فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الأمر باتباع الجنائز

(بابُُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَيْفيَّة أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاتِّبَاع الْجَنَائِز، وَإِنَّمَا لم يبين حكم هَذَا الْأَمر لِأَن قَوْله: (أمرنَا) ، أَعم من أَن يكون للْوُجُوب أَو للنَّدْب، وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :1195 ... غــ :1239 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأشْعَثِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ سُوَيْدٍ بنِ مُقْرِنٍ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أمرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ ونَهَانَا عنْ سَبْعٍ أمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ المَرِيضِ وَإجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ المَظْلُومِ وَإبْرَارِ القَسَمِ وَرَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ ونَهَانَا عنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ والحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ والقَسيِّ وَالإسْتَبْرَقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أمرنَا بِاتِّبَاع الْجَنَائِز) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: الْأَشْعَث، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: ابْن سليم بن الْأسود الْمحَاربي، وسليم يكنى أَبَا الشعْثَاء، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة، مر فِي: بابُُ التَّيَمُّن فِي الْوضُوء.
الرَّابِع: مُعَاوِيَة بن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة: ابْن مقرن، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره نون.
الْخَامِس: الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي والأشعث وَمُعَاوِيَة كوفيان.
وَفِيه: أحدهم مكنى وَاثْنَانِ مذكوران مجردين عَن النِّسْبَة وَآخر مَذْكُور باسم أَبِيه وجده.
وَفِيه: عَن الْبَراء بن عَازِب فَسَمعته يَقُول.
.
فَذكر الحَدِيث.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع: هُنَا عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْمَظَالِم عَن سعيد ابْن الرّبيع، وَفِي اللبَاس عَن آدم وَعَن قبيصَة وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي الطِّبّ عَن حَفْص بن عمر، وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي النذور عَن بنْدَار وَعَن قبيصَة، وَفِي النِّكَاح عَن الْحسن بن الرّبيع، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى بن يحيى وَأحمد بن يُونُس وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عبد الله بن معَاذ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر، وَعَن إِسْحَاق عَن يحيى وَعَمْرو بن مُحَمَّد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي اللبَاس عَن عَليّ بن حجر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُلَيْمَان بن مَنْصُور وهناد بن السّري، وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَفِي الزِّينَة عَن مَحْمُود بن غيلَان.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد مُخْتَصرا، وَفِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِبَعْضِه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِسبع) : بسبعة أَشْيَاء.
قَوْله: (بِاتِّبَاع الْجَنَائِز) : الِاتِّبَاع افتعال من اتبعت الْقَوْم إِذا مشيت خَلفهم، أَو مروا بك فمضيت مَعَهم، وَكَذَلِكَ تبِعت الْقَوْم بِالْكَسْرِ تبعا وتباعة، وَاتِّبَاع الْجِنَازَة: الْمُضِيّ مَعهَا.
قَوْله: (وعيادة الْمَرِيض) من عدت الْمَرِيض أعوده عِيَادَة إِذا زرته وَسَأَلت عَن حَاله، وَعَاد إِلَى فلَان يعود عودة وعودا إِذا رَجَعَ، وَفِي الْمثل: الْعود أَحْمد، وأصل عِيَادَة: عوادة، قلبت الْوَاو يَاء لكسرة مَا قبلهَا طلبا للخفة.
قَوْله: (وَإجَابَة الدَّاعِي) الْإِجَابَة مصدر، وَالِاسْم الجابة بِمَنْزِلَة الطَّاعَة، تَقول مِنْهُ: أَجَابَهُ وَأجَاب عَن سُؤَاله، والاستجابة بِمَعْنى الْإِجَابَة، وأصل إِجَابَة أجوابا، حذفت الْوَاو وعوضت عَنْهَا التَّاء لِأَن أَصله أجوف واوي، وَمِنْه الْجَواب، والداعي من: دَعَا يَدْعُو دَعْوَة، والدعوة بِالْفَتْح إِلَى الطَّعَام، وبالكسر فِي النّسَب، وبالضم فِي الْحَرْب.
يُقَال: دَعَوْت الله لَهُ وَعَلِيهِ دُعَاء و: الدعْوَة الْمرة الْوَاحِدَة، وأصل: دُعَاء دَعَا وإلاَّ أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف همزت.
قَوْله: (وإبرار الْقسم) ، الإبرار، بِكَسْر الْهمزَة إفعال من الْبر، خلاف الْحِنْث، يُقَال: أبر الْقسم إِذا صدقه، ويروى: (إبرار الْمقسم) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَكسر السِّين، قيل: هُوَ تَصْدِيق من أقسم عَلَيْك، وَهُوَ أَن يفعل مَا سَأَلَهُ الملتمس.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: يُقَال: الْمقسم الْحَالِف، وَيكون الْمَعْنى أَنه: لَو حلف أحد على أَمر يسْتَقْبل وَأَنت تقدر على تَصْدِيق يَمِينه كَمَا لَو أقسم أَن لَا يفارقك حَتَّى تفعل كَذَا وَأَنت تَسْتَطِيع فعله فافعل كَيْلا يَحْنَث فِي يَمِينه.
قَوْله: (وتشميت الْعَاطِس) تشميت الْعَاطِس دُعَاء، وكل دَاع لأحد بِخَير فَهُوَ مشمت، وَيُقَال أَيْضا بِالسِّين الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: التشميت بالشين وَالسِّين: الدُّعَاء بِالْخَيرِ وَالْبركَة، والمعجمة أعلاهما، يُقَال: شمت فلَانا وشمت عَلَيْهِ تشميتا، فَهُوَ مشمت، واشتقاقه من الشوامت، وَهِي القوائم، كَأَنَّهُ دُعَاء للعاطس بالثبات على طَاعَة الله، عز وَجل، وَقيل: مَعْنَاهُ: أبعدك الله عَن الشماتة وجنبك مَا يشمت بِهِ عَلَيْك، والشماتة فَرح الْعَدو ببلية تنزل بِمن يعاديه، يُقَال: شمت بِهِ يشمت فَهُوَ شامت وأشمته غَيره.
قَوْله: (ونهانا عَن سبع: آنِية الْفضة) أَي: نَهَانَا عَن سَبْعَة أَشْيَاء، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي المنهيات إلاَّ سِتَّة، قَالَ بَعضهم: إِمَّا سَهْو من المُصَنّف أَو من شَيْخه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَبُو الْوَلِيد اختصر الحَدِيث أَو نَسيَه؟ قلت: حمل التّرْك على النَّاسِخ أولى من نسبته إِلَى البُخَارِيّ أَو شَيْخه، وَمَعَ هَذَا ذكر البُخَارِيّ فِي: بابُُ خَوَاتِيم الذَّهَب، عَن آدم عَن شُعْبَة.
.
إِلَى آخِره.
وَذكر السَّابِع، وَهُوَ: المثيرة الْحَمْرَاء، وَسَنذكر مَا قيل فِيهَا فِي مَوْضِعه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (آنِية الْفضة) يجوز فِيهِ الرّفْع والجر، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَحدهَا آنِية الْفضة، وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من: سبع.
قَوْله: (وَالْحَرِير) ، يتَنَاوَل الثَّلَاثَة الَّتِي بعده فَيكون وَجه عطفها عَلَيْهِ لبَيَان الاهتمام بِحكم ذكر الْخَاص بعد الْعَام، أَو لدفع وهم أَن تَخْصِيصه باسم مُسْتَقل لَا يُنَافِي، دُخُوله تَحت حكم الْعَام، أَو الْإِشْعَار بِأَن هَذِه الثَّلَاثَة غير الْحَرِير، نظرا إِلَى الْعرف.
وَكَونهَا ذَوَات أَسمَاء مُخْتَلفَة يكون مقتضيا لاخْتِلَاف مسمياتها.
قَوْله: (وَخَاتم الذَّهَب) ، الْخَاتم والخاتم بِكَسْر التَّاء وَفتحهَا، والخيتام والخاتام كُله بِمَعْنى، وَالْجمع: الخواتيم.
قَوْله: (والديباج) ، بِكَسْر الدَّال: فَارسي مُعرب،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الديباج الثِّيَاب المتخذة من الإبريسم، وَقد تفتح داله.
وَيجمع على: دباييج ودبابُيج بِالْيَاءِ وبالباء، لِأَن أَصله: دباج.
قَوْله: (والقسي) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر السِّين الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة.
قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ ثِيَاب من كتَّان مخلوط بحرير يُؤْتى بهَا من مصر، نسبت إِلَى قَرْيَة على سَاحل الْبَحْر قَرِيبا مِمَّن تنيس يُقَال لَهَا: القس، بِفَتْح الْقَاف، وَبَعض أهل الحَدِيث يكسرها، وَقيل: أصل القسي القزي، بالزاي، مَنْسُوب إِلَى القز، وَهُوَ ضرب من الإبريسم، وأبدل من الزَّاي سينا.
وَقيل: هُوَ مَنْسُوب إِلَى القس وَهُوَ الصقيع لبياضه.
قلت: القس وتنيس وفرما كَانَت مدنا على سَاحل بَحر دمياط غلب عَلَيْهَا الْبَحْر فاندثرت، فَكَانَت يخرج مِنْهَا ثِيَاب مفتخرة ويتاجر بهَا فِي الْبِلَاد.
قَوْله: (والاستبرق) بِكَسْر الْهمزَة: ثخين الديباج على الْأَشْهر.
وَقيل: رَقِيقه،.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَيلبسُونَ من سندس واستبرق} (الدُّخان: 35) .
السندس مَا رق من الْحَرِير، والديباج والاستبرق مَا غلظ مِنْهُ، وَهُوَ تعريب إستبرك، وَإِذا عرب خرج من أَن يكون عجميا، لِأَن معنى التعريب أَن يَجْعَل عَرَبيا بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وتغيير عَن منهاجه وإجرائه على أوجه الْإِعْرَاب.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على أوجه:
الأول: فِي اتِّبَاع الْجَنَائِز وَالْمَشْي مَعهَا إِلَى حِين دَفنهَا بعد الصَّلَاة عَلَيْهَا.
أما الصَّلَاة فَهِيَ من فروض الْكِفَايَة عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء،.

     وَقَالَ  إصبغ: الصَّلَاة على الْمَيِّت سنة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: اتِّبَاع الْجَنَائِز حملهَا بعض النَّاس عَن بعض.
قَالَ: وَهُوَ وَاجِب على ذِي الْقَرَابَة الْحَاضِر وَالْجَار، وَيَرَاهُ للتأكد لَا الْوُجُوب الْحَقِيقِيّ.
ثمَّ الِاتِّبَاع على ثَلَاثَة أَقسَام: أَن يُصَلِّي فَقَط، فَلهُ قِيرَاط.
الثَّانِي: أَن يذهب فَيشْهد دَفنهَا، فَلهُ قيراطان.
وَثَالِثهَا: أَن يلقنه.
قلت: التَّلْقِين عندنَا عِنْد الإحتضار، وَقد عرف فِي الْفُرُوع، وَكَذَا الْمَشْي عندنَا خلف الْجِنَازَة أفضل، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَالْمَشْي عندنَا أمامها بقربها أفضل من الإتباع، وَبِه قَالَ أَحْمد، لِأَنَّهُ شَفِيع.
وَعند الْمَالِكِيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال، ومشهور مذهبم كمذهبنا.
قلت: احتجت الشَّافِعِيَّة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث أخرجه الْأَرْبَعَة: عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا القعْنبِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة وَأحمد بن منيع وَإِسْحَاق بن مَنْصُور ومحمود بن غيلَان، قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
.
إِلَى آخِره نَحوه،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعلي بن حجر وقتيبة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.
) إِلَى آخِره نَحوه،.

     وَقَالَ  ابْن مَاجَه: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عمار وَسَهل ابْن أبي سهل قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان.
.
إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد، وَبِه قَالَ الْقَاسِم وَسَالم بن عبد الله وَالزهْرِيّ وَشُرَيْح وخارجة بن زيد وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وعلقمة وَالْأسود وَعَطَاء، وَمَالك وَأحمد، ويحكى ذَلِك عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَالْحسن بن عَليّ وَابْن الزبير وَأبي قَتَادَة وَأبي أسيد.

ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وسُويد بن غَفلَة ومسروق وَأَبُو قلَابَة وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر إِلَى أَن الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل، ويروى ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة وَعمر بن الْعَاصِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ: حَدثنَا هَارُون بن عبد الله حَدثنَا عبد الصَّمد وَحدثنَا ابْن الْمثنى حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا حَرْب يَعْنِي: ابْن شَدَّاد حَدثنِي يحيى حَدثنِي نَاب بن عُمَيْر حَدثنِي رجل من أهل الْمَدِينَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا تتبع الْجِنَازَة بِصَوْت وَلَا نَار) ، وَزَاد هَارُون: (وَلَا يمشي بَين يَديهَا) ، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث سهل بن سعد: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يمشي خلف الْجِنَازَة) .
رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَبِحَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ: (سَأَلَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل أم أمامها؟ فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إِن فضل الْمَاضِي خلفهَا على الْمَاشِي أمامها كفضل الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة على التَّطَوُّع، فَقَالَ لَهُ أَبُو سعيد: أبرأيك تَقول أم بِشَيْء سمعته من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَغَضب،.

     وَقَالَ : لَا وَالله، بل سمعته غير مرّة وَلَا اثْنَتَيْنِ وَلَا ثَلَاث حَتَّى سبعا.
فَقَالَ أَبُو سعيد: إِنِّي رَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يمشيان أمامها؟ فَقَالَ عَليّ: يغْفر الله لَهما، لقد سمعا ذَلِك من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا سمعته وإنهما وَالله لخير هَذِه الْأمة ولكنهما كرها أَن يجْتَمع النَّاس ويتضايقوا فأحبا أَن يسهلا على النَّاس) .
رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) وروى عبد الرَّزَّاق أَيْضا: أخبرنَا معمر (عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه قَالَ: مَا مَشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ إلاَّ خلف الْجِنَازَة) .
وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن ثَوْر عَن شُرَيْح عَن مَسْرُوق، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لكل أمة قرباناا، وَإِن قرْبَان هَذِه الْأمة موتاها، فاجعلوا مَوْتَاكُم بَين أَيْدِيكُم) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبيد الله بن كَعْب بن مَالك، قَالَ: (جَاءَ ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أمه توفيت وَهِي نَصْرَانِيَّة وَهُوَ يحب أَن يحضرها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إركب دابتك وسر أمامها فَإنَّك إِذا كنت أمامها لم تكن مَعهَا) .
وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد الله أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن عبيد الله بن الْمُخْتَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة حَدثنَا أَبُو كريب أَو أَبُو حَرْب (عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ: كن خلف الْجِنَازَة فَإِن مقدمها للْمَلَائكَة ومؤخرها لبني آدم) .
فَإِن قَالُوا: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَجْهُولَانِ، وَفِي حَدِيث سهل بن سعد، قَالَ ابْن قطان: لَا يعرف من هُوَ، وَفِيه: يحيى بن سعيد الْحِمصِي، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطرح بن يزِيد، ضعفه ابْن معِين، وَفِيه: عبيد الله بن زجر، قَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدا، وَأثر طَاوُوس مُرْسل، وَفِي حَدِيث كَعْب بن مَالك: أَبُو معشر، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ.
قُلْنَا: إِذا سلمنَا ضعف الْأَحَادِيث الَّتِي تكلم فِيهَا فَإِنَّهَا تتقوى وتشتد فتصلح للاحتجاج، مَعَ أَن لنا حَدِيثا فِيهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من اتبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا واحتسابا وَكَانَ مَعهَا حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا ويفرغ من دَفنهَا فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين) ، والاتباع لَا يكون إلاَّ إِذا مَشى خلفهَا.
فَدلَّ ذَلِك على أَن الْجِنَازَة متبوعة.
وَقد جَاءَ هَذَا اللَّفْظ صَرِيحًا فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: (الْجِنَازَة متبوعة وَلَا تتبع، وَلَيْسَ مَعهَا من تقدمها) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو يعلى وَابْن أبي شيبَة.
وَأما أثر طَاوُوس فَإِنَّهُ، وَإِن كَانَ مُرْسلا فَهُوَ حجَّة عندنَا، وحديثهم الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر، قد اخْتلف فِيهِ أَئِمَّة الحَدِيث بِحَسب الصِّحَّة والضعف، وَقد رُوِيَ مُتَّصِلا ومرسلاً، فَذهب ابْن الْمُبَارك إِلَى تَرْجِيح الرِّوَايَة الْمُرْسلَة على الْمُتَّصِلَة مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَنهُ،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ بعد تَخْرِيجه للرواية الْمُتَّصِلَة: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب مُرْسل.
وَقد طول شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، فِي هَذَا الْموضع نصْرَة لمذهبه، وَمَعَ هَذَا كُله فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَأهل الحَدِيث كلهم يرَوْنَ أَن الحَدِيث الْمُرْسل فِي ذَلِك أصح.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر حَدثنَا يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمشي أَمَام الْجِنَازَة وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم) قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا خطأ، فِيهِ مُحَمَّد بن بكر، وَإِنَّمَا يروي هَذَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة، فَإِذا صَحَّ الْأَمر على ذَلِك فَلَا يبْقى لَهُم حجَّة فِيهِ، لِأَن الْمُرْسل لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم.

