فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة

( بابُُ تفكر الرجل الشَّيْء فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان تفكر الرجل الشَّيْء والتفكر مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَقَوله الشَّيْء مَفْعُوله وَفِي بعض النّسخ شَيْئا وَهُوَ أَيْضا مفعول وَقيد الرجل وَقع إتفاقيا لِأَن الْمُكَلّفين كلهم فِيهِ سَوَاء قَالَ الْمُهلب التفكر أَمر غَالب لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيرهَا لما جعل الله للشَّيْطَان من السَّبِيل على الْإِنْسَان وَلَكِن إِن كَانَ فِي أَمر أخروي ديني فَهُوَ أخف مِمَّا يكون فِي أَمر دنياوي.

( وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي لأجهز جيشي وَأَنا فِي الصَّلَاة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَول عمر هَذَا يدل على أَنه يتفكر حَال جَيْشه فِي الصَّلَاة وَهَذَا أَمر أخروي وَهَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ بِلَفْظ " إِنِّي لأجهز جيوشي وَأَنا فِي الصَّلَاة ".

     وَقَالَ  ابْن التِّين إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يقل فِيهِ التفكر كَانَ يَقُول أجهز فلَانا أقدم فلَانا أخرج من الْعدَد كَذَا وَكَذَا فَيَأْتِي على مَا يُرِيد فِي أقل شَيْء من المفكرة فَأَما إِذا تَابع الْفِكر وَأكْثر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى فَهَذَا لاه فِي صلَاته فَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة انْتهى.
قيل هَذَا الْإِطْلَاق لَيْسَ على وَجهه وَقد جَاءَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا يأباه فروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عُرْوَة ابْن الزبير قَالَ قَالَ عمر " إِنِّي لأحسب جِزْيَة الْبَحْرين وَأَنا فِي الصَّلَاة " وروى صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي كتاب الْمسَائِل عَن أَبِيه من طَرِيق همام ابْن الْحَارِث " أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فَلَمَّا انْصَرف قَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لم تقْرَأ فَقَالَ إِنِّي حدثت نَفسِي وَأَنا فِي الصَّلَاة بعير جهزتها من الْمَدِينَة حَتَّى دخلت الشَّام ثمَّ أعادوا وَأعَاد الْقِرَاءَة " وَمن طَرِيق عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ صلى عمر الْمغرب فَلم يقْرَأ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى إِنَّك لم تقْرَأ فَأقبل على عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ صدق فَأَعَادَ فَلَمَّا فرغ قَالَ لَا صَلَاة لَيست فِيهَا قِرَاءَة إِنَّمَا شغلني عير جهزتها إِلَى الشَّام فَجعلت أتفكر فِيهَا فَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا أعَاد لتَركه الْقِرَاءَة لَا لكَونه مُسْتَغْرقا فِي الْفِكر وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق ضَمْضَم بن حوس " عَن عبد الله بن حَنْظَلَة الراهب أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى فَلَمَّا كَانَ الثَّانِيَة قَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب مرَّتَيْنِ فَلَمَّا فرغ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو ".


[ قــ :1177 ... غــ :1221]
- ( حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا روح قَالَ حَدثنَا عمر هُوَ ابْن سعيد.
قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ.
قَالَ صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَصْر فَلَمَّا سلم قَامَ سَرِيعا فَدخل على بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج وَرَأى مَا فِي وُجُوه الْقَوْم من تعجبهم لسرعته فَقَالَ ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا فَكرِهت أَن يُمْسِي أَو يبيت عندنَا فَأمرت بقسمته)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تفكر فِي أَمر ذَاك التبر وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَمَعَ هَذَا لم يعد الصَّلَاة وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي بابُُ من صلى بِالنَّاسِ فَذكر حَاجَة فتخطاهم رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عمر بن سعيد إِلَى آخِره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء مُسْتَوْفِي.
وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة مر فِي بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز من كتاب الْإِيمَان وَعمر بن سعيد هُوَ ابْن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن أبي مليكَة مصغر الملكة وَعقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف ابْن الْحَارِث مر فِي بابُُ الرحلة فِي الْمَسْأَلَة النَّازِلَة وَفِي الْبابُُ الْمَذْكُور.




[ قــ :1178 ... غــ :1]
- ( حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر عَن الْأَعْرَج قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أذن بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع التأذين فَإِذا سكت الْمُؤَذّن أقبل فَإِذا ثوب أدبر فَإِذا سكت أقبل فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى قَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن إِذا فعل ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعد وسَمعه أَبُو سَلمَة من أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى " وَهَذَا يتفكر أَشْيَاء حَتَّى لَا يعلم كم رَكْعَة صلاهَا وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الصَّلَاة مَا لم يتْرك شَيْئا من أَرْكَانهَا وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي بابُُ فضل التأذين رَوَاهُ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره وَلَيْسَ فِيهِ قَالَ أَبُو سَلمَة إِلَى آخِره.
وجعفر هُوَ ابْن ربيعَة الْمصْرِيّ والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز قَوْله " قَالَ أَبُو سَلمَة " إِلَى آخِره تَعْلِيق وطرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبابُُ السَّادِس من الْأَبْوَاب الَّتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور وَفِي الْبابُُ السَّابِع أَيْضا على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا يظنّ ظان أَن هَذِه الزِّيَادَة من رِوَايَة جَعْفَر بن ربيعَة الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَكِن من رِوَايَة يحيى بن كثير عَن أبي سَلمَة وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وستقف عَلَيْهِ فِي الْبابَُُيْنِ الْمَذْكُورين إِن شَاءَ الله تَعَالَى



[ قــ :1179 ... غــ :13]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة فَلَقِيت رجلا فَقلت بِمَا قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - البارحة فِي الْعَتَمَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقلت ألم تشهدها قَالَ بلَى قلت لَكِن أَنا أَدْرِي قَرَأَ سُورَة كَذَا وَكَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ذَلِك الرجل كَانَ متفكرا فِي الصَّلَاة بفكر دُنْيَوِيّ حَتَّى لم يضْبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا وَيجوز أَن يكون من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ متفكرا بِأَمْر الصَّلَاة حَتَّى ضبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوف بالزمن.
الثَّانِي عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي.
الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أبي ذِئْب.
الرَّابِع سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَقد تكَرر ذكره.
الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَابْن أبي ذِئْب وَسَعِيد مدنيان وَفِيه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " أَي من الرِّوَايَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل من طَرِيق أبي مُصعب عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن ابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ " أَن النَّاس قَالُوا قد أَكثر أَبُو هُرَيْرَة من الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنِّي كنت ألزمهُ لشبع بَطْني فَلَقِيت رجلا فَقلت لَهُ بِأَيّ سُورَة " فَذكر الحَدِيث وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب فِي أول هَذَا الحَدِيث " حفظت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعاءين " الحَدِيث " وَفِيه أَن النَّاس قَالُوا أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " فَذكره وَتقدم فِي الْعلم من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَالله لَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت " وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل الْبيُوع من طَرِيق سعيد ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " إِنَّكُم تَقولُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَة أَكثر " الحَدِيث قَوْله " بِمَ " بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بِغَيْر ألف لأبي ذَر وَهُوَ الْمَعْرُوف وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين " بِمَا " بِإِثْبَات الْألف وَهُوَ قَلِيل قَوْله " البارحة " نصب على الظّرْف وَهِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة قَوْله " فِي الْعَتَمَة " وَهِي الْعشَاء الْآخِرَة قَوْله " ألم تشهد " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ويروى " لم تشهد " بِدُونِ الْهمزَة ( وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) إتقان أبي هُرَيْرَة وَشدَّة ضَبطه وَفِيه إكثار أبي هُرَيْرَة وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب إِذا لم يخْش مِنْهُ قلَّة الضَّبْط وَمن النَّاس من لَا يكثر وَلَا يضْبط مثل هَذَا الرجل لم يحفظ مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَتَمَة وَفِيه مَا يدل على أَنه قد يجوز أَن يَنْفِي الشَّيْء عَمَّن لم يحكمه لِأَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ للرجل ألم تشهدها يُرِيد شُهُودًا تَاما فَقَالَ الرجل بلَى شهدتها كَمَا يُقَال للصانع إِذا لم يحسن صَنعته مَا صنعت شَيْئا يُرِيدُونَ الإتقان وللمتكلم مَا قلت شَيْئا إِذا لم يعلم مَا يَقُول

( بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)