فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

( بابُُ فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة)
فِي بعض النّسخ قبل ذكر الْبابُُ ذكر التَّسْمِيَة أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا لم يذكر فِي التَّرْجَمَة بَيت الْمُقَدّس وَإِن كَانَ مَذْكُورا مَعَهُمَا لكَونه أفرده بعد ذَلِك بترجمة أُخْرَى ( فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ الصَّلَاة ( قلت) المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد قصد الصَّلَاة فِيهَا ( فَإِن قلت) ذكر الصَّلَاة مُطلقَة ( قلت) المُرَاد صَلَاة النَّافِلَة ظَاهرا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَعم من ذَلِك وَفِيه خلاف يَأْتِي بَيَانه

[ قــ :1147 ... غــ :1188]
- ( حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك عَن قزعة قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد رَضِي الله عَنهُ أَرْبعا قَالَ سَمِعت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة ح حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَسْجِد الْأَقْصَى) هَذَانِ إسنادان الأول لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
وَالثَّانِي لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلكنه لم يتم متن حَدِيث أبي سعيد وَاقْتصر على قَوْله " كَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة " وَسَيذكر تَمَامه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي بابُُ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَتَمَامه مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام.
الأول فِي منع الْمَرْأَة عَن السّفر بِدُونِ الزَّوْج أَو الْمحرم وَالثَّانِي فِي منع صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ.
وَالثَّالِث فِي منع الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب.
وَالرَّابِع فِي منع شدّ الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مُشْتَمل على الحكم الرَّابِع فَقَط وَلما كَانَ الحديثان مشتركين فِي هَذَا اقْتصر فِي حَدِيث أبي سعيد على مَا ذكره طلبا للاختصار وَقيل كَأَنَّهُ قصد بذلك الإغماض لينبه غير الْحَافِظ على فَائِدَة الْحِفْظ وَظن الدَّاودِيّ أَنه سَاق الإسنادين لمتن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتمال حَدِيث أبي سعيد على الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة ثمَّ وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا يُقَال لَيْسَ فِيهِ لفظ الصَّلَاة لأَنا قد ذكرنَا عَن قريب أَن المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة قصد الصَّلَاة وَأما وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي سعيد للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُشْتَرك لحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الحكم الرَّابِع كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِن لم يذكرهُ هَهُنَا مَعَ أَنه مَا أخلاه عَن الذّكر على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى ( ذكر رجال الإسنادين) وهم عشرَة.
الأول حَفْص بن عمر بن الْحَارِث النمري.
الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث عبد الْملك بن عُمَيْر بِضَم الْعين مصغر عمر الْمَعْرُوف بالقبطي مر فِي بابُُ أهل الْعلم أولى بِالْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا قيل لَهُ القبطي لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فرس سَابق يعرف بالقبطي فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَله من الْعُمر يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين.
الرَّابِع قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة كلهَا مَفْتُوحَة وَقيل بِسُكُون الزَّاي ابْن يحيى وَقيل ابْن الْأسود مولى زِيَاد يكنى أَبَا العادية.
الْخَامِس أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعيد بن مَالك الْأنْصَارِيّ.
السَّادِس عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقد تكَرر ذكره.
السَّابِع سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّامِن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
التَّاسِع سعيد بن الْمسيب.
