فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب زكاة الغنم

(بابُُ زَكَاةِ الغَنَمِ)

أَي: هَذَا بَيَان زَكَاة الْغنم.
الْغنم، جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَعَن أبي حَاتِم: هِيَ أُنْثَى، وَعَن صَاحب (الْعين) : الْجمع أَغْنَام وأغانم وغنوم، وَوَاحِد الْغنم من غير لَفظهَا: شَاة، وَهُوَ يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْأَصْل: شاهة، حذفت الْهَاء لِاجْتِمَاع الهاءين، وَالْجمع: شَاءَ وشياه وشيه وشوي وشواه وأشاوه.
وَعَن سيبوه: شِيَاه، بِالْألف وَالتَّاء، وَأَرْض مشاهة من الشَّاء، وَرجل شاوي ذُو شَاءَ، والضائنة مِنْهَا ذَوَات الصُّوف، والضأن والضان والضئن والضين: اسْم للْجمع، وَعَن صَاحب (الْعين) : أضؤن، جمع ضَأْن.
وَعَن أبي حَاتِم: الضَّأْن مُؤَنّثَة، الْوَاحِد ضائن وضائنة.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الضَّأْن، اسْم للْجمع وَلَيْسَ بِجمع، والماعز والمعز والمعيز اسْم للْجمع، والمعزاة لُغَة فِي المعزى.
وَعَن أبي حَاتِم السجسْتانِي: يُقَال: شَاة من الظباء، وَمن بقر الْوَحْش، وَمن حمره، أنْشد أَبُو زيد:
(كَأَنَّهُ شَاة من النعام)

زَاد هِشَام، وَيُسمى الظبي والظبية والثور وَالْبَقَرَة شَاة، كَمَا يُقَال للْمَرْأَة: إِنْسَان، وَيُقَال: شَاة للتيس وَالْغنم والكبش.
وَذكر النّحاس: أَن الشَّاة يكنى بهَا عَن الْمَرْأَة، وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الشَّاء إسم للْجمع.



[ قــ :1397 ... غــ :1454 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ المُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حدَّثني ثَمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنسا حدَّثَهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَتَبَ لَهُ هاذا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى البَحْرَيْنِ:
بِسْمَ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ هاذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى المُسْلِمِينَ وَالَّتِي أمَرَ الله بِهَا رَسولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمينَ عَلى وجْهِهَا ومَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ فِي أرْبَعٍ وعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شاةٌ إذَا بَلَغَتْ خَمْسا وعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِذا بَلَغَتْ سِتّا وَثَلاَثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فإذَا بَلَغَتْ سِتّا وَأرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ فإذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وسَبْعِينَ فِفِيهَا جذَعَةٌ فإذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتّا وسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَ لَبُونٍ فإذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ ومِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ فإذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمائَةٍ فَفِي كلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسينَ حِقَّةٌ ومَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلاَّ أرْبَعٌ مِنَ الإبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلاَّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فإذَا بَلَغَتْ خَمْسا مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا شَاة وَفي صدَقَةِ الغَنَمُ فِي سائِمَتِهَا إذَا كانَتْ أرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةَ شاةٌ فإذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ شاتانِ فإذَا زَادتْ عَلَى مائَتَيْنِ إلَى ثَلاَثِمَائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ فإذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمَائَةٍ فَفِي كلِّ مائَةِ شاةٌ فإذَا كانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ ناقِصَةً مِنْ أرْبَعِين شَاة وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صدَقَةٌ إلاَّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفي الرِّقة رُبْعُ العُشْرِ فإنْ لَمْ تَكُنْ إلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا شيءٌ إلاَّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا..
حَدِيث أنس هَذَا قد تقدم مقطعا بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَهُوَ مُشْتَمل على بَيَان زَكَاة الْإِبِل وَالْغنم وَالْوَرق، وَعبد الله بن الْمثنى أَبُو شيخ البُخَارِيّ احتلف فِيهِ، قَول ابْن معِين، فَقَالَ مرّة: صَالح،.

     وَقَالَ  مرّة: لَيْسَ بِشَيْء.
.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: قوي، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم وَالْعجلِي.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي،.

     وَقَالَ  الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع فِي أَكثر حَدِيثه.
قلت: قد تَابعه على حَدِيثه هَذَا حَمَّاد ابْن سَلمَة فَرَوَاهُ عَن ثُمَامَة أَنه أعطَاهُ كتابا، زعم أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتبه لأنس وَعَلِيهِ خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه مُصدقا، هَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي سَلمَة عَنهُ، وَقد سقناه بِتَمَامِهِ فِي: بابُُ مَا كَانَ من خليطين، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد قَالَ أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس عَن أنس: أَن أَبَا بكر.
.
فَذكره،.

     وَقَالَ  إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : أخبرنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة أَخذنَا هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة يحدثه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره، فَظهر من هَذَا أَن حمادا سَمعه من ثُمَامَة وأقرأه الْكتاب، فَانْتفى بذلك تَعْلِيل من أعله بِكَوْنِهِ مُكَاتبَة، وَكَذَا انْتَفَى تَعْلِيل من أعله بِكَوْن عبد الله بن الْمثنى لم يُتَابع عَلَيْهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كتب لَهُ هَذَا الْكتاب) أَي: كتب لأنس، وَكَانَ ذَلِك مَا وَجهه عَاملا على الْبَحْرين وَهُوَ تَثْنِيَة: بَحر، خلاف الْبر مَوضِع مَعْرُوف بَين بحري: فَارس والهند، ومقارب جَزِيرَة الْعَرَب، وَيُقَال: هُوَ اسْم لإقليم مَشْهُور يشْتَمل على مدن مَعْرُوفَة قاعدتها هجر، وَهَكَذَا يتَلَفَّظ بِلَفْظ التَّثْنِيَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا بحراني.
قَوْله: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ذكر التَّسْمِيَة فِي أول كِتَابه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله أَبتر) .
.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: يسْتَدلّ بِهِ على إِثْبَات الْبَسْمَلَة فِي ابْتِدَاء الْكتب، وعَلى أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لَيْسَ بِشَرْط.
قلت: كَمَا ورد الِابْتِدَاء بالبسملة فِي أول كل أَمر، ورد الِابْتِدَاء بِالْحَمْد أَيْضا، وَلَكِن الْجمع بَينهمَا بِأَن الأولية أَمر نسبي فَكل ثَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَالِث أول.
فَافْهَم.
قَوْله: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة) ، أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة، فَحذف الْمُضَاف للْعلم بِهِ.
قَوْله: (الَّتِي) ، كَذَا فِي غير مَا نُسْخَة.
وَفِي بَعْضهَا: (الَّذِي) ، وَمعنى الْفَرْض: الْإِيجَاب، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى قد أوجبهَا وَأحكم فَرضهَا فِي كِتَابه الْعَزِيز، ثمَّ أَمر رَسُوله بالتبليغ فأضيف الْفَرْض إِلَيْهِ بِمَعْنى الدُّعَاء إِلَيْهِ، وَحمل النَّاس عَلَيْهِ، وَقد فرض الله طَاعَته على الْخلق فَجَاز أَن يُسمى أمره وتبليغه عَن الله فرضا على هَذَا الْمَعْنى.
وَقيل: معنى الْفَرْض هُنَا معنى التَّقْدِير، وَمِنْه: فرض القَاضِي نَفَقَة الْأزْوَاج، وَفرض الإِمَام أرزاق الْجند، وَمَعْنَاهُ رَاجع إِلَى قَوْله: { لنبين للنَّاس مَا نُزِّل إِلَيْهِم} (النَّحْل: 44) .
وَقيل: معنى الْفَرْض هُنَا السّنة، وَمِنْه مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض كَذَا أَي: سنه، وَعَن ثَعْلَب: الْفَرْض الْوَاجِب، وَالْفَرْض الْقِرَاءَة، يُقَال: فرضت حزبي، أَي: قرأته، وَالْفَرْض السّنة.
قَوْله: (وَالَّتِي أَمر الله بهَا) ، كَذَا فِي كثير من النّسخ: بهَا، بِالْبَاء وَوَقع أَيْضا: مِنْهَا، بِحرف: من، وَقيل: وَقع فِي كثير من النّسخ بِحَذْف: بهَا، وأنكرها النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) .
وَقَوله: (وَالَّتِي) وَقع هُنَا بِحرف الْعَطف، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: الَّتِي، قد ذَكرْنَاهُ: الَّتِي، بِدُونِ حرف الْعَطف على أَنَّهَا بدل من الْجُمْلَة الأولى.
قَوْله: (فَمن سئلها) ، بِضَم السِّين أَي: فَمن سُئِلَ الصَّدَقَة من الْمُسلمين، وَهِي الزَّكَاة.
قَوْله: (على وَجههَا) ، أَي: على حسب مَا سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فرض مقاديرها.
قَوْله: (فليعطها) ، أَي: على هَذِه الْكَيْفِيَّة المبينة فِي الحَدِيث.
قَوْله: (وَمن سُئِلَ فَوْقهَا) ، أَي: زَائِدا على الْفَرِيضَة الْمعينَة أما فِي السن أَو الْعدَد.
قَوْله: (فَلَا يُعْط) ، ويروى: (فَلَا يُعْطه) ، بالضمير أَي: فَلَا يُعْطي الزَّائِد على الْوَاجِب.
وَقيل: لَا يُعْطي شَيْئا من الزَّكَاة لهَذَا الْمُصدق لِأَنَّهُ خَان بِطَلَبِهِ فَوق الْوَاجِب، فَإِذا ظَهرت خيانته سَقَطت طَاعَته، فَعِنْدَ ذَلِك هُوَ يتَوَلَّى إِخْرَاجه أَو يُعْطي لساع آخر.
قَوْله: (فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل) إِلَى آخِره شُرُوع فِي بَيَان كَيْفيَّة الْفَرِيضَة، وَبَيَان كَيْفيَّة أَخذهَا.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: فِي أَربع وَعشْرين اسْتِئْنَاف بَيَان لقَوْله: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة) كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ إِلَى مَا فِي الذِّهْن، ثمَّ أَتَى بِهِ بَيَانا لَهُ.
قَوْله: (فِي أَربع) خبر مُبْتَدأ مُقَدّر مقدما تَقْدِيره فِي أبع وَعشْرين من الْإِبِل زَكَاة وَكلمَة من بَيَانه قَوْله: (فَمَا دونهَا) أَي: فَمَا دون أَربع وَعشْرين.
وَقَوله: (من الْغنم) ، مُتَعَلق بالمبتدأ الْمُقدر.
قَوْله: (من كل خمس) ، خبر لقَوْله: (شَاة) ، وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، أَي: لأجل كل خمس من الْإِبِل.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: من الْغنم من كل خمس شَاة.
من الأولى ظرف مُسْتَقر لِأَنَّهُ بَيَان لشاة توكيدا كَمَا فِي قَوْله: (فِي كل خمس ذود من الْإِبِل) و: من، الثَّانِيَة لَغوا ابتدائية مُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوف، أَي: ليعط فِي أَربع وَعشْرين شَاة كائنة من الْغنم لأجل كل خمس من الْإِبِل.
قَوْله: (من الْغنم) ، كَذَا هُوَ بِكَلِمَة: من، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن بِإِسْقَاط: من.
قيل: هُوَ الصَّوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فعلى قَوْله: (الْغنم) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره: فِي أَربع وَعشْرين، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: (من كل خمس شَاة) ، ويروى: (فِي كل خمس) ، بِكَلِمَة: فِي، عوض: من،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَفِي نُسْخَة البُخَارِيّ بِزِيَادَة لفظ: من الْغنم، وَهُوَ غلط عَن بعض الكتبة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي:.

     وَقَالَ  الْفُقَهَاء: فِيهِ تَفْسِير من وَجه وإجمال من وَجه، فالتفسير أَنه لَا يجب فِي أَربع وَعشْرين إلاَّ الْغنم، والإجمال أَنه لَا يدْرِي قدر الْوَاجِب.
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك مُفَسرًا لهَذَا الْإِجْمَال: فِي كل خمس شَاة، فَكَانَ هَذَا بَيَانا لابتداء النّصاب، وَقدر الْوَاجِب فِيهِ، فَأول نِصَاب الْإِبِل خمس،.

     وَقَالَ : إِنَّمَا بَدَأَ بِزَكَاة الْإِبِل لِأَنَّهَا غَالب أَمْوَالهم وتعم الْحَاجة إِلَيْهَا، وَلِأَن أعداد نصبها وأسنان الْوَاجِب فِيهَا يصعب ضَبطهَا، وَتَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ لِأَن الْمَقْصُود بَيَان النصب إِذْ الزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد النّصاب فَكَانَ تَقْدِيمه أهم لِأَنَّهُ السَّابِق فِي السَّبَب، وَكَذَا تَقْدِيم الْخَبَر فِي قَوْله: (بنت مَخَاض انثى) ، قَوْله: (انثى) للتَّأْكِيد، وَقيل: احْتِرَاز عَن الْخُنْثَى، وَفِيه نظر.
قَوْله: (بنت لبون) ، انثى، الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي: (بنت مَخَاض أُنْثَى) .
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: وصفهَا بِالْأُنْثَى تَأْكِيدًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { نفخة وَاحِدَة} (الحاقة: 31) .
أَو لِئَلَّا يفهم أَن الْبِنْت هُنَا وَالِابْن فِي ابْن لبون كالبنت فِي: بنت طبق، وَالِابْن فِي: ابْن آوى، يشْتَرك فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى.
قَوْله: (طروقة الْجمل) ، صفة لقَوْله: (حقة) ، وَقد فسرنا الطروقة من: طرقها الْفَحْل إِذا ضربهَا، يَعْنِي جَامعهَا.
قَوْله: (فَإِذا بلغت يَعْنِي سِتا وَسبعين) ، كَذَا فِي الأَصْل بِزِيَادَة: يَعْنِي، وَكَأن الْعدَد حذف من الأَصْل اكْتِفَاء بِدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ، فَذكره بعض رُوَاته وأتى بِلَفْظ: يَعْنِي، لينبه على أَنه مزبدا، وَشك أحد رُوَاته فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَعَلَّ الْمَكْتُوب لم يكن فِيهِ لفظ: سِتا وَسبعين، أَو ترك الرَّاوِي ذكره لظُهُور المُرَاد ففسره الرَّاوِي عَنهُ توضيحا.
.

     وَقَالَ : يَعْنِي.
فَإِن قلت: لم غير الأسلوب حَيْثُ لم يقل فِي جَوَابه مثل ذَلِك؟ قلت: إشعارا بانتهاء أَسْنَان الْإِبِل فِيهِ، وتعدد الْوَاجِب عِنْده فَغير اللَّفْظ عِنْد مُغَايرَة الحكم.
قَوْله: (إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا) ، أَي: إلاَّ أَن يتَبَرَّع صَاحبهَا ويتطوع، وَهُوَ كَمَا ذكر فِي حَدِيث الْأَعرَابِي فِي الْإِيمَان: (إلاَّ أَن تطوع) .
قَوْله: (وَإِذا كَانَت) فِي رِوَايَة الْكشميهني (إِذا بلغت) قَوْله (فازدادت على عشْرين وَمِائَة) أَي وَاحِدَة فصاعد قَوْله (فِي سائمتها) أَي: راعيتها.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ دَلِيل على أَن لَا زَكَاة فِي المعلوفة، أما من جِهَة اعْتِبَار مَفْهُوم الصّفة، وَأما من جِهَة أَن لفظ: فِي سائمتها، بدل عَنهُ بِإِعَادَة الْجَار، والمبدل فِي حكم الطرح فَلَا يجب فِي مُطلق الْغنم.
فَإِن قلت: لَا يجوز أَن يكون: شَاة، مُبْتَدأ و: فِي صَدَقَة الْغنم، خَبره لِأَن لفظ الصَّدَقَة يأباه، فَمَا وَجه إعرابه؟ قلت: لَا نسلم، وَلَئِن سلمنَا فَلفظ: فِي صَدَقَة، يتَعَلَّق بِفَرْض أَو كتب مُقَدرا، أَي: فرض فِي صدقتها شَاة أَو كتب فِي شَأْن صَدَقَة الْغنم هَذَا، وَهُوَ إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى آخِره، وَحِينَئِذٍ يكون شَاة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: فزكاتها شَاة أَو بِالْعَكْسِ، أَي: فَفِيهَا شَاة.
.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: شَاة، رفع بِالِابْتِدَاءِ، و: فِي صَدَقَة الْغنم، فِي مَوضِع الْخَبَر، وكذك: شَاتَان، وَالتَّقْدِير: فِيهَا شَاتَان، وَالْخَبَر مَحْذُوف.
قَوْله: (وَاحِدَة) ، إِمَّا مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِوَاحِدَة، وَإِمَّا حَال من ضمير النَّاقِصَة، وَفِي بعض الرِّوَايَة: بِشَاة وَاحِدَة، بِالْجَرِّ.
قَوْله: (وَفِي الرقة) ، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف: الْوَرق، وَالْهَاء عوض عَن الْوَاو، نَحْو: الْعدة والوعد، وَهِي: الْفضة المضروبة، وَيجمع على: رقين.
مثل: أرة وأرين.
قَوْله: (فَإِن لم تكن) ، أَي: الرقة، قَوْله: (إِلَّا تسعين وَمِائَة) ، قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا يُوهم أَنَّهَا إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء قبل أَن يتم مِائَتَيْنِ كَانَ فِيهَا الصَّدَقَة، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَن نصابها المئتان.
وَإِنَّمَا ذكر التسعين لِأَنَّهُ آخر فصل من فُصُول الْمِائَة، والحساب إِذا جَاوز الْآحَاد كَانَ تركيبه بِالْعُقُودِ كالعشرات والمئات والألوف، فَذكر التسعين ليدل بذلك على أَن لَا صَدَقَة فِيمَا نقص عَن كَمَال الْمِائَتَيْنِ، يدل على صِحَّته حَدِيث: (لَا صَدَقَة إِلَّا فِي خمس أَوَاقٍ) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فِي قَوْله: (فَلَا يُعْط) ، دَلِيل على أَن الإِمَام وَالْحَاكِم إِذا ظهر فسقهما بَطل حكمهمَا، قَالَه الْخطابِيّ.
وَفِيه: فِي قَوْله: (من الْمُسلمين) ، دلَالَة على أَن الْكَافِر لَا يُخَاطب بذلك.
وَفِيه: فِي قَوْله: (فليعطها) دلَالَة على دفع الْأَمْوَال الظَّاهِرَة إِلَى الْأَمَام.
وَفِيه: من أول الحَدِيث إِلَى قَوْله: (فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة) ، لَا خلاف فِيهِ بَين الْأَئِمَّة، وَعَلَيْهَا اتّفقت الْأَخْبَار عَن كتب الصَّدقَات الَّتِي كتبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْخلاف فِيمَا إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين، فَعِنْدَ الشَّافِعِي: فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة.
وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، ومذهبه أَنه إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حقة وبنتا لبون، ثمَّ يَدُور الْحساب على الأربعينات والخمسينات، فَيجب فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد فِي رِوَايَة،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن (إِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَيكون فِيهَا حقة وبنتا لبون.
وَعَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رِوَايَتَانِ روى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم، رحمهمَا الله تَعَالَى: أَن السَّاعِي بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ ثَلَاث بَنَات لبون أَو حقتين، وَهُوَ قَول مطرف وَابْن أبي حَازِم وَابْن دِينَار وَأصبغ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم، رَحمَه الله تَعَالَى: فِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، وَلَا يُخَيّر السَّاعِي إِلَى أَن يبلغ ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَيكون فِيهَا حَقه وابنتا لبون، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وروى عبد الْملك وَأَشْهَب وَابْن نَافِع عَن مَالك: أَن الْفَرِيضَة لَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة وَاحِدَة حَتَّى تزيد عشرا، فَيكون فِيهَا بِنْتا لبون وحقة، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد.
وَعند أهل الظَّاهِر: إِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة ربع بعير أَو ثمنه أَو عشره، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَهُوَ قَول الاصطخري.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن جرير: يتَخَيَّر بَين الاسئناف وَعَدَمه لوُرُود الْأَخْبَار بهما.
وَوَقع فِي (النِّهَايَة) للشَّافِعِيَّة، وَفِي (الْوَسِيط) أَيْضا أَنه قَول ابْن جُبَير، أَن بدل، ابْن جرير، وَهُوَ تَصْحِيف، وَحكى السفاقسي عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتيبة أَن فِي مائَة وَخمْس وَعشْرين حقتين وَبنت مَخَاض، وَعند أبي حنيفَة وَأَصْحَابه: تسْتَأْنف الْفَرِيضَة فَيكون فِي الْخمس شَاة مَعَ الحقتين، وَفِي الْعشْر شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون فَإِذا بلغت مائَة وستا وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق إِلَى مِائَتَيْنِ، ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة أبدا كَمَا تسْتَأْنف فِي الْخمسين الَّتِي بعد الْمِائَة وَالْخمسين، وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأهل الْعرَاق، وَحكى السفاقسي أَنه قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكنه غير مَشْهُور عَنهُ.
وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (الْمَرَاسِيل) وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) والطَّحَاوِي فِي (مشكله) عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
قلت: لقيس بن سعد: خُذ لي كتاب مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، فَأَعْطَانِي كتابا أخبر أَنه من أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتبه لجده، فَقَرَأته فَكَانَ فِيهِ ذكر مَا يخرج من فَرَائض الْإِبِل، فَقص الحَدِيث إِلَى: أَن تبلغ عشْرين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَكثر من عشْرين وَمِائَة فَإِنَّهُ يُعَاد إِلَى أول فَرِيضَة الْإِبِل وَمَا كَانَ أقل من خمس وَعشْرين فَفِيهِ الْغنم، فِي كل خمس ذود شَاة.

وَأما الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي فَنحْن قد عَملنَا بِهِ لأَنا قد أَوجَبْنَا فِي الْأَرْبَعين بنت لبون، فَإِن الْوَاجِب فِي الْأَرْبَعين مَا هُوَ الْوَاجِب فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ أَوجَبْنَا فِي خمسين حقة، وَهَذَا الحَدِيث لَا يتَعَرَّض لنفي الْوَاجِب عَمَّا دونه، وَإِنَّمَا هُوَ عمل بِمَفْهُوم النَّص فَنحْن عَملنَا بالنصين، وَهُوَ أعرض عَن الْعَمَل بِمَا روينَاهُ.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا الحَدِيث مُرْسل،.

     وَقَالَ  هبة الله الطَّبَرِيّ: هَذَا الْكتاب صحيفَة لَيْسَ بِسَمَاع وَلَا يعرف أهل الْمَدِينَة كلهم عَن كتاب عَمْرو بن حزم إلاَّ مثل روايتنا، رَوَاهَا الزُّهْرِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأَبُو أويس، كلهم عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده مثل قَوْلنَا، ثمَّ لَو تَعَارَضَت الرِّوَايَتَانِ عَن عَمْرو بن حزم بقيت روايتنا عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهِي فِي (الصَّحِيح) وَبهَا عمل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا حَدِيث مُنْقَطع بَين أبي بكر بن حزم إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيس بن سعد، أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَكَذَلِكَ حَمَّاد بن سَلمَة أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَقيس بن سعد وَحَمَّاد بن سَلمَة، وَإِن كَانَا من الثِّقَات، فروايتهما هَذِه تخَالف رِوَايَة الْحفاظ عَن كتاب عَمْرو بن حزم وَغَيره، وَحَمَّاد بَين سَلمَة سَاءَ حفظه فِي آخر عمره فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، ويتجنبون مَا ينْفَرد بِهِ، وخاصة عَن قيس بن سعد وَأَمْثَاله.
قلت: الْأَخْذ من الْكتاب حجَّة، صرح الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْمدْخل) : أَن الْحجَّة تقوم بِالْكتاب، وَإِن كَانَ السماع أولى مِنْهُ بِالْقبُولِ، وَالْعجب من الْبَيْهَقِيّ أَنه يُصَرح بِمثل هَذَا القَوْل ثمَّ يَنْفِيه فِي الْموضع الَّذِي تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة.
وَقَوله: وَعمل بهَا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، غير مُسلم لِأَن ابْن أبي شيبَة روى فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن حَمْزَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِذا زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة يسْتَقْبل بهَا الْفَرِيضَة، وَحدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إبراهي مثله.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْقَدِيم: رَاوِي هَذَا مَجْهُول عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأكْثر الروَاة عَن ذَلِك الْمَجْهُول يزْعم أَن الَّذِي روى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، وَأَن هَذَا لَيْسَ فِي حَدِيثه.
قلت: الَّذِي رَوَاهُ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ عَاصِم بن حَمْزَة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَجْهُول بل مَعْرُوف، روى عَنهُ الحكم وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَغَيرهمَا، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَالْعجلِي، وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَإِن أَرَادَ الشَّافِعِي بقوله: يزْعم أَن الَّذِي يرْوى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، أَبَا إِسْحَاق السبيعِي فَلم يقل أحد غَيره إِنَّه غلط، وَقد ذكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيره عَن يَعْقُوب الْفَارِسِي وَغَيره من الْأَئِمَّة أَنهم أحالوا بالغلط على عَاصِم، وَأما قَول الْبَيْهَقِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة: سَاءَ حفظه فِي آخر عمره، فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، فصادر عَن تعسف وتمحل لِأَنَّهُ لم ير أحد من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن ذكر حمادا بِشَيْء من ذَلِك، وَالْعجب مِنْهُ أَنه أقتصر فِيهِ فِيهِ على هَذَا الْمِقْدَار، لِأَنَّهُ ذكره فِي غير هَذَا الْموضع بِأَسْوَأ مِنْهُ.
وَقَوله: وخاصة عَن قيس بن سعد، بَاطِل، وَمَا لقيس بن سعد فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ وَأخرج لَهُ مُسلم على أَن روايتهم الَّتِي يستدلون بهَا غير سَالِمَة عَن النزاع، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ ذكر فِي كتاب (التتبع على الصَّحِيحَيْنِ) أَن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس وَلَا سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة.
انْتهى.
وَكَيف يَقُول الْبَيْهَقِيّ: وروينا الحَدِيث من حَدِيث ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس عَن أنس من أوجه صَحِيحَة، وَفِي (الْأَطْرَاف) للمقدسي: قيل لِابْنِ معِين: حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا حَدِيث فِي الصَّدقَات، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ: عبد الله بن الْمثنى، قَالَ السَّاجِي: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: لَا أخرج حَدِيثه، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي (الضُّعَفَاء).

     وَقَالَ : قَالَ أَبُو سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا فِي الحَدِيث.
وَأما قَول الظَّاهِرِيَّة، الَّذِي قَالَ بِهِ ابْن حزم أَيْضا فَبَاطِل بِلَا شُبْهَة إِذْ لم يرد الشَّرْع بِجعْل السَّائِمَة نِصَابا بِربع بعير أَو ثمنه أَو عشره، وتعلقوا بقوله: فَإِذا زَادَت، وَقَالُوا: الزِّيَادَة تحصل بِالثّمن وَالْعشر.

وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي كل خمس شَاة) تعلق مَالك وَأحمد على تعين إِخْرَاج الْغنم فِي مثل ذَلِك حَتَّى لَو أخرج بَعِيرًا عَن الْأَرْبَع وَالْعِشْرين لم يجزه عِنْدهمَا، وَعند الْجُمْهُور، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِنَّه يجْزِيه لِأَنَّهُ يجزىء عَن خمس وَعشْرين فَمَا دونهَا إولى لِأَن الأَصْل أَن يجب من جنس المَال، وَإِنَّمَا عدل عَنهُ رفقا بالمالك، فَإِذا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الأَصْل أَجزَأَهُ، فَإِن كَانَت قيمَة الْبَعِير مثلا دون قيمَة أَربع شِيَاه فَفِيهِ خلاف عِنْد الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، والأقيس أَنه لَا يجزىء.

وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي أَربع وَعشْرين) دلَالَة على أَن الْأَرْبَع مَأْخُوذَة عَن الْجَمِيع، وَإِن كَانَت الْأَرْبَع الزَّائِدَة على الْعشْرين وقصا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي (الْبُوَيْطِيّ).

     وَقَالَ  فِي غَيره: إِنَّه عَفْو، وَيظْهر أثر الْخلاف فِيمَن لَهُ تسع من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا أَرْبَعَة بعد الْحول، وَقبل التَّمَكُّن حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب، وَجَبت عَلَيْهِ شَاة بِلَا خلاف، وَكَذَا إِذا قَالُوا: التَّمَكُّن شَرط فِي الضَّمَان، وَقَالُوا: الوقص عَفْو.
فَإِن قَالُوا يتَعَلَّق بِهِ الْفَرْض وَجب خَمْسَة أتساع شَاة، وَالْأول قَول الْجُمْهُور كَمَا نَقله ابْن الْمُنْذر، وَعَن مَالك رِوَايَة كَالْأولِ.

وَفِيه: أَن مَا دون خمس من الْإِبِل لَا زَكَاة فِيهِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاع.

وَفِيه: فِي قَوْله: (إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ) دَلِيل على أَن الأوقاص لَيست بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي.
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَالأَصَح خِلَافه.

وَفِيه: أَن زَكَاة الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة، وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن لَا شَيْء فِي أقل من الْأَرْبَعين من الْغنم، وَأَن فِي الْأَرْبَعين شَاة، وَفِي مائَة وَعشْرين شَاتين وثلاثمائة ثَلَاث شِيَاه، وَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَى أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه، ثمَّ فِي كل مائَة شَاة، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي (الصَّحِيح) عَنهُ، وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَجَمَاعَة أهل الْأَثر، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود.
.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن بن حَيّ: إِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة وَاحِدَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه إِلَى أَرْبَعمِائَة، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة يجب فِيهَا خمس شِيَاه، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد، وَهُوَ مُخَالف للآثار.
وَقيل: إِذا زَادَت على مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، حَكَاهُ ابْن التِّين وفقهاء الْأَمْصَار على خِلَافه.

وَفِيه: أَن شَرط وجوب الزَّكَاة فِي الْغنم السّوم عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهِي الراعية فِي كلأ مُبَاح،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَبَعض أَصْحَابنَا: تزكّى السوائم والمعلوفة والمتخذة للرُّكُوب وللحرث وَغير ذَلِك من الْإِبِل وَالْغنم،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: أما الْإِبِل فَنعم، وَأما الْبَقر وَالْغنم فَلَا زَكَاة إلاَّ فِي سائمتها، وَهُوَ قَول أبي الْحسن بن الْمُفلس،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أما الْإِبِل وَالْغنم فتزكى سائمتها وَغير سائمتها، وَأما الْبَقر فَلَا يزكّى إلاَّ سائمتها، وَهُوَ قَول أبي بكر بن دَاوُد، وَلم يخْتَلف أحد من أَصْحَابنَا فِي أَن سَائِمَة الْإِبِل وَغير سَائِمَة الْإِبِل مِنْهَا تزكّى سَوَاء.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: تزكّى غير السَّائِمَة عَن كل وَاحِدَة مرّة وَاحِدَة فِي الدَّهْر، ثمَّ لَا يُعِيد الزَّكَاة فِيهَا.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: وَلَيْسَ فِي العوامل والحوامل والمعلوفة صَدَقَة، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم كعطاء وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ وَابْن جُبَير وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَأبي عبيد وَابْن الْمُنْذر، ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز،.

     وَقَالَ  قَتَادَة وَمَكْحُول وَمَالك: تجب الزَّكَاة فِي الْمَعْلُومَة والنواضح بالعمومات، وَهُوَ مَذْهَب معَاذ وَجَابِر بن عبد الله وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَالزهْرِيّ، وَرُوِيَ عَن عَليّ ومعاذ أَنه: لَا زَكَاة فِيهَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَحجَّة من اشْتَرَطَهُ كتاب الصّديق وَحَدِيث عَمْرو بن حزم مثله، وَشرط فِي الْإِبِل حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده.
مَرْفُوعا: (فِي كل سَائِمَة من كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل ابْنة لبون) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم،.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد ورد تَقْيِيد السّوم وَهُوَ مَفْهُوم الصّفة، وَالْمُطلق يحمل على الْمُقَيد إِذا كَانَا فِي حَادِثَة وَاحِدَة، وَالصّفة إِذا قرنت بالإسم الْعلم تنزل منزلَة الْعلَّة لإِيجَاب الحكم.
وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ ابْن الْقطَّان، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَعَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (قَالَ: لَا يُؤْخَذ من الْبَقر الَّتِي يحرث عَلَيْهَا من الزَّكَاة شَيْء) ، وَرَفعه حجاج عَن ابْن جريج عَن زِيَاد بن سعد عَن أبي الزبير، عَنهُ بِلَفْظ: (لَيْسَ فِي المثيرة صَدَقَة) ، وَفِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة من حَدِيث لَيْث عَن طَاوُوس عَن معَاذ أَنه: كَانَ لَا يَأْخُذ من الْبَقر العوامل صَدَقَة، حَدثنَا هَاشم عَن مُغيرَة ابْن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد، قَالَا: لَيْسَ فِي الْبَقَرَة العوامل صَدَقَة، وَمن حَدِيث حجاج عَن الحكم أَن عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: (لَيْسَ فِي العوامل شَيْء) ، وَكَذَا قَالَه سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَعَمْرو بن دِينَار وَعَطَاء، وَفِي (الْأَسْرَار) للدبوسي وَعلي وَجَابِر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: وَحجَّة من مَنعه مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (مبسوطه) عَن اللَّيْث، قَالَ: رَأَيْت الْإِبِل الَّتِي تكرى لِلْحَجِّ تزكّى بِالْمَدِينَةِ، وَيحيى بن سعيد وَرَبِيعَة وَغَيرهمَا من أهل الْمَدِينَة حُضُور لَا ينكرونه، ويرون ذَلِك من السّنة إِذا لم تكن مُتَفَرِّقَة وَعَن طَلْحَة بن أبي سعيد أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب، وَهُوَ خَليفَة: أَن تُؤْخَذ الصَّدَقَة من الَّتِي تعْمل فِي الرِّيف.
قَالَ طَلْحَة: حضرت ذَلِك وعاينته.
وَعند أبي حنيفَة وَأحمد: أَن السَّائِمَة هِيَ الَّتِي تكتفي بالرعي فِي أَكثر الْحول لِأَن اسْم السّوم لَا يَزُول عَنْهَا بالعلف الْيَسِير وَلِأَن الْعلف البسير لَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ، وَلِأَن الضَّرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ فِي بعض الأحيان لعدم المرعى فِيهِ، وَاعْتبر الشَّافِعِي السّوم فِي جَمِيع الْحول وَلَو علفت قدرا أتعيش بِدُونِهِ بِلَا ضَرَر بيِّن وَجَبت الزَّكَاة.
وَفِي (الْبَدَائِع) : إِن أسيمت الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم للْحَمْل أَو الرّكُوب أَو اللَّحْم فَلَا زَكَاة فِيهَا، وَإِن أسيمت للتِّجَارَة فَفِيهَا زَكَاة التِّجَارَة حَتَّى لَو كَانَت أَرْبعا من الْإِبِل أَو أقل تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم يجب فِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَإِن كَانَت خمْسا لَا تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم لَا يجب فِيهَا الزَّكَاة.
وَفِي (الذَّخِيرَة) : من اشْترى إبِلا سَائِمَة بنية التِّجَارَة وَحَال عَلَيْهَا الْحول وَهِي سَائِمَة تجب فِيهَا زَكَاة التِّجَارَة دون زَكَاة السَّائِمَة.

وَفِيه: أَن الزَّكَاة فِي الْفضة ربع عشرهَا، مثلا إِذا كَانَت مِائَتَا دِرْهَم فزكاتها خَمْسَة دَرَاهِم، وَفِي أَرْبَعمِائَة عشرَة دَرَاهِم وَفِي ألف خَمْسَة وَعِشْرُونَ، وَفِي عشرَة آلَاف مِائَتَان وَخَمْسُونَ درهما، وَفِي عشْرين ألفا خَمْسمِائَة، وَفِي أَرْبَعِينَ ألفا ألف، وَفِي مائَة ألف أَلفَانِ وَخَمْسمِائة.
.
وهلم جرا.

وَفِيه: أَن الْفضة إِن لم تكن إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء لعدم النّصاب، إلاَّ أَن يتَطَوَّع صَاحبهَا.