فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل من مات له ولد فاحتسب وقال الله عز وجل: {وبشر الصابرين} [البقرة: 155]

(بابُُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل من مَاتَ لَهُ ولد فاحتسب، أَي: صَبر رَاضِيا بِقَضَاء الله تَعَالَى راجيا لِرَحْمَتِهِ وغفرانه، والاحتساب من الْحسب، كالاعتداد من الْعدَد، وَإِنَّمَا قيل لمن يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجه الله: احتسبه، لِأَن لَهُ حِينَئِذٍ أَن يعْتد بِعَمَلِهِ، فَجعل فِي حَال مُبَاشرَة الْفِعْل كَأَنَّهُ مُعْتَد بِهِ، والاحتساب فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَعند المكروهات هُوَ البدار إِلَى طلب الْأجر وتحصيله بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْر أَو بِاسْتِعْمَال أَنْوَاع الْبر وَالْقِيَام بهَا على الْوَجْه المرسوم فِيهَا طلبا للثَّواب المرجو مِنْهَا، وَإِنَّمَا ذكر لفظ الْوَلَد ليتناول الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد فَمَا فَوْقه.
فَإِن قلت: أَحَادِيث الْبابُُ ثَلَاثَة، وفيهَا التَّقْيِيد بِثَلَاثَة واثنين؟ قلت: فِي بعض طرق الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ ذكر الْوَاحِد كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِيمَا نذكرهُ الْآن، لِأَنَّهُ روى فِي هَذَا الْبابُُ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم أَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ ومعاذ بن جبل وَعتبَة بن عبد وَجَابِر بن عبد الله ومطرف ابْن الشخير وَأنس بن مَالك وَأَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبُو ثَعْلَبَة وَعقبَة بن عَامر وقرة بن أياس الْمُزنِيّ وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو أُمَامَة وَأَبُو مُوسَى والْحَارث بن وقيش وَجَابِر بن سَمُرَة وَعَمْرو بن عبسة وَمُعَاوِيَة بن حيدة وَعبد الرَّحْمَن بن بشير وَزُهَيْر بن عَلْقَمَة وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَعبد الله بن الزبير وَابْن النَّضر السّلمِيّ وسفينة وحوشب بن طخمة والحسحاس بن بكر وَعبد الله بن عمر وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَبُرَيْدَة وَأَبُو سَلمَة راعي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وحبيبة بنت سهل وَأم سليم وَأم مُبشر وَرجل لم يسم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ عَن ابْنه أبي عُبَيْدَة عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قدم ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث كَانُوا لَهُ حصنا حصينا.
قَالَ أَبُو ذَر: قدمت اثْنَيْنِ؟ قَالَ: وإثنين.
قَالَ أبي بن كَعْب سيد الْقُرَّاء: قدمت وَاحِدًا؟ قَالَ: وواحدا، وَلَكِن إِنَّمَا ذَلِك عِنْد الصدمة الأولى) .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه.
وَحَدِيث عبد الله ابْن عَبَّاس عِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ يحدث أَنه سمع ابْن عَبَّاس يحدث أَنه سمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (من كَانَ لَهُ فرطان من أمتِي أدخلهُ الله بهما الْجنَّة، فَقَالَت عَائِشَة: فَمن كَانَ لَهُ فرط من أمتك؟ فَقَالَ: وَمن كَانَ لَهُ فرط يَا موفقة.
قَالَت: فَمن لم يكن لَهُ فرط من أمتك؟ قَالَ أَنا فرط أمتِي لن يصابوا بمثلي) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ذكروان عَنهُ على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَحَدِيث معَاذ عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أوجب ذُو الثَّلَاثَة.
قَالُوا: وَذُو الْإِثْنَيْنِ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَذُو الْإِثْنَيْنِ.
.
) وَرَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وروى ابْن مَاجَه عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن السقط ليجر أمه بسروره إِلَى الْجنَّة إِذا احتسبته) .
وَالسُّرُور بِفتْحَتَيْنِ هُوَ مَا تقطعه الْقَابِلَة من السُّرَّة.
وَحَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن لبيد عَنهُ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من مُسلم يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ تلقوهُ من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية، من أَيهَا شَاءَ دخل) .
وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد الْبَيْهَقِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد فاحتسبهم عِنْد الله دخل الْجنَّة، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله وإثنان؟ قَالَ: وإثنان.
قَالَ مَحْمُود: فَقلت لجَابِر، وَالله إِنِّي لأَرَاكُمْ لَو قُلْتُمْ وَاحِدًا لقَالَ وَاحِدًا.
قَالَ: أَنا وَالله أَظن ذَلِك.
) وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا.
وَحَدِيث مطرف بن الشخير عِنْد مُسَدّد فِي (مُسْنده) قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للْأَنْصَار: مَا الرقوب فِيكُم؟ قَالُوا: الَّذِي لَا ولد لَهُ.
قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ ذاكم بالرقوب، الرقوب الَّذِي يقدم على ربه وَلم يقدم أحدا من وَلَده) ، الحَدِيث عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث أبي ذَر عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن (عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة، قَالَ: لقِيت أَبَا ذَر، قلت: حَدثنِي.
قَالَ: نعم، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من مُسلمين يَمُوت بَينهمَا ثَلَاثَة أَوْلَاد لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ غفر الله لَهما بِفضل رَحمته إيَّاهُم) .
وَحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت عِنْد أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَالنُّفَسَاء يجرها وَلَدهَا يَوْم الْقِيَامَة بسرره إِلَى الْجنَّة) .
وَحَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ عِنْد أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) من رِوَايَة ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن عمر بن نَبهَان عَنهُ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، مَاتَ لي ولدان فِي الْإِسْلَام، فَقَالَ: من مَاتَ لَهُ ولدان فِي الْإِسْلَام أدخلهُ الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُمَا) .
وَحَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث أبي غثانة المغافري أَنه سمع عقبَة بن عَامر يَقُول: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أثكل ثَلَاثَة من صلبه فاحتسبهم على الله عز وَجل وَجَبت لَهُ الْجنَّة) ، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا.
وَحَدِيث قُرَّة بن إِيَاس عِنْد النَّسَائِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه (أَن رجلا أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَهُ ابْن لَهُ، فَقَالَ: أنحبه فَقَالَ أحبك الله كَمَا أحبه، فَمَاتَ فَفَقدهُ فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالَ: مَا يَسُرك أَن لَا تَأتي بابُُا من أَبْوَاب الْجنَّة إلاَّ وجدته عِنْده يسْعَى يفتح لَك؟) وَحَدِيث عَليّ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن السقط ليراغم ربه إِن أَدخل أَبَوَيْهِ النَّار حَتَّى يُقَال لَهُ: أَيهَا السقط المراغم ربه إرجع فَإِنِّي قد أدخلت أَبَوَيْك الْجنَّة.
قَالَ: فيجرهما بسرره حَتَّى يدخلهما الْجنَّة) .
وَرَوَاهُ أَبُو يعلى أَيْضا.
وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من مُؤمنين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة من الْأَوْلَاد لم يبلغُوا الْحلم إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم) .
وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز.
وَحَدِيث الْحَارِث بن وقيش، وَيُقَال أقيش، عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أفراط إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة، قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَثَلَاثَة؟ قَالَ: وَثَلَاثَة.
قَالُوا: وإثنان؟ قَالَ: وإثنان) .
وَحَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من دفن ثَلَاثَة من الْوَلَد فَصَبر عَلَيْهِم واحتسبهم وَجَبت لَهُ الْجنَّة، فَقَالَت أم أَيمن: أَو اثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: وَمن دفن اثْنَيْنِ فَصَبر عَلَيْهِمَا واحتسبهما وَجَبت لَهُ الْجنَّة؟ فَقَالَت أم أَيمن أَو وَاحِدًا؟ قَالَت: فَسكت أَو أمسك، فَقَالَ: سَمِعت أم أَيمن من دفن وَاحِدًا فَصَبر واحتسب كَانَت لَهُ الْجنَّة) .
وَحَدِيث عَمْرو بن عبسة عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْوَضِين، الحَدِيث، وَفِيه: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (مَا من مُؤمن وَلَا مُؤمنَة يقدم الله لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد من صلبه لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته هُوَ وإياهم) .
وَحَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة عِنْد ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (سَوْدَاء ولود خير من حسناء لَا تَلد، إِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم، حَتَّى إِن السقط ليظل محبنطيا على بابُُ الْجنَّة، فَيُقَال: أَدخل فَيَقُول: أَنا وأبوي، فَيُقَال أَنْت وأبويك) .
وَحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث لن يلج النَّار إلاَّ عَابِر سَبِيل) يَعْنِي الْجَوَاز على الصِّرَاط.
وَحَدِيث زُهَيْر بن عَلْقَمَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: (جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْن لَهَا مَاتَ، فَكَانَ الْقَوْم عنفوها فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَاتَ لي ابْنَانِ، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد احتظرت من النَّار احتظارا شَدِيدا) وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، رَحمَه الله تَعَالَى.
وَحَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قد استجن جنَّة حَصِينَة من النَّار رجل سلف بَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة من صلبه فِي الْإِسْلَام) ، وَحَدِيث عبد الله بن الزبير عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد.
.
) الحَدِيث.
وَحَدِيث ابْن النَّضر السّلمِيّ عِنْد مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة من الْوَلَد فيحتسبهم إلاَّ كَانُوا لَهُ جنَّة من النَّار، فَقَالَت امْرَأَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو اثْنَان؟ قَالَ: أَو اثْنَان) .
قَالَ ابْن عبد الْبر: ابْن النَّضر هَذَا مَجْهُول فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَاخْتلف الروَاة (للموطأ) فبعضهم يَقُول: عَن ابْن النَّضر، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن أبي النَّضر، وَلَا يعرف إلاَّ بِهَذَا الحَدِيث.
وَحَدِيث سفينة عِنْد ابْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب (رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر) قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بخ بخ، خمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إلاَّ الله وَالله أكبر، وفرط صَالح يفرطه) .
وَحَدِيث حَوْشَب بن طخمة الْحِمْيَرِي عِنْد ابْن مَنْدَه فِي كتاب (الصَّحَابَة) ، وَابْن قَانِع أَيْضا فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (من مَاتَ لَهُ ولد فَصَبر واحتسب قيل لَهُ: ادخل الْجنَّة بِفضل مَا أَخذنَا مِنْك) .
اللَّفْظ لِابْنِ قَانِع، وَهُوَ عِنْد ابْن مَنْدَه مطول بِلَفْظ آخر.
وَحَدِيث الحسحاس ابْن بكر عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ الَّذِي ذيل بِهِ على الصَّحَابَة لِابْنِ مَنْدَه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من لَقِي الله بِخمْس عوفي من النَّار وَأدْخل الْجنَّة: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إلاَّ الله، وَالله أكبر، وَولد يحْتَسب) .
وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الطَّبَرَانِيّ، قَالَ: (إِن رجلا من الْأَنْصَار كَانَ لَهُ ابْن يروح إِذا رَاح النَّبِي، فَسَأَلَ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنهُ فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: يَا نَبِي الله، نعم، فأحبك الله كَمَا أحبه، فَقَالَ إِن الله أَشد لي حبا مِنْك لَهُ، فَلم يلبث أَن مَاتَ ابْنه ذَاك، فراح إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أقبل عَلَيْهِ بثه، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجزعت؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو لَا ترْضى أَن يكون ابْنك مَعَ ابْني إِبْرَاهِيم يلاعبه تَحت ظلّ الْعَرْش؟ قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله) .
وَحَدِيث الزبير بن الْعَوام عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد.
.
) الحَدِيث.
وَحَدِيث بُرَيْدَة عِنْد الْبَزَّار قَالَ: (كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَلغهُ أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار مَاتَ ابْن لَهَا.
.
) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الرقوب الَّذِي يعِيش وَلَدهَا، إِنَّه لَا يَمُوت لامْرَأَة مسلمة أَو امرىء مُسلم نسمَة، أَو قَالَ ثَلَاثَة من وَلَده، فيحتسبهم إلاَّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة، فَقَالَ عمر: واثنين؟ قَالَ: واثنين) .
وَحَدِيث ابْن سلمى عِنْد النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنهُ مَرْفُوعا: (بخ بخ بِخمْس.
.
) مثل حَدِيث سفينة، وَحَدِيث أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عِنْد أَحْمد رَوَاهُ من حَدِيث الْحَارِث بن وقيش، قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي بَرزَة فَحدث ليلتئذ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أفراط ألاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله وَثَلَاثَة؟ قَالَ: وَثَلَاثَة، قَالُوا: وإثنان؟ قَالَ: وإثنان) .
وَاسم أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد على الصَّحِيح.
وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) (من قدم ثَلَاثَة من الْوَلَد صَابِرًا محتسبا حجبوه عَن النَّار بِإِذن الله تَعَالَى) .
وَحَدِيث حَبِيبَة بنت سهل عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة أَطْفَال لم يبلغُوا الْحِنْث، إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم) .
وَحَدِيث أم سليم عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من حَدِيث عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن أم سليم ابْنة ملْحَان، وَهِي أم أنس، أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من مُسلمين) الحَدِيث، نَحْو حَدِيث حَبِيبَة بنت سهل.
وَحَدِيث أم مُبشر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَنْهَا، (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: يَا أم مُبشر، من كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أفراط من وَلَده أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم، وَكَانَت أم مُبشر تطبخ طبيخا، فَقَالَت: أَو فرطان؟ فَقَالَ: أَو فرطان) .
وَحَدِيث رجل لم يسم عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) (عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ لامْرَأَة أَتَتْهُ بصبي لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله أدع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يبقيه، فقد مضى لي ثَلَاثَة، فَقَالَ: أمذ أسلمت؟ قَالَت: نعم، قَالَ: جنَّة حَصِينَة من النَّار) .

وَقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ { وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (الْبَقَرَة: 551) .


وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: من مَاتَ، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ الله تَعَالَى: { وَبشر الصابرين} وَوَقع هَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَذكر هَذَا تَأْكِيدًا لقَوْله: فاحتسب، لِأَن الاحتساب لَا يكون إلاَّ بِالصبرِ، وَقد بشر الله الصابرين فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة ووصفهم بقوله عز وَجل { وَبشر الصابرين الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} (الْبَقَرَة: 551) .
وَلَفظ: الْمُصِيبَة، عَام فَيتَنَاوَل الْمُصِيبَة بِالْوَلَدِ وَغَيره.



[ قــ :1203 ... غــ :1248 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ إلاَّ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ.

(الحَدِيث 8421 طرفه فِي: 1831) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَذكر الْوَلَد فِيهَا يتَنَاوَل الثَّلَاثَة فَمَا فَوْقهَا.
فَإِن قلت: ذكر فِيهَا الاحتساب وَلَيْسَ ذَلِك فِي الحَدِيث؟ قلت: هُوَ مُرَاد فِيهِ وَإِن لم يذكر صَرِيحًا لِأَن دُخُول الْجنَّة لَا يكون إِلَّا بالاحتساب فِيهِ.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو.
الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد.
الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه.
الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَفِيه: أَنه من الرباعيات.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِي الْجَنَائِز عَن يُوسُف ابْن حَمَّاد، وَعند النَّسَائِيّ: (من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة، فَقَامَتْ امْرَأَة فَقَالَت: أَو اثْنَان؟ قَالَ: وإثنان، قَالَت الْمَرْأَة: يَا لَيْتَني قلت وَاحِدًا) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا من النَّاس من مُسلم) كلمة: من، الأولى بَيَانِيَّة وَالثَّانيَِة زَائِدَة، وَهُوَ اسْم: لما، قَوْله: (ثَلَاثَة) ، أَي: ثَلَاثَة أَوْلَاد، ويروى: (ثَلَاث) ، لَا يُقَال الْوَلَد مُذَكّر فَلَا بُد من عَلامَة التَّأْنِيث فِيهِ لأَنا نقُول: إِذا كَانَ الْمُمَيز محذوفا جَازَ فِي لفظ الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث.
قَوْله: (يتوفى) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يَمُوت.
قَوْله: (لم يبلغُوا الْحِنْث) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، كَذَا هُوَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَحكى صَاحب (الْمطَالع) عَن الدَّاودِيّ أَنه روى: (لم يبلغُوا الْخبث) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: لم يبلغُوا فعل الْمعاصِي.
قَالَ: وَهَذَا لَا يعرف، إِنَّمَا هُوَ الْحِنْث وَهُوَ الْمَحْفُوظ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) : بلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي: بلغ مبلغا تجْرِي عَلَيْهِ الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة.
وَفِي (الْمُحكم) : الْحِنْث الْحلم،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: بلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي: جرى عَلَيْهِ الْقَلَم، والحنث الذَّنب، قَالَ تَعَالَى: { وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} (الْوَاقِعَة: 64) .
وَقيل: المُرَاد بلغ إِلَى زمَان يُؤَاخذ بِيَمِينِهِ إِذا حنث،.

