فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: أي الإسلام أفضل؟

( بابُُ أيُّ الإِسْلاَم أفْضَلُ)

يجوز فِي: بابُُ، التَّنْوِين وَتَركه للإضافة إِلَى مَا بعده، وعَلى كل التَّقْدِير أَي بِالرَّفْع لَا غير، وَفِي الْوَجْهَيْنِ هُوَ: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا بابُُ، وَيجوز التسكين فِيهِ من غير إِعْرَاب، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بالتركيب.
والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهِرَة لِأَن كليهمَا فِي بَيَان وصف خَاص من أَوْصَاف الْمُسلم، وَذكر جُزْء الحَدِيث لأجل التَّبْوِيب.



[ قــ :11 ... غــ :11 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيِّ قالَ حَدثنَا أبِي قالَ حَدثنَا أبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أيُّ الإِسْلاَمِ أفْضَلُ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة، فَإِنَّهُ أَخذ جُزْءا مِنْهُ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ.

( بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول: سعيد بن يحيى بن أبان بن سعيد بن العَاصِي بن أُميَّة بن عبد شمس الْأمَوِي، يكنى بِأبي عُثْمَان، وَهُوَ شيخ الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه، وروى عَنهُ عبد الله بن أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالْبَغوِيّ وَخلق كثير، توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ وَيَعْقُوب بن سُفْيَان: سعيد وَأَبوهُ يحيى ثقتان،.

     وَقَالَ  عَليّ بن الْمَدِينِيّ: هُوَ أثبت من أَبِيه.
.

     وَقَالَ  صَالح بن مُحَمَّد: هُوَ ثِقَة إلاَّ أَنه كَانَ يغلط، والعاصي قتل يَوْم بدر كَافِرًا.
وَأَبَان أَخُوهُ عَمْرو الْأَشْدَق.
الثَّانِي: أَبوهُ يحيى بن سعيد الْمَذْكُور، سمع يحيى الْأنْصَارِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة وَيزِيد وَآخَرين، قَالَ ابْن معِين: هُوَ من أهل الصدْق وَلَيْسَ بِهِ بَأْس.
.

     وَقَالَ  يَعْقُوب بن سُفْيَان: ثِقَة، توفّي سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة بعد أَن بلغ الثَّمَانِينَ، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَيحيى بن سعيد فِي الْكتب السِّتَّة: أَرْبَعَة.
الأول: هَذَا.
وَالثَّانِي: يحيى بن سعيد التَّيْمِيّ.
وَالثَّالِث: يحيى بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ.
وَالرَّابِع: يحيى سعيد بن فروخ الْقطَّان.
الثَّالِث: أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، واسْمه بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْكُوفِي، يروي عَن أَبِيه وجده وَالْحسن وَعَطَاء، وَعنهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره من الْأَعْلَام، وَثَّقَهُ ابْن معِين،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتقن يكْتب حَدِيثه.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: لَيْسَ بذلك الْقوي.
.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد الله: كُوفِي ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة بريد غير هَذَا، وَفِي الْأَرْبَعَة: بريد ابْن أبي مَرْيَم مَالك، وَفِي مُسْند عَليّ النَّسَائِيّ: بريد بن أَصْرَم مَجْهُول.
كَمَا قَالَ البُخَارِيّ.
وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه بريد، وَيشْتَبه بريد بأَرْبعَة أَشْيَاء وهم يزِيد، وبريد، وبزيد، وتريد.
الرَّابِع: أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مثل الأول، وَهُوَ جد أبي بردة بريد، وَافقه فِي كنيته لَا فِي اسْمه، فَإِن اسْم الأول بريد كَمَا قُلْنَا، وَاسم جده هَذَا عَامر.
وَقيل: الْحَارِث.
سمع: أَبَاهُ وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عمر وَابْن سَلام وَعَائِشَة وَغَيرهم، روى عَنهُ: عمر بن عبد الْعَزِيز، وَالشعْبِيّ وَبَنوهُ أَبُو بكر وَعبد الله وَسَعِيد وبلال وَابْن ابْنه بريد بن عبد الله قَالَ أَبُو نعيم: ولّى أَبُو بردة قَضَاء الْكُوفَة بعد شُرَيْح قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي بِالْكُوفَةِ سنة ثَلَاث وَمِائَة.
.

     وَقَالَ  ابْن سعيد:، قيل: إِنَّه توفّي هُوَ وَالشعْبِيّ فِي جُمُعَة.
وَكَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَفِي الصَّحَابَة: أَبُو بردة، سَبْعَة.
مِنْهُم: ابْن نيار البلوي هاني أَو الْحَارِث أَو مَالك، وَفِي الروَاة هُوَ أَبُو بردة بريد الْمَذْكُور.
الْخَامِس: أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس بن سُلَيْمَان، بِضَم السِّين، بن حضار بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَقيل بِكَسْر الْحَاء وَتَخْفِيف الضَّاد، الْأَشْعَرِيّ الصَّحَابِيّ الْكَبِير، اسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على زبيد وعدن وساحل الْيمن، وَاسْتَعْملهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، وَشهد وَفَاة أبي عُبَيْدَة بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، وَقدم دمشق على مُعَاوِيَة.
لَهُ ثلثمِائة وَسِتُّونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على خمسين، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بأَرْبعَة، وَمُسلم بِخَمْسَة عشر.
روى عَنهُ أنس بن مَالك وطارق بن شهَاب وَخلق من التَّابِعين وَبَنوهُ أَبُو بردة وَأَبُو بكر وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى، مَاتَ بِمَكَّة أَو بِالْكُوفَةِ سنة خمس أَو إِحْدَى أَو أَربع وَأَرْبَعين، عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَكَانَ من عُلَمَاء الصَّحَابَة ومفتيهم، وَأَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة أَرْبَعَة: هَذَا، والأنصاري، والغافقي: مَالك بن عبَادَة أَو ابْن عبد الله، وَأَبُو مُوسَى الْحكمِي.
وَفِي الروَاة: أَبُو مُوسَى جمَاعَة، مِنْهُم: فِي سنَن أبي دَاوُد اثْنَان، وَآخر فِي سنَن النَّسَائِيّ.
وَالله أعلم.

( بَيَان الْأَنْسَاب) الْقرشِي: نِسْبَة إِلَى قُرَيْش، وَهُوَ فهر بن مَالك، وَقد ذَكرْنَاهُ.
والأموي، بِضَم الْهمزَة، نِسْبَة إِلَى أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب، وَأُميَّة تَصْغِير: أمة.
وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ: أموي، بِالضَّمِّ، قَالَ ابْن دُرَيْد: وَمن فتحهَا فقد أَخطَأ، وَكَانَ الأَصْل فِيهِ أَن يُقَال: أميي، بِأَرْبَع ياآت، لَكِن حذفت الْيَاء الزَّائِدَة للاستثقال، كَمَا تحذف من سليم وَثَقِيف عِنْد النِّسْبَة، وقلبت الْيَاء الأولى واواً كَرَاهَة اجْتِمَاع الياآت مَعَ الكسرتين.
وَحكى سِيبَوَيْهٍ قَالَ: زعم يُونُس أَن نَاسا من الْعَرَب يَقُولُونَ أميي، فَلَا يغيرون.
وَسَمعنَا من الْعَرَب من يَقُول: أموي بِالْفَتْح، وَأُميَّة أَيْضا بطن من الانصار، وَهُوَ أُميَّة بن زيد بن مَالك، وَفِي قضاعة وَهُوَ: أُميَّة بن عصبَة، وَفِي طَيء وَهُوَ: أُميَّة بن عدي بن كنَانَة، والأشعري: نِسْبَة إِلَى الْأَشْعر، وَهُوَ نبت بن ادد، وَقيل لَهُ: الْأَشْعر، لِأَن أمه وَلدته أشعر، مِنْهُم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَشَاهِير: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ.

( بَيَان لطائف أسناده) : مِنْهَا: أَن إِسْنَاده كلهم كوفيون، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة فَقَط.
وَمِنْهَا: أَنه ذكر فِي سعيد بن يحيى شَيْخه الْقرشِي، وَلم يقل الْأمَوِي، مَعَ كَون الْأمَوِي أشهر فِي نسبته نظرا إِلَى النِّسْبَة الأعمية.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ راويان متفقان فِي الكنية أَحدهمَا: أَبُو بردة بريد، وَالْآخر أَبُو بردة عَامر أَو الْحَارِث، كَمَا ذكرنَا، وَهُوَ شيخ الأول وجده.

( بَيَان من أخرجه غَيره) هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِهِ، وَأخرجه أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي عَن أبي أُسَامَة، عَن أبي بردة.
وَفِيه: ( أَي الْمُسلمين أفضل) ؟ وَأخرجه فِي الْإِيمَان.
وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد.

( بَيَان الْإِعْرَاب) : قَوْله: ( أَي الْإِسْلَام) كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله: أفضل، خَبره و: أَي، هَهُنَا للاستفهام، وَقد علم أَن أقسامه على خَمْسَة أوجه.
شَرط: نَحْو { أياً مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} ( الْإِسْرَاء: 110) ، { أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان على} ( الْقَصَص: 28) وموصول: نَحْو: { لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} ( مَرْيَم: 69) التَّقْدِير: لننزعن الَّذِي هُوَ أَشد.
وَصفَة للنكرة: نَحْو زيد رجل أَي رجل، أَي: كَامِل فِي صِفَات الرِّجَال.
وَحَال للمعرفة: كَقَوْلِك مَرَرْت بِعَبْد الله أَي رجل.
ووصلة مَا فِيهِ: ال، نَحْو: يَا أَيهَا الرجل.
وَالْخَامِس: الِاسْتِفْهَام: نَحْو: { أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} ( التَّوْبَة: 124) .
{ فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} ( الْأَعْرَاف: 185 والمرسلات: 50) .
وَمِنْه الحَدِيث.
فَإِن قيل: شَرط أَن تدخل على مُتَعَدد، وَهَهُنَا دخلت على مُفْرد لِأَن نفس الْإِسْلَام لَا تعدد فِيهِ.
قلت: فِيهِ حذف تَقْدِيره: أَي أَصْحَاب الْإِسْلَام أفضل؟ وَيُؤَيّد هَذَا التَّقْدِير رِوَايَة مُسلم: ( أَي الْمُسلمين أفضل) ؟ وَقد قدر الشَّيْخ قطب الدّين، والكرماني فِي ( شرحيهما) : أَي خِصَال الْإِسْلَام أفضل.
وَهَذَا غير موجه لِأَن الِاسْتِفْهَام عَن الْأَفْضَلِيَّة فِي الْمُسلمين، لَا عَن خِصَال الْإِسْلَام بِدَلِيل رِوَايَة مُسلم وَلِأَن فِي تقديرهما لَا يَقع الْجَواب مطابقاً للسؤال.
فَإِن قيل: أفضل، افْعَل التَّفْضِيل وَقد علم أَنه لَا بُد أَن يسْتَعْمل بِأحد الْوُجُوه الثَّلَاثَة وَهِي الْإِضَافَة وَمن وَاللَّام.
قلت: قد يجرد من ذَلِك كُله عِنْد الْعلم بِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { يعلم السِّرّ وأخفى} ( طه: 7) أَي: أخْفى من السِّرّ، وقولك الله أكبر، أَي أكبر من كل شَيْء، وَالتَّقْدِير هَهُنَا: أفضل من غَيره.
وَمعنى الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْثَر ثَوابًا عِنْد الله تَعَالَى، كَمَا تَقول: الصدْق أفضل من غَيره.
أَي: هُوَ أَكثر ثَوابًا عِنْد الله تَعَالَى من غَيره.
قَوْله: ( من سلم) إِلَى آخِره.
مقول القَوْل.
فَإِن قلت: مقول القَوْل يكون جملَة.
قلت: هُوَ أَيْضا جملَة، لِأَن تَقْدِير الْكَلَام هُوَ: من سلم، إِلَى آخِره فالمبتدأ مَحْذُوف، وَمن مَوْصُولَة، وَسلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه، وَيَده صلتها، وَفِيه الْعَائِد.

( بَيَان الْمعَانِي وَغَيره) فِيهِ وُقُوع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معرفتين الدَّال على الْحصْر، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام: عَقْلِي: كالعدد للزوجية والفردية، ووقوعي: كحصر الْكَلِمَة على ثَلَاثَة أَقسَام، وجعلي: كحصر الْكتاب على مُقَدّمَة ومقالات أَو كتب أَو أَبْوَاب وخاتمة، وَيُسمى هَذَا: ادعائياً أَيْضا.
والْحَدِيث من هَذَا الْقسم.
قَوْله: ( قَالَ) فَاعله أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ؛ قَوْله: ( قَالُوا) فَاعله جمَاعَة معهودون، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَالْحسن بن سُفْيَان وَأبي يعلى فِي ( مسنديهما) عَن سعيد بن يحيى شيخ البُخَارِيّ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور، بِلَفْظ: قُلْنَا وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه من طَرِيق حُسَيْن بن مُحَمَّد القباني، أحد الْحفاظ عَن سعيد بن يحيى الْمَذْكُور بِلَفْظ: قلت، فَتعين من هَذَا أَن السَّائِل هُوَ أَبُو مُوسَى وَحده.
وَمن رِوَايَة مُسلم أَن أَبَا مُوسَى أحد السَّائِلين، وَلَا تنَافِي بَين هَذِه الرِّوَايَات، لِأَن فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أخبر عَن جمَاعَة هُوَ دَاخل فيهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم صرح بِأَنَّهُ أحد الْجَمَاعَة السَّائِلين.
فَإِن قلت: بَين رِوَايَة: قَالُوا، وَبَين رِوَايَة: قلت، مُنَافَاة.
قلت: لَا لِإِمْكَان التَّعَدُّد، فَمرَّة كَانَ السُّؤَال مِنْهُم فَحكى سُؤَالهمْ، وَمرَّة كَانَ مِنْهُ فَحكى سُؤال نَفسه، وَقد سَأَلَ هَذَا السُّؤَال أَيْضا اثْنَان من الصَّحَابَة، أَحدهمَا: أَبُو ذَر، حَدِيثه عِنْد ابْن حبَان، وَالْآخر: عُمَيْر بن قَتَادَة، حَدِيثه عِنْد الطَّبَرَانِيّ.
قَوْله: ( من سلم) قد ذكرنَا أَنه جَوَاب.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: سَأَلُوا عَن الْإِسْلَام أَي: الْخصْلَة.
فَأجَاب: بِمن سلم أَي: ذِي الْخصْلَة، حَيْثُ قَالَ: من سلم، وَلم يقل: هُوَ سَلامَة الْمُسلمين من لِسَانه وَيَده، فَكيف يكون الْجَواب مطابقاً للسؤال؟ قلت: هُوَ جَوَاب مُطَابق وَزِيَادَة من حَيْثُ الْمَعْنى، إِذْ يعلم مِنْهُ أَن أفضليته بِاعْتِبَار تِلْكَ الْخصْلَة، وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: { يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خير فللوالدين} ( الْبَقَرَة: 215) أَو أطلق الْإِسْلَام، وَأَرَادَ الصّفة كَمَا يُقَال الْعدْل وَيُرَاد الْعَادِل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَي الْمُسلمين خير، كَمَا فِي بعض الرِّوَايَات: أَي الْمُسلمين خير؟ قلت: هَذَا التعسف كُله لأجل تَقْدِيره: أَي خِصَال الْإِسْلَام أفضل؟ وَلَو قدر بِمَا قدرناه لاستغنى عَن هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب.
فَافْهَم.



( بابُُ الإجارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة من أول وَقت الْعَصْر إِلَى أول دُخُول اللَّيْل.


[ قــ :11 ... غــ :11 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن يزِيد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مثل الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما يعْملُونَ لَهُ عملا يَوْمًا إِلَى اللَّيْل على أجر مَعْلُوم فعملوا لَهُ إِلَى نصف النَّهَار فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك الَّذِي شرطت لنا وَمَا عَملنَا بَاطِل فَقَالَ لَهُم لَا تَفعلُوا أكملوا بَقِيَّة عَمَلكُمْ وخذوا أجركُم كَامِلا فَأَبَوا وَتركُوا واستأجر أجيرين بعدهمْ فَقَالَ لَهما أكملا بَقِيَّة يومكما هَذَا ولكما الَّذِي شرطت لَهُم من الْأجر فعملا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر قَالَا لَك مَا عَملنَا بَاطِل وَلكم الْأجر الَّذِي جعلت لنا فِيهِ فَقَالَ لَهما أكملا بَقِيَّة عملكما فَإِن مَا بَقِي من النَّهَار شَيْء يسير فأبيا واستأجر قوما أَن يعملوا لَهُ بَقِيَّة يومهم فعملوا بَقِيَّة يومهم حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس واستكملوا أجر الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا فَذَلِك مثلهم وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " واستأجر قوما " أَن يعملوا إِلَى قَوْله الشَّمْس وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي بابُُ من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن كريب عَن أبي أُسَامَة عَن بريد إِلَى آخِره بأخصر مِنْهُ وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء بن كريب أَي كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن أبي بردة واسْمه عَامر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس قَوْله " كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما " هُوَ من بابُُ الْقلب وَالتَّقْدِير كَمثل قوم استأجرهم قوم أَو هُوَ من بابُُ التَّشْبِيه بالمركب قَوْله " إِلَى اللَّيْل " هَذَا مُغَاير لحَدِيث ابْن عمر لِأَن فِيهِ أَنه استأجرهم على أَن يعملوا إِلَى نصف النَّهَار وَأجِيب بِأَن ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى من عجز عَن الْإِيمَان بِالْمَوْتِ قبل ظُهُور دين آخر وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من أدْرك دين الْإِسْلَام وَلم يُؤمن بِهِ وَقد تقدم تَمام الْبَحْث فِي ذَاك الْبابُُ قَوْله " لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك " إِشَارَة إِلَى أَنهم كفرُوا وتولوا وَاسْتغْنى الله عَنْهُم وَهَذَا من بابُُ إِطْلَاق القَوْل وَإِرَادَة لَازمه لِأَن لَازمه ترك الْعَمَل الْمعبر بِهِ عَن ترك الْإِيمَان قَوْله " وَمَا عَملنَا بَاطِل " إِشَارَة إِلَى إحباط عَمَلهم بكفرهم بِعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان بمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحده بعد بعثة عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَذَلِكَ القَوْل فِي النَّصَارَى إِلَّا أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مدتهم كَانَت قدر نصف الْمدَّة فاقتصروا على نَحْو الرّبع من جَمِيع النَّهَار قَوْله " لَا تَفعلُوا " أَي إبِْطَال الْعَمَل وَترك الْأجر الْمَشْرُوط ( فَإِن قلت) الْمَفْهُوم مِنْهُ أَن أهل الْكِتَابَيْنِ لم يَأْخُذُوا شَيْئا وَمن السَّابِق أَنهم أخذُوا قيراطا قيراطا ( قلت) الآخذون هم الَّذين مَاتُوا قبل النّسخ والتاركون الَّذين كفرُوا بِالنَّبِيِّ الَّذِي بعد نَبِيّهم قَوْله " فَإِنَّمَا بَقِي من النَّهَار شَيْء يسير " أَي بِالنِّسْبَةِ لما مضى مِنْهُ وَالْمرَاد مَا بَقِي من الدُّنْيَا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر هُوَ بِنصب حِين وَيجوز الرّفْع قَالَه بَعضهم وَلم يبين وَجهه وَلَا وَجه النصب ( قلت) أما النصب فعلى الظَّرْفِيَّة وَأما الرّفْع فعلى أَنه اسْم كَانَ قَوْله " أجر الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا " كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره وَحكى ابْن التِّين أَن فِي رِوَايَته كِلَاهُمَا بِالرَّفْع ثمَّ خطأه ( قلت) لَيْسَ لما قَالَه وَجه لِأَن كِلَاهُمَا بِالْألف على لُغَة من يَجْعَل الْمثنى فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة بِالْألف قَوْله " فَذَلِك مثلهم " أَي مثل الْمُسلمين وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور أَي نور الْهِدَايَة إِلَى الْحق وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَذَلِك مثل الْمُسلمين الَّذين قبلوا هدى الله وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُوله وَمثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى تركُوا مَا أَمرهم الله بِهِ وَالْمَقْصُود من التمثيلين من الأول بَيَان أَن أَعمال هَذِه الْأمة أَكثر ثَوابًا من أَعمال سَائِر الْأُمَم وَمن الثَّانِي أَن الَّذين لم يُؤمنُوا بِمُحَمد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْمَالهم السالفة على دينهم لَا ثَوَاب لَهَا قيل اسْتدلَّ بِهِ على أَن بَقَاء هَذِه الْأمة تزيد على الْألف لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن مُدَّة الْيَهُود نَظِير مدتي النَّصَارَى وَالْمُسْلِمين وَقد اتّفق أهل النَّقْل على أَن مُدَّة الْيَهُود إِلَى بعثة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت أَكثر من ألفي سنة وَمُدَّة النَّصَارَى من ذَلِك سِتّمائَة سنة وَقيل أقل فَيكون مُدَّة الْمُسلمين أَكثر من ألف قطعا ( قلت) فِيهِ نظر لِأَنَّهُ صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس من طرق صِحَاح أَنه قَالَ الدُّنْيَا سَبْعَة أَيَّام كل يَوْم ألف سنة وَبعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْيَوْم الآخر مِنْهَا وَقد مَضَت مِنْهُ سنُون أَو مئون وَيُؤَيّد هَذَا أَيْضا حَدِيث زمل الْخُزَاعِيّ حِين قصّ على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رُؤْيَاهُ.

     وَقَالَ  فِيهَا رَأَيْتُك على مِنْبَر لَهُ سبع دَرَجَات الحَدِيث وَفِيه فِي الْمِنْبَر ودرجاته الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة بعثت فِي آخرهَا ألفا وَقد صحّح أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ هَذَا الأَصْل بآثار -