فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من قام لجنازة يهودي

( بابُُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من قَامَ لأجل جَنَازَة يَهُودِيّ، وَلَيْسَ ذكر الْيَهُودِيّ قيدا، بل النَّصْرَانِي وَغَيرهمَا من الْكفَّار سَوَاء، وَقد ذكرنَا وَجه ذَلِك عَن قريب.



[ قــ :1262 ... غــ :1311 ]
- حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عنْ عُبَيدِ الله بنِ مِقْسَمٍ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ مرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فقامَ لَهَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ إذَا رَأيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالْقيامِ عِنْد رُؤْيَة الْجِنَازَة، وَلَو كَانَت جَنَازَة غير مُسلم.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: معَاذ بن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء: أَبُو زيد الزهْرَانِي.
الثَّانِي: هِشَام الدستوَائي.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير ضد الْقَلِيل.
الرَّابِع: عبد الله بن مقسم، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَفتح السِّين الْمُهْملَة: مولى ابْن أبي نمر الْقرشِي.
الْخَامِس: جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَأَنه بَصرِي وَهِشَام أَيْضا بَصرِي وَلكنه اشْتهر بنسبته إِلَى دستوا قَرْيَة من قرى الأهواز، كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الَّتِي تجلب مِنْهَا فنسب إِلَيْهَا، وَيحيى يمامي وَعبيد الله مدنِي.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز أَيْضا عَن شُرَيْح بن يُونُس وَعلي بن حجر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُؤَمل بن الْفضل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، وَلَفظ مُسلم: ( مرت جَنَازَة فَقَامَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقمنا مَعَه، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله إِنَّهَا يَهُودِيَّة؟ فَقَالَ: إِن الْمَوْت فزع، فَإِذا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَة فَقومُوا) .
وَلَفظ أبي دَاوُد، قَالَ: ( كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ مرت جَنَازَة، فَقَامَ لَهَا، فَلَمَّا ذَهَبْنَا لنحمل أذا هِيَ جَنَازَة يَهُودِيّ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هِيَ جَنَازَة يَهُودِيّ؟ فَقَالَ: إِن الْمَوْت فزع، فَإِذا رَأَيْتُمْ جَنَازَة فَقومُوا) .
وَلَفظ النَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم، وَعلل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقيام للجنازة بِالرُّؤْيَةِ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره بِكَوْن الْمَوْت فَزعًا، فَيكون الْقيام لأجل الْفَزع من الْمَوْت وعظمته، والجنازة تذكر ذَلِك فتستوي فِيهِ جَنَازَة الْمُسلم وَالْكَافِر.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.

قَوْله: ( مر بِنَا) ، بِضَم الْمِيم على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( مرت) ، بِفَتْح الْمِيم.
قَوْله: ( فَقَامَ لَهَا) ، وَسقط: لَهَا، فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
قَوْله: ( وقمنا) ، بِالْوَاو رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( فقمنا) بِالْفَاءِ، وَزَاد الْأصيلِيّ وكريمة: ( بِهِ) ، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْقيام الدَّال عَلَيْهِ.
قَوْله: ( قَامَ) أَي: قمنا لأجل قِيَامه.
قَوْله: ( فزع) من قبيل قَوْلهم: رجل عدل للْمُبَالَغَة، لِأَنَّهُ جعل نفس الْمَوْت فَزعًا، أَو التَّقْدِير: ذُو فزع، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( إِن للْمَوْت فَزعًا) ، وَمثله عَن ابْن عَبَّاس عِنْد الْبَزَّار.





[ قــ :163 ... غــ :131 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حَدثنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي لَيْلَى.
قَالَ كانَ سَحْلُ بنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ قاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إنَّهَا مِنْ أهْلِ الأرْضِ أيْ مِنْ أهْلِ الذِّمَّةِ فقالاَ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فقَامَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ ألَيْسَتْ نَفْسا؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: آدم بن أبي إِيَاس خراساني، سكن عسقلان، وَشعْبَة بن الْحجَّاج واسطي، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: ابْن عبد الله الْمرَادِي الْأَعْمَى الْكُوفِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، بِفَتْح الّلامين، وَاسم أبي ليلى يسَار الْكُوفِي، وَسَهل بن حنيف، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء وَفِي آخِره فَاء: الأوسي الْأنْصَارِيّ، رُوِيَ لَهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثا، للْبُخَارِيّ مِنْهَا أَرْبَعَة، مَاتَ بِالْكُوفَةِ وَصلى عَلَيْهِ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيس بن سعد بن عبَادَة، بِضَم الْمُهْملَة: الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ الْجواد ابْن الْجواد، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة ودهاة الْعَرَب شرِيف قومه لم يكن فِي وَجهه لحية وَلَا شَعْرَة، وَكَانَت الْأَنْصَار تَقول: وَدِدْنَا أَن نشتري لحية الْقَيْس بِأَمْوَالِنَا، وَكَانَ جميلاً، مَاتَ سنة سِتِّينَ.

واالحديث أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قَاعِدين) ، تَثْنِيَة قَاعد مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ.
قَوْله: ( بالقادسية) ، بِالْقَافِ وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالسين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: مَدِينَة صَغِيرَة ذَات نخيل ومياه.
قَالَ الْكرْمَانِي: بَينهَا وَبَين الْكُوفَة مرحلتان، وَفِي ( الْمُشْتَرك) بَينهَا وَبَين الْكُوفَة خَمْسَة عشر فرسخا فِي طَرِيق الْحَاج، وَبهَا كَانَت وقْعَة الْقَادِسِيَّة فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والقادسية قَرْيَة كَبِيرَة بِالْقربِ من سامراء يعْمل فِيهَا الزّجاج، وَإِنَّمَا سميت بِهَذَا الإسم لنزول أهل قادس بهَا، وقادس قَرْيَة بمرو الروذ، وَذكر ياقوت خمس بِلَاد يُقَال لكل وَاحِد مِنْهَا: قادسية.
قَوْله: ( عَلَيْهِمَا) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: ( عَلَيْهِم) ، أَي: على سهل وَقيس وَمن كَانَ مَعهَا.
قَوْله: ( أَي من أهل الذِّمَّة) ، هَذَا تَفْسِير لقَوْله: ( من أهل الأَرْض) ، كَذَا فِي رِوَايَات ( الصَّحيحين) وَغَيرهمَا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين نَاقِلا عَن الدَّاودِيّ: إِنَّه شَرحه بِلَفْظ: أَو، الَّتِي للشَّكّ.
.

     وَقَالَ : لم أر لغيره، وَقيل: لأهل الذِّمَّة: أهل الأَرْض، لِأَن الْمُسلمين لما فتحُوا الْبِلَاد أقروهم على عمل الأَرْض وَحمل الْخراج.
قَوْله: ( أليست نفسا؟) قَالَ ابْن بطال: أليست نفسا فَمَاتَتْ؟ فالقيام لَهَا لأجل صعوبة الْمَوْت وتذكره، فَكَأَنَّهُ إِذا قَامَ كَانَ أَشد لتذكره، وَقد ذكرنَا فِي: بابُُ الْقيام للجنازة، اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي تَعْلِيل الْقيام لَهَا، فتراها أحسن وأوجه من الَّذِي ذكره بَعضهم فِي هَذَا الْموضع.




[ قــ :163 ... غــ :1313 ]
- وَقَالَ أبُو حمْزَةُ عَن الأَعْمَشِ عنْ عَمْرٍ وعنِ ابنِ أبي لَيْلَى.
قَالَ كنْتُ مَعَ قَيْسٍ وسَهْلٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فقَالاَ كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة: واسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، مر فِي: بابُُ نقض الْيَدَيْنِ من الْغسْل، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَعَمْرو بِالْوَاو هُوَ عَمْرو بن مرّة الْمَذْكُور، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة وَلَفظه نَحْو حَدِيث شُعْبَة إلاَّ أَنه قَالَ فِي رِوَايَته: ( فمرت عَلَيْهِمَا جَنَازَة فقاما) ، وَلم يقل فِيهِ: بالقادسية، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان سَماع عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى لهَذَا الحَدِيث من سهل وَقيس،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَأَرَادَ بِهَذَا التقوية حَيْثُ قَالَ بِلَفْظ: كُنَّا، بِخِلَاف الطَّرِيق الأول فَإِنَّهُ يحْتَمل الْإِرْسَال.

وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عنِ الشَّعْبِيِّ عنِ ابنِ أبِي لَيْلَى كانَ أبُو مَسْعُودٍ وقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجَنَازَةِ
زَكَرِيَّا هُوَ: ابْن أبي زَائِدَة، من الزِّيَادَة، وَالشعْبِيّ هُوَ: عَامر بن شرَاحِيل، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن زَكَرِيَّا، وَأَبُو مَسْعُود اسْمه: عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الخزرجي البدري، وَلم يشْهد بَدْرًا، وَإِنَّمَا قيل لَهُ البدري لِأَنَّهُ من مَاء بدر، سكن الْكُوفَة، مر فِي: بابُُ مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ، وَقيس هُوَ الْمَذْكُور ابْن سعد، وغرضه من ذكر أبي مَسْعُود هُوَ الْإِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ يقوم للجنازة مثل قيس.