     وَقَالَ  الرَّاغِب: عبر بِالْحِنْثِ عَن الْبلُوغ لما كَانَ الْإِنْسَان يُؤَاخذ بِمَا يرتكبه فِيهِ، بِخِلَاف مَا قبله قَوْله: (إلاَّ أدخلهُ الْجنَّة) ، هَذَا الِاسْتِثْنَاء وَمَا بعده خبر قَوْله: (وَمَا من مُسلم) .
قَوْله: (بِفضل رَحمته) أَي: بِفضل رَحْمَة الله للأولاد، وَقيل: إِن الضَّمِير فِي: رَحمته، يرجع إِلَى الْأَب لكَونه كَانَ يرحمهم فِي الدُّنْيَا فيجازى بِالرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَة، ورد ذَلِك بِأَن الضَّمِير يرجع إِلَى الله تَعَالَى، بِدَلِيل مَا روى فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه، بِفضل رَحْمَة الله إيَّاهُم.
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، من حَدِيث أبي ذَر: (إلاَّ غفر الله لَهما بِفضل رَحمته) وَكَذَا فِي حَدِيث الْحَارِث بن وقيش، وَقد مر عَن قريب، وَكَذَا فِي حَدِيث عَمْرو بن عبسة وَقد مر أَيْضا، فَكَأَن هَذَا الْقَائِل لم يطلع على الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة، وَتصرف فِيمَا قَالَه.
قَوْله: (إيَّاهُم) ، الضَّمِير يرجع إِلَى قَوْله: (ثَلَاثَة من الْوَلَد) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي توفيت أَوْلَاده، لَا الْأَوْلَاد، وَإِنَّمَا جمع بِاعْتِبَار أَنه نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم.
قلت: الظَّاهِر غير ظَاهر لِأَن فِي غير طَرِيق هَذَا الحَدِيث مَا يدل على أَن الضَّمِير للأولاد، وَذَلِكَ فِي حَدِيث عَمْرو بن أبي عبسة وَأبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ، وَقد مر ذكرهمَا، وَقد تكلّف الْكرْمَانِي فِيمَا قَالَه لعدم إطلاعه على هَذِه الْأَحَادِيث، وَقد علم أَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، فَافْهَم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: خص الصَّغِير لِأَن الشَّفَقَة عَلَيْهِم أعظم وَالْحب لَهُ أَشد وَالرَّحْمَة لَهُ أوفر، وعَلى هَذَا فَمن بلغ الْحِنْث لَا يحصل لمن فَقده مَا ذكر من هَذَا الثَّوَاب، وَإِن كَانَ فِي فقد الْوَلَد مُطلقًا أجر فِي الْجُمْلَة وعَلى هَذَا كثير من الْعلمَاء، لِأَن الْبَالِغ يتَصَوَّر مِنْهُ العقوق الْمُقْتَضِي لعدم الرَّحْمَة، بِخِلَاف الصَّغِير فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ غير مُخَاطب.
وَقيل: بل يدْخل الْكَبِير فِي ذَلِك من طرق الفحوى لِأَنَّهُ إِذا ثَبت ذَلِك فِي الطِّفْل الَّذِي هُوَ كلٌّ على أَبَوَيْهِ، فَكيف لَا يثبت فِي الْكَبِير الَّذِي بلغ مَعَه السَّعْي وَوصل لَهُ مِنْهُ النَّفْع، وَتوجه إِلَيْهِ الْخطاب بالحقوق؟ قَالَ هَذَا الْقَائِل: دَلِيل هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِلْغَاء البُخَارِيّ التَّقْيِيد بذلك فِي التَّرْجَمَة.
قيل: يَقُول الأول: قَوْله: (بِفضل رَحمته إيَّاهُم) لِأَن الرَّحْمَة للصغار أَكثر لعدم حُصُول الْإِثْم مِنْهُم؟ قلت: رَحْمَة الله وَاسِعَة تَشْمَل الصَّغِير وَالْكَبِير فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّقْيِيد.
فَإِن قلت: هَل يلْتَحق بالصغار من بلغ مَجْنُونا مثلا وَاسْتمرّ على ذَلِك فَمَاتَ؟ قلت: الظَّاهِر أَنه يلْحق لعدم الْخطاب.
فَإِن قلت: فِي النَّاس من يكره وَلَده ويتبرأ مِنْهُ، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ ضيق الْحَال؟ قلت: لما كَانَ الْوَلَد مَظَنَّة الْمحبَّة نيط بهَا الحكم، وَإِن كَانَ يُوجد التَّخَلُّف فِي بعض الْأَفْرَاد.
فَإِن قلت: هَل يدْخل أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي هَذَا الحكم؟ قلت: الحَدِيث الَّذِي أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق حَفْص بن عبيد الله عَن أنس عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة.
.
) الحَدِيث يدل على أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد لَا يدْخلُونَ، وَكَذَلِكَ حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ، (رجل سلف بَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة من صلبه فِي الأسلام) ، وَقد مر عَن قريب، وَلَكِن الظَّاهِر أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد الذُّكُور مِنْهُم يدْخلُونَ، وَأَوْلَاد الْبَنَات لَا يدْخلُونَ، وَفِيه: التَّقْيِيد بِالْإِسْلَامِ ليدل على اخْتِصَاص ذَلِك الثَّوَاب بِالْمُسلمِ فَإِن قلت: من مَاتَ لَهُ أَوْلَاد فِي الْكفْر ثمَّ أسلم هَل يدْخل فِيهِ؟ قلت: حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ وَحَدِيث عَمْرو ابْن عبسة اللَّذين قد ذكرا عَن قريب يدلان على عدم ذَلِك.
وَفِيه: دَلِيل على أَن أَطْفَال الْمُسلمين فِي الْجنَّة.
قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : وَهُوَ إِجْمَاع، وَلَا عِبْرَة للمجبرة حَيْثُ جعلوهم تَحت الْمَشِيئَة، فَلَا يعْتد بخلافهم وَلَا بوفاقهم.
وَفِي أَطْفَال الْمُشْركين اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء، فَذهب جمَاعَة إِلَى التَّوَقُّف فِي أَطْفَال الْمُشْركين أَن يَكُونُوا فِي جنَّة أَو نَار، مِنْهُم ابْن الْمُبَارك وَحَمَّاد وَإِسْحَاق لحَدِيث أبي هُرَيْرَة: (سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأَطْفَال؟ فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) .
كَذَا قَالَ: الْأَطْفَال، وَلم يخص طفْلا من طِفْل.
قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) : رُوِيَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لعَائِشَة فِي أَطْفَال الْمُشْركين: (إِن شِئْت دَعَوْت الله تَعَالَى أَن يسمعك تضاغيهم فِي النَّار؟).

