فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصدقة من كسب طيب لقوله: {ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 277]

( بابُُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الصَّدَقَة لَا تقبل إِلَّا من كسب طيب، وَيجوز إِضَافَة لفظ: بابُُ، إِلَى مَا بعده، وَيجوز قطعه عَن الْإِضَافَة، وعَلى تَقْدِير الْقطع يكون التَّقْدِير: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الصَّدَقَة من كسب طيب، يَعْنِي: تقبل الصَّدَقَة الْحَاصِلَة من كسب طيب، أَو التَّقْدِير: الصَّدَقَة إِنَّمَا تقبل من كسب طيب.
فَلفظ: الصَّدَقَة، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ.
وَفِي الْوَجْه الأول، مجرور بِالْإِضَافَة، وَلما ذكر فِي الْبابُُ الأول فِي التَّرْجَمَة قَوْله: وَلَا تقبل إلاَّ من كسب طيب، تعرض إِلَى بَيَان الْكسْب الطّيب بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الَّتِي لم تقع فِي الْكتاب إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَابْن شبويه والكشميهني.

لِقَوْلِهِ { ويُرْبى الصَّدَقَاتِ وَالله لاَ يُحِبُّ كلَّ كَفَّارٍ أثيمٍ إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأقَامُوا الصَّلاَةَ واتُوا الزَّكَاةَ لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} ( الْبَقَرَة: 672 و 772) .


علل كَون الصَّدَقَة من كسب طيب، بقوله تَعَالَى: { ويربي الصَّدقَات} ( الْبَقَرَة: 672 و 772) .
أَي: يزِيد فِيهَا ويبارك فِي الدُّنْيَا ويضاعف الثَّوَاب فِي الْآخِرَة، وَالْكَسْب الطّيب هُوَ من الْحَلَال قَالَ تَعَالَى: { انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} ( الْبَقَرَة: 762) .
{ وكلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم} ( الْبَقَرَة: 75 و 271، طه: 18) .
وَإِنَّمَا لَا يقبل الله المَال الْحَرَام لِأَنَّهُ غير مَمْلُوك للمتصدق، وَهُوَ مَمْنُوع من التَّصَرُّف فِيهِ، وَالتَّصَدُّق بِهِ تصرف فِيهِ، فَلَو قبلت لزم أَن يكون مَأْمُورا بِهِ ومنهيا عَنهُ من وَجه وَاحِد، وَذَلِكَ محَال.
فَإِن قلت: قَوْله: { ويربي الصَّدقَات} ( الْبَقَرَة: 672) .
لفظ عَام لما يكون من الْكسْب الطّيب وَمن غَيره، فَكيف يدل على التَّرْجَمَة؟ قلت: هُوَ مُقَيّد بالصدقات الَّتِي من المَال الْحَلَال بِقَرِينَة السِّيَاق نَحْو: { وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} ( الْبَقَرَة: 762) .
قلت: قَوْله تَعَالَى: { يمحق الله الرِّبَا} ( الْبَقَرَة: 672) .
أقرب للاستدلال على مَا ذكره من قَوْله: { وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} ( الْبَقَرَة: 762) .
لِأَن الله تَعَالَى أخبر فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة أَنه يمحق الرِّبَا، أَي: يذهبه إِمَّا بِأَن يذهب بِالْكُلِّيَّةِ من يَد صَاحبه أَو يحرمه بركَة مَاله، فَلَا ينْتَفع بِهِ بل يعذبه بِهِ فِي الدُّنْيَا ويعاقبه عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة.
وروى الإِمَام أَحْمد فِي ( مُسْنده) فَقَالَ: حَدثنَا حجاج حَدثنَا شريك عَن الركين بن الرّبيع عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرِّبَا وَإِن كثر فَإِن عاقبته تصير إِلَى قل، وَهَذَا من بابُُ الْمُعَامَلَة بنقيض الْمَقْصُود، ثمَّ إِن الله تَعَالَى لما أخبر بِأَنَّهُ يمحق الرِّبَا لِأَنَّهُ حرَام، أخبر أَنه يُربي الصَّدقَات الَّتِي من الْكسْب الْحَلَال.
وَفِي ( الصَّحِيح) عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من تصدق بِعدْل تَمْرَة.
.
)
الحَدِيث، على مَا يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَلما قرن بَين قَوْله: { يمحق الله الرِّبَا} ( الْبَقَرَة: 672) .
وَبَين قَوْله: { ويربى الصَّدقَات} ( الْبَقَرَة: 672) .
بواو الْعَطف علم أَن إرباء الصَّدقَات إِنَّمَا يكون إِذا كَانَت من الْكسْب الْحَلَال بِقَرِينَة محقه الرِّبَا لكَونه حَرَامًا.
قَوْله: { وَالله لَا يحب كل كفار أثيم} ( الْبَقَرَة: 672) .
أَي: لَا يحب كفور الْقلب أثيم القَوْل وَالْفِعْل، وَلَا بُد من مُنَاسبَة فِي ختم هَذِه الْآيَة بِهَذِهِ الصّفة، وَهِي أَن المرابي لَا يرضى بِمَا قسم الله لَهُ من الْحَلَال، وَلَا يَكْتَفِي بِمَا شرع لَهُ من التكسب الْمُبَاح، فَهُوَ يسْعَى فِي أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ بأنواع المكاسب الخبيثة، فَهُوَ جحود لما عَلَيْهِ من النِّعْمَة، ظلوم آثم بِأَكْل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ، ثمَّ قَالَ تَعَالَى، وتقدس، مادحا للْمُؤْمِنين برَبهمْ المطيعين أمره المؤدين شكره الْمُحْسِنِينَ إِلَى خلقه فِي إِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة، مخبرا عَمَّا أعدلهم من الْكَرَامَة وَأَنَّهُمْ يَوْم الْقِيَامَة آمنون من التَّبعَات فَقَالَ: { إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} ( الْبَقَرَة: 77) .
أَي: لَا خوف عَلَيْهِم عِنْد الْمَوْت، وَلَا هم يَحْزَنُونَ يَوْم الْقِيَامَة.



[ قــ :1355 ... غــ :1410 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله ابنِ دِينَارٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ الله إلاَّ الطَّيِّبَ وَإنَّ الله يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَما يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلْوَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلِ الجَبَلِ.

( الحَدِيث 0141 طرفه فِي: 0347) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من كسب طيب) .

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون، مر فِي: بابُُ الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب.
الثَّانِي: أَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم بن أبي أُميَّة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القريشي التَّيْمِيّ.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار مولى عبد الله بن عمر مر فِي: بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
الرَّابِع: أَبوهُ عبد الله بن دِينَار.
الْخَامِس: أَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِيه: اثْنَان مذكوران بالكنية.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة أَيْضا عَن أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم عَن خَالِد بن مخلد بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بِعدْل تَمْرَة) ، بِكَسْر الْعين: هُوَ مَا عَادل الشَّيْء من غير جنسه، وبالفتح مَا عادله من جنسه.
تَقول: عِنْدِي عدل دراهمك من الثِّيَاب وَعدل دراهمك من الدَّرَاهِم.
.

     وَقَالَ  البصريون: العَدل والعِدل لُغَتَانِ.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: بِعدْل تَمْرَة أَي: قيمَة تَمْرَة.
يُقَال: هَذَا عدله، بِفَتْح الْعين، أَي مثله فِي الْقيمَة، وبكسرها أَي مثله فِي المنظر.
وَزعم ابْن قُتَيْبَة: أَن الْعدْل، بِالْفَتْح: الْمثل وَاحْتج بقوله تَعَالَى: { أَو عدل ذَلِك صياما} ( الْمَائِدَة: 59) .
وَالْعدْل، بِالْكَسْرِ: الْقيمَة، وَزعم ابْن التِّين أَنه على هَذَا جمَاعَة من أهل اللُّغَة، وَفِي ( الْمُحكم) : الْعدْل والعديل وَالْعدْل: النظير، والمثل.
وَقيل: هُوَ الْمثل وَلَيْسَ بالنظير عينه، وَالْجمع أعدال وعدلاء.
وَقيل: ضبط هَهُنَا بِالْفَتْح عِنْد الْأَكْثَرين.
قَوْله: ( من كسب طيب) أَي: حَلَال، وَهِي صفة مُمَيزَة لعدل تَمْرَة ليمتاز الْكسْب الْخَبيث الْحَرَام.
قَوْله: ( وَلَا يقبل الله إِلَّا الطّيب) جملَة مُعْتَرضَة وَارِدَة على سَبِيل الْحصْر بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء تَأْكِيدًا وتقريرا للمطلوب فِي النَّفَقَة، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال الْآتِي ذكرهَا: ( وَلَا يصعد إِلَى الله إلاَّ الطّيب) ، وَزَاد سُهَيْل فِي رِوَايَته الْآتِي ذكرهَا.
( فَيَضَعهَا فِي حَقّهَا) .
قَوْله: ( بِيَمِينِهِ) ، قَالَ الْخطابِيّ: جرى ذكر الْيَمين ليدل بِهِ على حسن الْقبُول، لِأَن فِي عرف النَّاس أَن أَيْمَانهم مرصدة لما عز من الْأُمُور، وَقيل: المُرَاد سرعَة الْقبُول.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: وَلما قيد الْكسْب بالطيب أتبعه الْيَمين لمناسبة بَينهمَا فِي الشّرف، وَمن ثمَّة كَانَت يَده الْيُمْنَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للطهور، وَفِي رِوَايَة سُهَيْل: إلاَّ أَخذهَا بِيَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم بن أبي مَرْيَم الْآتِي ذكرهَا: فيقبضها، وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد الْبَزَّار: ( فيتلقاها الرَّحْمَن بِيَدِهِ) ، وَيُقَال: لما كَانَت الشمَال عَادَة تنقص عَن الْيَمين بطشا وَقُوَّة عرفنَا الشَّارِع بقوله: وكلتا يَدَيْهِ يَمِين، فَانْتفى النَّقْص تَعَالَى عَنهُ، والجارحة على الرب محَال.
قَوْله: ( فلوه) ، بِفَتْح الْفَاء وَضم اللَّام وَتَشْديد الْوَاو: وَهُوَ الْمهْر لِأَنَّهُ يعلى أَي: يعظم وَالْأُنْثَى: فلوة، مِثَال عدوة، وَالْجمع: أفلاء، مثل: أَعدَاء.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يُقَال للمهر: فَلَو، وللجحش: ولد الْحمار فلوة بِكَسْر الْفَاء،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: عَن أبي زيد: إِذا فتحت الْفَاء شددت الْوَاو، وَإِذا كسرت خففت، فَقلت: فَلَو مثل جرو.
وَفِي ( الْمُخَصّص) : إِذا بلغ سنة، يَعْنِي: ولد الجحش، فَهُوَ فَلَو، وَعَن سِيبَوَيْهٍ: وَالْجمع أفلاء، وَلم يكسر على فعل كَرَاهِيَة الْإِخْلَال، وَلَا كسروه على فعلان كَرَاهِيَة الكسرة قبل الْوَاو، وَإِن كَانَ بَينهمَا حاجز، لِأَن السَّاكِن لَيْسَ بحاجز حُصَيْن، وَعَن الْأَعرَابِي: الفلو كالتلو، وَخص أَبُو عبيد بِهِ فَلَو الأتان وَالْجمع كالجمع إلاَّ أَنه لَا يحوج إِلَى الِاعْتِذَار من فعلان.
وَقد فلى مهره إِذا فَصله من أمه، وأفلاه.
وَعَن ابْن السّكيت: فلوته عَن أمه وأفتليته: فصلته عَنْهَا، وَعَن ابْن دُرَيْد: فلوت الْمهْر: نحيته.
وَعَن أبي عبيد: فلوت الْمهْر عَن أمه فَهُوَ فَلَو، وَفرس مفل ومفلية ذَات فَلَو.
وَفِي ( الْمُحكم) : فلوت الصَّبِي وَالْمهْر والجحش فلوا.
وَفِي ( الْجَامِع) : زَاد الْقَزاز: الْجمع أفلاء وفلاء.
وَقَول الْعَامَّة: فَلَو، خطأ، وَجمع الفلوة: فلاوي: مثل: خَطَايَا.
وَفِي ( الْمُنْتَخب) لكراع، يصف أَوْلَاد الْخَيل وَلَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الفلو حَتَّى يفتلى من أمه، أَي: يفطم ثمَّ هُوَ فَلَو حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول، ثمَّ هُوَ حَولي حَتَّى يتجاذع.
وَفِي ( المغيث) لأبي مُوسَى: وَالْجمع فَلَو، بِضَم الْفَاء.
وَفِي ( كتاب الْفرق) لأبي حَاتِم السجسْتانِي: قَالُوا فِي ولد الْخَيل العراب والبراذين للذكران: مهر، وللأنثى: مهرَة، فَإِذا كَانَت لَهُ سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة يُقَال لَهُ: الخروف، وَالْجمع: خرف.
فَإِذا كَانَت لَهُ سنة فَهُوَ: فَلَو وَالْأُنْثَى فلوة.
وَلَا يُقَال: فَلَو وَلَا فلوة، كَمَا يَقُول من لَا يعلم من الْعَوام، وَقد أولعوا بذلك.
وَفِي ( كتاب الوحوش) : يُقَال لولد الْحمار: مهر وتولب وتالب، وَهِي المهار والفلاء.
قَالَ: وحمر الوحوش على هَذِه الصّفة.
وَقَوله: ( كَمَا يربى أحدكُم فلوه) ضرب الْمثل لِأَنَّهُ يزِيد زِيَادَة بَيِّنَة، فَكَذَلِك الصَّدَقَة نتاج الْعَمَل فَإِذا كَانَت من حَلَال لَا يزَال نظر الله إِلَيْهَا حَتَّى تَنْتَهِي بالتضعيف إِلَى أَن تصير التمرة كالجبل، وَهُوَ معنى قَوْله: ( حَتَّى تكون مثل الْجَبَل) .
قَالَ الدَّاودِيّ: أَي: كمن تصدق بِمثل الْجَبَل، وتربية الصَّدقَات مضاعفة الْأجر عَلَيْهَا وَإِن أُرِيد بِهِ الزِّيَادَة فِي كمية عينهَا ليَكُون أثقل فِي الْمِيزَان لم يُنكر ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة مُسلم، رَحمَه الله تَعَالَى، من طَرِيق سعيد بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حَتَّى تكون أعظم من الْجَبَل.
وَفِي رِوَايَة ابْن جرير من وَجه آخر عَن الْقَاسِم: حَتَّى يوافي بهَا يَوْم الْقِيَامَة وَهِي أعظم من أحد.
وَفِي رِوَايَة الْقَاسِم عِنْد التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: ( حَتَّى إِن اللُّقْمَة لتصير مثل أحد) .

تابَعَهُ سُلَيْمَانُ عنِ ابنِ دِينَارٍ
أَي: تَابع عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذِه الْمُتَابَعَة ذكرهَا البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد،.

     وَقَالَ : خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عبد الله بن دِينَار، فساق مثله إلاَّ أَن فِيهِ مُخَالفَة فِي اللَّفْظ يسيرَة، وَقد وَصله أَبُو عوَانَة والجوزقي من طَرِيق مُحَمَّد بن معَاذ بن يُوسُف عَن خَالِد بن مخلد بِهَذَا الْإِسْنَاد،.

     وَقَالَ  مُسلم: حَدثنَا يزِيد، يَعْنِي ابْن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا روح بن الْقَاسِم، وحدثنيه أَحْمد بن عُثْمَان الأودي، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن مخلد، قَالَ: حَدثنِي سُلَيْمَان يَعْنِي ابْن بِلَال، كِلَاهُمَا عَن سُهَيْل بِهَذَا الْإِسْنَاد من حَدِيث روح: من الْكسْب الطّيب فَيَضَعهَا فِي حَقّهَا، وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان: فَيَضَعهَا فِي موضعهَا.
وَقَالَ وَرْقاءُ عنِ ابنِ دِينَارٍ عنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: قَالَ وَرْقَاء بن عمر بن كُلَيْب الْيَشْكُرِي: عَن عبد الله بن دِينَار عَن سعيد بن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة، وورقاء هَذَا قد خَالف سُلَيْمَان حَيْثُ جعل شيخ ابْن دِينَار فِيهِ: سعيد بن يسَار بدل أبي صَالح،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هَذَا وهم لتوارد الروَاة عَن أبي صَالح دون سعيد بن يسَار، وَفِيه نظر لِأَنَّهُ مَحْفُوظ عَن سعيد بن يسَار من وَجه آخر كَمَا أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا لَيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن يسَار أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا تصدق أحد بِصَدقَة من طيب وَلَا يقبل الله إلاَّ الطَّيِّب إلاَّ أَخذهَا الرَّحْمَن بِيَمِينِهِ وَإِن كَانَت تَمْرَة فتربو فِي كف الرَّحْمَن حَتَّى تكون أعظم من الْجَبَل كَمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو فَصِيله) .
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة إِلَى آخِره نَحوه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عِيسَى بن حَمَّاد عَن اللَّيْث،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلم أَقف على رِوَايَة وَرْقَاء هَذِه مَوْصُولَة.
قلت: قد وَصلهَا الْبَيْهَقِيّ فِي ( سنَنه) من رِوَايَة أبي النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم: حَدثنَا وَرْقَاء،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، ورويناه أَيْضا فِي الْجُزْء الرَّابِع من ( فَوَائِد أبي بكر الشَّافِعِي) قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد يَعْنِي: ابْن غَالب: حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا وَرْقَاء.

ورَوَاهُ مُسْلِمُ بنُ أبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بنُ أسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُسلم بن أبي مَرْيَم السّلمِيّ الْمدنِي، وَوصل يُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي فِي كتاب الزَّكَاة رِوَايَة مُسلم هَذِه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي حَدثنَا سعيد بن سَلمَة هُوَ ابْن أبي الحسام عَنهُ بِهِ.
قَوْله: ( وَزيد بن أسلم) ، عطف على مُسلم، وَوصل رِوَايَته مُسلم،.

     وَقَالَ : حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر،.

     وَقَالَ : أخبرنَا عبد الله بن وهب قَالَ: أَخْبرنِي هِشَام بن سعيد عَن زيد بن أسلم عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو حَدِيث يَعْقُوب عَن سُهَيْل، ونذكره الْآن.
قَوْله: ( وَسُهيْل) ، عطف على زيد بن أسلم، وَوصل رِوَايَته أَيْضا مُسلم،.

     وَقَالَ : حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب يَعْنِي: ابْن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي، عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا يتَصَدَّق أحد بتمرة من كسب طيب إلاَّ أَخذهَا الله بِيَمِينِهِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو قلوصه حَتَّى تكون مثل الْجَبَل أَو أعظم) .
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ قَالَ أَولا تَابِعَة، وَثَانِيا: قَالَ وَرْقَاء، وثالثا: قَالَ رَوَاهُ، مَعَ أَن الثَّالِث أَيْضا فِيهِ مُتَابعَة، لِأَن الثَّلَاثَة تابعوا ابْن دِينَار فِي الرِّوَايَة عَن أبي صَالح؟ قلت: الأول: مُتَابعَة لِأَن اللَّفْظ فِيهِ بِعَيْنِه لَفظه، وَالثَّالِث: رِوَايَة لَا مُتَابعَة لاخْتِلَاف اللَّفْظ وَإِن اتَّحد الْمَعْنى فيهمَا.
وَالثَّانِي: لما لم يكن على سَبِيل النَّقْل وَالرِّوَايَة، بل على سَبِيل المذاكرة، قَالَ بِلَفْظ القَوْل.