الْوَجْه الثَّانِي: فِي عِيَادَة الْمَرِيض، هِيَ سنة.
وَقيل: وَاجِبَة، بِظَاهِر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي، وَقد رُوِيَ فِي ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم: أَبُو مُوسَى وثوبان وَأَبُو هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو أُمَامَة وَجَابِر بن عبد الله وَجَابِر ابْن عتِيك وَأَبُو مَسْعُود وَأَبُو سعيد وَعبد الله بن عمر وَأنس وَأُسَامَة بن زيد وَزيد بن أَرقم وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَأَبُو أَيُّوب وَعُثْمَان وكعت بن مَالك وَعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده وَعمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَالْمُسَيب بن حزن وسلمان وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وعَوْف بن مَالك وَأَبُو الدَّرْدَاء وَصَفوَان بن عَسَّال ومعاذ بن جبل وَجبير بن مطعم وَعَائِشَة وَفَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة وَأم سليم وَأم الْعَلَاء.
فَحَدِيث: أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ: (عودوا الْمَرِيض وأطعموا الجائع وفكوا العاني) .
وَحَدِيث ثَوْبَان عِنْد مُسلم: (إِن الْمُسلم إِذا عَاد أَخَاهُ الْمُسلم لم يزل فِي خرفة الْجنَّة حَتَّى يرجع، قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا خرفة الْجنَّة؟ قَالَ: جناها) .
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَحَدِيث عَليّ بن أبي طَالب عِنْد التِّرْمِذِيّ: (مَا من مُسلم يعود مُسلما إلاَّ يبْعَث الله سبعين ألف ملك يصلونَ عَلَيْهِ، أَي: سَاعَة من النَّهَار كَانَت، حَتَّى يُمْسِي، وَأي سَاعَة من اللَّيْل كَانَت حَتَّى يصبح) .
وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد أَحْمد: (من تَمام عِيَادَة الْمَرِيض أَن يضع أحدكُم يَده على جَبهته أَو يَده ويسأله كَيفَ هُوَ؟) .
وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد أَحْمد أَيْضا: (من عَاد مَرِيضا لم يزل يَخُوض فِي الرَّحْمَة حَتَّى يجلس فَإِذا جلس اغتمس فِيهَا) .
وَحَدِيث جَابر بن عتِيك عِنْد أبي دَاوُد: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد عبد الله بن ثَابت.
.
) الحَدِيث مطولا.
وَحَدِيث أبي مَسْعُود عِنْد الْحَاكِم: (للْمُسلمِ على الْمُسلم أَربع خلال: يشمته إِذا عطس، ويجيبه إِذا دَعَاهُ، ويشهده إِذا مَاتَ، ويعوده إِذا مرض) .
وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن حبَان: (عودوا الْمَرِيض وَاتبعُوا الْجَنَائِز) .
وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد مُسلم: (من يعود مِنْكُم سعد بن عبَادَة؟ فَقَامَ، وقمنا مَعَه وَنحن بضعَة عشرَة) .
وَحَدِيث أنس عِنْد البُخَارِيّ (عَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما يَهُودِيّا كَانَ يَخْدمه) .
وَحَدِيث أُسَامَة ابْن زيد عِنْد الْحَاكِم قَالَ: (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعود عبد الله بن أبيَّ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) .
وَحَدِيث زيد ابْن أَرقم (عادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجع كَانَ بعيني).

     وَقَالَ  الْحَاكِم: صَحِيح على شَرطهمَا.
وَحَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص عِنْد الْحَاكِم، قَالَ: (اشتكيت بِمَكَّة فَجَاءَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي، وَوضع يَده على جبهتي) .
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الْحَاكِم أَيْضا: (من عَاد أَخَاهُ الْمُسلم فَقعدَ عِنْد رَأسه.
.
) الحَدِيث،.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ.
وَحَدِيث ابْن عَمْرو عِنْده أَيْضا: (إِذا عَاد أحدكُم مَرِيضا فَلْيقل: اللَّهُمَّ إشف عَبدك) ،.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط مُسلم.
وَحَدِيث أبي أَيُّوب عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا، قَالَ: (عَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الْأَنْصَار، فأكب عَلَيْهِ يسْأَله قَالَ: يَا رَسُول الله مَا غمضت مُنْذُ سبع لَيَال، وَلَا أحد يحضرني؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أخي إصبر تخرج من ذنوبك كَمَا دخلت فِيهَا) وَحَدِيث عُثْمَان عِنْد قَالَ: دخل عَليّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعودنِي وَأَنا مَرِيض، فَقَالَ: أُعِيذك بِاللَّه الْأَحَد الصَّمد) الحَدِيث، وَسَنَده جيد.
وَحَدِيث كَعْب بن مَالك عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) : (من عَاد مَرِيضا خَاضَ فِي الرَّحْمَة فَإِذا جلس استنقع فِيهَا) .
وَحَدِيث عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: (من عَاد مَرِيضا فَلَا يزَال فِي الرَّحْمَة حَتَّى إِذا قعد عِنْده استنقع فِيهَا، ثمَّ إِذا خرج من عِنْده فَلَا يزَال يَخُوض فِيهَا حَتَّى يروح من حَيْثُ خرج) .
وَحَدِيث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد ابْن مرْدَوَيْه: (قَالَ: يَا رَسُول الله؟ مَا لنا من الْأجر فِي عِيَادَة الْمَرِيض؟ فَقَالَ: أَن العَبْد إِذا عَاد الْمَرِيض خَاضَ فِي الرَّحْمَة إِلَى حقوه) .
وَحَدِيث أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من عَاد مَرِيضا أَو أماط أَذَى من الطَّرِيق فحسنته بِعشر أَمْثَالهَا) .
وَحَدِيث الْمسيب بن حزن.
وَحَدِيث سلمَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ قَالَ: (دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخرج قَالَ: يَا سلمَان كشف الله ضرك وَغفر ذَنْبك وعافاك فِي دينك وجسدك إِلَى أَجلك.
وَحَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عِنْد الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) : (جَاءَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي من وجع اشْتَدَّ بِي.
.
) .
وَحَدِيث عَوْف بن مَالك عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ: عودوا الْمَرِيض وَاتبعُوا الْجِنَازَة) .
وَحَدِيث أبي الدَّرْدَاء عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل إِذا خرج يعود أَخَاهُ مُؤمنا خَاضَ فِي الرَّحْمَة إِلَى حقْوَيْهِ، فَإِذا جلس عِنْد الْمَرِيض فَاسْتَوَى جَالِسا غمرته الرَّحْمَة) .
وَحَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من زار أَخَاهُ الْمُؤمن خَاضَ فِي الرَّحْمَة حَتَّى يرجع، وَمن زار أَخَاهُ الْمُؤمن خَاضَ فِي رياض الْجنَّة حَتَّى يرجع) .
وَحَدِيث معَاذ بن جبل عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خمس من فعل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنا على الله تَعَالَى، من عَاد مَرِيضا أَو خرج مَعَ جَنَازَة أَو خرج غازيا أَو دخل على إِمَامه يُرِيد تعزيزه وتوقيره، أَو قعد فِي بَيته فَسلم النَّاس مِنْهُ وَسلم من النَّاس) .
وَحَدِيث جُبَير بن مطعم عِنْده أَيْضا قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَاد سعيد بن الْعَاصِ، فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكمده بِخرقَة) .
وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْد سيف فِي (كتاب الرِّدَّة) قَالَت: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (العيادة سنة عودوا غبا، فَإِن أُغمي على مَرِيض فحتى يفِيق) .
وَحَدِيث فَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا قَالَت: (عَاد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، امْرَأَة من الْأَنْصَار فَقَالَ: كَيفَ تجدك؟ قَالَت: بِخَير يَا رَسُول الله.
.
) الحَدِيث.
وَحَدِيث أم سليم عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا أَيْضا فِي (كتاب المرضى وَالْكَفَّارَات) قَالَت: (مَرضت فعادني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا أم سليم أتعرفين النَّار والْحَدِيث وخبث الْحَدِيد؟ قلت: نعم يَا رَسُول الله.
قَالَ: فأبشري يَا أم سليم، فَإنَّك إِن تخلصي من وجعك هَذَا تخلصي مِنْهُ كَمَا يخلص الْحَدِيد من النَّار من خبثه) .
وَحَدِيث أم الْعَلَاء عِنْد أبي دَاوُد قَالَت: (عادني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا مَرِيضَة) الحَدِيث.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي إِجَابَة الدَّاعِي، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (إِن من حق الْمُسلم على الْمُسلم أَن يجِيبه إِذا دَعَاهُ) ، وَفِي (التَّوْضِيح) : إِن كَانَت إِجَابَة الدَّاعِي إِلَى نِكَاح فجمهور الْعلمَاء على الْوُجُوب، قَالُوا: وَالْأكل وَاجِب على الصَّائِم، وَعِنْدنَا مُسْتَحبّ.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِذا دَعَا الْمُسلم الْمُسلم إِلَى الضِّيَافَة والمعاونة وَجب عَلَيْهِ طَاعَته إِذا لم يكن ثمَّ يتَضَرَّر بِدِينِهِ من الملاهي ومفارش الْحَرِير.
.

     وَقَالَ  الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: إِذا دعيت إِلَى وَلِيمَة فَإِن لم يكن مَاله حَرَامًا وَلم يكن فِيهَا فسق فَلَا بَأْس بالإجابة، وَإِن كَانَ مَاله حَرَامًا فَلَا يُجيب، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا يجِيبه ليعلم أَنَّك غير رَاض بِفِسْقِهِ، وَإِذا أتيت وَلِيمَة فِيهَا مُنكر عَن ذَلِك فَإِن لم ينْتَهوا عَن ذَلِك فَارْجِع لِأَنَّك إِن جالستهم ظنُّوا أَنَّك راضٍ بفعلهم، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم) ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِجَابَة الدعْوَة وَاجِبَة لَا يسع تَركهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من لم يجب الدعْوَة فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) .
.

     وَقَالَ  عَامَّة الْعلمَاء: لَيست بواجبة وَلكنهَا سنة، وَالْأَفْضَل أَن يُجيب إِذا كَانَت وَلِيمَة يدعى فِيهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير، وَإِذا دعيت إِلَى وَلِيمَة وَأَنت صَائِم فَأخْبرهُ بذلك، فَإِن قَالَ: لَا بُد لَك من الْحُضُور فأجبه، فَإِذا دخلت الْمنزل فَإِن كَانَ صومك تَطَوّعا وَتعلم أَنه لَا يشق عَلَيْهِ ذَلِك لَا تفطر، وَإِن علمت أَنه يشق عَلَيْهِ امتناعك من الطَّعَام فَإِن شِئْت فَأفْطر واقض يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِن شِئْت فَلَا تفطر، والإفطار أفضل لِأَن فِيهِ إِدْخَال السرُور على الْمُؤمن.

الْوَجْه الرَّابِع: فِي نصر الْمَظْلُوم، وَهُوَ فرض على من قدر عَلَيْهِ، ويطاع أمره، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنْصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أنصره إِن كَانَ مَظْلُوما، أَفَرَأَيْت إِن كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ قَالَ: تحجزه أَو تَمنعهُ عَن الظُّلم فَإِن ذَلِك نَصره) .
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ولينصر الرجل أَخَاهُ ظَالِما أَو مَظْلُوما، إِن كَانَ ظَالِما فلينهه فَإِنَّهُ لَهُ نصْرَة، وَإِن كَانَ مَظْلُوما فلينصره) .
وَعَن سهل ابْن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ من حمى مُؤمنا عَن مُنَافِق، إراه قَالَ: بعث الله ملكا يحمي لَحْمه يَوْم الْقِيَامَة من نَار جَهَنَّم) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنتقمن من الظَّالِم فِي عاجله وآجله، ولأنتقمن من رأى مَظْلُوما فَقدر أَن ينصره فَلم يفعل) .
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي (كتاب التوبيخ) .

الْوَجْه الْخَامِس: فِي إبرار الْقسم، وَهُوَ خَاص فِيمَا يحل وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَإِن ترَتّب على تَركه مصلحَة فَلَا، وَلِهَذَا قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة تَعْبِير الرُّؤْيَا: (لَا تقسم، حِين قَالَ: أَقْسَمت عَلَيْك يَا رَسُول الله لتخبرني بِالَّذِي أصبت) .

الْوَجْه السَّادِس: فِي رد السَّلَام، هُوَ فرض على الْكِفَايَة.
وَفِي (التَّوْضِيح) : رد السَّلَام فرض على الْكِفَايَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَعند الْكُوفِيّين فرض عين كل وَاحِد من الْجَمَاعَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب (المعونة) : الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ سنة ورده آكِد من ابْتِدَائه، وَأقله: السَّلَام عَلَيْكُم.
قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: رد السَّلَام فَرِيضَة على كل من سمع السَّلَام، إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَالتَّسْلِيم سنة وَالرَّدّ فَرِيضَة، وثواب الْمُسلم أَكثر، وَلَا يَصح الرَّد حَتَّى يسمعهُ الْمُسلم إلاَّ أَن يكون أَصمّ فَيَنْبَغِي أَن يرد عَلَيْهِ بتحريك شَفَتَيْه، وَكَذَلِكَ: تشميت الْعَاطِس، وَلَو سلم على جمَاعَة وَفِيهِمْ صبي فَرد الصَّبِي إِن كَانَ لَا يعقل لَا يَصح، وَإِن كَانَ يعقل هَل يَصح؟ فِيهِ اخْتِلَاف، وَيجب على الْمَرْأَة رد سَلام الرجل وَلَا ترفع صَوتهَا لِأَن صَوتهَا عَورَة، وَإِن سلمت عَلَيْهِ فَإِن كَانَت عجوزا رد عَلَيْهَا، وَإِن كَانَت شَابة رد فِي نَفسه، وعَلى هَذَا التَّفْصِيل تشميت الرجل الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يجب رد سَلام السَّائِل، وَلَا يَنْبَغِي أَن يسلم على من يقْرَأ الْقُرْآن، فَإِن سلم عَلَيْهِ يجب الرَّد عَلَيْهِ.

الْوَجْه السَّابِع: فِي تشميت الْعَاطِس، وَهُوَ أَن يَقُول: يَرْحَمك الله، إِذا حمد الْعَاطِس، وَيرد الْعَاطِس بقوله: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَن رجلا عطس بِحَضْرَتِهِ فَلم يحمد، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ يَقُول إِذا عطست؟ قَالَ: الْحَمد لله، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمك الله، وَجَوَابه كِفَايَة، خلافًا لبَعض الْمَالِكِيَّة.
قَالَ مَالك: وَمن عطس فِي الصَّلَاة حمد فِي نَفسه، وَخَالفهُ سَحْنُون فَقَالَ: وَلَا فِي نَفسه.
وَقد ذكرنَا حكمه الْآن، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ حكم السَّبْعَة الَّتِي أَمر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأما السَّبْعَة الَّتِي نَهَانَا عَنْهَا: فأولها: آنِية الْفضة، وَالنَّهْي فِيهِ تَحْرِيم، وَكَذَلِكَ الْآنِية الذَّهَب بل هِيَ أَشد، قَالَ أَصْحَابنَا: لَا يجوز اسْتِعْمَاله آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة للرِّجَال وَالنِّسَاء لما فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد الْجَمَاعَة: (وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها.
.
) الحَدِيث.
قَالُوا: وعَلى هَذَا: المجمرة والملعقة والمدهن والميل والمكحلة والمرآة وَنَحْو ذَلِك، فيستوي فِي ذَلِك الرِّجَال وَالنِّسَاء لعُمُوم النَّهْي، وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع، وَيجوز الشّرْب فِي الْإِنَاء المفضض وَالْجُلُوس على السرير المفضض إِذا كَانَ يَتَّقِي مَوضِع الْفضة، أَي: يَتَّقِي فَمه ذَلِك، وَقيل: يَتَّقِي أَخذه بِالْيَدِ،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: يكره.
وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَيجوز التجمل بالأواني من الذَّهَب وَالْفِضَّة بِشَرْط أَن لَا يُرِيد بِهِ التفاخر وَالتَّكَاثُر، لِأَن فِيهِ إِظْهَار نعم الله تَعَالَى.

الثَّانِي: خَاتم الذَّهَب فَإِنَّهُ حرَام على الرِّجَال، والْحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَمن النَّاس من أَبَاحَ التَّخَتُّم بِالذَّهَب لما روى الطَّحَاوِيّ فِي (شرح الْآثَار) بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن مَالك، قَالَ: رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب، فَقيل لَهُ: فَقَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألبسنيه.
.

     وَقَالَ : (إلبس مَا كساك الله، عز وَجل، وَرَسُوله) .
وَالْجَوَاب عَنهُ أَن التَّرْجِيح للْمحرمِ وَمَا رُوِيَ من ذَلِك كَانَ قبل النَّهْي، وَأما التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يجوز لما رُوِيَ (عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من فضَّة لَهُ فص حبشِي وَنقش عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله) ، رَوَاهُ الْجَمَاعَة، وَالسّنة أَن يكون قدر مِثْقَال فَمَا دونه، والتختم سنة لمن يحْتَاج إِلَيْهِ كالسلطان وَالْقَاضِي وَمن فِي مَعْنَاهُمَا، وَمن لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِ فَتَركه أفضل.

الثَّالِث: الْحَرِير وَهُوَ حرَام على الرِّجَال دون النِّسَاء لما روى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي) ، زَاد ابْن مَاجَه: (حل لإناثهم) ، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم رووا حل الْحَرِير للنِّسَاء، وهم: عمر، فَحَدِيثه عِنْد الْبَزَّار وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَحَدِيثه عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَعبد الله بن عَمْرو فَحَدِيثه عِنْد إِسْحَاق وَالْبَزَّار وَأبي يعلى.
وَعبد الله بن عَبَّاس فَحَدِيثه عَن الْبَزَّار، وَزيد بن أَرقم فَحَدِيثه عِنْد ابْن أبي شيبَة وواثلة بن الْأَسْقَع فَحَدِيثه عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَعقبَة بن العامر الْجُهَنِيّ فَحَدِيثه عِنْد أبي سعيد بن يُونُس، فأحاديثهم خصت أَحَادِيث التَّحْرِيم على الْإِطْلَاق،.

     وَقَالَ  بَعضهم: حرَام على النِّسَاء وَالرِّجَال لعُمُوم النَّهْي.

الرَّابِع: الديباح.

وَالْخَامِس: القسي.

السَّادِس: الاستبرق، وكل هَذَا دَاخل فِي الْحَرِير، وَقد ذكرنَا أَن وَاحِدَة قد سَقَطت من المنهيات وَهِي: الميثرة الْحَمْرَاء، وسنذكرها فِي موضعهَا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد سَأَلَ الْكرْمَانِي هَهُنَا بِمَا حَاصله: أَن الْأَمر فِي الْمَأْمُور بِهِ فِي بعضه للنَّدْب، وَفِي النَّهْي كَذَلِك بعضه للْحُرْمَة وَبَعضه لغَيْرهَا، فَهُوَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي معنييه الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَذَلِكَ مُمْتَنع، وَأجَاب بِمَا حَاصله: أَن ذَلِك غير مُمْتَنع عِنْد الشَّافِعِي وَعند غَيره بِعُمُوم الْمجَاز، وَسَأَلَ أَيْضا بِأَن بعض هَذِه الْأَحْكَام عَام للرِّجَال وَالنِّسَاء: كآنية الْفضة، وَبَعضهَا خَاص كَحُرْمَةِ خَاتم الذَّهَب للرِّجَال، وَلَفظ الحَدِيث يَقْتَضِي التَّسَاوِي.
وَأجَاب بِأَن التَّفْصِيل عُلِمَ من غير هَذَا الحَدِيث.





[ قــ :1196 ... غــ :140 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَمْرُو بنُ أبِي سَلَمَةَ عنِ الأوزَاعِيِّ قَالَ أخبرَنِي ابنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ وَعِيَادَةُ المَرِيضِ وَاتِّبَاع الجَنَائِزِ وَإجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَاتِّبَاع الْجَنَائِز) .

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد قَالَ الكلاباذي، روى البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن أبي سَلمَة غير مَنْسُوب فِي ( كتاب الْجَنَائِز) : يُقَال إِنَّه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي.
.

     وَقَالَ  فِي ( أَسمَاء رجال الصَّحِيحَيْنِ) : مُحَمَّد بن يحيى ابْن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذِئْب، أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّوْم والطب والجنائز وَالْعِتْق وَغير مَوضِع فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ وَكَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه مَاتَ مُحَمَّد بن يحيى بعد البُخَارِيّ بِيَسِير تَقْدِيره سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عَمْرو بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: أَبُو حَفْص التنيسِي، مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: سعيد بن الْمسيب.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بِلَا نِسْبَة وَوَاحِد مَذْكُور بنسبته وَالْآخر مَذْكُور باسم جده.
قيل: عَمْرو بن أبي سَلمَة ضعفه ابْن معِين وَغَيره، فَكيف حَال حَدِيثه عِنْد البُخَارِيّ؟ وَأجِيب: بِأَن تَضْعِيفه كَانَ بِسَبَب أَن فِي حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ مناولة وإجازة فَلذَلِك عنعن، فَدلَّ على أَنه لم يسمعهُ.
وَأجِيب: نصْرَة للْبُخَارِيّ: بِأَنَّهُ اعْتمد على المناولة وَاحْتج بهَا.
وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهَا ويحتج بهَا، وَمَعَ هَذَا لم يكْتب بذلك، وَقد قواه بالمتابعة على مَا نذكرها عَن قريب.
وَفِيه: أَن شَيْخه نيسابوري، وَعَمْرو بن أبي سَلمَة تنيسي سكن بهَا وَمَات بهَا وَأَصله من دمشق، وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي، وَابْن شهَاب وَابْن الْمسيب مدنيان.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ نَحوه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( حق الْمُسلم على الْمُسلم) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( خمس يجب للْمُسلمِ على أَخِيه: رد السَّلَام وتشميت الْعَاطِس وَإجَابَة الدعْوَة وعيادة الْمَرِيض وَاتِّبَاع الْجَنَائِز) .
قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ معمر يُرْسل هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ فأسنده مرّة عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، حَدثنِي يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَابْن حجر قَالُوا: حَدثنَا إِسْمَاعِيل وَهُوَ ابْن جَعْفَر عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( حق الْمُسلم على الْمُسلم سِتّ قيل: مَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: إِذا لَقيته فَسلم عَلَيْهِ، وَإِذا دعَاك فأجبه.
وَإِذا استنصحك فانصح لَهُ، فَإِذا عطس فَحَمدَ الله فشمته.
وَإِذا مرض فعده، وَإِذا مَاتَ فَاتبعهُ)
.
والْعَلَاء هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: ( حق الْمُسلم) ، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا اللَّفْظ أَعم من الْوَاجِب على الْكِفَايَة وعَلى الْعين، وَمن الْمَنْدُوب،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَي: حق الْحُرْمَة والصحبة.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : الْحق فِيهِ بِمَعْنى حق حرمته عَلَيْهِ وَجَمِيل صحبته لَهُ، لَا أَنه من الْوَاجِب، وَنَظِيره: ( حق الْمُسلم أَن يغْتَسل كل جُمُعَة) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: المُرَاد من الْحق هُنَا الْوُجُوب خلافًا لقَوْل ابْن بطال.
قلت: المُرَاد هُوَ الْوُجُوب على الْكِفَايَة.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: هَذِه كلهَا من حق الْإِسْلَام، يَسْتَوِي فِيهَا جَمِيع الْمُسلمين برهم وفاجرهم، غير أَنه يخص الْبر بالبشاشة والمصافحة دون الْفَاجِر الْمظهر للفجور، وَقد مر الْكَلَام فِي بَقِيَّة الحَدِيث عَن قريب.

تابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ
أَي: تَابع عَمْرو بن أبي سَلمَة عبد الرَّزَّاق بن هما، قَالَ: أخبرنَا معمر بن رَاشد، وَهَذِه الْمُتَابَعَة ذكرهَا مُسلم، رَحمَه الله، وَقد ذَكرنَاهَا الْآن.

وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عنْ عُقَيْلٍ أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور سَلامَة، بتَخْفِيف اللَّام: ابْن خَالِد بن عقيل الْأَيْلِي توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن أخي عقيل، بِضَم الْعين: إِبْنِ خَالِد بن عقيل، ذكر البُخَارِيّ أَنه سمع من عقيل بن خَالِد، وَذكر غير وَاحِد أَن حَدِيثه عَنهُ كتاب وَلم يسمع مِنْهُ، وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن سَلامَة فَقَالَ: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث.


( بابُُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الدُّخُول على الْمَيِّت إِذا أدرج أَي: إِذا لف فِي أَكْفَانه.



[ قــ :1196 ... غــ :14 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرَنا عَبْدُ الله قَالَ أَخْبرنِي مَعْمَرٌ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبَرَتْهُ قالَتْ أقْبَلَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حتَّى نَزَلَ فدَخَلَ المَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فتَيَمَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ مُسَجَّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فقَالَ بِأبِي أنْتَ يَا نَبِيَّ الله لاَ يَجْمَعُ الله عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كَتَبَ الله علَيْكَ فَقَدْ مُتُّهَا.
قَالَ أبُو سَلَمَةَ فَأَخْبرنِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأبَى فَقَالَ إجْلِسْ فأبَى فتَشَهَّدَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَالَ إلَيْهِ النَّاسُ وتَرَكُوا عُمَرَ فقالَ أمَّا بَعْدُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدا فإنَّ مُحَمَّدا قَدْ ماتَ وَمَنْ كانَ يَعْبُدُ الله فَإنَّ الله حيٌّ لَا يَمُوتُ.
قَالَ الله تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَالله لَكَأنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أنَّ الله أنزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إلاَّ يَتْلُوهَا.

.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، قيل: لَا نسلم الظُّهُور، لِأَن التَّرْجَمَة فِي الدُّخُول على الْمَيِّت إِذا أدرج فِي الْكَفَن، وَمتْن الحَدِيث وَهُوَ مسجى يبرد حبرَة، وَلم يكن حِينَئِذٍ غسل، فضلا عَن أَن يكون مدرجا فِي الْكَفَن.
وَأجِيب: بِأَن كشف الْمَيِّت بعد تسجيته مساوٍ لحاله بعد تكفينه، وَذَلِكَ لِأَن مِنْهُم من منع عَن الِاطِّلَاع على الْمَيِّت إلاَّ الْغَاسِل، وَمن يَلِيهِ، لِأَن الْمَوْت سَبَب لتغير محَاسِن الْحَيّ، لِأَنَّهُ يكون كريها فِي المنظر، فَلذَلِك أَمر بتغميضه وتسجيته، وَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى جَوَاز ذَلِك بالترجمة الْمَذْكُورَة، وَلما كَانَ حَاله بعد التسجية مثل حَاله بعد التَّكْفِين وَقع التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من هَذِه الْحَيْثِيَّة.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد.
الرَّابِع: يُونُس ابْن يزِيد.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
السَّادِس: أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ وَعبد الله مروزيان وَمعمر بَصرِي وَيُونُس أيلي وَالزهْرِيّ وَأَبُو سَلمَة مدنيان.
وَفِيه: أَرْبَعَة مِنْهُم بِلَا نِسْبَة، وَوَاحِد بالكنية.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل وَفِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن أبي مُعَاوِيَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بالسنح) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون والحاء الْمُهْملَة، وَهُوَ منَازِل بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج، بَينهمَا وَبَين منزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ميل، وَزعم صَاحب ( الْمطَالع) أَن أَبَا ذَر كَانَ يَقُوله بِإِسْكَان النُّون.
قَوْله: ( فتميم) ، أَي: قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَهُوَ مسجى) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا.
ومسجى إسم مفعول من سجى يسجي تسجية.
يُقَال: سجيت الْمَيِّت تسجية إِذا مددت عَلَيْهِ ثوبا، وَمعنى مسجىً: هُنَا مغطىً.
قَوْله: ( ببر حبرَة) ، بِالْوَصْفِ وَالْإِضَافَة، وَالْبرد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: وَهُوَ نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف، وَالْجمع: أبراد وبرود، والبردة والشملة المخططة وحبرة على وزن عنبة ثوب يماني يكون من قطن أَو كتاب مخطط،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هُوَ ثوب أَخْضَر.
قَوْله: ( ثمَّ أكب عَلَيْهِ) ، هَذَا اللَّفْظ من النَّوَادِر حَيْثُ هُوَ لَازم، وثلاثيه كب مُتَعَدٍّ عكس مَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الْقَوَاعِد التصريفية.
قَوْله: ( فَقبله) أَي: بَين عَيْنَيْهِ وَقد ترْجم عَلَيْهِ النَّسَائِيّ وَأوردهُ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ: تَقْبِيل الْمَيِّت وَأَيْنَ يقبل مِنْهُ؟ قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة ( عَن عَائِشَة: أَن أَبَا بكر قبل بَين عَيْني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ميت) .
قَوْله: ( بِأبي أَنْت) أَي: أَنْت مفدىً بِأبي، فالباء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف فَيكون مَرْفُوعا لِأَنَّهُ يكون مُبْتَدأ وخبرا.
وَقيل: فعل، فَيكون مَا بعده مَنْصُوبًا تَقْدِيره: فديتك بِأبي.
قَوْله: ( لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين) ، قَالَ الدَّاودِيّ: لم يجمع الله عَلَيْك شدَّة بعد الْمَوْت لِأَن الله تَعَالَى قد عصمك من أهوال الْقِيَامَة.
قَالَ: وَقيل: لَا يَمُوت موتَة أُخْرَى فِي قَبره كَمَا يحيى غَيره فِي الْقَبْر فَيسْأَل ثمَّ يقبض،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: أَرَادَ بذلك مَوته وَمَوْت شَرِيعَته، يدل عَلَيْهِ.
قَوْله: ( من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا) .
وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك ردا لمن قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت وسيبعث وَيقطع أَيدي رجال وأرجلهم.
قيل: إِنَّه معَارض لقَوْله تَعَالَى: { امتّنا اثْنَتَيْنِ واحيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ} ( غَافِر: 11) .
وَأجِيب: بِأَن الأولى الْخلقَة من التُّرَاب وَمن نُطْفَة لِأَنَّهُمَا موَات، وَالثَّانيَِة الَّتِي بِمَوْت الْخلق، وَإِحْدَى الحياتين فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى بعد الْمَوْت فِي الْآخِرَة.
وَعَن الضَّحَّاك: أَن الأولى الْمَوْت فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانيَِة الْمَوْت فِي الْقَبْر بعد الْفِتْنَة والمسالة، وَاحْتج بِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال للنطفة وَالتُّرَاب ميت، وَإِنَّمَا الْمَيِّت من تقدّمت لَهُ حَيَاة، ورد عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: { وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة أحييناها} ( يس: 33) .
لم يتَقَدَّم لَهَا حَيَاة قطّ، وَإِنَّمَا خلقهَا الله جمادا ومواتا، وَهَذَا من سَعَة كَلَام الْعَرَب.
قَوْله: ( الَّتِي كتب الله) أَي: قدر الله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( الَّتِي كتبت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: قدرت.
قَوْله: ( مِنْهَا) ، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، من: مَاتَ يَمُوت، وَمَات يمات، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الموتة.
قَوْله: ( وَعمر يكلم النَّاس) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( فَمَا يسمع بشر) ، يسمع على صِيغَة الْمَجْهُول تَقْدِيره: مَا يسمع بشر يَتْلُو شَيْئا إلاَّ هَذِه الْآيَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ اسْتِحْبابُُ تسجية الْمَيِّت.
وَفِيه: جَوَاز تَقْبِيل الْمَيِّت لفعل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَأن أَبَا بكر فِي تقبيله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَفْعَله إلاَّ قدوة بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما روى التِّرْمِذِيّ مصححا: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عُثْمَان بن مَظْعُون وَهُوَ ميت فأكب عَلَيْهِ وَقَبله ثمَّ بَكَى حَتَّى رَأَيْت الدُّمُوع تسيل على وجنتيه وَفِي ( التَّمْهِيد) لما توفّي عُثْمَان كشف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّوْب عَن وَجهه وَبكى بكاء طَويلا وَقبل بَين عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا رفع على السرير قَالَ: طُوبَى لَك يَا عُثْمَان، لم تلبسك الدُّنْيَا وَلم تلبسها) .
وَفِيه: جَوَاز الْبكاء على الْمَيِّت من غير نوح.
وَفِيه: أَن الصدِّيق أعلم من عمر، وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي ظهر فِيهَا ثاقب علمه، وَفضل مَعْرفَته، ورجاحة رَأْيه، وبارع فهمه، وَحسن إسراعه بِالْقُرْآنِ، وثبات نَفسه، وَكَذَلِكَ مكانته عِنْد الإمرة لَا يُسَاوِيه فِيهَا أحد إلاَّ يرى أَنه حِين تشهد بَدَأَ بالْكلَام مَال إِلَيْهِ النَّاس وَتركُوا عمر وَلم يكن ذَلِك إلاَّ لعَظيم مَنْزِلَته فِي النُّفُوس على عمر وسمو مَحَله عِنْدهم، وَقد أقرّ بذلك عمر حِين مَاتَ الصّديق، فَقَالَ: وَالله مَا أحب أَن ألْقى الله بِمثل عمل أحد إلاَّ بِمثل عمل أبي بكر، ولوددت أَنِّي شَعْرَة فِي صَدره، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي وَالله لأمشي مَعَ عمر فِي خِلَافَته وَبِيَدِهِ الدرة وَهُوَ يحدث نَفسه وَيضْرب قدمه بدرته مَا مَعَه غَيْرِي، إِذْ قَالَ لي: يَا ابْن عَبَّاس، هَل تَدْرِي مَا حَملَنِي على مَقَالَتي الَّتِي قلت حِين مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لَا أَدْرِي وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
قَالَ: فَإِنَّهُ مَا حَملَنِي على ذَلِك إلاَّ قَوْله عز وَجل: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} إِلَى قَوْله: { شَهِيدا} ( الْبَقَرَة: 341) .
فوَاللَّه إِن كنت لأَظُن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيبقى فِي أمته حَتَّى يشْهد عَلَيْهَا بأجزاء أَعمالهَا.
وَفِيه: حجَّة مَالك فِي قَوْله فِي الصَّحَابَة: مخطىء ومصيب فِي التَّأْوِيل.
وَفِيه اهتمام عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِأَمْر الشَّرِيعَة وَإِنَّهَا لم يشغلها ذَلِك عَن حفظهَا مَا كَانَ من أَمر النَّاس فِي ذَلِك اليوموفيه: غيبَة الصدّيق عَن وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم بالسنح، وَكَانَ متزوجا هُنَاكَ.
وَفِيه: الدُّخُول على الْمَيِّت بِغَيْر اسْتِئْذَان، وَيجوز أَن يكون عِنْد عَائِشَة غَيرهَا فَصَارَ كالمحفل لَا يحْتَاج الدَّاخِل إِلَى إِذن، وَرُوِيَ أَنه اسْتَأْذن فَلَمَّا دخل أذن للنَّاس.
وَفِيه: قَول أبي بكر لعمر: إجلس، فَأبى إِنَّمَا ذَلِك لما دخل عمر من الدهشة والحزن، وَقد قَالَت أم سَلمَة: مَا صدقت بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى سَمِعت وَقع الكرازين.
قَالَ الْهَرَوِيّ: هِيَ الفئوس، وَقيل: تُرِيدُ وَقع الْمساحِي تحثو التُّرَاب عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحْتَمل أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ظن أَن أَجله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يَأْتِ وَأَن الله تَعَالَى منَّ على الْعباد بطول حَيَاته، وَيحْتَمل أَن يكون أنسي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّك ميت} ( الزمر: 03) .
وَقَوله: { وَمَا مُحَمَّد إلاَّ رَسُول} إِلَى: { أفائن مَاتَ} ( آل عمرَان: 441) .
وَكَانَ يَقُول مَعَ ذَلِك: ذهب مُحَمَّد لميعاد ربه، كَمَا ذهب مُوسَى لمناجاة ربه، وَكَانَ فِي ذَلِك ردعا لِلْمُنَافِقين وَالْيَهُود حِين اجْتمع النَّاس.
وَأما أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَأى إِظْهَار الْأَمر تجلدا، وَلما تَلا الْآيَة كَانَت تعزيا وتصبرا.
وَفِيه: جَوَاز التفدية بِالْآبَاءِ والأمهات.
وَفِيه: ترك تَقْلِيد الْمَفْضُول عِنْد وجود الْفَاضِل.





[ قــ :1196 ... غــ :143 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي خارِجَةُ ابنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّ أُمَّ العَلاَءِ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ بايَعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّهُ اقتُسِمَ المُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بنُ مَظْعُونٍ فأنْزَلْنَاهُ فِي أبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أثْوَابِهِ دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ رَحْمَةُ الله عليْكَ أبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لقدْ أكْرَمَكَ الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله؟ فَقَالَ أمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ وَالله إنِّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ وَالله مَا أدْرِي وَأنَا رسولُ الله مَا يفْعَلُ بِي قالَتْ فَوالله لاَ اُزْكِي أحدا بَعْدَهُ أبَدا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي على عُثْمَان بعد أَن غسل وكفن، وَهَذِه الْمُطَابقَة أظهر من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق للتَّرْجَمَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: خَارِجَة اسْم فَاعل من الْخُرُوج ابْن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة بِالْمَدِينَةِ، مَاتَ سنة مائَة.
السَّادِس: أم الْعَلَاء بنت الْحَارِث ابْن ثَابت بن خَارِجَة الْأَنْصَارِيَّة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور باسم جده وَأَنه وَشَيْخه مصريان وعقيلي أيلي وَابْن شهَاب وخارجة مدنيان.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَفِيه: أم الْعَلَاء ذكر فِي ( تَهْذِيب الْكَمَال) وَيُقَال: إِن أم الْعَلَاء زَوْجَة زيد بن ثَابت وَأم أَبِيه خَارِجَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هِيَ أم خَارِجَة، ثمَّ قَالَ: وَلَا يخفى أَن ذكر خَارِجَة مُبْهمَة لَا يَخْلُو عَن غَرَض أَو أغراض.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشَّهَادَات، وَفِي التَّفْسِير عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْهِجْرَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن عَبْدَانِ، وَفِي التَّعْبِير والجنائز أَيْضا عَن سعيد بن عقيل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن سُوَيْد بن نصر عَن عبد الله بن الْمُبَارك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أم الْعَلَاء) ، مَنْصُوب بِأَن وَخَبره.
قَوْله: ( أخْبرته) قَوْله: ( امْرَأَة من الْأَنْصَار) عطف بَيَان وَيجوز أَن يرفع على أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ امْرَأَة من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع أَو النصب على أَنَّهَا صفة لامْرَأَة على الْوَجْهَيْنِ.
قَوْله: ( أَنه) الضَّمِير فِيهِ للشأن.
قَوْله: ( اقتسم الْمُهَاجِرُونَ قرعَة) اقتسم على صِيغَة الْمَجْهُول.
و: الْمُهَاجِرُونَ، مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، و: قرعَة، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِقرْعَة، وَالْمعْنَى: اقتسم الْأَنْصَار الْمُهَاجِرين بِالْقُرْعَةِ فِي نزولهم عَلَيْهِم وسكناهم فِي مَنَازِلهمْ، لِأَن الْمُهَاجِرين لما دخلُوا الْمَدِينَة لم يكن مَعَهم شَيْء من أَمْوَالهم فَدَخَلُوهَا فُقَرَاء، وَكَانَ بَنو مَظْعُون ثَلَاثَة: عُثْمَان وَعبد الله وَقُدَامَة بدريون أخوال ابْن عمر.
قَوْله: ( فطار لنا عُثْمَان) يَعْنِي: وَقع فِي الْقرعَة فِي سهم الْأَنْصَار الَّذين أم الْعَلَاء مِنْهُم، ويروى: ( فَصَارَ لنا) ، فَإِن ثبتَتْ هَذِه الرِّوَايَة فمعناها صَحِيح.
قَوْله: ( وَجَعه) ، نصب على الْمصدر.
قَوْله: ( أَبَا السَّائِب) ، بِالسِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، منادى حذف حرف ندائه، وَالتَّقْدِير: يَا أَبَا السَّائِب، وَهُوَ كنية عُثْمَان بن مَظْعُون، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بابُُ الْقرعَة فِي المشكلات: أَن عُثْمَان بن مَظْعُون طَار لَهُ سَهْمه فِي السُّكْنَى حِين أقرعت الْأَنْصَار سُكْنى الْمُهَاجِرين.
قَالَت: أم الْعَلَاء: فسكن عندنَا عُثْمَان بن مَظْعُون، فاشتكى فمرضناه حَتَّى إِذا توفّي وجعلناه فِي ثِيَابه دخل علينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب.
وَفِي كتاب الْهِجْرَة وَالتَّعْبِير: ( قَالَت أم الْعَلَاء: فأحزنني ذَلِك فَنمت، فأوريت لَهُ عينا تجْرِي، فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: ذَاك عمله يجْرِي لَهُ) .
قَوْله: ( فشهادتي عَلَيْك) ، جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَمثل هَذَا التَّرْكِيب يسْتَعْمل عرفا وَيُرَاد بِهِ معنى الْقسم، كَأَنَّهَا قَالَت: أقسم بِاللَّه لقد أكرمك الله.
قَالَ الْكرْمَانِي: ( شهادتي) مُبْتَدأ، ( وَعَلَيْك) صلته، وَالْقسم مُقَدّر، وَالْجُمْلَة القسمية خبر الْمُبْتَدَأ، وَتَقْدِيره: شهادتي عَلَيْك قولي وَالله لقد أكرمك الله.
ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: هَذِه الشَّهَادَة لَهُ لَا عَلَيْهِ؟ قلت: الْمَقْصُود مِنْهَا معنى الاستعلاء فَقَط بِدُونِ مُلَاحظَة الْمضرَّة وَالْمَنْفَعَة.
قَوْله: ( وَمَا يدْريك؟) بِكَسْر الْكَاف أَي: من أَيْن علمت أَن الله أكْرمه؟ أَي: عُثْمَان؟ قَوْله: ( بِأبي أَنْت) أَي: مفدى أَنْت بِأبي، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب: قَوْله: ( فَمن يُكرمهُ الله) أَي: هُوَ مُؤمن خَالص مُطِيع فَإِذا لم يكن هُوَ من الْمُكرمين من عِنْد الله فَمن يُكرمهُ؟ قَوْله: ( أما هُوَ) أَي: عُثْمَان وَكلمَة: أما، تَقْتَضِي القسيم، وقسميهما هُنَا مُقَدّر تَقْدِيره: وَأما غَيره فخاتمة أمره غير مَعْلُومَة، أهوَ مِمَّا يُرْجَى لَهُ الْخَيْر عِنْد الْيَقِين أَي الْمَوْت أم لَا؟ قَوْله: ( وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي) كلمة: مَا، مَوْصُولَة أَو استفهامية.
قَالَ الدَّاودِيّ: مَا يفعل بِي وهم، وَالصَّوَاب: مَا يفعل بِهِ، أَي: بعثمان، لِأَنَّهُ لَا يعلم من ذَلِك إِلَّا مَا يُوحى إِلَيْهِ.
وَقيل: قَوْله: ( مَا يفعل بِي) ، يحْتَمل أَن يكون قبل إِعْلَامه بالغفران لَهُ، أَو يكون الْمَعْنى: مَا يفعل بِي فِي أَمر الدُّنْيَا مِمَّا يصيبهم فِيهَا.
فَإِن قلت: عُثْمَان هَذَا أسلم بعد ثَلَاثَة عشر رجلا، وَهَاجَر الهجرتين، وَشهد بَدْرًا، وَهُوَ أول من مَاتَ من الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ، وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن أهل بدر غفر الله لَهُم.
قلت: قد قيل: بِأَن ذَلِك قبل أَن يخبر أَن أهل بدر من أهل الْجنَّة.
فَإِن قلت: هَذَا أَيْضا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( مَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها حَتَّى رفعتموه) .
قلت: لَا تعَارض فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْطق عَن الْهوى، فَأنْكر على أم الْعَلَاء قطعهَا على عُثْمَان إِذْ لم تعلم هِيَ من أمره شَيْئا.
وَفِي حَدِيث جَابر، قَالَ: مَا علمه إلاَّ بطرِيق الْوَحْي إِذْ لَا يقطع على مثل هَذَا إلاَّ بِوَحْي، حَاصله أَن مَا قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِخْبَار من لَا ينْطق عَن الْهوى، وَذَلِكَ كَلَام أم الْعَلَاء وليسا بالسواء.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دَلِيل على أَنه لَا يجْزم لأحد بِالْجنَّةِ إلاَّ مَا نَص عَلَيْهِ الشَّارِع: كالعشرة المبشرة وأمثالهم سِيمَا وَالْإِخْلَاص أَمر قلبِي لَا اطلَاع لنا عَلَيْهِ.
وَفِيه: مواساة الْفُقَرَاء الَّذين لَيْسَ لَهُم مَال وَلَا منزل ببذل المَال وَإِبَاحَة الْمنزل.
وَفِيه: إِبَاحَة الدُّخُول على الْمَيِّت بعد التَّكْفِين.
وَفِيه: جَوَاز الْقرعَة.
وَفِيه: الدُّعَاء للْمَيت.

حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ مِثْلَهُ

سعيد هَذَا هُوَ سعيد بن كثير بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا رَاء: أَبُو عُثْمَان الْمصْرِيّ، يروي عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ بِمثلِهِ، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأخرج من هَذَا الطَّرِيق فِي التَّعْبِير على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وقالَ نافِعُ بنُ يَزيدَ عنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ

أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن الْمَحْفُوظ فِي رِوَايَة اللَّيْث مَا يفعل بِهِ، وَقد مر أَنه الصَّوَاب دون مَا يفعل بِي، وأكتفي بِهَذَا الْقدر إِشَارَة إِلَى أَن بَاقِي الحَدِيث لم يخْتَلف فِيهِ، وَنَافِع بن يزِيد أَبُو يزِيد مولى شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي الْمصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَوصل الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا التَّعْلِيق عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا: حَدثنَا الْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي حَدثنَا عبد الله بن يحيى المغافري حَدثنَا نَافِع بن يزِيد عَن عقيل بِهِ.

وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ

ذكر البُخَارِيّ مُتَابعَة شُعَيْب فِي كتاب الشَّهَادَات، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي خَارِجَة ابْن زيد الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الحَدِيث، ومتابعة عَمْرو بن دِينَار وَصلهَا ابْن أبي عمر فِي ( مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة عَنهُ، ومتابعة معمر بن رَاشد ذكرهَا البُخَارِيّ فِي التَّعْبِير فِي: بابُُ الْعين الْجَارِيَة: حَدثنَا عَبْدَانِ أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أم الْعَلَاء.
.
إِلَى آخِره.