     وَقَالَ  سَمُرَة بن جُنْدُب: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَوْلَاد الْمُشْركين هم خدم أهل الْجنَّة) .
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، فَرجع الْأَمر إِلَى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، فَمن سبق علم الله فِيهِ أَنه لَو كبر آمن هم الَّذين قَالَ: (هم خدم أهل الْجنَّة) ، وَهُوَ قَول أهل السّنة.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا قيس بن الرّبيع عَن يحيى بن إِسْحَاق عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بصبي من الْأَنْصَار ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَت: طُوبَى لَهُ عُصْفُور من عصافير الْجنَّة لم يعْمل سوأً قطّ وَلم يدره { فَقَالَ: يَا عَائِشَة} أوَلاَ تدرين أَن الله تبَارك خلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا، خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم، وَخلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم؟) وَرُوِيَ (عَن سَلمَة بن يزِيد الْجعْفِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِن أمنا مَاتَت فِي الْجَاهِلِيَّة، وَإِنَّهَا وَأَدت أُخْتا لنا لم تبلغ الْحِنْث فِي الْجَاهِلِيَّة، فَهَل ذَلِك نَافِع أُخْتنَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِن الوائدة والموءودة فَإِنَّهُمَا فِي النَّار إلاَّ أَن يدْرك الْإِسْلَام) .
وَرُوِيَ بَقِيَّة عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْأَلْهَانِي قَالَ: سَمِعت عبد الله بن قيس، سَمِعت عَائِشَة (سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَرَارِي الْمُسلمين؟ فَقَالَ: هم من آبَائِهِم، قلت: بِلَا عمل؟ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين؟ وَسَأَلته عَن ذَرَارِي الْمُشْركين؟ فَقَالَ: مَعَ آبَائِهِم، قلت: بِلَا عمل؟ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) .
وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث أبي عقيل، صَاحب بهية، عَن بهية (عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَطْفَال الْمُشْركين.
.
) الحَدِيث؟ قلت: قيس بن الرّبيع وَأَبُو عقيل وَبَقِيَّة مُتَكَلم فيهم، فأحاديثهم ضِعَاف.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قَوْله: (إِن الله خلق الْجنَّة.
.
) إِلَى آخِره سَاقِط ضَعِيف مَرْدُود بِالْإِجْمَاع، وَفِي إِسْنَاده طَلْحَة بن يحيى وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: كَيفَ يُقَال: إِنَّه سَاقِط وَطَلْحَة ضَعِيف والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عمته عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة، أم الْمُؤمنِينَ، قَالَت: دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَنَازَة صبي من الْأَنْصَار، فَقلت: يَا رَسُول الله! طُوبَى لهَذَا عُصْفُور من عصافير الْجنَّة، لم يعْمل السوء وَلم يُدْرِكهُ.
قَالَ: أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة إِن الله خلق للجنة أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب الرِّجَال، وَخلق للنار أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم) .
وَالْجَوَاب عَنهُ أَن المُرَاد بِهِ النَّهْي عَن المسارعة إِلَى الْقطع من غير دَلِيل قَاطع، وَقيل ذَلِك قبل أَن يعلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَونهم فِي الْجنَّة، فَلَمَّا علم ذَلِك أثْبته بِحَدِيث شَفَاعَة الْأَطْفَال، وَيُقَال: على تَقْدِير الصِّحَّة يُعَارض الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مَا فِي الصَّحِيح من حَدِيث سَمُرَة حَدِيث الرُّؤْيَا: (وَأما الرجل الَّذِي فِي الرَّوْضَة، إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما الْولدَان حوله فَكل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة.
قيل: يَا رَسُول الله وَأَوْلَاد الْمُشْركين؟ قَالَ: وَأَوْلَاد الْمُشْركين) .
وَفِي لفظ: (وَأما الشَّيْخ فِي أصل الشَّجَرَة فإبراهيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالصبيان حوله أَوْلَاد النَّاس) .
وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة على شَرط الشَّيْخَيْنِ يرفعهُ: (أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جبل فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَتَّى يردهم إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة) .
وَفِي (التَّمْهِيد) حَدِيث مُفَسّر يقْضِي على مَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيث بِأَن ذَلِك كَانَ فِي أَحْوَال ثَلَاثَة عَن عَائِشَة: أَن خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين؟ فَقَالَ: هم مَعَ آبَائِهِم، ثمَّ سَأَلته بعد ذَلِك، فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، ثمَّ بَعْدَمَا استحكم الْإِسْلَام وَنزلت: { وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} قَالَ: هم على الْفطْرَة، وَذكر مُحَمَّد بن سنجر فِي مُسْنده: حَدثنَا هودة حَدثنَا عَوْف (عَن خنساء بنت مُعَاوِيَة قَالَت: حَدثنِي عمي قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله من فِي الْجنَّة؟ قَالَ النَّبِي: فِي الْجنَّة، والشهيد فِي الْجنَّة، والمولود فِي الْجنَّة، والوئيد فِي الْجنَّة) .
وَعَن أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَأَلت رَبِّي فِي اللاَّهِين، يَعْنِي الْأَطْفَال من ذُرِّيَّة الْمُشْركين، أَن لَا يعذبهم فأعطانيهم) .
وروى الْحجَّاج بن نصير عَن الْمُبَارك بن فضَالة عَن عَليّ بن زيد عَن أنس يرفعهُ: (أَوْلَاد الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة) ، وروى الْحَكِيم فِي (نَوَادِر الْأُصُول) عَن أبي طَالب الْهَرَوِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن عَطِيَّة، حَدثنَا أنس بِلَفْظ: (كل مَوْلُود من ولد كَافِر أَو مُسلم فَإِنَّهُم إِنَّمَا يولدون على فطْرَة الْإِسْلَام كلهم) ، وَفِي حَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد الْمُجَاشِعِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته: (إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أعلمكُم،.

     وَقَالَ : إِنِّي خلقت عبَادي كلهم حنفَاء فَاتَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم، وأمرتهم أَن يشركوا بِي، وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم) .
وَالْجَوَاب: عَن حَدِيث سَلمَة بن يزِيد أَنه: وَإِن كَانَ صَحِيحا، وَلكنه يحْتَمل أَن يكون خرج على جَوَاب السَّائِل فِي غير مَقْصُوده، فَكَانَت الْإِشَارَة إِلَيْهَا.





[ قــ :104 ... غــ :149 ]
- حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ الأصْبِهَانِيِّ عنْ ذَكْوَانَ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النِّساءَ قُلْنَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْ لَنَا يَوْما فَوَعَظَهُنَّ.

     وَقَالَ  أيُّمَا امْرَأةٍ ماتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ كانُوا حِجَابا مِنَ النَّارِ قالَتِ امْرَأةٌ واثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ.

(أنظر الحَدِيث 101) .

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ وَاسم الْأَصْبَهَانِيّ عبد الله ويروى عبد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ بِدُونِ لَفْظَة ابْن، والأصبهاني بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وبالفاء وبالباء الْمُوَحدَة أَربع لُغَات قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي لِسَان الْعَجم، وبالفاء فِي اسْتِعْمَال الْعَرَب.
الرَّابِع: ذكْوَان هُوَ أَبُو صَالح السمان.
الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه: سعد بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ أخبرنَا.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي.
وَشعْبَة واسطي وَعبد الرَّحْمَن كُوفِي وَأَصله من أَصْبَهَان وَكَانَ أَبوهُ يتجر إِلَى أَصْبَهَان فَقيل لَهُ الْأَصْبَهَانِيّ وذكوان مدنِي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع قد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ هَل يَجْعَل للنِّسَاء يَوْم على حِدة فِي الْعلم، وَهُنَاكَ أخرجه عَن آدم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره نَحوه مَعَ زِيَادَة فِيهِ.
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن النِّسَاء قُلْنَ) وَفِي رِوَايَة مُسلم (أَنَّهُنَّ كن من نسَاء الْأَنْصَار) .
قَوْله: (فوعظهن) ، عطف على مُقَدّر تَقْدِيره، فَجعل لَهُنَّ يَوْمًا فوعظهن فِيهِ وَمن جملَة مَا قَالَ لَهُنَّ قَوْله: (أَيّمَا امْرَأَة) قَوْله: (ثَلَاث من الْوَلَد) فِي رِوَايَة أبي ذَر، هَكَذَا وَفِي رِوَايَة غيرَة (ثَلَاثَة) وَقد مر تَوْجِيهه عَن قريب.
وَقَوله (ولد) يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى والمفرد وَالْجمع.
قَوْله: (كن) هَكَذَا رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَكَأَنَّهُ أنث بِاعْتِبَار النَّفس أَو النَّسمَة وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا.
(كَانُوا) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت (كَانُوا لَهَا حِجَابا).

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْقيَاس: كَانُوا، وَلَكِن الْأَطْفَال كالنساء فِي كَونهم غير عاقلين، أَو المُرَاد كَانَت النِّسَاء محجوبات.
قلت: تشبيههم بِالنسَاء هَكَذَا غير موجه لِأَن النِّسَاء عاقلات، غير أَن فِي عقولهن قصورا.
قَوْله: (فَقَالَت امْرَأَة) ، هِيَ أم سليم الْأَنْصَارِيَّة وَالِدَة أنس بن مَالك، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنْهَا بِإِسْنَاد جيد.
(قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَأَنا عِنْده: مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم، فَقلت: وإثنان قَالَ: وَاثْنَانِ.
وَمِمَّنْ سَأَلَ عَن ذَلِك أم أَيمن، وَقد تقدم فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، ومنهن أم مُبشر، مضى من حَدِيث جَابر بن عبد الله، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن عَائِشَة مِنْهُنَّ، وَحكى ابْن بشكوال أَن أم هانىء سَأَلت عَن ذَلِك.
فَإِن قلت: سؤالهن كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد أَو فِي مجَالِس؟ قلت: يحْتَمل كلا مِنْهُمَا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم فِي تعدد القصةُ بعد.
قلت: الْأَقْرَب تعدد الْقِصَّة أَلا ترى أَنه قد تقدم فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله أَنه: مِمَّن سَأَلَ عَن ذَلِك أَيْضا ... وَقد مضى فِي حَدِيث بُرَيْدَة أَن عمر سَأَلَ عَن ذَلِك أَيْضا، فَظهر من ذَلِك أَن اتِّحَاد الْمجْلس فِيهِ بعد ظَاهر، فَافْهَم.
قَوْله: (وإثنان) عطف على ثَلَاثَة وَمثله يُسمى بالْعَطْف التلقيني أَي: قل يَا رَسُول الله: وَاثْنَانِ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم: { وَمن ذريتي} (إِبْرَاهِيم: 04) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وإثنان، أَي: وَإِذا مَاتَ اثْنَان مَا الحكم؟ فَقَالَ: وإثنان.
أَي: وَإِذا مَاتَ اثْنَان فَالْحكم كَذَلِك؟ قلت: فِيهِ كَثْرَة الْحَذف المخلة بالفصاحة، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه: واثنين، بِالنّصب أَي: وَمَا أَمر اثْنَيْنِ؟ وَفِي رِوَايَة سُهَيْل: أَو إثنان؟ أَي: أَو إِن وجد إثنان فكالثلاثة، وَفِيه التَّسْوِيَة بَين ثَلَاثَة وإثنين.
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ فِي الْحَال: وإثنان؟ قلت: قَالَ ابْن بطال: هُوَ مَحْمُول على أَنه أُوحِي إِلَيْهِ بذلك فِي الْحَال، وَلَا يبعد أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي أسْرع من طرفَة عين، وَيحْتَمل أَن يكون كَانَ الْعلم عِنْده حَاصِلا لكنه أشْفق عَلَيْهِم أَن يتكلموا، لِأَن موت الْإِثْنَيْنِ غَالِبا أَكثر من موت الثَّلَاثَة، ثمَّ لما سُئِلَ عَن ذَلِك لم يكن بُد من الْجَواب.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: مَا قَالَه ابْن التِّين تبعا للْقَاضِي عِيَاض: أَن مَفْهُوم الْعدَد لَيْسَ بِحجَّة، لِأَن الصحابية من أهل اللِّسَان وَلم تعتبره إِذْ لَو اعتبرته لانتفى الحكم عِنْدهَا عَمَّا عدا الثَّلَاثَة، لَكِنَّهَا جوزت ذَلِك فَسَأَلت،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الظَّاهِر أَنَّهَا اعْتبرت مَفْهُوم الْعدَد إِذْ لَو لم تعتبره لم تسْأَل.
قلت: دلَالَة مَفْهُوم الْعدَد بطرِيق الِاحْتِمَال لَا بطرِيق الْقطع، فَلذَلِك وَقع السُّؤَال عَن ذَلِك.
فَإِن قلت: لم خصت الثَّلَاثَة بِالذكر؟ لِأَنَّهَا أول مَرَاتِب الْكَثْرَة فتعظم الْمُصِيبَة فيكثر الْأجر، فَإِذا زَاد عَلَيْهَا يخف أمرهَا لكَونهَا تصير كالعادة كَمَا قيل:
روعت بالبين حَتَّى مَا اراع بِهِ
كَذَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ، وَقيل: هَذَا مصير مِنْهُ إِلَى انحصار الْأجر الْمَذْكُور، فِي الثَّلَاثَة ثمَّ فِي الِاثْنَيْنِ بِخِلَاف الْأَرْبَعَة والخمسة، وَيلْزم فِي ذَلِك أَن يرْتَفع الْأجر فِي الْأَرْبَعَة مَعَ وجود الثَّلَاثَة فِيهَا مَعَ تجدّد الْمُصِيبَة، وَالْوَجْه السديد فِي هَذَا أَن يُقَال: إِن تنَاول الْخَبَر الْأَرْبَعَة فَمَا فَوْقهَا من بابُُ الأولى والأجدر، ألاَ ترى أَنهم مَا سَأَلُوا عَن الْأَرْبَعَة وَلَا مَا فَوْقهَا، لِأَنَّهُ كالمعلوم عِنْدهم أَن الْمُصِيبَة إِذا كثرت كَانَ الْأجر أعظم.

وَقَالَ شَرِيكٌ عنِ ابنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ حدَّثني أبُو صالِحٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ.

شريك بن عبد الله، وَابْن الاصبهاني هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَقد مضى الْآن، وَأَبُو صَالح ذكْوَان وَقد مضى صَرِيحًا فِي الحَدِيث السَّابِق، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَنهُ، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ: أَتَانِي أَبُو صَالح يعزيني عَن ابْن لي فَأخذ يحدث عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا من امْرَأَة تدفن ثَلَاثَة أفراط إلاَّ كَانُوا لَهَا حِجَابا من النَّار فَقَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله قدمت اثْنَيْنِ؟ قَالَ: ثَلَاثَة، ثمَّ قَالَ: واثنين وإثنين) .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: الفرط من لم يبلغ الْحِنْث، وَقد قَالَ فِي كتاب الْعلم وَعَن عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ: سَمِعت أَبَا حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة.

     وَقَالَ : ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث.





[ قــ :105 ... غــ :151 ]
- حدَّثنا عَلِيٌّ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يَمْوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمْ.

(الحَدِيث 151 طرفه فِي: 6566) .

مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا فِي الْحَدِيثين السَّابِقين، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يَمُوت لمُسلم) ، قيد الْإِسْلَام شَرط لِأَنَّهُ لَا نجاة للْكَافِرِ بِمَوْت أَوْلَاده، وَإِنَّمَا ينجو من النَّار بِالْإِيمَان والسلامة من الْمعاصِي، وَهَذِه اللَّفْظَة فِيهَا عُمُوم تَشْمَل الرِّجَال وَالنِّسَاء بِخِلَاف الرِّوَايَة الْمَاضِيَة لأبي هُرَيْرَة فَإِنَّهَا مُقَيّدَة بِالنسَاء.
قَوْله: (فيلج النَّار) من الولوج وَهُوَ الدُّخُول، يُقَال: ولج يلج ولوجا ولجة أَي: دخل، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا جَاءَ مصدره ولوجا وَهُوَ من مصَادر غير الْمُتَعَدِّي على معنى: ولجت فِيهِ وأولجه أدخلهُ، قَالَ الله تَعَالَى: { يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} (الْحَج: 16) .
أَي: يزِيد من هَذَا فِي ذَلِك وَمن ذَلِك فِي هَذَا.
قَوْله: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْحَاء وَتَشْديد اللَّام، وَهُوَ مصدر حلل الْيَمين أَي: كفرها.
يُقَال: حلل تحليلاً وتحلة وتحلاً وَهُوَ شَاذ، وَالتَّاء فِيهِ زَائِدَة، وَمعنى: تَحِلَّة، الْقسم: مَا ينْحل بِهِ الْقسم وَهُوَ الْيَمين تَقول الْعَرَب: ضربه تحليلاً وضربه تعزيرا إِذا لم يُبَالغ فِي ضربه، وَهَذَا مثل فِي الْقَلِيل المفرط الْقلَّة وَهُوَ أَن يُبَاشر من الْفِعْل الَّذِي يقسم عَلَيْهِ الْمِقْدَار الَّذِي يبر قسمه بِهِ مثل أَن يحلف على النُّزُول بمَكَان فَلَو وَقع بِهِ وقْعَة خَفِيفَة أَجْزَأته فَتلك تَحِلَّة قسمه،.

     وَقَالَ  أهل اللُّغَة: يُقَال فعلته تَحِلَّة الْقسم، أَي: قدر مَا حللت بِهِ يَمِيني، وَلم أبالغ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: حللت الْقسم تَحِلَّة أَي: أبررتها، بقوله: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
أَي: لَا يدْخل النَّار ليعاقبه بهَا، وَلكنه يجوز عَلَيْهَا فَلَا يكون ذَلِك إلاَّ بِقدر مَا يبر الله بِهِ قسمه، وَالْقسم مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِن مِنْكُم وَالله إلاَّ واردها.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: المُرَاد بِهَذِهِ الْكَلِمَة تقليل مكث الشَّيْء، وشبهوه بتحليل الْقسم.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: التَّحْلِيل ضد التَّحْرِيم، تَقول: حللته تحليلاً وتحلة.
وَفِي الحَدِيث: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) أَي: قدر مَا يبر الله قسمه فِيهِ بقوله: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي المُرَاد بِهَذَا الْقسم، فَقيل: هُوَ معِين، وَقيل: غير معِين، فالجمهور على الأول.
وَقيل: لم يعن بِهِ قسم بِعَيْنِه.
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: التقليل لأمر وُرُودهَا، وَهَذَا اللَّفْظ يسْتَعْمل فِي هَذَا، يُقَال: مَا ينَام فلَان إلاَّ كتحليل الألية، وَيُقَال: مَا ضربه إلاَّ تحليلاً إِذا لم يُبَالغ فِي الضَّرْب، أَي: قدرا يُصِيبهُ مِنْهُ مَكْرُوه.
.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْعلمَاء: المُرَاد بِهِ قَوْله تَعَالَى: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
وَلَيْسَ المُرَاد دُخُولهَا للعقاب، وَلَكِن للْجُوَاز.
كَمَا قَالَه الْخطابِيّ، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: إلاَّ تَحِلَّة الْقسم، يَعْنِي: الْوُرُود، وَفِي (سنَن أبي سعيد بن مَنْصُور) : عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي آخِره ثمَّ قَرَأَ سُفْيَان: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
وَمن طَرِيق زَمعَة بن صَالح عَن الزُّهْرِيّ فِي آخِره، قيل: وَمَا تَحِلَّة الْقسم؟ قَالَ: قَوْله تَعَالَى: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة فِي أصل البُخَارِيّ.
قَالَ أَبُو عبد الله: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
وَالْمرَاد: بأبو عبد الله، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة غير كَرِيمَة، وَمن أقوى الدَّلِيل على أَن المُرَاد من الْوُرُود: الْجَوَاز، حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير الْأنْصَارِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي أَوَائِل الْبابُُ، وَهُوَ: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث لم يرد النَّار إلاَّ على عَابِر سَبِيل) ، يَعْنِي: الْجَوَاز على الصِّرَاط، وَمَعَ هَذَا اخْتلف السّلف فِي المُرَاد بالورود فِي الْآيَة، فَقيل: هُوَ الدُّخُول، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا (الْوُرُود: الدُّخُول، لَا يبْقى بر وَلَا فَاجر إلاَّ دَخلهَا، فَيكون على الْمُؤمنِينَ بردا وَسلَامًا) وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا وَزَاد: (كَمَا كَانَت على إِبْرَاهِيم حَتَّى إِن للنار أَو لِجَهَنَّم ضجيج من بردهمْ، ثمَّ يُنجي الله الَّذين اتَّقوا ويذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا) .
وروى التِّرْمِذِيّ،.

