فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مسجد قباء

( بابُُ مَسْجِد قبَاء)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل مَسْجِد قبَاء بِضَم الْقَاف ذكره ابْن سَيّده فِي الْمُحكم والمخصص أَن قبَاء بِالْمدِّ وَلم يحك غَيره يصرف وَلَا يصرف.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ من الْعَرَب من يذكرهُ ويصرفه وَمِنْهُم من يؤنثه وَلَا يصرفهُ.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي وقاسم فِي كتاب الدَّلَائِل وَقد جَاءَت قبا مَقْصُورَة وأنشدا
( وَلَا يعنيكم قبا وعوارضنا ... وَلَا قبلن الْخَيل لابة ضرغد)
وَهَذَا وهم مِنْهَا لِأَن الَّذِي فِي الْبَيْت إِنَّمَا هُوَ قِنَا بنُون بعد الْقَاف وَهُوَ جبل فِي ديار بني ذبيان كَذَا أنْشدهُ الروَاة الموثوق بروايتهم ونقلهم فِي هَذَا الْبَيْت ( قلت) وَلَئِن سلمنَا أَنه قبا بِالْبَاء الْمُوَحدَة فَيجوز أَن يكون الْقصر فِيهِ للضَّرُورَة وَأنكر السكرِي الْقصر فِيهِ وَلم يحك فِيهِ أَبُو عَليّ سوى الْمَدّ وَذكر فِي الموعب عَن صَاحب الْعين قصره قَالَ ياقوت هُوَ قَرْيَة على ميلين من الْمَدِينَة على يسَار القاصد إِلَى مَكَّة بِهِ أثر بُنيان وَهُنَاكَ مَسْجِد التَّقْوَى.

     وَقَالَ  الرشاطي بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال وَلما نزل بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وانتقل إِلَى الْمَدِينَة اختط النَّاس بهَا الخطط واتصل الْبُنيان بعضه بِبَعْض حَتَّى صَارَت مَدِينَة.

     وَقَالَ  ابْن قرقول على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي يذكر وَيُؤَنث وَجزم صَاحب الْمُفْهم بالتذكير لِأَنَّهُ من قبوت أَو قبيت فَلَيْسَتْ همزته للتأنيث بل للإلحاق

[ قــ :1149 ... غــ :1191]
- ( حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا ابْن علية قَالَ أخبرنَا أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ لَا يُصَلِّي من الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ يَوْم يقدم بِمَكَّة فَإِنَّهُ كَانَ يقدمهَا ضحى فيطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام وَيَوْم يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت فَإِذا دخل الْمَسْجِد كره أَن يخرج مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ.
قَالَ وَكَانَ يحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يزوره رَاكِبًا وماشيا.
قَالَ وَكَانَ يَقُول لَهُ إِنَّمَا أصنع كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يصنعون وَلَا أمنع أحدا أَن يُصَلِّي فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار غير أَن لَا تتحروا طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِنَّهُ يدل على فضل مَسْجِد قبَاء والترجمة فِيهِ.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير يكنى أَبَا يُوسُف وَنسب إِلَى دورق وَلَيْسَ هُوَ وَلَا أَهله من بلد دورق وَإِنَّمَا كَانُوا يلبسُونَ قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إِلَيْهَا.
الثَّانِي ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْمَعْرُوف بِابْن علية وَهِي أمه.
الثَّالِث أَيُّوب بن كيسَان السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس عبد الله بن عمر.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن السِّتَّة مشاركون فِي الرِّوَايَة عَن يَعْقُوب شَيْخه وَفِيه أَن أصل ابْن علية من الْكُوفَة وَأَن أَيُّوب بَصرِي وَنَافِع مدنِي وَفِيه أَن أَيُّوب رأى أنس بن مَالك فعلى قَول من يَجعله من التَّابِعين يكون فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَنهُ بِبَعْضِه وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بِبَعْضِه وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد مُتَّصِلا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع " عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن عبيد الله بن عمر فَذكره دون قَوْله " فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وروى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن دِينَار " عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا " زَاد ابْن عُيَيْنَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم " كل سبت " وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أسيد بن ظهير الْأنْصَارِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث قَالَ الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء كعمرة وروى النَّسَائِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أُمَامَة بن سُهَيْل بن عنيف عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من خرج حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ كَانَ لَهُ عدل عمْرَة " وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي عَن سعيد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ عمد إِلَى مَسْجِد قبَاء لَا يُرِيد غَيره وَلَا يحملهُ على الغدو إِلَّا الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء فصلى فِيهِ أَربع رَكْعَات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِأم الْقُرْآن كَانَ لَهُ كَأَجر الْمُعْتَمِر إِلَى بَيت الله " وَيزِيد بن عبد الْملك ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يحيى بن يعلى حَدثنَا نَاصح عَن سماك " عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ لما سَأَلَ أهل قبَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَبْنِي لَهُم مَسْجِدا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَامَ عمر فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلَمَّا وضع رجله فِي غرز الركاب انبعثت بِهِ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا عَليّ أرخ زمامها وَابْنُوا على مدارها فَإِنَّهَا مأمورة " وَيحيى بن يعلى ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة سُوَيْد بن عَامر بن يزِيد بن جَارِيَة " عَن الشمرس بنت النُّعْمَان قَالَت نظرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قدم وَنزل وَأسسَ هَذَا الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فرأيته يَأْخُذ الْحجر أَو الصَّخْرَة حَتَّى يهصره الْحجر فَانْظُر إِلَى بَيَاض التُّرَاب على بَطْنه أَو سرته فَيَأْتِي الرجل من أَصْحَابه وَيَقُول بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله أَعْطِنِي أكفك فَيَقُول لأخذ مثله حَتَّى أسسه " وَيُقَال أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ يؤم الْكَعْبَة قَالَت فَكَانَ يُقَال أَنه أقدم مَسْجِد قبْلَة وسُويد بن عَامر ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَبَاقِي رِجَاله أَيْضا ثِقَات ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " هُوَ الدَّوْرَقِي " رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم فَقَط قَوْله " من الضُّحَى " أَي فِي الضُّحَى أَو من جِهَة الضُّحَى قَوْله " يَوْم يقدم " يجوز فِي يَوْم الرّفْع والجر أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي أَحدهمَا يَوْم يقدم فِيهِ مَكَّة وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من يَوْمَيْنِ وَيقدم بِضَم الدَّال قَوْله " فَإِنَّهُ كَانَ " أَي فَإِن ابْن عمر كَانَ يقدم مَكَّة ضحى أَي فِي ضحوة النَّهَار قَوْله " خلف الْمقَام " أَي مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله " وَيَوْم " عطف على يَوْم الأول وَيجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْضا قَوْله " كَانَ يزوره " أَي يزور مَسْجِد قبَاء قَوْله " وَكَانَ يَقُول " أَي ابْن عمر قَوْله " وَلَا أمنع أحدا إِن صلى " بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير وَلَا أمنع أحدا الصَّلَاة قَوْله " لَا يتحروا " أَي لَا يقصدوا طُلُوع الشَّمْس مَعْنَاهُ لَا يصلوا وَقت طُلُوع الشَّمْس وَلَا وَقت غُرُوبهَا ويصلوا فِي غير هذَيْن الْوَقْتَيْنِ فِي أَي سَاعَة شاؤا ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على فضل قبَاء وَفضل الْمَسْجِد الَّذِي بهَا وَفضل الصَّلَاة فِيهِ.
وَفِيه اسْتِحْبابُُ زِيَارَة مَسْجِد قبَاء وَالصَّلَاة فِيهِ اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَذَلِكَ يسْتَحبّ أَن يكون يَوْم السبت ( فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص زيارته يَوْم السبت ( قلت) قيل يحْتَمل أَن يُقَال لما كَانَ هُوَ أول مَسْجِد أسسه فِي أول الْهِجْرَة ثمَّ أسس مَسْجِد الْمَدِينَة بعده وَصَارَ مَسْجِد الْمَدِينَة هُوَ الَّذِي يجمع فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وتنزل أهل قبَاء وَأهل العوالي إِلَى الْمَدِينَة لصَلَاة الْجُمُعَة ويتعطل مَسْجِد قبَاء عَن الصَّلَاة فِيهِ وَقت الْجُمُعَة ناسب أَن يعقب يَوْم الْجُمُعَة بإتيان مَسْجِد قبَاء يَوْم السبت وَالصَّلَاة فِيهِ لما فَاتَهُ من الصَّلَاة فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حسن الْعَهْد.

     وَقَالَ  " حسن الْعَهْد من الْإِيمَان " وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ أهل مَسْجِد قبَاء ينزلون إِلَى الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة ويحضرون الصَّلَاة مَعَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ مكافأتهم بِأَن يذهب إِلَى مَسْجِدهمْ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ وَكَانَ يحب مُكَافَأَة أَصْحَابه حَتَّى كَانَ يخدمهم بِنَفسِهِ وَيَقُول إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِي مكرمين فَأَنا أحب أَن أكافئهم وَيحْتَمل أَنه كَانَ يَوْم السبت فَارغًا لنَفسِهِ فَكَانَ يشْتَغل فِي بَقِيَّة الْجُمُعَة بمصالح الْخلق من أول يَوْم الْأَحَد على القَوْل بِأَنَّهُ أول أَيَّام الْأُسْبُوع ويشتغل يَوْم الْجُمُعَة بالتجميع بِالنَّاسِ ويتفرغ يَوْم السبت لزيارة أَصْحَابه والمشاهد الشَّرِيفَة وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ ينزل إِلَى الْجُمُعَة بعض أهل قبَاء ويتخلف بَعضهم مِمَّن لَا يجب عَلَيْهِ أَو يعْذر فَيفوت من لم يحضر مِنْهُم يَوْم الْجُمُعَة رُؤْيَته ومشاهدته تدارك ذَلِك بإتيانه مَسْجِد قبَاء ليجتمعوا إِلَيْهِ هُنَالك فَيحصل لَهُم من الغائبين يَوْم الْجُمُعَة نصِيبهم مِنْهُ يَوْم السبت.
وَفِيه دَلِيل على جَوَاز تَخْصِيص بعض الْأَيَّام بِنَوْع من الْقرب وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَنْهَا كالنهي عَن تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أَو تَخْصِيص يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام وَقد روى عمر بن شيبَة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة تأليفه من رِوَايَة ابْن الْمُنْكَدر " عَن جَابر كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء صَبِيحَة سبع عشرَة من رَمَضَان " وروى من رِوَايَة الدَّرَاورْدِي " عَن شريك بن عبد الله كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء يَوْم الِاثْنَيْنِ ".

     وَقَالَ  صَاحب الْمُفْهم وأصل مَذْهَب مَالك كَرَاهَة تَخْصِيص شَيْء من الْأَوْقَات بِشَيْء من الْقرب إِلَّا مَا ثَبت بِهِ تَوْقِيف.
وَفِيه حجَّة على من كره تَخْصِيص زِيَارَة قبَاء يَوْم السبت وَقد حَكَاهُ عِيَاض عَن مُحَمَّد بن مسلمة من الْمَالِكِيَّة مَخَافَة أَن يظنّ أَن ذَلِك سنة فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ عِيَاض وَلَعَلَّه لم يبلغهُ هَذَا الحَدِيث وَقد احْتج ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة بزيارته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا على أَن الْمدنِي إِذا نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء لزمَه ذَلِك وَحَكَاهُ عَن ابْن عَبَّاس ( فَإِن قلت) مَا الْجمع بَين قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الحَدِيث الصَّحِيح " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " وَبَين كَونه كَانَ يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا ( قلت) قبَاء لَيْسَ مِمَّا تشد إِلَيْهِ الرّحال فَلَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث الْمَذْكُور قَالَ الْوَاقِدِيّ عَن مجمع بن يَعْقُوب عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن ابْن رُقَيْش قَالَ كَانَ مَسْجِد قبَاء فِي مَوضِع الأسطوانة المخلفة الْخَارِجَة فِي رحبة الْمَسْجِد قَالَ عبد الرَّحْمَن حَدثنِي نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جَاءَ قبَاء صلى إِلَى الأسطوانة المخلفة يقْصد بذلك مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول.

     وَقَالَ  أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن مَا بَين الصومعة إِلَى الْقبْلَة والجانب الْأَيْمن عِنْد دَار القَاضِي زِيَادَة زَادهَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

     وَقَالَ  عُرْوَة كَانَ مَوضِع مَسْجِد قبَاء لامْرَأَة يُقَال لَهَا لية وَكَانَت ترْبط حمارا لَهَا فِيهِ فابتناه سعد بن خَيْثَمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَسْجِدا قَالَ أَبُو غَسَّان طوله وَعرضه سَوَاء وَهُوَ سِتّ وَسِتُّونَ ذِرَاعا وَطول ذرعه فِي السَّمَاء تسع عشرَة ذِرَاعا وَطول رحبته الَّتِي فِي جَوْفه خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها سِتّ وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وَطول منارته خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها تسع أَذْرع وشبر فِي تسع أَذْرع وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ أسطوانا ومواضع قناديله لأربعة عشر قِنْدِيلًا قَالَ وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من الْأَنْصَار من أهل قبَاء أَن مصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسْجِدهمْ بعد صرف الْقبْلَة كَانَ إِلَى حرف الأسطوان المخلق