فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الجهاد من الإيمان

( بابٌُ الْجِهادُ مِنَ الإيمانِ)

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع الأول: قَوْله: ( بابُُ) لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب إِلَّا بِتَقْدِير: هَذَا بابُُ، فَيكون خَبرا مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ.
وَقَوله: ( الْجِهَاد) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: ( من الْإِيمَان) وَلَا يجوز فِيهِ غير الرّفْع.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول هُوَ قيام لَيْلَة الْقدر، وَلَا يحصل ذَلِك، إِلَّا بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة وَترك الِاخْتِلَاط بالأهل والعيال، فَكَذَلِك الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ حَال الْمُجَاهِد الَّذِي لَا يحصل لَهُ الْحَظ من الْجِهَاد، وَلَا يُسمى مُجَاهدًا إلاَّ بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة الزَّائِدَة وَترك الْأَهْل والعيال، وكما أَن الْقَائِم لَيْلَة الْقدر يجْتَهد أَن ينَال رُؤْيَة تِلْكَ اللَّيْلَة ويتحلى بهَا، وإلاَّ فيكتسب أجورا عَظِيمَة، فَكَذَلِك الْمُجَاهِد يجْتَهد أَن ينَال دَرَجَة الشُّهَدَاء ومنزلتهم وإلاَّ فَيرجع بغنيمة وافرة مَعَ اكْتِسَاب اسْم الْغُزَاة، فَهَذَا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة وَإِن كَانَ التَّرْتِيب الوضعي يَقْتَضِي أَن يذكر بابُُ تطوع قيام رَمَضَان عقيب هَذَا الْبابُُ، وَبابُُ صَوْم رَمَضَان عقيب هَذَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل لترتيب الْكتاب وتوسيط الْجِهَاد بَين قيام لَيْلَة الْقدر وَقيام رَمَضَان وصيامه مُنَاسبَة أم لَا؟ قلت: مناسبته تَامَّة وَهِي الْمُشَاركَة فِي كَون كل من الْمَذْكُورَات من أُمُور الْإِيمَان.
وتوسيط الْجِهَاد مشْعر بِأَن النّظر مَقْطُوع عَن غير هَذِه الْمُنَاسبَة.
قلت: يُرِيد بِكَلَامِهِ هَذَا أَن الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا هِيَ اشتراكها فِي كَونهَا من خِصَال الْإِيمَان، مَعَ قطع النّظر عَن طلب الْمُنَاسبَة بَين كل بابَُُيْنِ من الْأَبْوَاب، وَهَذَا كَلَام من يعجز عَن إبداء وَجه الْمُنَاسبَة الْخَاصَّة مَعَ الْمُنَاسبَة الْعَامَّة، وَمَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَا ذكرته، فَافْهَم.
الثَّالِث: معنى قَوْله: ( الْجِهَاد من الْإِيمَان) الْجِهَاد شُعْبَة من شعب الْإِيمَان.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَعبد الْوَاحِد، الشارحان: هَذَا كالأبواب الْمُتَقَدّمَة فِي أَن الْأَعْمَال إِيمَان، لِأَنَّهُ لما كَانَ الْإِيمَان هُوَ الْمخْرج لَهُ فِي سَبيله، كَانَ الْخُرُوج إِيمَانًا تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه، كَمَا قيل للمطر سَمَاء لنزوله من السَّمَاء، وللنبات.
توأ لِأَنَّهُ ينشأ من النوء، وَالْجهَاد الْقِتَال مَعَ الْكفَّار لإعلاء كلمة الله تَعَالَى.



[ قــ :36 ... غــ :36 ]
- حدّثنا حَرَمِيُّ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدّثنا عبدُ الوَاحِدِ قَالَ حدّثنا عُمَارَةُ قَالَ حدّثنا أبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرو بنِ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إلاَّ إيمانٌ بِي وتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَن أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرِ أَو غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَلَوْلاَ أنْ أشُقَّ على أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ وَلوِددْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُم أُحْيا ثمَّ أُقْتَلُ ثمَّ أُحيا ثمَّ أُقتل..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة أَن الْمخْرج للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى لما كَانَ هُوَ كَونه مُؤمنا بِاللَّه ومصدقا برسله، كَانَ خُرُوجه من الْإِيمَان، وَالْجهَاد هُوَ الْخُرُوج فِي سَبِيل الله لِلْقِتَالِ مَعَ أعدائه، وَقد ثَبت أَن الْخُرُوج من الْإِيمَان، فينتج أَن الْجِهَاد من الْإِيمَان.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حرمي، اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة، ابْن حَفْص بن عمر، الْعَتكِي الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وَانْفَرَدَ بِهِ عَن مُسلم، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ.
