فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: اتباع الجنائز من الإيمان

( بابُُ اتِّبَاعُ الْجَنائِزِ مِنَ الإِيمَان)

أَي: هَذَا بابُُ، وَهُوَ منون، وَيجوز ترك التَّنْوِين بإضافته إِلَى الْجُمْلَة، اعني: قَوْله اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان، فَقَوله: ( اتِّبَاع الْجَنَائِز) كَلَام أضافي مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( من الْإِيمَان) خَبره اي: اتِّبَاع الْجَنَائِز شُعْبَة من شعب الْإِيمَان، وَاتِّبَاع بتَشْديد التَّاء مصدر اتبع من بابُُ الافتعال، والجنائز جمع جَنَازَة، بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة والمكسورة، وَالْكَسْر أفْصح، وَقيل بِالْفَتْح للْمَيت، وبالكسر للنعش، وَعَلِيهِ الْمَيِّت.
وَقيل: عَكسه مُشْتَقَّة من جنز، اذا ستر،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْجِنَازَة، بِالْكَسْرِ، والعامة تَقول بِالْفَتْح، وَالْمعْنَى: للْمَيت على السرير وَإِذا لم يكن عَلَيْهِ الْمَيِّت فَهُوَ سَرِير ونعش، وَفِي ( الْعبابُ) لِابْنِ الْأَعرَابِي: الْجِنَازَة، بِالْكَسْرِ: السرير؛ والجنازة، بِالْفَتْح: الْمَيِّت.
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت وَابْن قُتَيْبَة: يُقَال: الْجِنَازَة والجنازة،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: الْجِنَازَة، بِالْكَسْرِ: الْمَيِّت نَفسه، قَالَ: والعوام يتوهمون أَنه السرير.
.

     وَقَالَ  النَّضر: الْجِنَازَة: السرير مَعَ الرجل جَمِيعًا.
.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: الْجِنَازَة، بِالْكَسْرِ: خشب الشرجع، وَقد جرى فِي أَفْوَاه النَّاس الْجِنَازَة بِالْفَتْح، والنحارير يُنكرُونَ ذَلِك.
.

     وَقَالَ  غَيره: إِذا لم يكن عَلَيْهِ ميت فَهُوَ سَرِير أَو نعش، وكل شَيْء ثقل على قوم واغتموا بِهِ فَهُوَ جَنَازَة.
.

     وَقَالَ  ابْن عباد: الْجِنَازَة، بِالْكَسْرِ: الْمَرِيض، وَطعن فلَان فِي جنَازَته، وَرمى فِي جنَازَته إِذا مَاتَ.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: جنزت الشَّيْء أجنزه جنزاً إِذا سترته، وَزعم قوم أَن مِنْهُ اشتقاق الْجِنَازَة.
قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّته.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث: جنز الشَّيْء إِذا جمع، وَقيل: مِنْهُ اشتقاق الْجِنَازَة، لِأَن الثِّيَاب تجمع على الْمَيِّت.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: إِن النوار لما احتضرت أوصت أَن يُصَلِّي عَلَيْهَا الْحسن الْبَصْرِيّ، فاخبر الْحسن بذلك فَقَالَ: إِذا جنزتموها فآذنوني.
قَالَ: فاسترككنا هَذِه الْكَلِمَة من الْحسن يَوْمئِذٍ، يَعْنِي: التجنيز.
فان قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ؟ قلت: الانسان لَهُ حالتان: حَالَة الْحَيَاة وَحَالَة الْمَمَات، فالمذكور فِي الْبابُُ الأول هُوَ أَرْكَان الدّين الَّتِي يحصل الثَّوَاب بإقامتها بِمُبَاشَرَة الْأَحْيَاء بِدُونِ وَاسِطَة، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ هُوَ الثَّوَاب الَّذِي يحصل بِمُبَاشَرَة الْأَحْيَاء بِوَاسِطَة الْأَمْوَات.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: ختم المُصَنّف التراجم الَّتِي وَقعت لَهُ من شعب الْإِيمَان بِهَذِهِ التَّرْجَمَة، لِأَن ذَلِك آخر أَحْوَال الدُّنْيَا.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَنَّهُ بَقِي من الْأَبْوَاب المترجمة بشعب الْإِيمَان بابُُ: أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان، وَهُوَ مَذْكُور بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب من هَذَا الْبابُُ، وَكَيف يَصح أَن يُقَال ختم بِهَذِهِ التَّرْجَمَة التراجم الْمَذْكُورَة؟ فان قلت: مَا وَجه قَوْله فِي الْبابُُ السَّابِق: بابُُ الزَّكَاة من الْإِسْلَام، وَفِي هَذَا الْبابُُ: بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان؟ قلت: رَاعى الْمُنَاسبَة والمطابقة فيهمَا، فَإِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول لفظ: الاسلام، حَيْثُ قَالَ: ( فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام) وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ لفظ الْإِيمَان، حَيْثُ قَالَ: من اتبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا، فترجم الْبابُُ على لَفْظَة الْإِيمَان.



[ قــ :47 ... غــ :47 ]
- حدّثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ المَنْجُوفِيُّ قَالَ حّدثنا رَوْحٌ قَالَ حدّثنا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ ومُحمَّدٍ عَنْ أَبى هُريْرَةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَاناً واحْتِساباً وكانَ مَعَهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْها وُيفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فانَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطْينِ كُلُّ قيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ ومَنْ صَلَّى علَيْهَا ثُمَّ رجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ فإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، من حَيْثُ أَن مُبَاشرَة الْعَمَل الَّذِي فِيهِ الثَّوَاب قدر قيراطين، والقيراط مثل جبل أحد، شُعْبَة من شعب الْإِيمَان.
وَرَأَيْت من ذكر من الشُّرَّاح وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، قد تعلق بقوله: إِيمَانًا واحتساباً.
وَهَذَا لَا وَجه لَهُ.
فان المُرَاد من معنى الْإِيمَان هَهُنَا مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ، مَعْنَاهُ: مُصدقا بِأَنَّهُ حق وَطَاعَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَفِي قَوْله: واحتساباً مُسْتَوفى فِي بابُُ قيام لَيْلَة الْقدر من الْإِيمَان.

بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: احْمَد بن عبد الله بن عَليّ بن سُوَيْد بن منجوف، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْجِيم وَفِي آخِره فَاء، وَمَعْنَاهُ: الموسع، ونسبته إِلَيْهِ، وكنيته أَبُو بكر السدُوسِي الْبَصْرِيّ، روى عَنهُ البُخَارِيّ وابو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: روح، بِفَتْح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، بن عبَادَة بن الْعَلَاء بن حسان بن عمر بن مرْثَد الْبَصْرِيّ، قَالَ الْخَطِيب: كَانَ كثير الحَدِيث، وصنف الْكتب فِي السّنَن وَالْأَحْكَام وَالتَّفْسِير، وَكَانَ ثِقَة.
قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: نظرت لروح بن عبَادَة فِي أَكثر من مائَة الف حَدِيث، كتبت مِنْهَا عشرَة آلَاف.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ صَدُوق، توفّي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ.
روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: عَوْف، بِالْفَاءِ، ابْن أبي جميلَة بندويه، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالنُّون الساكنة وَالدَّال الْمُهْملَة المضمومة وواو سَاكِنة وياء آخر الْحُرُوف مَفْتُوحَة، وَغلط من قَالَ بِوَزْن: رَاهَوَيْه، وَقيل: اسْمه بنده أَي: العَبْد، يعرف بالأعرابى، وَلم يكن أَعْرَابِيًا، وَإِنَّمَا قيل لفصاحته، الْعَبْدي الهجري الْبَصْرِيّ، سمع جمعا من كبار التَّابِعين مِنْهُم الْحسن، وَعنهُ الْأَعْلَام: الثَّوْريّ وَشعْبَة وَغَيرهمَا، وثقته مجمع عَلَيْهَا، ولد سنة تسع وَخمسين، وَمَات سنة سِتّ وَقيل: سنة سبع واربعين وَمِائَة، وَنسب إِلَى التَّشَيُّع، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقد مر ذكره.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن سِيرِين أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ، مَوْلَاهُم، الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الْجَلِيل، أَخُو أنس ومعبد وَيحيى وَحَفْصَة وكريمة أَوْلَاد سِيرِين، وَسِيرِين مولى أنس من سبي عين التَّمْر، وَإِذا أطلق إِبْنِ سِيرِين فَهُوَ: مُحَمَّد هَذَا، وَهَؤُلَاء السِّتَّة كلهم تابعيون، وَذكر أَبُو عَليّ الْحَافِظ خَالِدا بدل كَرِيمَة، قَالَ: واكبرهم معبد، وأصغرهم حَفْصَة.
قلت: وَفِي أَوْلَاد سِيرِين أَيْضا: عمْرَة وَسَوْدَة.
قَالَ ابْن سعد: أمهَا أم ولد كَانَت لأنس، وَذكر بَعضهم من أَوْلَاده أَيْضا: أشعب، فَهَؤُلَاءِ عشرَة.
كَاتب أنس، رَضِي الله عَنهُ، سِيرِين على عشْرين ألف دِرْهَم، فأداها وَعتق، وَأم مُحَمَّد وأخوته صَفِيَّة مولاة الصّديق، طيبها ثَلَاث من أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَدَعَوْنَ لَهَا وَحضر أملاكها ثَلَاثَة عشر بَدْرِيًّا مِنْهُم: أبي بن كَعْب يَدْعُو وهم يُؤمنُونَ، سمع جمعا من الصَّحَابَة وخلقاً من التَّابِعين، قَالَ هِشَام بن حسان: أدْرك ثَلَاثِينَ صحابياً، ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ أكبر من أَخِيه أنس، وَعنهُ خلق من التَّابِعين: الشّعبِيّ وَقَتَادَة وَأَيوب، مَاتَ سنة عشر وَمِائَة بعد الْحسن بِمِائَة يَوْم، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
السَّادِس: ابو هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون مَا خلا أَبَا هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ.
وَمِنْهَا: أَن البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، قرن فِيهِ بَين الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين لما أسلفنا أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة عِنْد الْجُمْهُور، فقرنه بِمُحَمد بن سِيرِين لِأَنَّهُ سمع مِنْهُ، فالاعتماد عَلَيْهِ، وعَلى قَول من يَقُول: إِن الْحسن سمع مِنْهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا سمعا هَذَا الحَدِيث من أبي هُرَيْرَة مُجْتَمعين، وَإِمَّا ان يَكُونَا سمعا مِنْهُ مفترقين، وَإِنَّمَا أوردهُ البُخَارِيّ كَمَا سمع، وَقد وَقع لَهُ نَظِير هَذَا فِي قصَّة مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ أخرج فِيهَا حَدِيثا من طَرِيق روح بن عبَادَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَأخرج أَيْضا فِي بَدْء الْخلق عَنْهُمَا، عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيثا آخر، واعتماده فِي كل ذَلِك على ابْن سِيرِين، لِأَن الْحسن، وَإِن صَحَّ سَمَاعه عَن أبي هُرَيْرَة، فَإِنَّهُ كثير الْإِرْسَال فَلَا تحمل عنعنته على السماع.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالُوا: لم يَصح سَماع الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، أَقُول: فعلى هَذَا التَّقْدِير يكون لفظ: عَن أبي هُرَيْرَة، مُتَعَلقا بِمُحَمد فَقَط، أَو يكون مُرْسلا.
قلت: قَوْله: أَو يكون مُرْسلا، إِن أَرَادَ بِهِ أَن الحَدِيث يكون مُرْسلا، فَلَا يَصح، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْإِرْسَال من جِهَة الْحسن فَلهُ وَجه على تَقْدِير عدم سَمَاعه من أبي هُرَيْرَة.

بَيَان من أخرجه غَيره: أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْإِيمَان عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سَلام عَن اسحاق الْأَزْرَق، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، كِلَاهُمَا عَن عَوْف عَن مُحَمَّد بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( اتبع) ، بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: تبع، بِدُونِ الْألف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، يُقَال: تبِعت الشَّيْء تبعا وتباعة، بِفَتْح التَّاء، وَتبع وَاتبع وَاتبع وَاحِد، وَقيل: اتبعهُ: لحقه وَمَشى خَلفه، وَاتبعهُ: حذا حذوه.
وَفِي ( الْعبابُ) : تبِعت الْقَوْم بِالْكَسْرِ اتبعهم تبعا وتباعة، بِالْفَتْح: إِذا مشيت خَلفهم، أَو مروا بك فمضيت مَعَهم، وَاتَّبَعت الْقَوْم مثل تبعتهم إِذا كَانُوا قد سبقوك فلحقتهم، وَاتَّبَعت أَيْضا غَيْرِي وَقَوله تَعَالَى: { فاتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده} ( يُونُس: 90) .

     وَقَالَ  ابْن عَرَفَة: أَي لحقهم أَو كَاد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فَاتبعهُ الشَّيْطَان} ( الْأَعْرَاف: 175) اي: لحقه،.

     وَقَالَ  الْفراء: يُقَال تبعه وَاتبعهُ.
لحقه والحقه، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { فَأتبعهُ شهَاب ثاقب} ( الصافات: 10) وَقَوله تَعَالَى: { فَاتبع سَببا} ( الْكَهْف: 85) و { فَاتبع سَببا} ( الْكَهْف: 85) بِقطع الْهمزَة فِي قِرَاءَة أهل الشَّام والكوفة، كل ذَلِك: لحق.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي فِي قَوْله تَعَالَى: { فاتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده} ( يُونُس: 90) أَرَادَ: اتبعهم إيَّاهُم.
قَوْله: ( ايماناً واحتساباً) قد مر الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي قيام لَيْلَة الْقدر.
قَوْله: ( يرجع) ، من الرُّجُوع لَا من الرجع.
قَوْله: ( قِيرَاط) ، أَصله: قراط، بتَشْديد الرَّاء بِدَلِيل جمعه على قراريط، فأبدل من إِحْدَى الرائين يَاء، كَمَا فِي الدِّينَار أَصله: دنار، بِدَلِيل جمعه على دَنَانِير، والقيراط فِي اللُّغَة: نصف دانق.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: قيل: القيراط جُزْء من أَجزَاء الدِّينَار، وَهُوَ نصف عشرَة فِي أَكثر الْبِلَاد، وَأهل الشَّام يجعلونه جزأ من أَرْبَعَة وَعشْرين جزأ، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ بعض الشَّيْء، وَفِي ( الْعبابُ) : وزن القيراط يخْتَلف باخْتلَاف الْبِلَاد، فَهُوَ عِنْد أهل مَكَّة: ربع سدس الدِّينَار، وَعند أهل الْعرَاق: نصف عشر الدِّينَار.
انْتهى.
وَعند الْفُقَهَاء: القيراط جُزْء من عشْرين جزأ من الدِّينَار، وكل قِيرَاط ثَلَاث حبات، فَيكون الدِّينَار سِتِّينَ حَبَّة، وكل حَبَّة أَربع أرزات، فَيكون مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين أرزة.
وَيُقَال: القيراط طسوجتان، والطسوجة حبتان، والحبة شعيرتان، والشعيرة ذرتان، والذرة فتيلتان.
وَقد أَرَادَ الشَّارِع من القيراط هَهُنَا قدر جبل أحد، وَالْمَقْصُود أَن القيراط: مِقْدَار من الثَّوَاب مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى وَهَذَا الحَدِيث يدل على عظم مِقْدَاره فِي هَذَا الْمَوْضُوع، وَلَا يلْزم من هَذَا أَن يكون هَذَا هُوَ القيراط الْمَذْكُور فِيمَن اقتنى كَلْبا إلاَّ كلب صيد أَو زرع أَو مَاشِيَة نقص من أجره كل يَوْم قِيرَاط.
بل يجوز أَن يكون أقل مِنْهُ أَو أَكثر.
قلت: بل الظَّاهِر أَن القيراط فِي الْأجر اعظم من القيراط الْمَذْكُور فِي نقص الْأجر، لِأَنَّهُ من قبيل الْمَطْلُوب تَركه.
وَالْأول من قبيل الْمَطْلُوب فعله، وَهُوَ الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَحُضُور دَفنهَا، وَقد رَأينَا عَادَة الشَّرْع تَعْظِيم الْحَسَنَات وتضعيفها دون السَّيِّئَات، كرماً مِنْهُ تَعَالَى وَرَحْمَة، ولطفاً.
وَالْحَاصِل أَن القيراط: اسْم لمقدار من الثَّوَاب يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير، وَبَين فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مثل أحد، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: القيراط أعظم من أحد.
ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ.
وفى رِوَايَة للْحَاكِم من حَدِيث أبي بن كَعْب مَرْفُوعا: ( وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَهو فِي الْمِيزَان أثقل من أحد) .
وَفِي اسناده: الْحجَّاج بن ارطأة، وَفِيه مقَال.
وَفِي السّنَن الصِّحَاح المأثورة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: ( من أُوذِنَ بِجنَازَة فَأتى أَهلهَا فعزاهم كتب الله لَهُ قيراطاً، فان شيعها كتب الله لَهُ قيراطين، فَإِن صلى عَلَيْهَا كتب الله لَهُ ثَلَاثَة قراريط، فَإِن شهد دَفنهَا كتب الله لَهُ أَرْبَعَة قراريط، القيراط مثل أحد) .
قَوْله: ( مثل أحد) بِضَمَّتَيْنِ: وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي بِجنب الْمَدِينَة على نَحْو ميلين مِنْهَا، وَهُوَ فِي شمال الْمَدِينَة، وَسمي بِهَذَا الإسم لتوحده وانقطاعه عَن جبال أُخْرَى هُنَالك.
وَفِي الحَدِيث من طَرِيق أبي عِيسَى بن جبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أحد يحبنا ونحبه، وَهُوَ على بابُُ الْجنَّة.
قَالَ: وعير يبغضنا ونبغضه، وَهُوَ على بابُُ من أَبْوَاب النَّار)
.
قَالَ السُّهيْلي: وَفِي أحد قبر هَارُون، عَلَيْهِ السَّلَام، أخي مُوسَى الكليم، وَفِيه قُبض، وثمة واراه مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَا قد مرا بِأحد حاجين أَو معتمرين.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( وَمُحَمّد) بِالْجَرِّ، عطف على الْحسن.
قَوْله: ( من اتبع) كلمة: من، مَوْصُولَة تَتَضَمَّن معنى الشَّرْط، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، و: اتبع، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل: ( وجنازة مُسلم) كَلَام إضافي مَفْعُوله، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول.
قَوْله: ( إِيمَانًا واحتسابا) منصوبان على الْحَال بِمَعْنى: مُؤمنا ومحتسباً، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي بابُُ: تطوع قيام رَمَضَان من الْإِيمَان.
قَوْله: ( وَكَانَ مَعَه) أَي: مَعَ الْمُسلم، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَكَانَ مَعهَا، أَي مَعَ الْجِنَازَة، وَهَذِه الْجُمْلَة عطف على قَوْله: اتبع.
قَوْله: ( حَتَّى يُصلي عَلَيْهَا) على صِيغَة الْمَعْلُوم، بِكَسْر اللَّام، وَالضَّمِير فِي: يُصَلِّي، يرجع إِلَى: من، وَفِي: عَلَيْهَا، إِلَى: الْجِنَازَة.
ويروى بِفَتْح اللَّام على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله: عَلَيْهَا، مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ ( ويفرغ من دَفنهَا) على الْوَجْهَيْنِ، و: حَتَّى، هَذِه للغاية، وَأَن الناصبة بعْدهَا مضمرة، وَقَوله: يُصَلِّي ويفرغ، منصوبان بهَا.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي قَوْله: من، وَإِنَّمَا دخلت الْفَاء لتَضَمّنه معنى الشَّرْط، كَمَا ذكرنَا.
وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة، فَإِن قلت: مَا مَحل قَوْله: من الْأجر؟ قلت: حَال من قَوْله: ( بقيراطين) ، وَفِي الْحَقِيقَة هِيَ صفة وَلكنهَا لما قدمت صَارَت حَالا.
وَالْبَاء فِي: بقيراطين، تتَعَلَّق بقوله: يرجع.
قَوْله: ( كل قِيرَاط) كَلَام إضافي مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( مثل أحد) أَيْضا كَلَام إضافي خَبره.
وَاحِد منصرف لِأَنَّهُ علم الْمُذكر.
قَوْله: ( وَمن صلى) مثل قَوْله: ( من اتبع جَنَازَة مُسلم) .
وَقَوله: ( ثمَّ رَجَعَ) عطف على: صلى.
قَوْله: ( قبل ان تدفن) نصب على الظّرْف، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: قبل الدّفن.
وَقَوله: ( فانه) خبر الْمُبْتَدَأ، كَمَا فِي الأول.
قَوْله: ( من الاجر) حَال من قَوْله: ( بقيراط) .

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين) حُصُول القيراطن هَهُنَا مُقَيّد بِثَلَاثَة أَشْيَاء.
الأول: الِاتِّبَاع، وَالثَّانِي: الصَّلَاة عَلَيْهِ.
وَالثَّالِث: حُضُور الدّفن.
فَإِن قلت: لَو اتبع حَتَّى دفنت وَلم يصل عَلَيْهَا هَل لَهُ القيراطان؟ قلت: لَا، إِذْ المُرَاد أَن يُصَلِّي هُوَ أَيْضا، جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ وحملاً للمطلق على الْمُقَيد.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: اعْلَم أَن الصَّلَاة يحصل بهَا قِيرَاط إِذا انْفَرَدت، فَإِن انْضَمَّ إِلَيْهَا الِاتِّبَاع حَتَّى الْفَرَاغ حصل لَهُ قِيرَاط ثَان، فَلِمَنْ صلى وَحضر الدّفن القيراطان، وَلمن اقْتصر على الصَّلَاة قِيرَاط وَاحِد، وَلَا يُقَال: يحصل بِالصَّلَاةِ مَعَ الدّفن ثَلَاثَة قراريط، كَمَا يتوهمه بَعضهم من ظَاهر بعض الْأَحَادِيث، وَلِأَن هَذَا النَّوْع صَرِيح، والْحَدِيث الْمُطلق والمحتمل مَحْمُول عَلَيْهِ، وَأما الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا: ( من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان) فَمَعْنَاه: فَلهُ تَمام قيراطين بالمجموع.
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: { ائنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الارض فى يَوْمَيْنِ} ( فصلت: 9) إِلَى قَوْله: { فى اربعة أَيَّام} ( فصلت: 10) ثمَّ قَالَ: { فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ} قَالَ: وَأما الدّفن فَفِيهِ وَجْهَان: الصَّحِيح: أَنه تَسْوِيَة الْقَبْر بالتمام، وَالثَّانِي: انه نصب اللَّبن عَلَيْهِ، وان لم يهل عَلَيْهِ التُّرَاب.
قَالَ: ثمَّ فِي الحَدِيث تَنْبِيه على مَسْأَلَة أُخْرَى، وَهُوَ: ان القيراط الثَّانِي مُقَيّد بِمن اتبعها، وَكَانَ مَعهَا فى جميح الطَّرِيق حَتَّى تدفن، فَلَو صلى وَذهب إِلَى الْقَبْر وَحده، وَمكث حَتَّى جَاءَت الْجِنَازَة وَحضر الدّفن لم يحصل لَهُ القيراط الثَّانِي، وَكَذَا لَو حضر الدّفن وَلم يصل، أَو اتبعها وَلم يصل فَلَيْسَ فِي الحَدِيث حُصُول القيراط لَهُ، وَإِنَّمَا حصل القيراط لمن تبعها بعد الصَّلَاة، لكنه لَهُ أجر فِي الْجُمْلَة، وَعَن أَشهب: أَنه كره اتِّبَاع الْجِنَازَة وَالرُّجُوع قبل الصَّلَاة، وَحكى ابْن عبد الحكم عَن مَالك: أَنه لَا ينْصَرف بعد الدّفن إلاَّ بِالْإِذْنِ وَإِطْلَاق هَذَا الحَدِيث وَغَيره يُخَالِفهُ.