الْعَاشِر أَبُو هُرَيْرَة ( ذكر لطائف الْإِسْنَاد الأول) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وَرِوَايَته عَن قزعة من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُمَا من طبقَة وَاحِدَة وقزعة بَصرِي وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ ( ذكر لطائف الْإِسْنَاد الثَّانِي) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن السفيان مكي وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ ( ذكر تعدد مَوضِع الحَدِيث الأول وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة بِبَيْت الْمُقَدّس عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الصَّوْم عَن حجاج بن منهال ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن أبي غَسَّان وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن قُتَيْبَة وَعُثْمَان كِلَاهُمَا عَن جرير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبيد الله بن سعيد وَعَن عمرَان بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن قدامَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة فِي الصَّوْم بالقصة الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة بالقصة الثَّالِثَة وَأخرج الْقِصَّة الرَّابِعَة عَن أبي سعيد وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
( ذكر من أخرج الحَدِيث الثَّانِي غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَكِّيّ ( ذكر من روى عَنهُ فِي هَذَا الْبابُُ) فِيهِ عَن بصرة بن أبي بصرة رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا يعْمل الْمطِي إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إيلياء أَو بَيت الْمُقَدّس " يشك أَيهمَا قَالَ وَعَن أبي بصرة أَيْضا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة عمر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَنه قَالَ لَقِي أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ جَاءَ من الطّور فَقَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الطّور صليت فِيهِ قَالَ لَو أَدْرَكتك قبل أَن ترتحل مَا ارتحلت إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا تشدوا الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات قَالَ الذَّهَبِيّ بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ هُوَ وَأَبوهُ صحابيان نزلا مصر وَاسم أبي بصرة حميل وَقيل حميل بن بصرة ( قلت) حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَقيل بِفَتْحِهَا وَالْأول هُوَ الْأَصَح وَعَن عبد الله بن عَمْرو مثله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَنهُ يرفعهُ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْخيف وَمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا ".

     وَقَالَ  لم يذكر مَسْجِد الْخيف فِي شدّ الرّحال إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَهُوَ لعمري سَنَد جيد لَوْلَا قَول البُخَارِيّ لَا يُتَابع خَيْثَم فِي ذكر مَسْجِد الْخيف وَلَا يعرف لَهُ سَماع من أبي هُرَيْرَة ( قلت) خَيْثَم هُوَ ابْن مَرْوَان ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْعَتِيق " وَعَن أبي الْجَعْد الضمرِي روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن سُفْيَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ أَبُو الْجَعْد الضمرِي اسْمه الأذرع وَيُقَال عَمْرو وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عمر عَن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَفِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب روى حَدِيث مَوْضُوع رَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد الجندي عَن الْمثنى بن الصَّباح مَجْهُول عَن مَتْرُوك عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ " لَا تعْمل الرّحال إِلَّا إِلَى أَرْبَعَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى مَسْجِد الْجند " ( ذكر معنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة) قَوْله " لَا تشد الرّحال " على صِيغَة الْمَجْهُول بِلَفْظ النَّفْي بِمَعْنى النَّهْي بِمَعْنى لَا تشدوا الرّحال ونكتة الْعُدُول عَن النَّهْي إِلَى النَّفْي لإِظْهَار الرَّغْبَة فِي وُقُوعه أَو لحمل السَّامع على التّرْك أبلغ حمل بألطف وَجه.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ النَّفْي أبلغ من صَرِيح النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيم أَن يقْصد بالزيارة إِلَّا هَذِه الْبِقَاع لاختصاصها بِمَا اخْتصّت بِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم " تشد الرّحال إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " فَذكره من غير حصر وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة منع شدّ الرحل لغَيْرهَا إِلَّا على القَوْل بحجية مَفْهُوم الْعدَد وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِحجَّة ثمَّ التَّعْبِير بشد الرّحال خرج مخرج الْغَالِب فِي ركُوب الْمُسَافِر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي بعض الرِّوَايَات " لَا يعْمل الْمطِي " وَإِلَّا فَلَا فرق بَين ركُوب الرَّوَاحِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْمَشْي فِي هَذَا الْمَعْنى وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي بعض طرقه فِي الصَّحِيح " إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " والرحال بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع رَحل وَهُوَ للبعير كالسرج للْفرس وَهُوَ أَصْغَر من القتب وَشد الرحل كِنَايَة عَن السّفر لِأَنَّهُ لَازم للسَّفر وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ فتقدير الْكَلَام لَا تشد الرّحال إِلَى مَوضِع أَو مَكَان فَإِن قيل فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يجوز السّفر إِلَى مَكَان غير الْمُسْتَثْنى حَتَّى لَا يجوز السّفر لزيارة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَنَحْوه لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي المفرغ لَا بُد أَن يقدر أَعم الْعَام وَأجِيب بِأَن المُرَاد بأعم الْعَام مَا يُنَاسب الْمُسْتَثْنى نوعا ووصفا كَمَا إِذا قلت مَا رَأَيْت إِلَّا زيدا كَانَ تَقْدِيره مَا رَأَيْت رجلا أَو أحدا إِلَّا زيدا لَا مَا رَأَيْت شَيْئا أَو حَيَوَانا إِلَّا زيدا فههنا تَقْدِيره لَا تشد إِلَى مَسْجِد إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة قَوْله " الْمَسْجِد الْحَرَام " أَي الْمحرم.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ كَقَوْلِهِم الْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب ( قلت) هَذَا الْقيَاس غير صَحِيح لِأَن الْكتاب على وزن فعال بِكَسْر الْفَاء وَالْحرَام فعال بِالْفَتْح فَكيف يُقَاس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَرَام اسْم للشَّيْء الْمحرم وَفِي إِعْرَاب الْمَسْجِد وَجْهَان الأول بِالْجَرِّ على أَنه بدل من الثَّلَاثَة وَالثَّانِي بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْأَقْصَى.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيجوز الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف ( قلت) الِاسْتِئْنَاف فِي الْحَقِيقَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَلَئِن سلمنَا لَهُ ذَلِك فيؤول الْأَمر فِي الْحَقِيقَة إِلَى أَن يكون الرّفْع فِيهِ على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله " وَمَسْجِد الرَّسُول " الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد عَن سيدنَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( فَإِن قلت) مَا نُكْتَة الْعُدُول عَن قَوْله " ومسجدي " بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ ( قلت) الْإِشَارَة إِلَى التَّعْظِيم على أَنه يجوز أَن يكون هَذَا من تصرف بعض الروَاة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد " ومسجدي " وَسَيَأْتِي عَن قريب قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى " بِإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة وَفِيه خلاف فجوزه الْكُوفِيُّونَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا كنت بِجَانِب الغربي} وأوله البصريون بإضمار الْمَكَان أَي بِجَانِب الْمَكَان الغربي وَمَسْجِد الْبَلَد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَكَان الْأَقْصَى وَسمي الْمَسْجِد الْأَقْصَى لبعده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام إِمَّا فِي الْمسَافَة أَو فِي الزَّمَان وَقد ورد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة ( وَقد اسْتشْكل) من حَيْثُ أَن بَين آدم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام أَضْعَاف ذَلِك من الزَّمن ( وَأجِيب) بِأَن الْمَلَائِكَة وضعتهما أَولا وَبَينهمَا فِي الْوَضع أَرْبَعُونَ سنة وَأَن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام جددا بُنيان الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَمَا جدد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ لم يكن حِينَئِذٍ وَرَاءه مَسْجِد وَقيل هُوَ أقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة لِأَنَّهُ بعيد من مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس أبعد مِنْهُ وَقيل لِأَنَّهُ أقْصَى مَوضِع من الأَرْض ارتفاعا وقربا إِلَى السَّمَاء يُقَال قصى الْمَكَان يقصو قصوا بعد فَهُوَ قصي وَيُقَال فلَان بِالْمَكَانِ الْأَقْصَى والناحية القصوى ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد ومزيتها على غَيرهَا لكَونهَا مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام قبْلَة النَّاس وَإِلَيْهِ حجهم وَمَسْجِد الرَّسُول أسس على التَّقْوَى وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ قبْلَة الْأُمَم السالفة.
وَفِيه أَن الرّحال لَا تشد إِلَى غير هَذِه الثَّلَاثَة لَكِن اخْتلفُوا على أَي وَجه فَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ لَا فَضِيلَة فِي شدّ الرّحال إِلَى مَسْجِد مَا غير هَذِه الثَّلَاثَة وَنَقله عَن جُمْهُور الْعلمَاء.