مَاتَ سنة ثَلَاث، وَقيل: سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: أَبُو بشر عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَيعرف: بالثقفي.
قَالَ يحيى وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث، مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، فِي طبقته عبد الْوَاحِد بن زيد الْبَصْرِيّ أَيْضا لكنه ضَعِيف، وَلم يخرج عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْء.
الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة، ابْن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة، ابْن أخي عبد الله بن شبْرمَة الْكُوفِي الضَّبِّيّ، روى عَنهُ الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَغَيرهمَا، قَالَ يحيى، ثِقَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي، وَاخْتلف فِي اسْمه وأشهرها: هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبيد الله بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، سمع جده وَأَبا هُرَيْرَة وَغَيرهمَا، قَالَ يحيى: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان الْأَنْسَاب: الْعَتكِي: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، فِي الأزد: ينْسب إِلَى العتيك بن الْأسد بن عمرَان بن عَمْرو بن عَامر بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد، وَفِي قضاعة: عتِيك بطن.
الْقَسْمَلِي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم، فِي الأزد: ينْسب إِلَى قسملة، وَهُوَ: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن دوس،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: قسملي فِي الأزد وهم القسامل، سموا بذلك لجمالهم،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: الْقَسْمَلِي نِسْبَة إِلَى القساملة، قَبيلَة من الأزد نزلت الْبَصْرَة فنسبت الْمحلة إِلَيْهِم أَيْضا، وَهَذَا مَنْسُوب إِلَى الْقَبِيلَة، وَفِي شرح النَّوَوِيّ على قِطْعَة من البُخَارِيّ: أَن الْقَسْمَلِي، بِكَسْر الْقَاف وَالْمِيم، وَكَأَنَّهُ سبق قلم، وَالصَّوَاب فتحهما؛ والعبدي: نِسْبَة إِلَى عبد الْقَيْس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار، وَفِي قُرَيْش: عبد بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر، وَفِي تَمِيم: ينْسب إِلَى عبد الله بن دارم.
وَفِي قضاعة: إِلَى عبد الله بن الْخِيَار

وَفِي هَمدَان إِلَى عبد الله بن عليان.
والثقفي: نِسْبَة إِلَى ثَقِيف، وَهُوَ قسي بن مُنَبّه بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن حَفْصَة بن قيس بن غيلَان.
والضبي، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر، وَفِي قُرَيْش: ضبة بن الْحَارِث ابْن فهر، وَفِي هُذَيْل: ضبة بن عَمْرو بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل.
والبجلي بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم: نِسْبَة إِلَى بجيلة بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة بن مَالك بن مذْحج.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا وَهُوَ أعظمها: أَنه خَال عَن العنعنة وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ التحديث وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَمِنْهَا: أَن فيهم إسما على صُورَة النِّسْبَة، وَرُبمَا يَظُنّهُ من لَا إِلْمَام لَهُ بِالْحَدِيثِ أَنه نِسْبَة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن زُهَيْر عَن جرير، وَعَن أبي بكر وَأبي كريب عَن ابْن فُضَيْل عَن عمَارَة بِهِ.
وَفِي لفظ مُسلم: ( يضمن الله) ، وَفِي بَعْضهَا: ( تكفل الله) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: ( توكل الله) وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ: وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ: ( انتدب الله لمن يخرج فِي سَبيله لَا يُخرجهُ إلاَّ الْإِيمَان بِي وَالْجهَاد فِي سبيلي أَنه ضَامِن حَتَّى أدخلهُ الْجنَّة بِأَيِّهِمَا كَانَ: إِمَّا بقتل أَو وفادة، أَو أرده إِلَى مَسْكَنه الَّذِي يخرج مِنْهُ، نَالَ مَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة) .

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( انتدب الله) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، من قَوْلهم: نَدبه لأمر فَانْتدبَ لَهُ، أَي: دَعَاهُ لَهُ فَأجَاب، فَكَأَن الله تَعَالَى جعل جِهَاد الْعباد فِي سَبِيل الله سؤالاً، وَدُعَاء لَهُ إِيَّاه.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) فِي فصل النُّون مَعَ الدَّال قَوْله: ( انتدب الله لمن جَاهد فِي سَبيله) أَي: سارع بثوابه وَحسن جَزَائِهِ، وَقيل: أجَاب، وَقيل: تكفل،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أوجب وتفضل أَي: حقق واحكم أَي: ينجز ذَلِك لمن أخْلص قلت: كَأَنَّهُ يُرِيد مَا وعده، بقوله تَعَالَى: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} ( التَّوْبَة: 111) الْآيَة، وَذكره أَيْضا فِي ( الْمطَالع) فِي فصل الْهمزَة مَعَ الدَّال من مَادَّة أدب، فَقَالَ قَوْله: ( ائتدب الله لمن خرج فِي سَبيله) .
كَذَا للقابسي بِهَمْزَة، وَمَعْنَاهُ: أجَاب من دَعَاهُ، من المأدبة، يُقَال: أدب الْقَوْم يأدبهم ويأدبهم أدبا إِذا دعاهم.
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: انتدب، بالنُّون، وَأَهْمَلَهُ الْأصيلِيّ وَلم يُقَيِّدهُ، وَمَعْنَاهُ قريب من الأول، كَأَنَّهُ أجَاب رغبته.
يُقَال: ندبته فَانْتدبَ أَي دَعوته فَأجَاب، وَمِنْه فِي حَدِيث الخَنْدَق: فَانْتدبَ الزبير، رَضِي الله عَنهُ، وَذكره الصغاني أَيْضا فِي بابُُ النُّون مَعَ الدَّال.

     وَقَالَ : وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( انتدب الله) الحَدِيث، فَمَعْنَاه: أَجَابَهُ إِلَى غفرانه.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: رَوَاهُ الْقَابِسِيّ: ائتدب، بِهَمْزَة صورتهَا يَاء من: المأدبة، يُقَال: أدب الْقَوْم مخففا، إِذا دعاهم، وَمِنْه: ( الْقُرْآن مأدبة الله فِي الأَرْض) .
قلت: قَالَ الصغاني: الْأَدَب الدُّعَاء إِلَى الطَّعَام، يُقَال أدبهم يأدبهم بِكَسْر الدَّال، وَاسم الطَّعَام عَن أبي زيد: المأدبة والمأدبة، يَعْنِي بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا، ثمَّ قَالَ: وَأما المأدبة، بِالْفَتْح، فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ: ( إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته) فَلَيْسَتْ من الطَّعَام فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هِيَ مفعلة من الْأَدَب بِالتَّحْرِيكِ، انْتهى.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا: ايتدب، بياء تَحْتَانِيَّة مَهْمُوزَة بدل النُّون من المأدبة وَهُوَ تَصْحِيف، وَقد وجههوه بتكلف، لَكِن إِطْلَاق الروَاة على خِلَافه.
قلت: لم يقل أحد من الشُّرَّاح ولامن رُوَاة الْكتاب إِن هَذَا تَصْحِيف، وَلَا أطبقت الروَاة على خِلَافه، وَقد رَأَيْت مَا قَالَت الْمَشَايِخ فِيهِ وَالدَّعْوَى بِلَا برهَان لَا تقبل.
قَوْله: ( أَن أرجعه) بِفَتْح الْهمزَة من رَجَعَ، وَقد جَاءَ مُتَعَدِّيا ولازما، فمصدر الأول الرجع، ومصدر الثَّانِي الرُّجُوع، وَهَهُنَا مُتَعَدٍّ نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة} ( التَّوْبَة: 83) وَفِي ( الْعبابُ) : رَجَعَ بِنَفسِهِ يرجع رُجُوعا ومرجعا ورجعي، قَالَ الله تَعَالَى: {ثمَّ إِلَى ربكُم مرجعكم} ( الْأَنْعَام: 164، الزمر: 7) وَهُوَ شَاذ لِأَن المصادر من: فعل يفعل، إِنَّمَا تكون بِالْفَتْح.
.

     وَقَالَ  الله تَعَالَى: {إِن إِلَى رَبك الرجعى} ( العلق: 8) ورجعته عَن الشَّيْء وَإِلَى الشَّيْء رجعا: رَددته.
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر} ( الطارق: 8) أَي: على إِعَادَته حَيا بعد مَوته وبلاه، لِأَنَّهُ المبدىء المعيد.
.

     وَقَالَ  تَعَالَى: {يرجع بَعضهم إِلَى بعض القَوْل} ( سبأ: 31) أَي: يتلاومون.
قَوْله: ( بِمَا نَالَ) .
أَي: بِمَا أصَاب من النّيل، وَهُوَ الْعَطاء.
قَوْله: ( خلف سَرِيَّة) خلف هَهُنَا بِمَعْنى بعد، والسرية: هِيَ قِطْعَة من الْجَيْش، يُقَال: خير السَّرَايَا أَربع مائَة رجل.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( انتدب) فعل مَاض، وَلَفْظَة: الله، فَاعله، وَقَوله ( لمن خرج) يتَعَلَّق بانتدب، وَمن، مَوْصُولَة.
وَخرج، جملَة صلتها، وَفِي سَبيله، يتَعَلَّق بِهِ، وَالضَّمِير فِي سَبيله، يرجع إِلَى الله.
قَوْله: ( لَا يُخرجهُ) جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَهُوَ الضَّمِير، وموضعها نصب على الْحَال، وَقد علم أَن الْمُضَارع إِذا وَقع حَالا وَكَانَ منفيا يجوز فِيهِ الْوَاو وَتركهَا، نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا يركب، أَو: وَلَا يركب.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَا بُد من التَّأْوِيل وَهُوَ تَقْدِير اسْم فَاعل من القَوْل مَنْصُوب على الْحَال، كَأَنَّهُ قَالَ: انتدب الله لمن خرج فِي سَبيله قَائِلا لَا يُخرجهُ إِلَّا إِيمَان بِي.
قلت: هَذَا لَيْسَ بسديد لِأَنَّهُ على تَقْدِيره يلْزم أَن يكون ذُو الْحَال هُوَ الله تَعَالَى، وَيكون قَوْله لَا يُخرجهُ، مقول القَوْل، وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذُو الْحَال هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِي خرج وَأَيْضًا فِيهِ حذف الْحَال وَهُوَ لَا يجوز.
قَوْله: ( إِيمَان) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: لَا يُخرجهُ، وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي: إلاَّ إِيمَانًا، بِالنّصب.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ، وَتَقْدِيره: لَا يُخرجهُ مخرج إِلَّا الْإِيمَان والتصديق.
قَوْله: ( وتصديق برسلي) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو تَصْدِيق، وَفِي بعض النّسخ: ( وتصديق) بِالْوَاو الْوَاصِلَة وَهُوَ ظَاهر.
قلت: لم أَقف على من ذكر هَذَا رِوَايَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: إِذا كَانَ: بِأَو، الفاصلة، فَمَا مَعْنَاهُ إِذْ لَا بُد من الْأَمريْنِ: الْإِيمَان بِاللَّه والتصديق برسل الله؟ قلت: أَو، هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا، أَي: لَا يَخْلُو عَن أَحدهمَا، وَقد يَجْتَمِعَانِ بل يلْزم الِاجْتِمَاع، لِأَن الْإِيمَان بِاللَّه مُسْتَلْزم لتصديق رسله، إِذْ من جملَة الْإِيمَان بِاللَّه الْإِيمَان بأحكامه وأفعاله، وَكَذَا التَّصْدِيق بالرسل يسْتَلْزم الْإِيمَان بِاللَّه، وَهُوَ ظَاهر.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ مِمَّا يدل عَلَيْهِ: أَو، لِأَن الِاجْتِمَاع هَهُنَا لَازم و: أَو، لَا يدل على لُزُوم الِاجْتِمَاع.
قَوْله: ( أَن أرجعه) يتَعَلَّق بقوله: ( انتدب) ، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَأَصلهَا: بِأَن أرجعه، أَي: يرجعه، وَالْبَاء فِي: بِمَا نَالَ، يتَعَلَّق بِهِ، وَمَا، مَوْصُولَة، و: نَالَ، صلتها والعائد مَحْذُوف أَي: بِمَا ناله.
قَوْله: ( من) للْبَيَان، قَوْله: ( أَو غنيمَة) أَو: هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا أَعنِي: أَن اللَّفْظ لَا يَنْفِي اجْتِمَاعهمَا، بل يثبت أَحدهمَا مَعَ جَوَاز ثُبُوت الآخر، فقد يَجْتَمِعَانِ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: مَعْنَاهُ أَن أرجعه بِمَا نَالَ من أجر مُجَرّد وَإِن لم يكن غنيمَة، أَو أجر وغنيمة إِذا كَانَت، فَاكْتفى بِذكر الْأجر أَولا عَن تكراره، أَو أَن: أَو، هَهُنَا بِمَعْنى الْوَاو، كَمَا جَاءَ فِي مُسلم من رِوَايَة يحيى بن يحيى، وَفِي سنَن أبي دَاوُد: من أجر وغنيمة بِغَيْر ألف.
وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} ( النِّسَاء: 11 و 12) مَعْنَاهُ: وَدين، وَقيل: من وَصِيَّة وَدين، أَو دين دون وَصِيَّة.
قَوْله: ( أَو أدخلهُ) بِالنّصب عطفا على قَوْله: ( أَن أرجعه) .
قَوْله: ( لَوْلَا) هِيَ الامتناعية لَا التحضيضية، وَأَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَالتَّقْدِير: لَوْلَا الْمَشَقَّة، وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا بِفعل مَحْذُوف، أَي: لَوْلَا ثَبت أَن أشق، وَقَوله: أشق مَنْصُوب بِهِ.
قَوْله: ( مَا قعدت) جَوَاب لَوْلَا، وَأَصله: لما قعدت، فحذفت اللَّام مِنْهُ.
وَقَوله: ( خلف) نصب على الظَّرْفِيَّة، وَسبب الْمَشَقَّة صعوبة تخلفهم بعده، وَلَا يقدرُونَ على الْمسير مَعَه لضيق حَالهم، وَلَا قدرَة لَهُ على حملهمْ، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي حَدِيث آخر، حَيْثُ قَالَ: ( فَإِنَّهُ يشق عَلَيْهِم التَّخَلُّف بعده، وَلَا تطيب أنفسهم بذلك) .
قَوْله: ( ولوددت) اللَّام للتَّأْكِيد، وَهُوَ عطف على قَوْله: مَا قعدت، وَيجوز أَن تكون اللَّام فِيهِ جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي: وَالله لَوَدِدْت أَي: أَحْبَبْت.
قَوْله: ( أَن أقتل) فِي مَحل النصب على المفعولية، وَأَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: الْقَتْل، والهمزة فِي الْمَوَاضِع الْخَمْسَة مَضْمُومَة.
قَوْله: ( ثمَّ أحيى) أَي: ثمَّ أَن أحيى، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي الْبَوَاقِي.

{بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( إلاَّ إِيمَان بِي وتصديق برسلي) : يُرِيد خلوص نِيَّته لذَلِك، وَفِيه الْتِفَات، وَهُوَ الْعُدُول من الْغَيْبَة، إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم، والسياق كَانَ يَقْتَضِي أَن يَقُول: إِلَّا إِيمَان بِهِ.
قَوْله: ( أَن أرجعه) فِيهِ حذف أَي: إِلَى مَسْكَنه.
قَوْله: ( بِمَا نَالَ) فِيهِ اسْتِعْمَال الْمَاضِي مَوضِع الْمُضَارع لتحَقّق وعد الله تَعَالَى.
قَوْله: ( ثمَّ أحيى) كلمة ثمَّ، وَإِن كَانَت تدل على التَّرَاخِي فِي الزَّمَان، وَلكنهَا هَهُنَا حملت على التَّرَاخِي فِي الرُّتْبَة، لِأَن المتمنى حُصُول مرتبَة بعد مرتبَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الفردوس الْأَعْلَى.

استنباط الْأَحْكَام: فِيهِ: فضل الْجِهَاد وَالشَّهَادَة فِي سَبِيل الله.
وَفِيه: تمني الشَّهَادَة وتعظيم أجرهَا.
وَفِيه: تمني الْخَيْر وَالنِّيَّة فَوق مَا لَا يُطيق الْإِنْسَان وَمَا لَا يُمكنهُ إِذا قدر لَهُ، وَهُوَ أحد التَّأْويلَيْنِ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( نِيَّة الْمُؤمن أبلغ من عمله) وَفِيه: بَيَان شدَّة شَفَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أمته ورأفته بهم.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ طلب الْقَتْل فِي سَبِيل الله.
وَفِيه: جَوَاز قَول الْإِنْسَان: وددت حُصُول كَذَا من الْخَيْر الَّذِي يعلم أَنه لَا يحصل.
وَفِيه: إِذا تعَارض مصلحتان بدىء بأهمهما، وَأَنه يتْرك بعض الْمصَالح لمصْلحَة أرجح مِنْهَا، أَو لخوف مفْسدَة تزيد عَلَيْهَا.
وَفِيه: إِن الْجِهَاد فرض كِفَايَة لَا فرض عين.
وَفِيه: السَّعْي فِي زَوَال الْمَكْرُوه وَالْمَشَقَّة عَن الْمُسلمين.
وَفِيه: إِن من خرج فِي قتال الْبُغَاة وَفِي إِقَامَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَنَحْو ذَلِك يدْخل فِي قَوْله: ( فِي سَبِيل الله) وَإِن كَانَ ظَاهره فِي قتال الْكفَّار.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: جَمِيع الْمُؤمنِينَ يدخلهم الله تَعَالَى الْجنَّة، فَمَا وَجه اختصاصهم بذلك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يدْخلهُ بعد مَوته، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} ( آل عمرَان: 169) وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: الدُّخُول عِنْد دُخُول السَّابِقين والمقربين بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب، وَلَا مُؤَاخذَة بذنوب، وَتَكون الشَّهَادَة مكفرة لَهَا كَمَا رُوِيَ من قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( الْقَتْل فِي سَبِيل الله يكفر كل شَيْء إِلَّا الدّين) .
رَوَاهُ مُسلم.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْمُجَاهِد لَهُ حالتان: الشَّهَادَة والسلامة، فالجنة للحالة الأولى، وَالْأَجْر وَالْغنيمَة للثَّانِيَة وَلَفظه: أَو فِي قَوْله: أَو غنيمَة، تدل على أَن للسالم، إِمَّا الْأجر، وَإِمَّا الْغَنِيمَة لَا كِلَاهُمَا؟ وَأجِيب: بِأَن معنى: أَو، لِامْتِنَاع الْخُلُو عَنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا.
وَمِنْهَا مَا قيل: هَهُنَا حَالَة ثَالِثَة للسالم وَهُوَ: الْأجر بِدُونِ الْغَنِيمَة.
وَأجِيب: بِأَن هَذِه الْحَالة دَاخِلَة تَحت الْحَالة الثَّانِيَة إِذْ هِيَ أَعم من الْأجر فَقَط، أَو مِنْهُ مَعَ الْغَنِيمَة.
وَمِنْهَا مَا قيل: الْأجر ثَابت للشهيد الدَّاخِل فِي الْجنَّة، فَكيف يكون السَّالِم والشهيد مقترنين فِي أَن لأَحَدهمَا الْأجر وَللْآخر الْجنَّة، مَعَ أَن الْجنَّة أَيْضا أجر؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا أجر خَاص، وَالْجنَّة أجر أَعلَى مِنْهُ، فهما متغايران.
أَو أَن الْقسمَيْنِ هما الرجع والإدخال، لَا الْأجر وَالْجنَّة.
وَمعنى الحَدِيث: إِن الله تَعَالَى ضمن أَن الْخَارِج للْجِهَاد ينَال خيرا بِكُل حَال، فإمَّا أَن يستشهد فَيدْخل الْجنَّة، وَإِمَّا أَن يرجع بِأَجْر فَقَط، وَإِمَّا بِأَجْر وغنيمة.
وَمِنْهَا مَا قيل: بِمَاذَا هَذَا الضَّمَان؟ وَأجِيب: بِمَا سبق فِي علمه، وَمَا ذكره فِي كِتَابه بقوله: {إِن الله اشْترى} ( التَّوْبَة: 111) الْآيَة: وَمِنْهَا مَا قيل: لَا مشقة على الْأمة فِي ودادة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن غَايَة مَا فِي الْبابُُ وجود الْمُتَابَعَة فِي الودادة، وَلَيْسَ فِيهَا مشقة.
وَأجِيب: بِأَنا لَا نسلم عدم الْمَشَقَّة، وَلَئِن سلمنَا فَرُبمَا ينجر إِلَى تشييع مودوده، فَيصير سَببا للْمَشَقَّة.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْفِرَار إِنَّمَا هُوَ على حَالَة الْحَيَاة.
فَلم جعل النِّهَايَة هِيَ الْقَتْل؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد هُوَ الشَّهَادَة، فختم الْحَال عَلَيْهَا، أَو أَن الْإِحْيَاء للجزاء وَهُوَ مَعْلُوم شرعا، فَلَا حَاجَة إِلَى ودادته، لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ الْوُقُوع.
فَافْهَم.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْقَوَاعِد تَقْتَضِي أَن لَا يتَمَنَّى الْمعْصِيَة أصلا، لَا لنَفسِهِ وَلَا لغيره، فَكيف تمناه؟ لِأَن حَاصله أَنه تمنى أَن يُمكن فِيهِ كَافِر فيعصى فِيهِ؟ وَأجِيب: بِأَن الْمعْصِيَة لَيست مَقْصُودَة بالتمني، إِنَّمَا المتمنى الْحَالة الرفيعة وَهِي الشَّهَادَة، وَتلك تحصل تبعا.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( بِمَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة) يُعَارضهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيح: ( مَا من غَازِيَة أَو سَرِيَّة تغزو فتغنم وتسلم، إلاَّ كَانُوا قد تعجلوا ثُلثي أجرهم، وَمَا من غَازِيَة أَو سَرِيَّة تخفق فتصاب إِلَّا تمّ أُجُورهم) .
والإخفاق أَن تغزو وَلَا تغتنم شَيْئا وَلَا يَصح أَن ينقص الْغَنِيمَة من أجرهم، كَمَا لم تنقص أهل بدر، وَكَانُوا أفضل الْمُجَاهدين.
وَأجِيب: بأجوبة.
الأول: الطعْن فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِن فِي إِسْنَاده: حميد بن هَانِيء، وَلَيْسَ بالمشهور، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ أخرج لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه،.

     وَقَالَ  يحيى بن سعيد: حدث عَنهُ الْأَئِمَّة، وَأَحَادِيثه كَثِيرَة مُسْتَقِيمَة.
الثَّانِي: إِن الَّذِي يخْفق يزْدَاد بِالْأَجْرِ، والأسف على مَا فاتها من الْمغنم، ويضاعف لَهَا كَمَا يُضَاعف لمن أُصِيب بأَهْله وَمَاله.
الثَّالِث: أَن يحمل الأول على من أخْلص فِي نِيَّته لقَوْله: ( لَا يُخرجهُ إلاَّ جِهَاد فِي سبيلي) وَيحمل الحَدِيث الثَّانِي على من خرج بنية الْجِهَاد والمغنم، فَهَذَا شرك بِمَا يجوز فِيهِ التَّشْرِيك، وانقسمت نِيَّته بَين الْوَجْهَيْنِ فنقص أجره، وَالْأول خَاص فكمل أجره.
وَنفى النَّوَوِيّ التَّعَارُض لِأَن الْغُزَاة إِذا سلمُوا وغنموا تكون أُجُورهم أقل من أجر من لم يسلم، أَو سلم وَلم يغنم، وَأَن الْغَنِيمَة فِي مُقَابلَة جُزْء من أجر غزوهم، فَإِذا حصلت فقد تعجلوا ثُلثي أجرهم.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ، بِمَا نَالَ من أجر وغنيمة، مُطلق لِأَنَّهُ لم يقل فِيهِ: إِن الْغَنِيمَة تنقص الْأجر، والْحَدِيث الثَّانِي مُقَيّد، وَأما استدلالهم بغزوة بدر فَلَيْسَ فِيهِ أَنهم لَو لم يغنموا لَكَانَ أجرهم على قدر أجرهم مَعَ الْغَنِيمَة، وكونهم مغفورا مرضيا عَنْهُم لَا يلْزم مِنْهُم أَن لَا يكون فَوْقه مرتبَة أُخْرَى هِيَ أفضل.