فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التكبير على الجنازة أربعا

(بابُُ التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن التَّكْبِير على الْجِنَازَة أَربع تَكْبِيرَات، وَقد استقصينا الْكَلَام فِي عدد تَكْبِيرَات الْجِنَازَة فِي: بابُُ الصُّفُوف على الْجِنَازَة.

وقالَ حُمَيْدٌ صَلى بِنَا أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَكَبَّرَ ثَلاَثا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَحميد هَذَا هُوَ حميد بن أبي حميد الطَّوِيل الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ، وَاخْتلفُوا فِي اسْم أبي حميد، فَقيل: دَاوُد، وَقيل: تيرويه، وَقيل: زادويه، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: طرخان، وَقيل: مهْرَان، وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه عبد الرَّزَّاق من غير طَرِيق حميد، وَذَلِكَ: عَن معمر عَن قَتَادَة (عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كبر على جَنَازَة ثَلَاثًا ثمَّ انْصَرف نَاسِيا، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّك كَبرت ثَلَاثًا؟ قَالَ: فصفوا، فَكبر الرَّابِعَة) .
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الِاقْتِصَار على ثَلَاث.
قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من طَرِيق معَاذ عَن عمرَان بن حدير، قَالَ: صليت مَعَ أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على جَنَازَة، فَكبر عَلَيْهَا ثَلَاثًا لم يزدْ عَلَيْهَا) .
وروى ابْن الْمُنْذر من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق قَالَ: قيل لأنس: إِن فلَانا كبر ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَهل التَّكْبِير إلاَّ ثَلَاثًا؟ قلت: يُمكن التَّوْفِيق بِأَن يَكُونَا وَاقِعَتَيْنِ لتغايرهما، فَفِي الأولى كَانَ يرى الثَّلَاث مجزئة، ثمَّ اسْتَقر على الْأَرْبَع لما ثَبت عِنْده أَن الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ جَمَاهِير الصَّحَابَة هُوَ الْأَرْبَع.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : وَيحمل على أَن إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهم.
قلت: هَذَا الْحمل غير موجه، وَالْأَحْسَن مَا قُلْنَاهُ، وَأما قَوْله: وَهل التَّكْبِير إلاَّ ثَلَاث؟ يَعْنِي: غير تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح، كَمَا ذكرنَا فِيمَا مضى عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق أَن أنسا قَالَ: أَو لَيْسَ التبكير ثَلَاثًا؟ فَقيل لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَة التَّكْبِير أَربع.
قَالَ: أجل غير أَن وَاحِدَة افْتِتَاح الصَّلَاة.
قَوْله: (فَكبر ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث تَكْبِيرَات.
قَوْله: (فَقيل لَهُ) أَي: قيل لَهُ: كَبرت ثَلَاثًا.
قَوْله: (ثمَّ كبر الرَّابِعَة) ، أَي: التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة.
.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: إِذا ترك بعض التَّكْبِير جهلا أَو نِسْيَانا أتم مَا بَقِي من التَّكْبِير، وَإِن رفعت إِذا كَانَ بِقرب ذَلِك فَإِن طَال وَلم تدفن أُعِيدَت الصَّلَاة عَلَيْهَا.
وَإِن دفنت تركت، وَفِي (العتيبية) نَحوه عَن مَالك،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : وَعِنْدنَا خلاف فِي الْبطلَان إِذا رفعت فِي أثْنَاء الصَّلَاة، وَالأَصَح الصِّحَّة، وَإِن صلى عَلَيْهَا قبل وَضعهَا فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان، وَعِنْدنَا كل تَكْبِيرَة قَائِمَة مقَام رَكْعَة حَتَّى لَو ترك تَكْبِيرَة مِنْهَا لَا تجوز صلَاته.
كَمَا لَو ترك رَكْعَة، وَلِهَذَا قيل أَربع كأربع الظّهْر، والمسبوق بتكبيرة أَو أَكثر يَقْضِيهَا بعد السَّلَام، مَا لم ترفع الْجِنَازَة، وَلَو رفعت بِالْأَيْدِي وَلم تُوضَع على الأكتاف يكبر فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَعَن مُحَمَّد: إِن كَانَت إِلَى الأَرْض أقرب يكبر، وَإِن كَانَت إِلَى الأكتاف أقرب لَا يكبر.
وَقيل: لَا يقطع حَتَّى يتباعد.
وَفِي (الْأَشْرَاف) : قَالَ ابْن الْمسيب وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالزهْرِيّ وَابْن سِيرِين وَالثَّوْري وَقَتَادَة وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ: الْمَسْبُوق يقْضِي مَا فَاتَهُ مُتَتَابِعًا قبل أَن ترفع الْجِنَازَة، فَإِذا رفعت سلم وَانْصَرف، كَقَوْل أَصْحَابنَا، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول:.