     وَقَالَ : حَدثنَا عبد بن حميد، قَالَ: أخبرنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل (عَن السّديّ قَالَ: سَأَلت مرّة الْهَمدَانِي عَن قَول الله تَعَالَى: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
فَحَدثني أَن عبد الله بن مَسْعُود حَدثهمْ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يرد النَّاس النَّار ثمَّ يصدرون عَنْهَا بأعمالهم، فأولهم كلمح الْبَرْق ثمَّ كَالرِّيحِ ثمَّ كحضر الْفرس ثمَّ كالراكب فِي رَحْله ثمَّ كشد الرجل ثمَّ كمشيه) ، هَذَا حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن السّديّ وَلم يرفعهُ.
حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن عَن شُعْبَة: عَن السّديّ بِمثلِهِ، قَالَ عبد الرَّحْمَن: قلت لشعبة: إِن إِسْرَائِيل حَدثنِي عَن السّديّ عَن مرّة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شُعْبَة وَقد سمعته من السّديّ مَرْفُوعا وَلَكِنِّي أَدَعهُ عمدا.
وَقيل: المُرَاد بالورود الْمَمَر عَلَيْهَا.
وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الإِمَام أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد مندوست، قَالَ: حَدثنَا فَارس بن مرْدَوَيْه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، قَالَ: حَدثنَا الْجريرِي عَن أبي السَّلِيل عَن غنيم بن قيس (عَن أبي الْعَوام، قَالَ: قَالَ كَعْب: هَل تَدْرُونَ مَا قَوْله: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
قَالُوا: مَا كُنَّا لنرى وُرُودهَا إلاَّ دُخُولهَا.
قَالَ: لَا، وَلَكِن وُرُودهَا: أَن يجاء بجهنم كَأَنَّهَا متن إهالة حَتَّى اسْتَوَت عَلَيْهَا أَقْدَام الْخَلَائق برهم وفاجرهم، نَادَى مُنَاد: خذي أَصْحَابك وذري أَصْحَابِي، فتجيب بِكُل ولي لَهَا وَهِي أعلم بهم من الْوَالِد بولده، وينجو الْمُؤْمِنُونَ ندية ثِيَابهمْ) قَوْله: (كَأَنَّهَا متن إهالة) أَي: ظهرهَا، والإهالة، بِكَسْر الْهمزَة، كل شَيْء من الأدهان مِمَّا يؤتدم بِهِ.
وَقيل: هُوَ مَا أذيب من الإلية والشحم.
وَقيل: الدسم الجامد.
وَقيل: المُرَاد بالورود الدنو مِنْهَا، وَقيل: الإشراف عَلَيْهَا.
وَقيل: المُرَاد بِهِ مَا يُصِيب الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا من الْحمى، وَهُوَ محكي عَن مُجَاهِد فَإِنَّهُ قَالَ: الْحمى حَظّ الْمُؤمن من النَّار، وَقيل: الْوُرُود مُخْتَصّ بالكفار، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِقِرَاءَة بَعضهم: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} وَحكي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَيكون الْوُرُود على ذَلِك فِي الْكفَّار دون الْمُؤمنِينَ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: ظَاهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَتَمَسهُ النَّار) ، يدل على أَن المُرَاد بالورود الدُّخُول، لِأَن الْمَسِيس حَقِيقَة فِي اللُّغَة: المماسة، ثمَّ قَالَ: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن الْوُرُود الدُّخُول، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن جَابر.
انْتهى.
وَيدل على صِحَة ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أم مُبشر: أَن حَفْصَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ: (لَا يدْخل أحد شهد الْحُدَيْبِيَة النَّار: أَلَيْسَ الله يَقُول: { وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) .
فَقَالَ لَهَا: أَلَيْسَ الله يَقُول: { ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا} (مَرْيَم: 7) .
الْآيَة، وَيكون على مَذْهَب هَؤُلَاءِ: ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا بِخُرُوج الْمُتَّقِينَ من جملَة من يدخلهَا ليعلم فضل النِّعْمَة بِمَا شاهدوا فِيهِ أهل الْعَذَاب.

ذكر إعرابه: قَوْله: (فيلج النَّار) ، مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة، تَقْدِيره: فَأن يلج النَّار، لِأَن الْفِعْل الْمُضَارع الْمَنْفِيّ ينصب بِأَن الْمقدرَة، وَحكى الطَّيِّبِيّ عَن بَعضهم: إِنَّمَا تنصب الْفَاء الْفِعْل الْمُضَارع بِتَقْدِير: أَن إِذا كَانَ مَا قبلهَا أَو مَا بعْدهَا سَبَبِيَّة، وَلَا سَبَبِيَّة هَهُنَا، إِذْ لَا يجوز أَن يكون موت الْأَوْلَاد وَلَا عَدمه سَببا لولوج أَبِيهِم النَّار، فالفاء بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي للجمعية، وَتَقْدِيره: لَا يجْتَمع لمُسلم موت ثَلَاثَة من أَوْلَاده وولوجه النَّار، وَنَظِيره مَا ورد: (مَا من عبد يَقُول فِي صباح كل يَوْم وَمَسَاء كل لَيْلَة: بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم، فيضره شَيْء) .
بِالنّصب، وَتَقْدِيره: لَا يجْتَمع قَول عبد هَذِه الْكَلِمَات فِي هَذِه الْأَوْقَات وضر شَيْء إِيَّاه.
قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِن كَانَت الرِّوَايَة على النصب فَلَا محيد عَن ذَلِك، وَالرَّفْع يدل على أَنه لَا يُوجد ولوج النَّار عقيب موت الْأَوْلَاد إلاَّ مِقْدَارًا يَسِيرا، وَمعنى: فَاء التعقيب، كمعنى الْمَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى: { ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار} (ك: 44) .
فِي أَن مَا سَيكون بمنزله الْكَائِن، لِأَن مَا أخبر بِهِ الصَّادِق من الْمُسْتَقْبل كالواقع،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهَذَا قد تَلقاهُ جمَاعَة عَن الطَّيِّبِيّ وأقروه عَلَيْهِ، وَفِيه نظر، لِأَن السَّبَبِيَّة حَاصِلَة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات، فَكَانَ الْمَعْنى: أَن تَخْفيف الولوج مسبب عَن موت الْأَوْلَاد، وَهُوَ ظَاهر، لِأَن الولوج عَام وتخفيفه يَقع بِأُمُور مِنْهَا موت الْأَوْلَاد بِشَرْطِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ أَن الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي للْجمع فِيهِ نظر.
قلت: فِي كل وَاحِد من نظريه نظر، أما الأول: فلأنا لَا نسلم حُصُول السَّبَبِيَّة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الولوج هَهُنَا لَيْسَ على حَقِيقَته بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْوُرُود، وَقد مر أَن فِي مَعْنَاهُ أقوالاً.
وَقَوله: لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات مَحل نزاع، وَقد علم فِي مَوْضِعه.
وَإِمَّا الثَّانِي: فأيضا مَمْنُوع، لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض، وَلم يمْنَع أحد عَن ذَلِك أَلا ترى أَن بَعضهم قَالُوا: إِن الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى: الْوَاو، أَي: لَا تمسه النَّار قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا تَحِلَّة الْقسم، وَقد جوز الْفراء والأخفش وَأَبُو عُبَيْدَة مَجِيء: إلاَّ بِمَعْنى: الْوَاو، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: { لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: 051) .
أَي: وَلَا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم.