن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة.
وَفِي قضاعة: تيم الله بن رفيدة بن ثَوْر بن كلب، بطن ينْسب إِلَيْهِ التَّيْمِيّ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده.
مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رِجَاله كلهم مدنيون إلاَّ أَبَا الرّبيع، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن أبي الرّبيع، وَفِي الشَّهَادَات عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْأَدَب عَن ابْن سَلام.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَيحيى بن أَيُّوب كلهم عَن إِسْمَاعِيل بن جعد عَن أبي سُهَيْل عَن أَبِيه.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( آيَة الْمُنَافِق) ، أَي: علامته، وَسميت آيَة الْقُرْآن آيَة لِأَنَّهَا عَلامَة انْقِطَاع كَلَام عَن كَلَام.
فَإِن قلت: مَا وزن آيَة؟ قلت فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: الأول: إِن وَزنهَا: فعلة، أَصْلهَا: أيية، قلبت الْيَاء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل.
الثَّانِي: إِن وَزنهَا: فعلة، أَصْلهَا: اية، بِالتَّشْدِيدِ، قلب أول المضاعفين ألفا كَمَا قلبت يَاء فِي: إِيمَاء، وَهُوَ مَذْهَب الْفراء.
الثَّالِث: إِن وَزنهَا: فاعلة، وَأَصلهَا: آيية، فنقصت، وَهُوَ مَذْهَب الْكسَائي، وَاعْترض عَلَيْهِ الْفراء بِأَنَّهَا قد صغرت أيية، وَلَو كَانَ أَصْلهَا آيية لقيل: آوية، فَأجَاب الْكسَائي بِأَنَّهَا صغرت تَصْغِير التَّرْخِيم كفطيمة فِي فَاطِمَة، وَاعْترض إِنَّمَا ذَلِك يجْرِي فِي الْأَعْلَام.
الرَّابِع: إِن وَزنهَا فعلة، وَأَصلهَا ايية، وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وَالْأَصْل أوية بِالتَّحْرِيكِ.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مَوضِع الْعين من الْآيَة وَاو، لِأَن مَا كَانَ مَوضِع الْعين واوا وَاللَّام يَاء أَكثر مِمَّا مَوضِع الْعين وَاللَّام يَا آن، مثل: شويت، أَكثر من: حييت، وَتَكون النِّسْبَة إِلَيْهِ: أووى،.

     وَقَالَ  الْفراء: هِيَ من الْفِعْل فاعلة، وَإِنَّمَا ذهبت مِنْهُ اللَّام وَلَو جَاءَت تَامَّة لجاءت: آيية، وَلكنهَا خففت، وَجمع الْآيَة، آي وآيات.
انْتهى.
قلت: الْمَشْهُور أَن عينهَا يَاء، وَزنهَا فاعة، لِأَن الأَصْل آيية، فحذفوا الْيَاء الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ لَام، ثمَّ فتحُوا الْيَاء الَّتِي هِيَ عين لأجل تَاء التَّأْنِيث، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ أيي.
فَافْهَم.
قَوْله: ( كذب) الْكَذِب هُوَ الْإِخْبَار على خلاف الْوَاقِع، وَعَن ابْن عَرَفَة: الْكَذِب هُوَ الِانْصِرَاف عَن الْحق، وَفِي ( الْكَشَّاف) : الْكَذِب الْإِخْبَار بالشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِ.
وَفِي ( الْمُحكم) : الْكَذِب نقيض الصدْق، كذب يكذب كذبا وكذبة وكذبة هَاتَانِ عَن اللحياني، وكذابا وَرجل كَاذِب وَكَذَّاب وتكذاب وكذوب وكذوبة وكذبان وكيذبان وكيذبان وكذبذب قَالَ ابْن جنى: أما كذبذب خَفِيف، وكذبذب ثقيل فهاتان لم يحكهما سِيبَوَيْهٍ، وَالْأُنْثَى: كَاذِبَة وكذابة وكذوب، وَكذب الرجل: أخبر بِالْكَذِبِ.
وَفِي نَوَادِر أبي مسحل: قد كَانَ ذَلِك وَلَا كذبا لَك وَلَا تَكْذِيب وَلَا كذبان وَلَا مكذبة وَلَا كذب وَمَعْنَاهُ: لَا أرد عَلَيْك، وَلَا أكذبك وَفِي ( الْمُنْتَهى) لأبي الْمعَانِي: فَهُوَ كذيب وكذبة مثل همزَة، وَالْكذب: جمع كَاذِب مثل: رَاكِع ورُكع، وَالْكذب جمع كذوب، مثل: صبور وصبر، وقرىء { وَلم تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب} ( النَّحْل: 116) جعله نعتا للألسنة، والأكذوبة الْكَذِب، والأكاذيب الأباطيل من الحَدِيث، وأكذبت الرجل ألفيته كَاذِبًا، وأكذبته إِذا أخْبرته أَنه جَاءَ بِالْكَذِبِ، وكذبته إِذا أخْبرته أَنه كَاذِب.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: أكذبته وكذبته بِمَعْنى: حَملته على الْكَذِب أَو وجدته كَاذِبًا.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: أكذبته أظهرت كذبه، وكذبته قلت لَهُ كذبت، والتكاذب نقيض التصادق، وَفِي ( الْجَامِع) : كذب يكذب كذبا، مكسور الْكَاف سَاكن الذَّال، والكذاب، مخفف جمع كَاذِب.
وَفِي ( الصِّحَاح) فَهُوَ كَاذِب ومكذبان ومكذبانة، وَفِي ( الْعبابُ) كذب، يكذب كذبا وكذبا وكذوبة وكاذبة ومكذوبة، زَاد ابْن الْأَعرَابِي: مكذبة وكذبانا، مثل عنوان، وكذبى مثل بشرى، وَيُقَال: كذب كذابا وَيُقَال كذب كذابا، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد، أَي: متناهيا.
وَقَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله عَنهُ: { وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا} ( النبأ: 28) وَيكون صفة على الْمُبَالغَة: كوضاء وَحسان، وَرجل تكذاب وتصداق، أَي: يكذب وَيصدق.
قَوْله: ( وَإِذا وعد) قَالَ ابْن سَيّده: وعده الْأَمر وَبِه عدَّة، ووعدا، وموعودا وموعدةً وموعدا وموعودة، وَهُوَ من المصادر الَّتِي جَاءَت على: مفعول ومفعولة، وَقد تواعد الْقَوْم واتعدوا، وواعده الْوَقْت والموضع، وواعده فوعده، وَقد أوعده وتوعد، قَالَ الْفراء: يُقَال: وعدته خيرا ووعدته شرابًا بِإِسْقَاط الْألف.
فَإِذا أسقطوا الْخَيْر وَالشَّر قَالُوا فِي الْخَيْر: وعدته، وَفِي الشَّرّ: أوعدته، وَفِي الْخَيْر الْوَعْد وَالْعدة، وَفِي الشَّرّ الإيعاد والوعيد.
فَإِذا قَالُوا: أوعدته بِالشَّرِّ، أثبتوا الْألف مَعَ الْيَاء.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: أوعدته خيرا وَهُوَ نَادِر.
وَفِي ( الصِّحَاح) : تواعد الْقَوْم أَي وعد بَعضهم بَعْضًا، وَهَذَا فِي الْخَيْر.
وَأما فِي الشَّرّ فَيُقَال: اتعدوا والإيعاد أَيْضا قبُول الْوَعْد، وناس يَقُولُونَ: أيتعد يأتعد فَهُوَ مؤتعد بِالْهَمْزَةِ، قَالَ ابْن الْبري: وَالصَّوَاب ترك الْهمزَة، وَكَذَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وَجَمِيع النُّحَاة.
قلت: الْوَعْد فِي الِاصْطِلَاح الْإِخْبَار بإيصال الْخَيْر فِي الْمُسْتَقْبل، والإخلاف جعل الْوَعْد خلافًا.
وَقيل: هُوَ عدم الْوَفَاء بِهِ.
قَوْله: ( وَإِذا اؤتمن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من الائتمان، وَهُوَ جعل الشَّخْص أَمينا، وَفِي بعض الرِّوَايَات بتَشْديد التَّاء.
وَهُوَ بقلب الْهمزَة الثَّانِيَة مِنْهُ واواً أَو إِبْدَال الْوَاو يَاء وإدغام الْيَاء فِي التَّاء.
قَوْله: ( خَان) ، من الْخِيَانَة وَهُوَ التَّصَرُّف فِي الْأَمَانَة على خلاف الشَّرْع،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هُوَ أَن يؤتمن الْإِنْسَان فَلَا ينصح، يُقَال: خانه خونا وخيانة وخانة ومخانة واختانه، وَرجل خائن وخائنة وخون وخوان، الْجمع: خانة وخونة، والأخيرة شَاذَّة، وخوان، وَقد خانه الْعَهْد وَالْأَمَانَة، وَفِي ( التَّهْذِيب) للأزهري: رجل خَائِنَة إِذا بولغ فِي وَصفه بالخيانة، وَفِي ( الْجَامِع) للقزاز: خَان فلَان فلَانا يخونه من الْخِيَانَة، واصله من النَّقْص.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( آيَة الْمُنَافِق) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ، و ( ثَلَاث) خَبره، فَإِن قلت: الْمُبْتَدَأ مُفْرد، وَالثَّلَاث جمع، والتطابق شَرط.
وَالْقِيَاس: آيَات الْمُنَافِق ثَلَاث.
قلت: لَا نسلم أَن الثَّلَاث جمع، بل هُوَ اسْم جمع وَلَفظه مُفْرد، على أَن التَّقْدِير: آيَة الْمُنَافِق مَعْدُودَة بِالثلَاثِ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِفْرَاد الْآيَة إِمَّا على إِرَادَة الْجِنْس، أَو أَن الْعَلامَة إِنَّمَا تحصل باجتماع الثَّلَاث.
قلت: كَيفَ يُرَاد الْجِنْس وَالتَّاء تمنع ذَلِك، لِأَنَّهَا التَّاء فِيهَا كالتاء فِي تَمْرَة، فالآية والآي كالتمرة وَالتَّمْر، وَقَوله: أَو أَن الْعَلامَة إِنَّمَا تحصل باجتماع الثَّلَاث، يشْعر أَنه إِذا وجد فِيهِ وَاحِد من الثَّلَاث لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمُنَافِق، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمُنَافِق، غير أَنه إِذا وجد فِيهِ الثَّلَاث كلهَا يكون منافقا كَامِلا، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْآتِي عَن قريب، على أَن هَذَا الْقَائِل أَخذ مَا قَالَه من قَول الْكرْمَانِي، وَالْكل مَدْخُول فِيهِ.