استنباط الاحكام: الاول: فِيهِ الْحَث على الصَّلَاة على الْمَيِّت وَاتِّبَاع جنَازَته وَحُضُور دَفنه،.

     وَقَالَ  أَبُو الزِّنَاد: حض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على التواصل فِي الْحَيَاة بقوله: ( صل من قَطعك وَأعْطِ من حَرمك) .
( وَلَا تقاطعوا وَلَا تدابروا) وعَلى التواصل بعد الْمَوْت بِالصَّلَاةِ والتشييع إِلَى الْقَبْر وَالدُّعَاء لَهُ.
الثَّانِي: فِيهِ أَن الثَّوَاب الْمَذْكُور إِنَّمَا يحصل لمن تبعها إِيمَانًا واحتساباً، فَإِن حُضُورهَا على ثَلَاثَة أَقسَام: احتسابا ومكافأة ومخافة.
والاول: هُوَ الَّذِي يجازى عَلَيْهِ الْأجر ويحط الْوزر، وَالثَّانِي: لَا يعد ذَلِك فِي حَقه.
وَالثَّالِث: الله اعْلَم بِمَا فِيهِ.
الثَّالِث: فِيهِ وجوب الصَّلَاة على الْمَيِّت وَدَفنه وَهُوَ إِجْمَاع.
الرَّابِع: فِيهِ الحض على الِاجْتِمَاع لَهما والتنبيه على عظم ثوابهما، وَهِي مِمَّا خصت بِهِ هَذِه الامة.
الْخَامِس: فِيهِ حجَّة ظَاهِرَة للحنفية فِي ان الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل من الْمَشْي أمامها، بِظَاهِر قَوْله: ( من اتبع) ، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا.
وَقَول عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ: وَذهب قوم إِلَى التَّوسعَة فِي ذَلِك وأنهما سَوَاء، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي مُصعب من أَصْحَاب مَالك.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقد تمسك بِهَذَا اللَّفْظ من زعم أَن الْمَشْي خلفهَا أفضل، وَلَا حجَّة فِيهِ، لِأَنَّهُ يُقَال: تبعه إِذا مَشى خَلفه، أَو إِذا مر بِهِ فَمشى مَعَه، وَكَذَلِكَ: اتبعهُ بِالتَّشْدِيدِ.
قلت: هَذَا الْقَائِل نفى حجَّة هَؤُلَاءِ بِمَا هُوَ حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فسر لفظ تبع بمعنيين: أَحدهمَا: حجَّة لمن زعم أَن الْمَشْي خلفهَا أفضل، وَالْآخر: لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ حجَّة لخصمه.
فَافْهَم.
ثمَّ الرّكُوب وَرَاء الْجِنَازَة لَا بَأْس بِهِ، وَالْمَشْي أفضل.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: لَا فرق عندنَا بَين الرَّاكِب والماشي، يَعْنِي فِي الْمَشْي أمامها خلافًا للثوري حَيْثُ قَالَ: إِن الرَّاكِب يكون خلفهَا، وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند، وَكَأَنَّهُ قلد الْخطابِيّ، فَإِنَّهُ كَذَا ادّعى، وَفِيه حَدِيث صَححهُ الْحَاكِم على شَرط البُخَارِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة،.

