فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التعوذ من عذاب القبر

( بابُُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر، وَكَيْفِيَّة التَّعَوُّذ، وإلاَّ فأحاديث هَذَا الْبابُُ دَاخِلَة فِي الْحَقِيقَة فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.



[ قــ :1320 ... غــ :1375 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثني عَوْنُ بنُ أبِي جُحَيْفَةَ عنْ أبِيهِ عنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ عنْ أبِي أيُّوبَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَالَ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتا فقالَ يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا.

قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة، لِأَن الحَدِيث فِي بَيَان ثُبُوت عَذَاب الْقَبْر، والترجمة فِي التَّعَوُّذ مِنْهُ، حَتَّى قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أدخلهُ فِي هَذَا الْبابُُ بعض من نسخ الْكتاب وَلم يُمَيّز.
قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الْعَادة قاضية بِأَن كل من سمع مثل ذَلِك الصَّوْت يتَعَوَّذ من مثله، أَو تَركه اختصارا.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد، يعرف بالزمن الْعَنْبَري.
الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: عون بن أبي جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، وَقد مر فِي: بابُُ الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْأَحْمَر.
لخامس: أَبوهُ أَبُو جُحَيْفَة الصَّحَابِيّ واسْمه: وهب بن عبد الله السوَائِي.
السَّادِس: الْبَراء بن عَازِب السَّابِع: أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، واسْمه: خَالِد بن زيد.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَيحيى كُوفِي وَشعْبَة واسطي وَعون كُوفِي وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة صحابيون يروي بَعضهم عَن بعض.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي صفة أهل النَّار عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع، وَعَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه، وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار ثَلَاثَتهمْ عَن يحيى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن أبي قدامَة عَن يحيى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: من الْمَدِينَة إِلَى خَارِجهَا.
قَوْله: ( وَقد وَجَبت الشَّمْس) ، جملَة حَالية، وَقد علم أَن الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة إِذا وَقعت حَالا فَلَا بُد من لَفْظَة: قد، صَرِيحَة أَو مقدرَة.
وَمعنى: وَجَبت: سَقَطت، وَالْمرَاد أَنَّهَا غربت.
قَوْله: ( فَسمع صَوتا) ، يحْتَمل أَن يكون صَوت مَلَائِكَة الْعَذَاب، أَو صَوت الْيَهُود الْمُعَذَّبين، أَو صَوت وَقع الْعَذَاب، وَقد وَقع عِنْد الطَّبَرَانِيّ: أَنه صَوت الْيَهُود، رَوَاهُ من طَرِيق عبد الْجَبَّار بن الْعَبَّاس عَن عون بِهَذَا السَّنَد، وَلَفظه: ( خرجت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين غربت الشَّمْس وَمَعِي كوز من مَاء، فَانْطَلق لِحَاجَتِهِ حَتَّى جَاءَ فوضأته فَقَالَ: ألم تسمع مَا أسمع؟ قلت: الله وَرَسُوله أعلم.
قَالَ: أسمع أصوات الْيَهُود يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم)
.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: صَوت الْمَيِّت من الْعَذَاب يسمعهُ غير الثقلَيْن، فَكيف سمع ذَلِك؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ فِي الضجة الْمَخْصُوصَة وَهَذَا غَيرهَا، أَو سَماع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل المعجزة.
قَوْله: ( يهود تعذب) ، وارتفاع يهود على الِابْتِدَاء وَخَبره تعذب وَهُوَ علم للقبيلة، وَقد يدْخل فِيهِ الْألف وَاللَّام،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: أَرَادوا باليهود الهوديين، وَلَكنهُمْ حذفوا يَاء الْإِضَافَة كَمَا قَالُوا: زنجي وزنج، وَإِنَّمَا عرف على هَذَا الْحَد فَجمع على قِيَاس شعيرَة وشعير، ثمَّ عرف الْجمع بِالْألف وَاللَّام، وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز دُخُول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ معرفَة مؤنث، فجرس فِي كَلَامهم مجْرى الْقَبِيلَة، وَلم يَجْعَل كالحي،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يهود خبر مُبْتَدأ أَي: هَذِه يهود.
قلت: كَأَنَّهُ ظن أَنه نكرَة فَلذَلِك قَالَ: هُوَ خبر مُبْتَدأ، وَقد قُلْنَا: إِنَّه علم وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث، وهودهم الْيَهُود.

وَقَالَ النَّضْرُ أخبرنَا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَوْنٌ قَالَ سَمِعْتُ أبي سَمِعْتُ البَرَاءَ عنْ أبِي أيُّوبَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل مر فِي: بابُُ حمل العنزة فِي الِاسْتِنْجَاء، وسَاق البُخَارِيّ هَذَا الطَّرِيق تَنْبِيها على أَنه مُتَّصِل بِالسَّمَاعِ، وَالطَّرِيق الأول بالعنعنة، وَهُوَ من الْمُتَابَعَة الْمُعَلقَة ليحيى بن سعيد، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ: حَدثنَا مكي حَدثنَا زاج حَدثنَا النَّضر حَدثنَا شُعْبَة إِلَى آخِره.





[ قــ :131 ... غــ :1376 ]
- حدَّثنا مُعَلَّى قَالَ حَدثنَا وُهَيْبٌ عَنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خالِدِ بنِ سَعِيدِ بنِ العَاصِي أنَّهَا سَمِعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.

( الحَدِيث 6731 طرفه فِي: 4636) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُعلى، بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة: ابْن أَسد، مر فِي: بابُُ الْمَرْأَة تحيض بعد الْإِفَاضَة.
الثَّانِي: وهيب، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن خَالِد.
الثَّالِث: مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي.
الرَّابِع: ابْنة خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَاسْمهَا: أمة، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم: أم خَالِد الأموية ولدت بِالْحَبَشَةِ، تزَوجهَا الزبير فَولدت لَهُ خَالِدا وعمرا.
قَالَ الذَّهَبِيّ: لَهَا صُحْبَة، روى عَنْهَا مُوسَى بن إِبْرَاهِيم ابْنا عقبَة وكريب بن سُلَيْمَان.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه ووهيبا بصريان ومُوسَى مدنِي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، وَوَقع فِي الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن مُوسَى بن عقبَة بِلَفْظ: ( استجيروا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر) ، ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استعاذ من عَذَاب الْقَبْر، وَالْحَال أَنه مَعْصُوم مطهر مغْفُور لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، فَيَنْبَغِي لَك يَا من لَا عصمَة لَك وَلَا طَهَارَة لَك عَن الذُّنُوب أَن تستعيذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر مَعَ امْتِثَال الْأَوَامِر والاجتناب عَن الْمعاصِي حَتَّى ينجيك الله من النَّار وَمن عَذَاب الْقَبْر، واستعاذته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إرشاد لأمته ليقتدوا بِهِ فِيمَا فعله وَفِيمَا أمره حَتَّى يتخلصوا من شَدَائِد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.





[ قــ :13 ... غــ :1377 ]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هشَامٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى اعنْ أبِي سَلَمَة عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعدْعُو اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ الفراهيدي القصاب.
الثَّانِي: هِشَام الدستوَائي.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَيحيى يمامي وَأَبُو سَلمَة مدنِي.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَيحيى رأى أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن ابْن أبي عدي عَن هِشَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ الدُّعَاء قبل السَّلَام، فَإِنَّهُ أخرج حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، هُنَاكَ: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاة: أللهم إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وفتنة الْمَمَات.
.
)
الحَدِيث.
قَوْله: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو: اللَّهُمَّ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( كَانَ يَدْعُو وَيَقُول: اللَّهُمَّ) إِلَى آخِره.
قَوْله: ( وَمن عَذَاب النَّار) تَعْمِيم بعد تَخْصِيص، كَمَا أَن: ( وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال) تَخْصِيص بعد تَعْمِيم، والمحيا وَالْمَمَات مصدران ميميان، وَيجوز أَن يَكُونَا إسمي زمَان.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن عَن فتْنَة الدَّجَّال وَنَحْوهَا، فَمَا الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: نفس الدُّعَاء عبَادَة، كَقَوْلِه: اللَّهُمَّ اغْفِر لي، مَعَ كَونه مغفورا لَهُ، أَو لتعليم الْأمة والإرشاد لَهُم.