فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ينهى من سب الأموات

( بابُُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا ينْهَى من سبّ الْأَمْوَات، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة.
أَي: بابُُ النَّهْي عَن سبّ الْأَمْوَات، يَعْنِي: شتمهم من السب، وَهُوَ الْقطع.
وَقيل: من السبة، وَهِي خلقَة الدبر كَأَنَّهَا على القَوْل الأول قطع المسبوب عَن الْخَيْر وَالْفضل، وعَلى الثَّانِي كشف الْعَوْرَة وَمَا يَنْبَغِي أَن يستر.


[ قــ :1340 ... غــ :1393 ]
- ( حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تسبوا الْأَمْوَات فَإِنَّهُم قد فأفضوا إِلَى مَا قدمُوا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الحَدِيث نهى عَن سبّ الْأَمْوَات والترجمة كَذَلِك قيل لفظ التَّرْجَمَة يشْعر بانقسام السب إِلَى مَنْهِيّ وَغير مَنْهِيّ وَلَفظ الْخَبَر مضمونه النَّهْي عَن السب مُطلقًا أجَاب بَعضهم أَن عُمُومه مَخْصُوص بِحَدِيث أنس حَيْثُ قَالَ " أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض " وَذَلِكَ عِنْد ثنائهم بِالْخَيرِ وَالشَّر وَلم يُنكر عَلَيْهِم ( قلت) لَا نسلم أشعار التَّرْجَمَة إِلَى الانقسام الْمَذْكُور لِأَن قد ذكرنَا أَن كلمة مَا فِي التَّرْجَمَة مَصْدَرِيَّة فَلَا تَقْتَضِي الانقسام بل هِيَ للْعُمُوم وَأورد على البُخَارِيّ أَنه غفل عَن حَدِيث وَجَبت وَجَبت لِأَن فِيهِ تَفْصِيلًا وَقد أطلق هُنَا ( قلت) لَا يرد عَلَيْهِ شَيْء لِأَن الثَّنَاء بِالشَّرِّ على الْمَيِّت لَا يُسمى سبا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثني بِالشَّرِّ أما فِي حق الْفَاسِق أَو الْمُنَافِق أَو الْكَافِر وَلَيْسَ هَذَا بداخل فِي معنى حَدِيث الْبابُُ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا وآدَم وَابْن أبي إِيَاس وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز أَيْضا عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل عَن شُعْبَة بِهِ قَوْله " الْأَمْوَات " الْألف وَاللَّام للْعهد أَي أموات الْمُسلمين وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " اذْكروا محَاسِن مَوْتَاكُم وَكفوا عَن مساويهم " وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي كتاب الْأَدَب من سنَنه وَلَا حرج فِي ذكر مساوي الْكفَّار وَلَا يَأْمر بِذكر محَاسِن إِن كَانَت لَهُم من صَدَقَة وإعتاق وإطعام طَعَام وَنَحْو ذَلِك اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَأَذَّى بذلك مُسلم من ذُريَّته فيجتنب ذَلِك حِينَئِذٍ كَمَا ورد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ " أَن رجلا من الْأَنْصَار وَقع فِي أبي الْعَبَّاس كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَطَمَهُ الْعَبَّاس فَجَاءَهُ قومه فَقَالُوا وَالله لنلطمنه كَمَا لطمه فلبسوا السِّلَاح فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَصَعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ أَيهَا النَّاس أَي أهل الأَرْض أكْرم عِنْد الله قَالُوا أَنْت قَالَ فَإِن الْعَبَّاس مني وَأَنا مِنْهُ فَلَا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا فجَاء الْقَوْم فَقَالُوا يَا رَسُول الله نَعُوذ بِاللَّه من غضبك " وَفِي كتاب الصمت لِابْنِ أبي الدُّنْيَا فِي حَدِيث مُرْسل صَحِيح الْإِسْنَاد من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَليّ الباقر قَالَ " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسب قَتْلَى بدر من الْمُشْركين.

     وَقَالَ  لَا تسبوا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يخلص إِلَيْهِم شَيْء مِمَّا تَقولُونَ وتؤذون الْأَحْيَاء إِلَّا أَن الْبذاء لؤم ".

     وَقَالَ  ابْن بطال ذكر شرار الْمَوْتَى من أهل الشّرك خَاصَّة جَائِز لِأَنَّهُ لَا شكّ أَنهم فِي النَّار.

     وَقَالَ  سبّ الْأَمْوَات يجْرِي مجْرى الْغَيْبَة فَإِن كَانَ أغلب أَحْوَال الْمَرْء الْخَيْر وَقد تكون مِنْهُ الْغَلَبَة فالاغتياب لَهُ مَمْنُوع وَإِن كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا غيبَة لَهُ فَكَذَلِك الْمَيِّت قَوْله " فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا " أَي قد وصلوا إِلَى جَزَاء أَعْمَالهم ( وَرَوَاهُ عبد الله بن عبد القدوس عَن الْأَعْمَش وَمُحَمّد بن أنس عَن الْأَعْمَش) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الله بن عبد القدوس السَّعْدِيّ الرَّازِيّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش مُتَابعًا لشعبة وَرَوَاهُ أَيْضا مُحَمَّد بن أنس الْعَدوي الْمولى الْكُوفِي عَن الْأَعْمَش مُتَابعًا لشعبة قَالَ الْكرْمَانِي.

     وَقَالَ  هَهُنَا رَوَاهُ وَلم يقل تَابعه لِأَنَّهُ روى اسْتِقْلَالا وبطريق آخر لَا مُتَابعَة لآدَم بطريقه وَلَيْسَ لأبي عبد القدوس فِي الصَّحِيح غير هَذَا الْموضع الْوَاحِد وَذكر البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ.

     وَقَالَ  إِنَّه صَدُوق إِلَّا أَنه يروي عَن قوم ضعفاء
( تَابعه عَلَيْهِ بن الْجَعْد وَابْن عرْعرة وَابْن أبي عدي عَن شُعْبَة) هَذَا قد وَقع فِي بعض النّسخ قبل قَوْله " وَرَوَاهُ عبد الله " إِلَى آخِره قَوْله " تَابعه " أَي تَابع آدم عَليّ بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَقد تقدم فِي بابُُ أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان وَقد وَصله البُخَارِيّ عَن عَليّ بن الْجَعْد فِي الرقَاق قَوْله " وَابْن عرْعرة " أَي وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن عرْعرة بِفَتْح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الرَّاء الأولى وَقد تقدم فِي بابُُ خوف الْمُؤمن وروى البُخَارِيّ عَن عَليّ بن الْجَعْد وَابْن عرْعرة بِدُونِ الْوَاسِطَة وروى عَن ابْن أبي عدي بالواسطة لِأَنَّهُ لم يدْرك عصره قَوْله " وَابْن أبي عدي " أَي وتابع آدم أَيْضا مُحَمَّد بن أبي عدي وَقد تقدم فِي كتاب الْغسْل وَطَرِيق ابْن أبي عدي ذكرهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ وَوَصله أَيْضا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن شُعْبَة -