     وَقَالَ  بِهِ من الْمَالِكِيَّة أَيْضا ابو مُصعب.

سُؤال: لم كَانَ الْجَزَاء بالقيراط دون غَيره؟ الْجَواب: إِنَّه أقل مُقَابل عَادَة.
آخر: لِمَ خص بِأحد؟ الْجَواب: لِأَنَّهُ أعظم جبال الْمَدِينَة، والشارع كَانَ يُحِبهُ، وَهُوَ أَيْضا يُحِبهُ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

تابَعَهُ عُثْمانُ المُؤَذِّنُ قَالَ حدّثنا عَوْفٌ عَنْ مُحمَّدٍ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَهُ.
اى تَابع روحاً عُثْمَان بن الْهَيْثَم فِي الرِّوَايَة عَن عَوْف الْأَعرَابِي وَعُثْمَان، هَذَا أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ يروي عَنهُ فِي مَوَاضِع بِلَا وَاسِطَة، وَفِي بعض الْمَوَاضِع عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَنهُ، وَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي ثمَّ البُخَارِيّ، رَضِي الله عَنهُ، إِن كَانَ سمع هَذَا الحَدِيث من عُثْمَان هَذَا فَهُوَ لَهُ أَعلَى بِدَرَجَة.
لِأَنَّهُ من رِوَايَته رباعي، وَمن رِوَايَة المنجوفي خماسي، فَإِن قلت: فَلِمَ ذكر رِوَايَة عُثْمَان؟ قلت: لَان رِوَايَة المنجوفي مَوْصُولَة وَهِي اشد إتقانا من رِوَايَة عُثْمَان.
فان قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك، فَمَا الْحَاجة إِلَى ذكر مُتَابعَة عُثْمَان؟ قلت: لأجل التَّنْبِيه بروايته على أَن الِاعْتِمَاد فِي هَذَا السَّنَد على مُحَمَّد بن سِيرِين لِأَن عوفاً رُبمَا كَانَ ذكره، وَرُبمَا كَانَ حذفه مرّة، فَأثْبت الْحسن.
ومتابعة عُثْمَان هَذِه وَصلهَا ابو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) قَالَ: حَدثنَا ابو اسحاق بن حَمْزَة، ثَنَا ابو طَالب بن أبي عوَانَة، ثَنَا سُلَيْمَان بن سيف، ثَنَا عُثْمَان بن الْهَيْثَم فَذكر الحَدِيث، وَلَفظه مُوَافق لرِوَايَة روح بن عبَادَة إلاّ فِي قَوْله: وَكَانَ مَعهَا.
قَالَ بدلهَا: فلزمها.
وَفِي قَوْله: ويفرغ من دَفنهَا، فَإِنَّهُ قَالَ بدلهَا: ويدفن،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: قِيرَاط بدل قَوْله: فَإِنَّهُ يرجع بقيراط، وَالْبَاقِي سَوَاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فان قلت: إِذا قَالَ البُخَارِيّ عَن فلَان نجزم بِأَنَّهُ سَمعه مِنْهُ عِنْد امكان السماع، فَإِذا قَالَ: تَابعه، لم نجزم بِأَنَّهُ سَمعه مِنْهُ.
قلت: قِيَاس الْمُتَابَعَة على العنعنة يَقْتَضِي ذَلِك، لَكِن صَرَّحُوا فِي العنعنة وَلم يصرحوا فِيهَا.
قَوْله: ( نَحوه) أَي: نَحْو مَا تقدم، وَهُوَ أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( من اتبع جَنَازَة) إِلَى آخِره، ثمَّ عُثْمَان هَذَا هُوَ ابو عَمْرو عُثْمَان بن الْهَيْثَم بن جهم بن عِيسَى بن حسان بن الْمُنْذر الْبَصْرِيّ، الْمُؤَذّن بجامعها.
روى عَن عَوْف الْأَعرَابِي وَابْن جريج وَغَيرهمَا، وروى عَنهُ البُخَارِيّ، وروى هُوَ وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ، توفّي لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من رَجَب سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ.