فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

( بابُُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة قِرَاءَة الْفَاتِحَة على الْجِنَازَة، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَنقل ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود وَالْحسن ابْن عَليّ وَابْن الزبير والمسور بن مخرمَة مشروعيتها، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَإِسْحَاق، وَنقل عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر: لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَة، وَهُوَ قَول مَالك والكوفيين.
قلت: وَلَيْسَ فِي صَلَاة الْجِنَازَة قِرَاءَة الْقُرْآن عندنَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَمِمَّنْ كَانَ لَا يقْرَأ فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وينكر: عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة، وَمن التَّابِعين: عَطاء وطاووس وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالْحكم،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَحَمَّاد وَالثَّوْري،.

     وَقَالَ  مَالك: قِرَاءَة الْفَاتِحَة لَيست مَعْمُولا بهَا فِي بلدنا فِي صَلَاة الْجِنَازَة، وَعند مَكْحُول وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي الأولى،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: يقْرؤهَا فِي كل تَكْبِيرَة عِنْد الشَّافِعِي، وَهَذَا النَّقْل عَنهُ غلط،.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: يقْرؤهَا فِي كل تَكْبِيرَة، وَهُوَ قَول شهر بن حَوْشَب، وَعَن الْمسور بن مخرمَة: يقْرَأ فِي الأولى فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة قَصِيرَة.

وَقَالَ الحَسَنُ يَقْرَى علَى الطِّفْلِ بِفاتِحَةِ الكِتَابِ ويَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطا وَسَلَفا وَأجْرا

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَوَصله أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف فِي ( كتاب الْجَنَائِز) تأليفه: عَن سعيد بن أبي عرُوبَة أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة على الصَّبِي فَأخْبرهُم عَن قَتَادَة عَن الْحسن أَنه كَانَ يكبر ثمَّ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ثمَّ يَقُول: أللهم اجْعَلْهُ لنا سلفا وفرطا وَأَجرا.
قَوْله: ( فرطا) الفرط بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يتَقَدَّم الْوَارِدَة فيهيء لَهُم أَسبابُُ الْمنزل.
قَوْله: ( وسلفا) ، بتحريك اللَّام: أَي: مُتَقَدما إِلَى الْجنَّة لأجلنا.



[ قــ :1283 ... غــ :1335 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدثنَا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ عنْ طَلْحَةَ.
قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَوْفٍ.
قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أنَّهَا سُنَّةٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا: وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وَقد تقدم.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، مَاتَ عَام خَمْسَة وَعشْرين وَمِائَة.
الْخَامِس: طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف ابْن أخي عبد الرَّحْمَن، كَانَ فَقِيها سخيا يُقَال لَهُ: طَلْحَة الندي، مَاتَ عَام تِسْعَة وَتِسْعين.
السَّادِس: مُحَمَّد بن كثير ضد قَلِيل وَقد تقدم.
السَّابِع: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّامِن: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: طَرِيقَانِ عَن شيخين كِلَاهُمَا مسميان بِمُحَمد.
وَفِيه: أحد الروَاة مَذْكُورَة بلقبه.
وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن بشار وَشَيخ شَيْخه بصريان وَشعْبَة واسطي وَسعد وَطَلْحَة مدنيان وَمُحَمّد بن كثير بَصرِي وسُفْيَان كُوفِي.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان بِمَعْنَاهُ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بِهِ، وَعَن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطَّالقَانِي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب) ، لَيْسَ فِيهِ بَيَان لموْضِع الْقِرَاءَة، قَالَ شَيخنَا زين الدّين: هُوَ مُبين فِي حَدِيث جَابر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل ( عَن جَابر بن عبد الله: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر على الْمَيِّت أَرْبعا وَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن بعد التَّكْبِيرَة الأولى) .
قَالَ شَيخنَا: وَإِسْنَاده ضَعِيف.
.

     وَقَالَ : وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق.
قَوْله: ( ليعلموا أَنَّهَا) أَي: أَن قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة سنة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( إِنَّهَا من السّنة) .
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي ( صَحِيحه) بِلَفْظ: ( فَأخذت بِيَدِهِ فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ: يَا ابْن أخي إِنَّه حق وَسنة) .
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ( إِنَّه من السّنة، أَو من تَمام السّنة) .
وَفِي رِوَايَة للنسائي بِلَفْظ: ( فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة وجهر حَتَّى أسمعنا، فَلَمَّا فرغ أخذت بِيَدِهِ فَسَأَلته، فَقَالَ: سنة وَحقّ) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:
الأول: أَن التِّرْمِذِيّ لما روى هَذَا الحَدِيث، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَغَيرهم يختارون أَن يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب بعد التَّكْبِيرَة الأولى، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق.

الثَّانِي: مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من أَن الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِيرَة الأولى، هَل هُوَ على سَبِيل الْوُجُوب أَو على سَبِيل الِاسْتِحْبابُُ؟ حكى الرَّوْيَانِيّ وَغَيره عَن نَص الشَّافِعِي أَنه: لَو أخر قِرَاءَة الْفَاتِحَة إِلَى التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة جَازَ، وَهَذَا يدل على أَن المُرَاد الِاسْتِحْبابُُ دون الْوُجُوب، وَحكى ابْن الرّفْعَة والبندنيجي وَالْقَاضِي حُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَالْمُتوَلِّيّ تعين الْقِرَاءَة عقيب التَّكْبِيرَة الأولى، وَاخْتلف فِي الْمَسْأَلَة كَلَام النَّوَوِيّ، فَجزم فِي ( الْبَيَان) بِوُجُوب قرَاءَتهَا فِي التَّكْبِيرَة الأولى، وَخَالف ذَلِك فِي ( الرَّوْضَة) : فَقَالَ: إِنَّه يجوز تَأْخِيرهَا إِلَى التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة.
.

     وَقَالَ  فِي ( شرح الْمُهَذّب) فَإِن قَرَأَ الْفَاتِحَة بعد تَكْبِيرَة أُخْرَى غير الأولى جَازَ، وَكَذَا قَالَ فِي ( الْمِنْهَاج) .

الثَّالِث: لَيْسَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس صفة الْقِرَاءَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَهْر والإسرار، وَعند الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن عجلَان عَن سعيد بن أبي سعيد، قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يجْهر بِفَاتِحَة الْكتاب فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة، وَيَقُول: إِنَّمَا فعلت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سنة، فقد يسْتَدلّ بِهِ على الْجَهْر بهَا، وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي فِيمَا إِذا كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهَا لَيْلًا.
قَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَالصَّحِيح أَنه يسر بهَا لَيْلًا أَيْضا وَأما النَّهَار فاتفقوا على أَنه يسر فِيهِ.
قَالَ: وَيُجَاب عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ أَرَادَ بذلك إعلامهم بِمَا يقْرَأ ليتعلموا ذَلِك، وَلَعَلَّه جهر بِبَعْضِهَا، كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسمعهم الْآيَة أَحْيَانًا فِي صَلَاة الظّهْر، وَكَانَ مُرَاده ليعرفهم السُّورَة الَّتِي كَانَ يقْرَأ بهَا فِي الظّهْر.
فَإِن قيل للشَّافِعِيَّة: لِمَ لم تقرأوا بِسُورَة مَعَ الْفَاتِحَة كَمَا فِي غَيرهَا من الصَّلَوَات؟ مَعَ أَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ الْمَذْكُورَة آنِفا: فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة؟ وَأجِيب: عَن ذَلِك بِأَن الْبَيْهَقِيّ قَالَ فِي ( سنَنه) إِن ذكر السُّورَة فِيهِ غير مَحْفُوظ.

الرَّابِع: قَول الصَّحَابِيّ من السّنة حكمه حكم الْمَرْفُوع على القَوْل الصَّحِيح، قَالَه شَيخنَا زين الدّين.
وَفِيه: خلاف مَشْهُور.

ووردت أَحَادِيث أخر فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة.
مِنْهَا: حَدِيث أم شريك، رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنْهَا، قَالَت: ( أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ على الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أم عفيف النهدية أَنَّهَا قَالَت: ( أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب على ميتنا) رَوَاهُ أَبُو نعيم.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل أَنه قَالَ: ( السّنة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة أَن يقْرَأ فِي التَّكْبِيرَة الأولى بِأم الْقُرْآن مخافته، ثمَّ يكبر ثَلَاثًا، وَالتَّسْلِيم عِنْد الْأَخِيرَة) ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( الْخُلَاصَة) : إِن إِسْنَاده على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ: وَأَبُو أُمَامَة هَذَا صَحَابِيّ،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين: لم يعقل بِرُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَة.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف: اسْمه أسعد، سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَدِيثه مُرْسل، وروى ابْن أبي شيبَة عَن رجل من هَمدَان: أَن عبد الله بن مَسْعُود قَرَأَ على جَنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب، وروى أَيْضا من حَدِيث أبي الْعُرْيَان الْحذاء، قَالَ: صليت خلف الْحسن بن عَليّ على جَنَازَة، فَقلت لَهُ: كَيفَ صنعت؟ قَالَ: قَرَأت عَلَيْهَا بِفَاتِحَة الْكتاب، وَعَن ابْن أبي عون: كَانَ الْحسن بن أبي الْحسن يقْرَأ بِالْفَاتِحَةِ فِي كل تَكْبِيرَة على الْجِنَازَة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هَذَا قَول شهر بن حَوْشَب،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: أَقرَأ فِي التكبيرتين الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب، وَكَانَ مَكْحُول يفعل ذَلِك، وَعَن فضَالة مولى عمر أَن الَّذِي كَانَ صلى على أبي بكر أَو عمر، أَقرَأ عَلَيْهِ بِفَاتِحَة الْكتاب،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: رُوِيَ عَن ابْن الزبير وَعُثْمَان بن حنيف أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن عَلَيْهَا بِالْفَاتِحَةِ، وَفِي ( كتاب الْجَنَائِز) للمزني: وبلغنا أَن أَبَا بكر وَغَيره من الصَّحَابَة كَانُوا يقرؤون بِأم الْقُرْآن عَلَيْهَا.
وَفِي ( الْمحلى) : صلى الْمسور بن مخرمَة فَقَرَأَ فِي التَّكْبِيرَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة قَصِيرَة رفع بهما صَوته، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لَا أَجْهَل أَن تكون هَذِه الصَّلَاة عجماء، وَلَكِنِّي أردْت أَن أعلمكُم أَن فِيهَا قِرَاءَة.
وَرُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء وَأنس وَأبي هُرَيْرَة: أَنهم كَانُوا يقرأون بِالْفَاتِحَةِ.
قلت: قد ذكرنَا فِي أول الْبابُُ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَن لَا قِرَاءَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة، وَعَن ابْن مَسْعُود: لم يُوَقت فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وَلَا قِرَاءَة، وَلِأَن مَا لَا رُكُوع فِيهِ لَا قِرَاءَة فِيهِ كسجود التِّلَاوَة، وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ على ترك الْقِرَاءَة فِي الأولى بِتَرْكِهَا فِي بَاقِي التَّكْبِيرَات، وبترك التَّشَهُّد.
.

     وَقَالَ : لَعَلَّ، قِرَاءَة من قَرَأَ الْفَاتِحَة من الصَّحَابَة كَانَ على وَجه الدُّعَاء لَا على وَجه التِّلَاوَة.

وَمن الدُّعَاء للْمَيت مَا رَوَاهُ مُسلم ( عَن عَوْف بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَنَازَة فَحفِظت من دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إغفر لَهُ وارحمه وعافه واعف عَنهُ، وَأكْرم نزله ووسع مدخله، واغسله بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد، ونقه من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، وأبد لَهُ دَارا خيرا من دَاره، وَأهلا خيرا من أَهله، وزوجا خيرا من زوجه وَأدْخلهُ الْجنَّة وأعذه من عَذَاب الْقَبْر وَمن عَذَاب النَّار، حَتَّى تمنيت أَن أكون ذَلِك الْمَيِّت) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَنَازَة فَقَالَ: أللهم إغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، وَذكرنَا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا.
أللهم من أحييته منا فأحيه من الْإِيمَان، وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِسْلَام.
أللهم لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تضلنا بعده)
.
وروى أَيْضا ( عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل من الْمُسلمين، فَسَمعته يَقُول: أللهم إِن فلَان ابْن فلَان فِي ذِمَّتك، فَقِهِ من عَذَاب الْقَبْر) .
قَالَ عبد الرَّحْمَن شيخ أبي دَاوُد: ( فِي ذِمَّتك وحبل جوارك فَقِهِ من فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وَأَنت أهل الْوَفَاء وَالْحق.
أللهم اغْفِر لَهُ وارحمه أَنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم)
.
وَالْحَبل الْعَهْد والميثاق.
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي إِبْرَاهِيم الأشْهَلِي عَن أَبِيه ( قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى على الْجِنَازَة قَالَ: أللهم إغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، وَذكرنَا وأنثانا) .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن اسْم أبي إِبْرَاهِيم الأشْهَلِي فَلم يعرفهُ.
وروى الْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث يزِيد بن ركَانَة: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ يُصَلِّي على الْجِنَازَة قَالَ: أللهم عَبدك وَابْن عَبدك احْتَاجَ إِلَى رحمتك وَأَنت غَنِي عَن عَذَابه، إِن كَانَ محسنا فزد فِي إحسانه، وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَنهُ) .
وروى المستغفري فِي ( الدَّعْوَات) من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( يَا على: إِذا صليت على جَنَازَة فَقل: أللهم عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك، ماضٍ فِيهِ حكمك، وَلم يكن شَيْئا مَذْكُورا، إزارك وَأَنت خير مزور.
أللهم لقنه حجَّته وألحقه بِنَبِيِّهِ، ونزله فِي قَبره ووسع عَلَيْهِ فِي مدخله وثبته بالْقَوْل الثَّابِت فَإِنَّهُ افْتقر إِلَيْك واستغنيت عَنهُ، وَكَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لَهُ، أللهم لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده.
يَا عَليّ: وَإِذا صليت على امْرَأَة فَقل: أَنْت خلقتها ورزقتها، وَأَنت أحييتها وَأَنت أمتها، وَأَنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئْنَاك شُفَعَاء لَهَا إغفر لَهَا، أللهم لَا تَحْرِمنَا أجرهَا وَلَا تفتنا بعْدهَا.
يَا عَليّ: وَإِذا صليت على طِفْل فَقل: أللهم إجعل لِأَبَوَيْهِ سلفا، واجعله لَهما فرطا، واجعله لَهما نورا وسدادا، أعقب وَالِديهِ الْجنَّة إِنَّك على كل شَيْء قدير)
.
وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن حَارِث عَن أَبِيه ( أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علمهمْ الصَّلَاة على الْمَيِّت: أللهم إغفر لأحيائنا وأمواتنا، وَأصْلح ذَات بَيْننَا، وَألف بَين قُلُوبنَا.
أللهم هَذَا عَبدك فلَان بن فلَان لَا تعلم إلاَّ خيرا، وَأَنت أعلم بِهِ.
فَاغْفِر لنا وَله)
.