فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب البكاء عند المريض

( بابُُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْبكاء عِنْد الْمَرِيض، وَفِي بعض النّسخ: الْبكاء على الْمَرِيض، وَلَفظ: بابُُ، سَاقِط فِي رِوَايَة أبي ذَر.

[ قــ :1255 ... غــ :1304 ]
- ( حَدثنَا أصبغ عَن ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو عَن سعيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
قَالَ اشْتَكَى سعد بن عبَادَة شكوى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعودهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غاشية أَهله فَقَالَ قد قضى قَالُوا لَا يَا رَسُول الله فَبكى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا رأى الْقَوْم بكاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بكوا فَقَالَ أَلا تَسْمَعُونَ إِن الله لَا يعذب بدمع الْعين وَلَا بحزن الْقلب وَلَكِن يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه أَو برحم وَإِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يضْرب فِيهِ بالعصا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ ويحثي بِالتُّرَابِ)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي بكائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد سعد بن عبَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أصبغ بن الْفرج أَبُو عبد الله مَاتَ يَوْم الْأَحَد لأَرْبَع بَقينَ من شَوَّال سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي عبد الله بن وهب.
الثَّالِث عَمْرو بن الْحَارِث.
الرَّابِع سعد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة.
الْخَامِس عبد الله بن عمر ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاث مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ وَابْن وهب وَعَمْرو بن الْحَارِث مصريون وَسَعِيد بن الْحَارِث مدنِي والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَمْرو بن سَواد كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن سعيد بن الْحَارِث بِهِ.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " اشْتَكَى " أَي ضعف قَالَه بَعضهم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ على هَذَا التَّفْسِير لَا يلائمه قَوْله " شكوى " لِأَن معنى الشكوى الْمَرَض وَالتَّفْسِير الصَّحِيح أَن اشتكي من الشكاية وشكوى بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ مثل حُبْلَى أَي اشْتَكَى سعد عَن مزاجه لمَرض لَهُ قَوْله " يعودهُ " جملَة حَالية قَوْله " فِي غاشية أَهله " بالغين والشين المعجمتين.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن أَن يُرَاد بِهِ الْقَوْم الْحُضُور عِنْده الَّذين هم غاشيته أَي يغشونه للْخدمَة وَأَن يُرَاد يتغشاه من كرب الوجع الَّذِي بِهِ ( قلت) لفظ أَهله يَأْبَى الْمَعْنى الثَّانِي فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا على رِوَايَة الْعَامَّة بِإِسْقَاط أَهله ويروى فِي غَشيته قَالَ الْكرْمَانِي أَي فِي إغمائه.

     وَقَالَ  التوريشتي فِي شرح المصابيح الغاشية الداهية من شَرّ أَو مرض أَو مَكْرُوه وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا مَا كَانَ يتغشاه من كرب الوجع الَّذِي فِيهِ لَا الْمَوْت لِأَنَّهُ بَرِيء من ذَلِك الْمَرَض وعاش بعده زَمَانا قَوْله " فَقَالَ " أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " قد قضى " فِيهِ معنى الِاسْتِفْهَام أَي أقد خرج من الدُّنْيَا ظن أَنه قد مَاتَ فَسَأَلَ عَن ذَلِك قَوْله " أَلا تَسْمَعُونَ " لَا يَقْتَضِي مَفْعُولا لِأَنَّهُ جعل كالفعل اللَّازِم أَي أَلا تَجِدُونَ السماع قَوْله " إِن الله " بِكَسْر الْهمزَة لِأَنَّهُ ابْتِدَاء كَلَام هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَاعْتمد عَلَيْهِ بَعضهم حَتَّى نَقله عَنهُ من غير أَن ينْسب إِلَيْهِ وَلَكِنِّي أَقُول مَا الْمَانِع أَن يكون أَن الْفَتْح فِي مَحل الْمَفْعُول لتسمعون وَهُوَ الملائم لِمَعْنى الْكَلَام قَوْله " وَلَكِن يعذب بِهَذَا " يَعْنِي إِذا قَالُوا سوأ من القَوْل وهجرا قَوْله " أَو يرحم الله " قَالَ ابْن بطال يحْتَمل مَعْنيين أَو يرحم إِن لم ينفذ الْوَعيد فِيهِ أَو يرحم من قَالَ خيرا أَو استسلم لقَضَاء الله تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي إِن صحت الرِّوَايَة بِالنّصب أَو بِمَعْنى إِلَى أَنه يَعْنِي يعذب إِلَى أَن يرحمه الله لِأَن الْمُؤمن لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة آخرا قَوْله " وَكَانَ عمر " عطف على لفظ اشْتَكَى فَيكون مَوْصُولا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يضْرب بعد الْمَوْت لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية " فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَن جَابر بن عتِيك وَكَانَ عمر يضربهن أدبا لَهُنَّ لِأَنَّهُ كَانَ الإِمَام قَالَه الدَّاودِيّ.

     وَقَالَ  غَيره إِنَّمَا كَانَ يضْرب فِي بكاء مَخْصُوص وَقبل الْمَوْت وَبعده سَوَاء وَذَلِكَ إِذا نَحن وَنَحْوه قَوْله " ويحثي بِالتُّرَابِ " كَانَ يتأسى بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نسَاء جَعْفَر " أحث فِي أفواههن التُّرَاب " ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ اسْتِحْبابُُ عِيَادَة الْفَاضِل الْمَفْضُول واستحبابُ عِيَادَة الْمَرِيض.
وَفِيه النَّهْي عَن الْمُنكر وَبَيَان الْوَعيد عَلَيْهِ.
وَفِيه جَوَاز الْبكاء عِنْد الْمَرِيض والترجمة معقودة لذَلِك.
وَفِيه جَوَاز اتِّبَاع الْقَوْم للباكي فِي بكائه.
وَفِيه أَن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي -