فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل ما بين القبر والمنبر

( بابُُ فضل مَا بَين الْقَبْر والمنبر)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل مَا بَين قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومنبره وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بعد ذكر فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَن بعض بقاع الْمَسْجِد أفضل من بعض

[ قــ :1152 ... غــ :1195]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة) قيل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث غير تَامَّة لِأَن الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة الْقَبْر وَفِي الحَدِيث الْبَيْت وَأجِيب بِأَن الْقَبْر فِي الْبَيْت لِأَن المُرَاد بَيت سكناهُ وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دفن فِي بَيت سكناهُ.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكرُوا أما شَيْخه وَمَالك فقد تكررا وَأما عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ فقد تقدم فِي بابُُ الْوضُوء مرَّتَيْنِ وَعباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا نون الْأنْصَارِيّ وَكِلَاهُمَا قد تقدما هُنَاكَ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مدنيون غير شَيْخه وَهُوَ من أَفْرَاده وَفِيه رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ عباد يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بن أنس فِيمَا قَرَأَ عَلَيْهِ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " مَا بَين بَيْتِي " كلمة مَا مَوْصُولَة مَرْفُوع محلا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله " رَوْضَة " الرَّوْضَة فِي كَلَام الْعَرَب المطمئن من الأَرْض فِيهِ النبت والعشب قَوْله " بَيْتِي " هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة وروى مَكَانَهُ " قَبْرِي " وَجعله بَعضهم تَفْسِير البيتي قَالَه زيد بن أسلم وَحمل كثير من الْعلمَاء الحَدِيث على ظَاهره فَقَالُوا ينْقل ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى { وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} ذكر أَن الْجنَّة تكون فِي الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ أَن الْعَمَل الصَّالح فِي ذَلِك الْموضع يُؤَدِّي صَاحبه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ارتعوا فِي رياض الْجنَّة " يَعْنِي حلق الذّكر وَالْعلم لما كَانَت مؤدية إِلَى الْجنَّة فَيكون مَعْنَاهُ التحريض على زِيَارَة قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالصَّلَاة فِي مَسْجده وَكَذَا " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " واستبعده ابْن التِّين.

     وَقَالَ  يُؤَدِّي إِلَى الشنططة وَالشَّكّ فِي الْعُلُوم الضرورية وَقيل أَنَّهَا من رياض الْجنَّة الْآن حَكَاهُ ابْن التِّين وَأنْكرهُ وَالْحمل على التَّأْوِيل الثَّانِي يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن اتِّبَاع مَا يُتْلَى فِيهِ من الْقُرْآن وَالسّنة يُؤَدِّي إِلَى رياض الْجنَّة فَلَا يكون للبقعة فِيهَا فَضِيلَة إِلَّا لِمَعْنى اخْتِصَاص هَذِه الْمعَانِي بهَا دون غَيرهَا وَالثَّانِي أَن يُرِيد أَن مُلَازمَة ذَلِك الْموضع بِالطَّاعَةِ يُؤدى إِلَيْهَا لفضيلة الصَّلَاة فِيهِ على غَيره قَالَ وَهُوَ أبين لِأَن الْكَلَام خرج على تَفْضِيل ذَلِك الْموضع انْتهى ( قلت) على هَذَا الْوَجْه أَيْضا لَا تكون للبقعة فَضِيلَة إِلَّا لأجل اخْتِصَاص ذَلِك الْمَعْنى بهَا وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن هَذَا الْكَلَام يحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة إِذا نقل هَذَا الْموضع إِلَى الْجنَّة وَيحْتَمل أَن يكون مجَازًا بِاعْتِبَار الْمَآل كَمَا فِي قَوْله " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " أَي الْجِهَاد مآله إِلَى الْجنَّة أَو هُوَ تَشْبِيه أَي هُوَ كروضة وَسميت تِلْكَ الْبقْعَة الْمُبَارَكَة رَوْضَة لِأَن زوار قَبره من الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ لم يزَالُوا مكبون فِيهَا على ذكر الله تَعَالَى وعبادته.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ معنى الحَدِيث تَفْضِيل الْمَدِينَة وخصوصا الْبقْعَة الَّتِي بَين الْبَيْت والمنبر يَقُول من لزم طَاعَة الله فِي هَذِه الْبقْعَة آلت بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَمن لزم عبَادَة الله عِنْد الْمِنْبَر سقِِي فِي الْجنَّة من الْحَوْض.

     وَقَالَ  عِيَاض فِي تَفْسِير قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " ذكر أَكثر الْعلمَاء أَن المُرَاد أَن هَذَا الْمِنْبَر بِعَيْنِه يُعِيدهُ الله تَعَالَى على حَوْضه قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقيل أَن لَهُ هُنَاكَ منبرا على حَوْضه



[ قــ :1153 ... غــ :1196]
- ( حَدثنَا مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله قَالَ حَدثنِي خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على حَوْضِي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول مُسَدّد.
الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث عبيد الله بن عمر الْعمريّ.
الرَّابِع خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء أُخْرَى مر فِي بابُُ الصَّلَاة بعد الْفجْر.
الْخَامِس حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه عبيد الله وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَيحيى أَيْضا بَصرِي والبقية مدنيون وَفِيه اثْنَان مذكوران من غير نِسْبَة وَاثْنَانِ مصغران ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر الْحَج عَن مُسَدّد وَفِي الْحَوْض عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَفِي الِاعْتِصَام عَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن يحيى الْقطَّان بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وروى هَذَا الحَدِيث مَالك عَن خبيب عَن حَفْص عَن أبي هُرَيْرَة أَو أبي سعيد قَالَ أَبُو عمر رَحمَه الله كَذَا رَوَاهُ عَن مَالك رُوَاة الْمُوَطَّأ كلهم فِيمَا علمت على الشَّك إِلَّا معن بن عِيسَى وروح بن عبَادَة فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد جَمِيعًا على الْجمع لَا على الشَّك وَرَوَاهُ ابْن مهْدي عَن مَالك فَجعله عَن أبي هُرَيْرَة وَحده لم يذكر أَبَا سعيد قَالَ والْحَدِيث مَحْفُوظ لأبي هُرَيْرَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن خبيب بِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الداني فِي كِتَابه أَطْرَاف الْمُوَطَّأ تَابع الْعمريّ فِي ذَلِك جمَاعَة وَهَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ قَالَ أَبُو عمر ذكر مُحَمَّد بن سنجر حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْقرشِي الْبَصْرِيّ عَن مَالك عَن ربيعَة عَن سعيد بن الْمسيب " عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أَخْبرنِي أبي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وضعت منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة وَمَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو مُحَمَّد لم يُتَابع مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أحد على هَذَا الْإِسْنَاد عَن مَالك وَمُحَمّد هَذَا ضَعِيف وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرائب " وقوائم منبري رواتب فِي الْجنَّة ".

     وَقَالَ  تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قَالَ أَبُو عَمْرو فِي هَذَا الْبابُُ حَدِيث مُنكر رَوَاهُ عبد الْملك بن زيد الطَّائِي عَن عَطاء بن زيد مولى سعيد بن الْمسيب عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري وأسطوانة التربة رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَضعه عبد الْملك وروى أَحْمد بن يحيى الْكُوفِي أخبرنَا مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا إِسْنَاد خطأ وَعند النَّسَائِيّ عَن سُهَيْل بن سعد مَرْفُوعا " منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَعند الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " مَا بَين بَيْتِي ومصلاي رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَعند الضياء الْمَقْدِسِي عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من رِوَايَة ابْن أبي سُبْرَة يرفعهُ " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَفِي مُسْند الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي عَن جَابر وَابْن عمر نَحوه ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " لَيست هَذِه الْجُمْلَة فِي رِوَايَة أبي ذَر والحوض هُوَ الْكَوْثَر وَالْوَاو فِيهِ زَائِدَة كَمَا فِي الْجَوْهَر.

     وَقَالَ  أَبُو عمر قد اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِهِ على أَن الْمَدِينَة أفضل من مَكَّة وركبوا عَلَيْهِ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لموْضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".

     وَقَالَ  أَبُو عمر لَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ ذمّ الدُّنْيَا وَالتَّرْغِيب فِي الْآخِرَة فَأخْبر أَن الْيَسِير من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا كلهَا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ وللباطنية فِي هَذَا الحَدِيث من الغلو والتحريف مَا لَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  أَبُو عمر الْإِيمَان بالحوض عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء وَاجِب الْإِقْرَار بِهِ وَقد نَفَاهُ أهل الْبدع من الْخَوَارِج والمعتزلة لأَنهم لَا يصدقون بالشفاعة وَلَا بالحوض وَلَا بالدجال نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من بدعهم وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَحَادِيث الْحَوْض فِي موضعهَا الَّذِي ذكرهَا البُخَارِيّ