     وَقَالَ  ابْن بطال هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْعلمَاء فِيمَن نذر على نَفسه الصَّلَاة فِي مَسْجِد من سَائِر الْمَسَاجِد غير الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة قَالَ مَالك رَحمَه الله من نذر صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا براحلة فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي بَلَده إِلَّا أَن ينذر ذَلِك فِي مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس فَعَلَيهِ السّير إِلَيْهَا.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَأما من أَرَادَ الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الصَّالِحين والتبرك بهَا مُتَطَوعا بذلك فمباح إِن قَصدهَا بأعمال الْمطِي وَغَيره وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث وَقيل من نذر إتْيَان غير هَذِه الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة للصَّلَاة أَو غَيرهَا لم يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهَا لَا فضل لبعضها على بعض فَيَكْفِي صلَاته فِي أَي مَسْجِد كَانَ قَالَ النَّوَوِيّ لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ يجب الْوَفَاء بِهِ وَعَن الْحَنَابِلَة رِوَايَة يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَلَا ينْعَقد نَذره وَعَن الْمَالِكِيَّة رِوَايَة إِن تعلّقت بِهِ عبَادَة تخْتَص بِهِ كرباط لزم وَإِلَّا فَلَا وَذكر عَن مُحَمَّد بن مسلمة الْمَالِكِي أَنه فِي مَسْجِد قبَاء لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت وَاسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث الْبابُُ على أَن من نذر إتْيَان أحد هَذِه الْمَسَاجِد لزمَه ذَلِك وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْبُوَيْطِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة لَا يجب مُطلقًا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي فِي الْأُم يجب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام لتَعلق النّسك بِهِ بِخِلَاف المسجدين الآخرين.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر يجب إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأما الْأَقْصَى فَلَا واستأنس بِحَدِيث جَابر " أَن رجلا قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَهُنَا ".

     وَقَالَ  ابْن التِّين الْحجَّة على الشَّافِعِي إِن أَعمال الْمطِي إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالصَّلَاة فيهمَا قربَة فَوَجَبَ أَن يلْزم بِالنذرِ كالمسجد الْحَرَام.

     وَقَالَ  الْغَزالِيّ عِنْد ذكر إتْيَان الْمَسَاجِد فَلَو قَالَ آتِي مَسْجِد الْخيف فَهُوَ كمسجد الْحَرَام لِأَنَّهُ من الْحرم وَكَذَلِكَ أَجزَاء سَائِر الْحرم قَالَ وَلَو قَالَ آتِي مَكَّة لم يلْزمه شَيْء إِلَّا إِذا قصد الْحَج.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين لَا وَجه لتفرقته بَين مَكَّة وَسَائِر أَجزَاء الْحرم فَإِنَّهَا من أَجزَاء الْحرم لَا جرم أَن الرَّافِعِيّ تعقبه فَقَالَ وَلَو قَالَ أَمْشِي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو ذكر بقْعَة أُخْرَى من بقاع الْحرم كالصفا والمروة وَمَسْجِد الْخيف وَمنى والمزدلفة ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وقبة زَمْزَم وَغَيرهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِلَى بَيت الله الْحَرَام حَتَّى لَو قَالَ آتِي دَار أبي جهل أَو دَار الخيزران كَانَ الحكم كَذَلِك لشمُول حُرْمَة الْحرم لَهُ بتنفير الصَّيْد وَغَيره وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يلْزم الْمَشْي إِلَّا أَن يَقُول إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو قَالَ مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحكى الرَّافِعِيّ عَن القَاضِي ابْن كج أَنه قَالَ إِذا نذر أَن يزور قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعندي أَنه يلْزمه الْوَفَاء وَجها وَاحِدًا قَالَ وَلَو نذر أَن يزور قبر غَيره فَفِيهِ وَجْهَان عِنْدِي.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَأَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من الشَّافِعِيَّة أَنه يحرم شدّ الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة لمقْتَضى النَّهْي.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمحققون أَنه لَا يحرم وَلَا يكره.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لَا تشد لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ الْإِيجَاب فِيمَا نَذره الْإِنْسَان من الصَّلَاة فِي الْبِقَاع الَّتِي يتبرك بهَا أَي لَا يلْزم الْوَفَاء بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يشد الرحل لَهُ وَيقطع الْمسَافَة إِلَيْهِ غير هَذِه الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِي غَيرهَا من الْبِقَاع فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يَأْتِيهَا أَو يُصليهَا فِي مَوْضِعه لَا يرحل إِلَيْهَا قَالَ والشد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فرض لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وَكَانَ تشد الرّحال إِلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَيَاته لِلْهِجْرَةِ وَكَانَت وَاجِبَة على الْكِفَايَة وَأما إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَة واستحبابُ وَأول بَعضهم معنى الحَدِيث على وَجه آخر وَهُوَ أَن لَا يرحل فِي الِاعْتِكَاف إِلَّا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة فقد ذهب بعض السّلف إِلَى أَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِيهَا دون سَائِر الْمَسَاجِد.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين من أحسن محامل هَذَا الحَدِيث أَن المُرَاد مِنْهُ حكم الْمَسَاجِد فَقَط وَأَنه لَا يشد الرحل إِلَى مَسْجِد من الْمَسَاجِد غير هَذِه الثَّلَاثَة فَأَما قصد غير الْمَسَاجِد من الرحلة فِي طلب الْعلم وَفِي التِّجَارَة والتنزه وزيارة الصَّالِحين والمشاهد وزيارة الإخوان وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ دَاخِلا فِي النَّهْي وَقد ورد ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق الحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد حَدثنَا هَاشم حَدثنَا عبد الحميد حَدثنِي شهر سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر عِنْده صَلَاة فِي الطّور فَقَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَنْبَغِي للمطي أَن يشد رحاله إِلَى مَسْجِد يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاة غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي هَذَا " وَإِسْنَاده حسن وَشهر بن حَوْشَب وَثَّقَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَفِيه الْمَذْكُور الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَكِن المُرَاد جَمِيع الْحرم وَقيل يخْتَص بالموضع الَّذِي يصلى فِيهِ دون الْبيُوت وَغَيرهَا من أَجزَاء الْحرم.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ ويتأيد بقوله " مَسْجِدي هَذَا " لِأَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى مَسْجِد الْجَمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى كَذَلِك وَقيل المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة ويتأيد بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ " إِلَّا الْكَعْبَة " ورد بِأَن الَّذِي عِنْد النَّسَائِيّ " إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " حَتَّى لَو كَانَت لَفْظَة مَسْجِد غير مَذْكُورَة لكَانَتْ مُرَادة



[ قــ :1148 ... غــ :1190]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن زيد بن رَبَاح وَعبيد الله بن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام) مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من متن الحَدِيث.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول عبد الله بن يُوسُف أَبُو مُحَمَّد التنيسِي قد ذكر غير مرّة.
الثَّانِي مَالك بن أنس.
الثَّالِث زيد بن رَبَاح بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
الرَّابِع عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن.
الْخَامِس أَبُو عبد الله واسْمه سلمَان الْأَغَر بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وكنيته أَبُو عبد الله كَانَ قَاصا من أهل الْمَدِينَة وَكَانَ رَضِي.
السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَصله من دمشق والبقية مدنيون وَفِيه رِوَايَة مَالك عَن شيخين روى عَنْهُمَا جَمِيعًا مقرونين وهما زيد وَعبيد الله وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَهُوَ عبيد الله يروي عَن أَبِيه أبي عبد الله سلمَان وَأَن عبيد الله الَّذِي يروي عَنهُ مَالك من أَفْرَاده وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة غير الْأَغَر رَوَاهُ عَنهُ سعيد وَأَبُو صَالح وَعبد الله بن إِبْرَاهِيم بن قارظ وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء.

     وَقَالَ  أَبُو عمر لم يخْتَلف على مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سَلمَة المَخْزُومِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس وَهُوَ غلط فَاحش وَإِسْنَاده مقلوب وَلَا يَصح فِيهِ عَن مَالك إِلَّا حَدِيث فِي الْمُوَطَّأ يَعْنِي الْمَذْكُور آنِفا قَالَ وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة من طرق متواتر كلهَا صِحَاح ثَابِتَة ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن إِسْحَق بن مَنْصُور وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَق الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي مُصعب الزُّهْرِيّ عَن مَالك وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ وَفِي الْبابُُ عَن عَليّ ومَيْمُونَة وَأبي سعيد وَجبير بن مطعم وَعبد الله بن الزبير وَابْن عمر وَأبي ذَر.
وَحَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من رِوَايَة سَلمَة بن وردان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَصَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَسَلَمَة بن وردان ضَعِيف وَلم يسمع من عَليّ.
وَحَدِيث مَيْمُونَة رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس " عَن مَيْمُونَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول صَلَاة فِيهِ أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " وَفِي أول الحَدِيث قصَّة.
وَحَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده من رِوَايَة سهم بن منْجَاب عَن قزعة " عَن أبي سعيد قَالَ ودع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا فَقَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ أُرِيد بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَإِسْنَاده صَحِيح.
وَحَدِيث جُبَير بن مطعم رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة مُحَمَّد بن طَلْحَة بن ركانه عَن جُبَير بن مطعم قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " فَذكره وَمُحَمّد بن طَلْحَة لم يسمع من جُبَير وَحَدِيث عبد الله بن الزبير رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن الزبير قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا ".
وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " الحَدِيث.
وَحَدِيث أبي ذَر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة قَتَادَة عَن أبي الْخَلِيل عَن عبد الله بن الصَّامِت " عَن أبي ذَر قَالَ تَذَاكرنَا وَنحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيهمَا أفضل مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من أَربع صلوَات فِيهِ ولنعم الْمصلى " ( قلت) وَفِي الْبابُُ عَن الأرقم بن أبي الأرقم روى حَدِيثه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عُثْمَان بن عبد الله بن الأرقم عَن جده الأرقم زَاد الطَّبَرَانِيّ " وَكَانَ بَدْرِيًّا أَنه جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ أردْت يَا رَسُول الله هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حيّز بَيت الْمُقَدّس قَالَ مَا يخْرجك إِلَيْهِ أتجارة فَقَالَ قلت لَا وَلَكِن أردْت الصَّلَاة فِيهِ قَالَ الصَّلَاة هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّة خير من ألف صَلَاة وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام " لفظ أَحْمد.

     وَقَالَ  الطَّبَرَانِيّ " صَلَاة هَهُنَا خير من ألف صَلَاة ثمَّة " وَرِجَال إِسْنَاده عِنْده ثِقَات وَفِي إِسْنَاد أَحْمد بن يحيى بن عمرَان جَهله أَبُو حَاتِم وَفِيه عَن أنس روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة أبي بَحر البكراوي عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح عَن حَفْص بن عبد الله بن أنس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَأَبُو بَحر وَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَتكلم فِيهِ غَيرهَا ولأنس حَدِيث آخر مُخَالف لما تقدم فِي الثَّوَاب فِي الصَّلَاة فِيهِ رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة رُزَيْق الْأَلْهَانِي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الرجل فِي بَيته بِصَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الَّذِي يجمع فِيهِ بِخَمْسِمِائَة صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِدي بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة " وَفِيه أَبُو الْخطاب الدِّمَشْقِي يحْتَاج إِلَى الْكَشْف وَفِيه عَن جَابر روى حَدِيثه ابْن ماجة من رِوَايَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " وَإِسْنَاده جيد وَفِيه عَن سعد بن أبي وَقاص روى حَدِيثه أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي عبد الله الْقَرَّاظ عَن سعد بن أبي وَقاص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَفِيه عَن أبي الدَّرْدَاء أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس بِخَمْسِمِائَة صَلَاة " وَإِسْنَاده حسن وَفِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا روى حَدِيثهَا التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل الْكَبِير قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " فَافْهَم ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي مَسْجِدي هَذَا " بِالْإِشَارَةِ يدل على أَن تَضْعِيف الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يخْتَص بمسجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي كَانَ فِي زَمَانه مَسْجِدا دون مَا أحدث فِيهِ بعده من الزِّيَادَة فِي زمن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وبعدهم تَغْلِيبًا لاسم الاشارة وَبِه صرح النَّوَوِيّ فَخص التَّضْعِيف بذلك بِخِلَاف الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّهُ لَا يخْتَص بِمَا كَانَ لظَاهِر الْمَسْجِد دون بَاقِيه لِأَن الْكل يعمه اسْم الْمَسْجِد الْحَرَام ( قلت) إِذا اجْتمع الِاسْم وَالْإِشَارَة هَل تغلب الْإِشَارَة أَو الِاسْم فِيهِ خلاف فَمَال النَّوَوِيّ إِلَى تَغْلِيب الْإِشَارَة فعلى هَذَا قَالَ إِذا قَالَ الْمَأْمُوم نَوَيْت الِاقْتِدَاء بزيد فَإِذا هُوَ عَمْرو يَصح اقْتِدَاؤُهُ تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَجزم ابْن الرّفْعَة بِعَدَمِ الصِّحَّة.

     وَقَالَ  لِأَن مَا يجب تَعْيِينه إِذا عينه وَأَخْطَأ فِي التَّعْيِين أفسد الْعِبَادَة وَأما مَذْهَبنَا فِي هَذَا فَالَّذِي يظْهر من قَوْلهم إِذا اقْتدى بفلان بِعَيْنِه ثمَّ ظهر أَنه غَيره لَا يجْزِيه إِذْ الِاسْم يغلب الْإِشَارَة قَوْله " إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ الْكرْمَانِي الِاسْتِثْنَاء يحْتَمل أمورا ثَلَاثَة أَن يكون مُسَاوِيا لمَسْجِد الرَّسُول وَأفضل مِنْهُ وأدون مِنْهُ بِأَن يرادان فِي مَسْجِد الْمَدِينَة لَيْسَ خيرا مِنْهُ بِأَلف صَلَاة بل خير مِنْهُ بتسعمائة مثلا وَنَحْوه.

     وَقَالَ  ابْن بطال يجوز فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَن يكون المُرَاد فَإِنَّهُ مسَاوٍ لمَسْجِد الْمَدِينَة أَو فَاضلا أَو مفضولا وَالْأول أرجح لِأَنَّهُ لَو كَانَ فَاضلا أَو مفضولا لم يعلم مِقْدَار ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل بِخِلَاف الْمُسَاوَاة قيل يجوز أَن يكون حَدِيث عبد الله بن الزبير الَّذِي تقدم ذكره دَلِيلا على الثَّانِي.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بكر عبد الله بن نَافِع صَاحب مَالك مَعْنَاهُ أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة بِأَلف دَرَجَة وَأفضل من الصَّلَاة فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِأَلف صَلَاة.

     وَقَالَ  بذلك جمَاعَة من المالكيين وَرَوَاهُ بَعضهم عَن مَالك.

     وَقَالَ  عَامَّة أهل الْفِقْه والأثر أَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من الصَّلَاة فِيهِ لظَاهِر الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ على أَن أَمِيري الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم قَالَا على الْمِنْبَر مَا رَوَاهُ أَبُو عمر حَدثنَا أَحْمد بن قَاسم حَدثنَا ابْن أبي دلهم حَدثنَا ابْن وضاح حَدثنَا حَامِد بن يحيى حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا زِيَاد بن سعد أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي وَكَانَ ثبتا فِي الحَدِيث إملاء أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن عَتيق سَمِعت ابْن الزبير على الْمِنْبَر يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول " صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد " وَلم يرد أحد قَوْلهمَا وهم الْقَوْم لَا يسكتون على مَا لَا يعْرفُونَ وَعند بَعضهم يكون هَذَا كالإجماع وعَلى قَول ابْن نَافِع يلْزم أَن يُقَال أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة ضعف وَتِسْعَة وَتِسْعين ضعفا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن لِلْمَسْجِدِ الْحَرَام فضل على سَائِر الْمَسَاجِد إِلَّا بالجزء اللَّطِيف وَلَا دَلِيل لقَوْل ابْن نَافِع وكل قَول لَا تعضده حجَّة فَهُوَ سَاقِط.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ اخْتلف فِي اسْتثِْنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام هَل ذَلِك أَنه أفضل من مَسْجده أَو هُوَ لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من غير مَسْجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ أفضل الْمَسَاجِد كلهَا وَهَذَا الْخلاف فِي أَي البلدين أفضل فَذهب عمر وَبَعض الصَّحَابَة وَمَالك وَأكْثر الْمَدَنِيين إِلَى تَفْضِيل الْمَدِينَة وحملوا الِاسْتِثْنَاء فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِأَلف صَلَاة على الْمَسَاجِد كلهَا إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فبأقل من الْألف وَاحْتَجُّوا بِمَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يَقُول عمر هَذَا من تِلْقَاء نَفسه فعلى هَذَا تكون فَضِيلَة مَسْجِد الْمَدِينَة على الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة وعَلى غَيره بِأَلف وَذهب الْكُوفِيُّونَ والمكيون وَابْن وهب وَابْن حبيب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَسْجِد الْحَرَام مُسْتَثْنى من قَوْله من الْمَسَاجِد وَهِي بالِاتِّفَاقِ مفضولة والمستثنى من الْمَفْضُول مفضول إِذا سكت عَلَيْهِ فالمسجد الْحَرَام مفضول لكنه يُقَال مفضول بِأَلف لِأَنَّهُ قد اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا فَلَا بُد أَن يكون لَهُ مزية على غَيره من الْمَسَاجِد وَلم يعينها الشَّارِع فَيتَوَقَّف فِيهَا أَو يعْتَمد على قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنِّي آخر الْأَنْبِيَاء ومسجدي آخر الْمَسَاجِد " فَربط الْكَلَام بفاء التَّعْلِيل مشْعر بِأَن مَسْجده إِنَّمَا فضل على الْمَسَاجِد كلهَا لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَنْهَا ومنسوب إِلَى نَبِي مُتَأَخّر عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الزَّمَان.

     وَقَالَ  عِيَاض أَجمعُوا على أَن مَوضِع قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل بقاع الأَرْض وَاخْتلفُوا فِي أفضلهما مَا عدا مَوضِع الْقَبْر فَمن ذهب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة احْتج بِحَدِيث عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول وَهُوَ وَاقِف على رَاحِلَته بِمَكَّة " وَالله إِنَّك لخير الأَرْض وَأحب أَرض الله إِلَى الله وَلَوْلَا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت " صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ والطوسي فِي آخَرين وَعند أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد جيد قَالَ " وقف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالخرورة فَقَالَ علمت أَنَّك خير أَرض وَأحب أَرض الله إِلَى الله عز وَجل " وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمَكَّة " مَا أطيبك من بلد وَأَحَبَّك إِلَيّ " الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح غَرِيب وَعند أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنِي يُونُس وَابْن سمْعَان عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بِالْمَدِينَةِ وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى رَأْي بَيَاض إبطَيْهِ اللَّهُمَّ أَنْت بيني وَبَين فلَان وَفُلَان لرجال سماهم فَإِنَّهُم أَخْرجُونِي من مَكَّة هِيَ أحب أَرض الله إِلَيّ " قَالَ أَبُو عَمْرو قد روى عَن مَالك مَا يدل على أَن مَكَّة أفضل الأَرْض كلهَا لَكِن الْمَشْهُور عَن أَصْحَابه فِي مذْهبه تَفْضِيل الْمَدِينَة وَاخْتلفُوا هَل يُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَرْض أَو هُوَ عَام فِي النَّفْل وَالْفَرْض وَإِلَى الأول ذهب الطَّحَاوِيّ وَإِلَى الثَّانِي ذهب مطرف الْمَالِكِي.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ مَذْهَبنَا يعم الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا ثمَّ إِن فضل هَذِه الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَسَاجِد يرجع إِلَى الثَّوَاب وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَّا الْإِجْزَاء عَن الْفَوَائِت حَتَّى لَو كَانَ عَلَيْهِ صلاتان فصلى فِي مَسْجِد الْمَدِينَة صَلَاة لم تجزه عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ ( فَإِن قلت) سَبَب التَّفْضِيل هَل ينْحَصر فِي كَثْرَة الثَّوَاب على الْعَمَل أم لَا ( قلت) قيل لَا ينْحَصر كتفضيل جلد الْمُصحف على سَائِر الْجُلُود ( فَإِن قلت) مَا سَبَب تَفْضِيل الْبقْعَة الَّتِي ضمت أعضاءه الشَّرِيفَة ( قلت) قيل أَن الْمَرْء يدْفن فِي الْبقْعَة الَّتِي أَخذ مِنْهَا ترابه عِنْدَمَا يخلق رَوَاهُ ابْن عبد الْبر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي مَوْقُوفا فِي كِتَابه التَّمْهِيد ( قلت) روى الزبير بن بكار أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ التُّرَاب الَّذِي خلق مِنْهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تُرَاب الْكَعْبَة فعلى هَذَا فَتلك الْبقْعَة من تُرَاب الْكَعْبَة فَيرجع الْفضل الْمَذْكُور إِلَى مَكَّة إِن صَحَّ ذَلِك ( فَإِن قلت) هَل يخْتَص تَضْعِيف الصَّلَاة بِنَفس الْمَسْجِد الْحَرَام أَو يعم جَمِيع مَكَّة من الْمنَازل والشعاب وَغير ذَلِك أم يعم جَمِيع الْحرم الَّذِي يحرم صَيْده ( قلت) فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يعم جَمِيع مَكَّة وَصحح النَّوَوِيّ أَنه جَمِيع الْحرم