     وَقَالَ  ابْن عمر: لَا يقْضِي مَا فَاتَهُ من التَّكْبِير، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ والسختياني وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة، وَلَو جَاءَ وَكبر الإِمَام أَرْبعا وَلم يسلم لم يدْخل مَعَه وفاتته الصَّلَاة، وَعند أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ: يدْخل مَعَه وَيَأْتِي بالتكبيرات نسقا إِن خَافَ رفع الْجِنَازَة.
وَفِي (الْمُحِيط) : وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.



[ قــ :1281 ... غــ :1333 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي ماتَ فِيهِ وخَرَجَ بِهِمْ إلَى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مضى فِي بابُُ الصُّفُوف على الْجِنَازَة.





[ قــ :18 ... غــ :1334 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدَّثنا سَلِيمُ بنُ حَبَّانَ قَالَ حدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى عَلَى أصْحَمَةَ النَّجَاشِيُّ فَكَبَّرَ أرْبَعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة مثل الَّذِي قبله.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى: أَبُو بكر الْكُوفِي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: سليم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام: ابْن حبَان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف منصرفا وَغير منصرف: ابْن بسطَام الْهُذلِيّ.
الثَّالِث: سعيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون وبالمد وَالْقصر: أَبُو الْوَلِيد.
الرَّابِع: جَابر بن عبد الله.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن سُلَيْمَان بَصرِي وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سليم، بِالْفَتْح غَيره، وَسَعِيد بن ميناء مكي.

وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( على أَصْحَمَة) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: عَطِيَّة، وَهُوَ اسْم ذَلِك الْملك الصَّالح.
قَوْله: ( فَكبر أَرْبعا) أَي: أَربع تَكْبِيرَات.

وَقَالَ يَزِيدُ بنُ هَارُونَ وَعَبْدُ الصَّمعدِ عنْ سَلِيمٍ أصْحَمَةَ
يزِيد من الزِّيَادَة: ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ، وَعبد الصَّمد عبد الْوَارِث أَي: قَالَ، يزِيد وَعبد الصَّمد مِمَّا روياه عَن سليم الْمَذْكُور بأسناده إِلَى جَابر، رَحمَه الله تَعَالَى: أَصْحَمَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:.

     وَقَالَ  يزِيد عَن سليم أَصْحَمَة، وَرِوَايَة يزِيد هَذِه وَصلهَا البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَنهُ.

وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ

أَي: تَابع يزِيد بن هَارُون عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، وَوصل رِوَايَته الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أَحْمد بن سعيد عَنهُ، وَوَقع فِي ( مُصَنف ابْن أبي شيبَة) : عَن يزِيد: صحمة، بِفَتْح الصَّاد وَسُكُون الْحَاء يَعْنِي بِحَذْف الْهمزَة، وَحكى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن فِي رِوَايَة عبد الصَّمد أصخمة، بِإِثْبَات الْألف وَالْخَاء الْمُعْجَمَة.
قَالَ: وَهُوَ غلط، وَحكى الْكرْمَانِي أَن فِي بعض النّسخ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن سِنَان: أصحبة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة عوض الْمِيم.