قَوْله: ( إِذا حدث) ، كلمة إِذا، ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشَّرْط، وَيخْتَص بِالدُّخُولِ على الْجُمْلَة الفعلية.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْجمل الشّرطِيَّة بَيَان لثلاث، أَو بدل، لَكِن لَا يَصح أَن يُقَال: الْآيَة إِذا حدث كذب، فَمَا وَجهه؟ قلت: مَعْنَاهُ آيَة الْمُنَافِق كذبه عِنْد تحديثه، وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى: { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم وَمن دخله كَانَ آمنا} ( آل عمرَان: 97) على أحد التوجيهات.
قلت: تَقْرِير كَلَامه أَنه جعل قَوْله: إِذا حدث كذب، بَيَانا لثلاث، وَلذَلِك قدره بقوله: آيَة الْمُنَافِق كذبه عِنْد تحديثه، كَمَا قدر نَحوه فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن دخله كَانَ آمنا} ( آل عمرَان: 97) فَإِن تَقْدِيره: آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم وَأمن من دخله.
فَإِن قلت: كَيفَ يَصح بَيَان الْجمع بالاثنين؟ .
قلت: إِن الْإِثْنَيْنِ نوع من الْجمع أَو يكون الثَّالِث مطويا.
وَقَوله: لَكِن لَا يَصح أَن يُقَال الْآيَة إِذا حدث كذب، أَرَادَ: أَن الْبَدَل لَا يَصح لكَون الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السُّقُوط، فَيكون التَّقْدِير الْآيَة إِذا حدث كذب، وَلَكِن قَوْله: لَا يَصح غير صَحِيح، إِمَّا أَولا: فَلِأَن كَون الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السُّقُوط لَيْسَ على الْإِطْلَاق، وَإِمَّا ثَانِيًا: فَلِأَن تَقْدِيره بقوله الْآيَة: إِذا حدث كذب لَيْسَ بِتَقْدِير صَحِيح، بل التَّقْدِير على تَقْدِير الْبَدَل: آيَة الْمُنَافِق وَقت تحديثه بِالْكَذِبِ، وَوقت إخلافه بالوعد، وَوقت خيانته بالأمانة.
والمبدل مِنْهُ هُوَ لفظ: ثَلَاث، لَا لفظ: الْمُنَافِق.
فَافْهَم.

بَيَان الْمعَانِي: فِيهِ ذكر: إِذا فِي الْجمل الثَّلَاث الدَّالَّة على تحقق الْوُقُوع، تَنْبِيها على أَن هَذِه عَادَة الْمُنَافِق.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: كلمة إِذا تَقْتَضِي تكْرَار الْفِعْل، وَفِيه نظر.
وَفِيه: حذف المفاعيل الثَّلَاثَة من الْأَفْعَال الثَّلَاثَة تَنْبِيها على الْعُمُوم.
وَفِيه: عطف الْخَاص على الْعَام، لِأَن الْوَعْد نوع من التحديث، وَكَانَ دَاخِلا فِي قَوْله: ( إِذا حدث) ، وَلكنه أفرده بِالذكر مَعْطُوفًا تَنْبِيها على زِيَادَة قبحه على سَبِيل الادعاء، كَمَا فِي عطف جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، على الْمَلَائِكَة مَعَ كَونه دَاخِلا فيهم، تَنْبِيها على زِيَادَة شرفه.
لَا يُقَال: الْخَاص إِذا عطف على الْعَام لَا يخرج من تَحت الْعَام فَحِينَئِذٍ تكون الْآيَة اثْنَتَيْنِ لَا ثَلَاثًا، لأَنا نقُول: لَازم الْوَعْد الَّذِي هُوَ الإخلاف الَّذِي قد يكون فعلا، ولازم التحديث الَّذِي هُوَ الْكَذِب الَّذِي لَا يكون فعلا متغايران، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ الملزومان متغايرين فَافْهَم.
وَفِيه: الْحصْر بِالْعدَدِ، فَإِن قلت: يُعَارضهُ الحَدِيث الآخر الَّذِي فِيهِ لفظ أَربع! قلت: لَا يُعَارضهُ أصلا، لِأَن معنى قَوْله: ( وَإِذا عَاهَدَ غدر) .
معنى قَوْله: ( وَإِذا اؤتمن خَان) ، لِأَن الْغدر خِيَانَة فِيمَا اؤتمن عَلَيْهِ من عَهده.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ من ثَلَاث خِصَال كَمَا فِي الحَدِيث الأول، أَو: أَربع خِصَال، كَمَا فِي الحَدِيث الآخر، لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد قد يكون لَهُ عَلَامَات كل وَاحِدَة مِنْهَا يحصل بهَا صفة، قد تكون تِلْكَ الْعَلامَة شَيْئا وَاحِدًا، وَقد تكون أَشْيَاء وروى أَبُو أُمَامَة مَوْقُوفا: ( وَإِذا غنم غل، وَإِذا أُمر عصى، وَإِذا لَقِي جبن) .
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لَا مُنَافَاة، لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد قد يكون لَهُ عَلَامَات، فَتَارَة يذكر بَعْضهَا، وَأُخْرَى جَمِيعهَا أَو أَكْثَرهَا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، استجد لَهُ من الْعلم بخصالهم مَا لم يكن عِنْده.
قلت: الأولى أَن يُقَال: إِن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على الزَّائِد والناقص،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين تعَارض لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عد الْخصْلَة كَونهَا عَلامَة، على أَن فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَا يدل على عدم إِرَادَة الْحصْر، فَإِن لَفظه: ( من عَلامَة الْمُنَافِق ثَلَاث) .
وَكَذَا أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله عَنهُ.
وَإِذا حمل اللَّفْظ الأول على هَذَا لم يرد السُّؤَال، فَيكون قد أخبر بِبَعْض العلامات فِي وَقت، وببعضها فِي وَقت آخر.
قلت: وَلَا فرق بَين الْخصْلَة والعلامة، لِأَن كلا مِنْهُمَا يسْتَدلّ بِهِ على الشَّيْء، وَكَيف يَنْفِي هَذَا الْقَائِل الْمُلَازمَة الظَّاهِرَة وَقَوله: على أَن فِي رِوَايَة مُسلم إِلَخ لَيْسَ بِجَوَاب طائل؟ بل الْمُعَارضَة ظَاهِرَة بَين الرِّوَايَتَيْنِ، وَدفعهَا بِمَا ذَكرْنَاهُ وَحمل اللَّفْظ الأول على هَذَا لَا يَصح من جِهَة التَّرْكِيب، فَافْهَم.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: استنبط من هَذِه العلامات الثَّلَاث صفة الْمُنَافِق وَجه الانحصار على الثَّلَاث، هُوَ: التَّنْبِيه على فَسَاد القَوْل وَالْفِعْل وَالنِّيَّة.
فبقوله: ( إِذا حدث كذب) نبه على فَسَاد القَوْل، وَبِقَوْلِهِ: ( إِذا اؤتمن خَان) نبه على فَسَاد الْفِعْل، وَبِقَوْلِهِ: ( إِذا وعد أخلف) نبه على فَسَاد النِّيَّة، لِأَن خلف الْوَعْد لَا يقْدَح إلاَّ إِذا عزم عَلَيْهِ مُقَارنًا بوعده، أما إِذا كَانَ عَازِمًا ثمَّ عرض لَهُ مَانع أَو بدا لَهُ رَأْي فَهَذَا لم تُوجد فِيهِ صفة النِّفَاق، وَيشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ فِي حَدِيث طَوِيل من حَدِيث سلمَان، رَضِي الله عَنهُ: ( إِذا وعد وَهُوَ يحدث نَفسه أَنه يخلف) .
وَكَذَا قَالَ فِي بَاقِي الْخِصَال.
.

     وَقَالَ  الْعلمَاء: يسْتَحبّ الْوَفَاء بالوعد بِالْهبةِ وَغَيرهَا اسْتِحْبابُُا مؤكدا، وَيكرهُ إخلافه كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، وَيسْتَحب أَن يعقب الْوَعْد بِالْمَشِيئَةِ ليخرج عَن صُورَة الْكَذِب، وَيسْتَحب إخلاف الْوَعيد إِذا كَانَ التوعد بِهِ جَائِزا، وَلَا يَتَرَتَّب على تَركه مفْسدَة.
وَاعْلَم أَن جمَاعَة من الْعلمَاء عدوا هَذَا الحَدِيث من المشكلات من حَيْثُ أَن هَذِه الْخِصَال قد تُوجد فِي الْمُسلم الْمُصدق بِقَلْبِه وَلسَانه، مَعَ أَن الْإِجْمَاع حَاصِل أَنه لَا يحكم بِكُفْرِهِ، وَلَا بِنفَاق يَجعله فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار.
قلت: ذكرُوا فِيهِ أوجها.
الأول: مَا قَالَه النَّوَوِيّ: لَيْسَ فِي الحَدِيث إِشْكَال؛ إِذْ مَعْنَاهُ أَن هَذِه الْخِصَال نفاق، وصاحبها شَبيه بالمنافق فِي هَذِه، ومتخلق بأخلاقهم، إِذْ النِّفَاق إِظْهَار مَا يبطن خِلَافه، وهوموجود فِي صَاحب هَذِه الْخِصَال، وَيكون نفَاقه خَاصّا فِي حق من حَدثهُ ووعده وائتمنه، لَا أَنه مُنَافِق فِي الْإِسْلَام مبطن للكفر.
الثَّانِي: مَا قَالَه بَعضهم: هَذَا فِيمَن كَانَت هَذِه الْخِصَال غالبة عَلَيْهِ، وَأما من نذر ذَلِك مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلا فِيهِ.
الثَّالِث: مَا قَالَه الْخطابِيّ: هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحذير من اعْتَادَ هَذِه الْخِصَال خوفًا أَن يُفْضِي بِهِ إِلَى النِّفَاق، دون من وَقعت نادرة مِنْهُ من غير اخْتِيَار أَو اعتياد، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: ( التَّاجِر فَاجر، وَأكْثر منافقي أمتِي قراؤها) .
وَمَعْنَاهُ التحذير من الْكَذِب، إِذْ هُوَ فِي معنى الْفُجُور، فَلَا يُوجب أَن يكون التُّجَّار كلهم فجارا، أَو الْقُرَّاء قد يكون من بَعضهم قلَّة إخلاص للْعَمَل وَبَعض الرِّيَاء، وَهُوَ لَا يُوجب أَن يَكُونُوا كلهم منافقين.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: والنفاق ضَرْبَان.
أَحدهمَا: أَن يظْهر صَاحبه الدّين وَهُوَ مبطن للكفر، وَعَلِيهِ كَانُوا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالْآخر: ترك الْمُحَافظَة على أُمُور الدّين سرا ومراعاتها علنا، وَهَذَا أَيْضا يُسمى نفَاقًا، كَمَا جَاءَ: ( سبابُ الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر) .
وَإِنَّمَا هُوَ كفر دون كفر، وَفسق دون فسق، كَذَلِك هُوَ نفاق دون نفاق.
الرَّابِع: مَا قَالَه بَعضهم: ورد الحَدِيث فِي رجل بِعَيْنِه مُنَافِق، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يواجههم بِصَرِيح القَوْل، فَيَقُول: فلَان مُنَافِق، بل يُشِير إِشَارَة كَقَوْلِه، عَلَيْهِ السَّلَام: ( مَا بَال أَقوام يَفْعَلُونَ كَذَا) ؟ فههنا أَشَارَ بِالْآيَةِ إِلَيْهِ حَتَّى يعرف ذَلِك الشَّخْص بهَا.
الْخَامِس: مَا قَالَه بَعضهم: المُرَاد بِهِ المُنَافِقُونَ الَّذين كَانُوا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدثوا بِأَنَّهُم آمنُوا فكذبوا، واؤتمنوا على دينهم فخانوا، ووعدوه فِي نصْرَة الدّين فاخلفوا.
قَالَ القَاضِي: وَإِلَيْهِ مَال كثير من أَئِمَّتنَا، وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح فِي تَفْسِير الحَدِيث، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير، رَضِي الله عَنْهُم.
وَرووا فِي ذَلِك حَدِيثا: ( يرْوى أَن رجلا قَالَ لعطاء: سَمِعت الْحسن يَقُول: من كَانَ فِيهِ ثَلَاث خِصَال لم أتحرج أَن أَقُول إِنَّه مُنَافِق: من إِذا حدث كذب، وَإِذا وعد أخلف، وَإِذا اؤتمن خَان) .
فَقَالَ عَطاء: إِذا رجعت إِلَى الْحسن فَقل لَهُ: إِن عَطاء يقرؤك السَّلَام، وَيَقُول لَك: أذكر إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام.
وَاعْلَم أَنه لن يخلق أهل اللإسلام أَن يكون فيهم الْخِيَانَة وَالْخلف.
وَنحن نرجو أَن يعيذهم الله من النِّفَاق، وَمَا اسْتَقر اسْم النِّفَاق قطّ إلاَّ فِي قلب جَاحد، وَقد قَالَ الله فِي حق الْمُنَافِقين { ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا} ( المُنَافِقُونَ: 3) فَذكر زَوَال الْإِسْلَام عَن قُلُوبهم، وَنحن نرجوا أَن لَا يَزُول عَن قُلُوب الْمُؤمنِينَ، فَأخْبر الْحسن، فَقَالَ: جَزَاك الله خيرا، ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: إِذا سَمِعْتُمْ مني حَدِيثا فحدثتم بِهِ الْعلمَاء فَمَا كَانَ غير صَوَاب فَردُّوا على جَوَابه.
وَرُوِيَ أَن سعيد بن جُبَير أهمه هَذَا الحَدِيث، فَسَأَلَهُ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم، فَقَالَا: أهمنا من ذَلِك يَا ابْن أخي مثل الَّذِي أهمك، فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَضَحِك النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام،.

     وَقَالَ : مالكم ولهن، إِنَّمَا خصصت بِهِ الْمُنَافِقين.
أما قولي: إِذا حدث كذب، فَذَلِك فِيمَا أنزل الله تَعَالَى عَليّ: { إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} ( المُنَافِقُونَ: 1) الْآيَة، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَلَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء.
وَأما قولي: إِذا وعد أخلف، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} ( التَّوْبَة: 75) الْآيَات الثَّلَاث، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: لَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء.
وَأما قولي: إِذا اؤتمن خَان، فَذَلِك فِيمَا أنزل الله تَعَالَى عَليّ: { إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال} ( الْأَحْزَاب: 72) الْآيَة فَكل إِنْسَان مؤتمن على دينه يغْتَسل من الْجَنَابَة وَيُصلي ويصوم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَالْمُنَافِق لَا يفعل ذَلِك إِلَّا فِي الْعَلَانِيَة، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: لَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء.
السَّادِس: مَا قَالَه حُذَيْفَة: ذهب النِّفَاق، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق على عهد رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه الْكفْر بعد الْإِيمَان، فَإِن الْإِسْلَام شاع وتوالد النَّاس عَلَيْهِ، فَمن نَافق بِأَن أظهر الْإِسْلَام وأبطن خِلَافه فَهُوَ مُرْتَد.
السَّابِع: مَا قَالَه القَاضِي: إِن المُرَاد التَّشْبِيه بأحوال الْمُنَافِقين فِي هَذِه الْخِصَال، فِي إِظْهَار خلاف مَا يبطنون، لَا فِي نفاق الْإِسْلَام الْعَام، وَيكون نفَاقه على من حَدثهمْ وَوَعدهمْ وائتمنه وخاصمه وعاهده من النَّاس.
الثَّامِن: مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ: إِن المُرَاد بالنفاق نفاق الْعَمَل، وَاسْتدلَّ بقول عمر لِحُذَيْفَة، رَضِي الله عَنْهُمَا.
هَل تعلم فيَّ شَيْئا من النِّفَاق؟ فَإِنَّهُ لم يرد بذلك نفاق الْكفْر، وَإِنَّمَا أَرَادَ نفاق الْعَمَل.
قلت: الْألف وَاللَّام فِي: النِّفَاق، لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون للْجِنْس، أَو للْعهد فَإِن كَانَت للْجِنْس يكون على سَبِيل التَّشْبِيه والتمثيل لَا على الْحَقِيقَة، وَإِن كَانَت للْعهد يكون من مُنَافِق خَاص بِعَيْنِه، أَو من الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا فِي زَمَنه، عَلَيْهِ السَّلَام، على مَا ذكرنَا.





[ قــ :34 ... غــ :34 ]
- حدّثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ قَالَ حدّثنا سُفْيانُ عنِ عبدِ اللَّهِ عَن الأعْمَشِ بنِ مُرَّةَ عَن مَسْرُوقٍ عَن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍ وأنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيه كَانَ مُنَافِقا خَالِصا ومَنْ كَانَتْ فيهِ خَصْلَةٌ مِن النِّفاقِ حتَّى يَدَعَهَا إِذا ائْتُمِنَ خانَ وَإِذا حدَّثَ كَذَبَ وَإِذا عاهَدَ غَدَرَ وَإِذا خاصَمَ فَجَرَ.

الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين ظَاهِرَة، وكلك مناسبته للتَّرْجَمَة.

بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: قبيصَة، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة، ابْن عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، ابْن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن عقبَة بن ربيعَة بن جُنْدُب بن بَيَان بن حبيب أبي سواءة بن عَامر بن صعصعة أَبُو عَامر، السوَائِي الْكُوفِي، أَخُو سُفْيَان بن عقبَة، روى عَن: مسعر وَالثَّوْري وَشعْبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَغَيرهم، روى عَنهُ: أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن يحيى الذهلي وَالْبُخَارِيّ، وروى مُسلم حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْجَنَائِز عَن ابْن أبي شيبَة عَنهُ عَن الثَّوْريّ.
وروى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ قلت: هُوَ يحيى بن بشر يروي عَن قبيصَة، وَكَذَا روى البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن يحيى بن بشر عَنهُ، وَكَانَ من الصَّالِحين، وَهُوَ مُخْتَلف فِي توثيقه وجرحه، واحتجاج البُخَارِيّ بِهِ فِي غير مَوضِع كَاف.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: ثِقَة فِي كل شَيْء إلاَّ فِي حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ لَيْسَ بذلك الْقوي،.

     وَقَالَ  يحيى بن آدم: قبيصَة كثير الْغَلَط فِي سُفْيَان، كَأَنَّهُ كَانَ صَغِيرا لم يضْبط، وَأما فِي غير سُفْيَان فَهُوَ ثِقَة رجل صَالح، وَعَن قبيصَة أَنه قَالَ: جالست الثَّوْريّ، وَأَنا ابْن سِتّ عشرَة سنة، ثَلَاث سِنِين.
توفّي فِي الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، كَذَا قَالَه قطب الدّين فِي شَرحه.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي شَرحه: سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لقبيصة بن عقبَة عَن ابْن عُيَيْنَة شَيْء.
الثَّانِي: سُفْيَان، بِتَثْلِيث سينه، إِبْنِ سعيد بن مَسْرُوق بن حبيب بن رَافع بن عبد الله بن موهبة ابْن أبي عبد الله بن منقذ بن نضر بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن ملكان بن ثَوْر بن عبد مَنَاة، أَبُو عبد الله الثَّوْريّ الإِمَام الْكَبِير، أحد أَصْحَاب الْمذَاهب السِّتَّة المتبوعة، الْمُتَّفق على جلالة قدره وكثره علومه وصلابه دينه وتوثقه وأمانته، وَهُوَ من تَابع التَّابِعين،.

     وَقَالَ  ابْن عَاصِم: سُفْيَان أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُبَارك: كتبت عَن ألف وَمِائَة وَمَا كتبت عَن أفضل من سُفْيَان.
ولد سنة سبع وَتِسْعين، وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وَمِائَة بِالْبَصْرَةِ متواريا من سلطانها، وَدفن عشَاء، وَكَانَ يُدَلس، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَقد مر ذكره، الرَّابِع: عبد الله بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، الْهَمدَانِي، بِسُكُون الْمِيم، الْكُوفِي التَّابِعِيّ الخارفي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالراء وَالْفَاء، وخارف: هُوَ مَالك بن عبد الله بن كثير بن مَالك بن جشم بن خيوان بن نوف بن هَمدَان، قَالَ يحيى بن معِين وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة، توفّي سنة مائَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَبُو عَائِشَة مَسْرُوق بن الأجدع، بِالْجِيم وبالمهملتين، ابْن مَالك بن أُميَّة بن عبد الله بن مر بن سُلَيْمَان بن الْحَارِث بن سعد بن عبد الله بن ودَاعَة بن عَمْرو بن عَامر، الْهَمدَانِي الْكُوفِي، صلى خلف أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسمع عَمْرو عبد الله بن مَسْعُود وَعَائِشَة وَغَيرهم، وَكَانَ من المخضرمين، اتّفق على جلالته وتوثيقه وإمامته، وَكَانَ أَفرس فَارس بِالْيمن، وَهُوَ ابْن أُخْت معدي كرب، مَاتَ سنة ثَلَاث: وَقيل: اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
السَّادِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَقد مر ذكره.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض، وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم كوفيون إلاَّ الصَّحَابِيّ، وَقد دخل الْكُوفَة أَيْضا.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن قُتَيْبَة عَن جرير عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر عَن عبد الله بن نمير، وَعَن أبي نمير، حَدثنَا أبي، حَدثنَا الْأَعْمَش، وَحدثنَا زُهَيْر، حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (خَالِصا) من: خلص الشَّيْء يخلص، من بابُُ: نصر ينصر، ومصدره خلوصا وخالصة، والخالص أَيْضا الْأَبْيَض من الألوان، وخلص الشَّيْء إِلَيْهِ خلوصا؛ وصل، وخلص الْعظم، بِالْكَسْرِ، يخلص بِالْفَتْح خلصا بِالتَّحْرِيكِ، إِذا تشظى فِي اللَّحْم.
قَوْله: (خصْلَة) أَي خلة، بِفَتْح الْخَاء فيهمَا، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: (حَتَّى يَدعهَا) ، أَي: يَتْرُكهَا.
.
قيل: قد أميت ماضيه، وَقد اسْتعْمل فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا { مَا وَدعك رَبك} (الضُّحَى: 3) بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْله: (عَاهَدَ) من المعاهدة.
وَهِي المحالفة والمواثقة.
قَوْله: (غدر) من الْغدر، وَهُوَ ترك الْوَفَاء.
قَالَ الْجَوْهَرِي: غدر بِهِ فَهُوَ غادر، وغدر أَيْضا، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل هَذَا فِي النداء بالشتم.
وَفِي (الْمُحكم) : غدره وغدر بِهِ يغدر عدرا، وَرجل غادر وغدار وغدور، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى بِغَيْر هَاء، وغدرة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: يُقَال للرجل: يَا غدر، وَيَا مغدر، وَيَا ابْن مغدر، ومغدر، وَالْأُنْثَى: يَا غدار.
لَا يسْتَعْمل إلاَّ فِي النداء، وغذر الرجل غدار وغدرانا، عَن اللحياني، وَلست مِنْهُ على ثِقَة، وَفِي (الْمُجْمل) : الْغدر نقض الْعَهْد وَتَركه، وَيُقَال: أَصله من الغدير.
وَهُوَ المَاء الَّذِي يغادره السَّيْل، أَي: يتْركهُ يُقَال: غادرت الشَّيْء إِذا تركته، فكأنك تركت مَا بَيْنك وَبَينه من الْعَهْد.
وَفِي (شرح الفصيح) لِابْنِ هِشَام السبتي والعماني: غدر فِي الْمَاضِي بِالْكَسْرِ، زَاد الْعمانِي: وغدر بِالْفَتْح أفْصح، وَفِي (شرح الْمُطَرز) : الْعَرَب الفصحاء يَقُولُونَ، كَمَا ذكره ثَعْلَب: غدرت بِالْفَتْح.
وَمِنْهُم من يَقُول: غدرت، بِالْكَسْرِ.
وَفِي (نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي) غدر الرجل، بِكَسْر الدَّال، عَن أَصْحَابه إِذا تخلف.
قَالَ: وَيُقَال مَاتَ إخْوَته وغدر.
وَفِي (شرح الْحَضْرَمِيّ) : غدر يغدر ويغدر، بِالْكَسْرِ وَالضَّم، هُوَ فِي مُسْتَقْبل غدر بِالْكَسْرِ، يغدر بِالْفَتْح، قِيَاسا.
وَفِي كتاب (صعاليك الْعَرَب) للأخفش: غادر وغدار، مثل شَاهد وشهاد.
قَوْله: (خَاصم) من الْمُخَاصمَة، وَهِي المجادلة.
قَوْله: (فجر) من الْفُجُور، وَهُوَ الْميل عَن الْقَصْد، والشق بِمَعْنى: فجر، مَال عَن الْحق.

     وَقَالَ  الْبَاطِل، أَو شقّ ستر الدّيانَة.

بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: (أَربع) ، مُبْتَدأ بِتَقْدِير: أَربع خِصَال، أَو: خِصَال أَربع، لِأَن النكرَة الصرفة لَا تقع مُبْتَدأ، وَخَبره قَوْله: (من كن فِيهِ) فَقَوله: من مَوْصُولَة متضمنة معنى الشَّرْط، وَقَوله: كن فِيهِ، صلتها، وَقَوله (كَانَ منافقا) خبر للمبتدأ الثَّانِي أَعنِي: قَوْله: من، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول كَمَا ذكرنَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون الشّرطِيَّة صفة، يَعْنِي صفة: أَربع، وَإِذا اؤتمن خَان.
الخ خَبره، بِتَقْدِير: أَربع كَذَا هِيَ الْخِيَانَة عِنْد الائتمان إِلَى آخِره.
قلت: هَذَا وَجه بعيد لَا يخفى.
قَوْله: (منافقا) خبر كَانَ، و ((خَالِصا) صفته.
قَوْله: (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُولَة، وَقَوله: (كَانَت فِيهِ خصْلَة) جملَة صلَة لَهَا، وَقَوله: (كَانَت فِيهِ خصْلَة) ، خبر الْمُبْتَدَأ، وَالضَّمِير فِي مِنْهُنَّ، يرجع إِلَى: الْأَرْبَع، قَوْله (حَتَّى) للغاية، و (يَدعهَا) مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة، أَي: حَتَّى أَن يَدعهَا.
قَوْله: (إِذا اؤتمن خَان) إِذا للظرف فِيهِ معنى الشَّرْط و: (خَان) جَوَابه، وَالْبَاقِي كَذَلِك، وَهُوَ ظَاهر.
قَوْله: (كَانَ منافقا) مَعْنَاهُ على مَا تقدم من الْأَوْجه الْمَذْكُورَة، وَوَصفه بالخلوص يشد عضد من قَالَ: المُرَاد بالنفاق الْعَمَل لَا الْإِيمَان، أَو النِّفَاق الْعرفِيّ لَا الشَّرْعِيّ.
لِأَن الخلوص بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين لَا يسْتَلْزم الْكفْر الملقي فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَأما كَونه خَالِصا فِيهِ فَلِأَن الْخِصَال الَّتِي تتمّ بهَا الْمُخَالفَة بَين السِّرّ والعلن لَا يزِيد عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: خَالِصا، مَعْنَاهُ خَالِصا من هَذِه الْخلال الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث فَقَط لَا فِي غَيرهَا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أَي شَدِيد الشّبَه بالمنافقين بِهَذِهِ الْخِصَال.
.

     وَقَالَ  أَيْضا فِي شَرحه للصحيح: حصل من الْحَدِيثين أَن خِصَال الْمُنَافِقين خَمْسَة،.

     وَقَالَ  فِي شرح مُسلم: (وَإِذا عَاهَدَ غدر) .
هُوَ دَاخل فِي قَوْله: (إِذا اؤتمن خَان) .
يَعْنِي: أَرْبَعَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَو اعْتبرنَا هَذَا الدُّخُول فالخمس رَاجِعَة إِلَى الثَّلَاث، فَتَأمل.
وَالْحق أَنَّهَا خَمْسَة مُتَغَايِرَة عرفا، وَبِاعْتِبَار تغاير الْأَوْصَاف واللوازم أَيْضا، وَوجه الْحصْر فِيهَا أَن إِظْهَار خلاف الْبَاطِن، أما فِي الماليات وَهُوَ: إِذا اؤتمن، وَأما فِي غَيرهَا، فَهُوَ إِمَّا فِي حَالَة الكدورة فَهُوَ إِذا خَاصم، وَإِمَّا فِي حَالَة الصفاء فَهُوَ إِمَّا مُؤَكدَة بِالْيَمِينِ فَهُوَ إِذا عَاهَدَ، أَو لَا فَهُوَ إِمَّا بِالنّظرِ إِلَى الْمُسْتَقْبل فَهُوَ إِذا وعد، وَإِمَّا بِالنّظرِ إِلَى الْحَال فَهُوَ إِذا حدث.
قلت: الْحق بِالنّظرِ إِلَى الْحَقِيقَة ثَلَاث، وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر خمْسا، لِأَن قَوْله: (إِذا عَاهَدَ غدر) دَاخل فِي قَوْله: (إِذا اؤتمن خَان) .
وَقَوله: (وَإِذا خَاصم فجر) ، ينْدَرج فِي الْكَذِب فِي الحَدِيث، وَوجه الْحصْر فِي الثَّلَاث قد ذَكرْنَاهُ.
تَابَعَهُ شُعْبَةُ عنِ الأعمَشِ
أَي: تَابع سُفْيَان الثَّوْريّ شُعْبَة بن الْحجَّاج فِي رِوَايَته هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، وأوصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْمَظَالِم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذِه الْمُتَابَعَة هِيَ الْمُتَابَعَة الْمقيدَة لَا الْمُطلقَة، حَيْثُ قَالَ: الْأَعْمَش، والناقصة لَا التَّامَّة حَيْثُ ذكر الْمُتَابَعَة من وسط الْإِسْنَاد لَا من أَوله.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِنَّمَا أوردهَا البُخَارِيّ على طَرِيق الْمُتَابَعَة لَا الْأَصَالَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَيْسَ ذكره فِي هَذَا الْموضع على طَرِيق الْمُتَابَعَة لمُخَالفَة هَذَا الحَدِيث مَا تقدم لفظا وَمعنى من جِهَات، كالاختلاف فِي: ثَلَاث وَأَرْبع، وكزيادة لفظ: خَالِصا.
قلت: أَرَادَ البُخَارِيّ بالمتابعة هُنَا كَون الحَدِيث مرويا من طرق أُخْرَى عَن الثَّوْريّ، مِنْهَا رِوَايَة شُعْبَة عَن الثَّوْريّ، نبه على ذَلِك هَهُنَا، وَإِن كَانَ قد رَوَاهَا فِي كتاب الْمَظَالِم، وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْوِيّ فِي (صَحِيح مُسلم) وَغَيره من طرق أُخْرَى عَن الثَّوْريّ، وَكَلَام الْكرْمَانِي يُشِير إِلَى أَنه فهم أَن المُرَاد بالمتابعة مُتَابعَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك لسماه شَاهدا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأما دَعْوَاهُ أَن بَينهمَا مُخَالفَة فِي الْمَعْنى فَلَيْسَ بِمُسلم، وغايته أَن يكون فِي أَحدهمَا زِيَادَة، وَهِي مَقْبُولَة، لِأَنَّهَا من ثِقَة مُتَيَقن.
قلت: نَفْيه التَّسْلِيم لَيْسَ بِمُسلم، لِأَن الْمُخَالفَة فِي اللَّفْظ ظَاهِرَة لَا تنكر وَلَا تخفى، فَكَأَنَّهُ فهم أَن قَوْله: من جِهَات، كالاختلاف يتَعَلَّق بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يتَعَلَّق بقوله: لفظا.
فَافْهَم.