فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أخذ العناق في الصدقة

( بابُُ أخْذِ العَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز أَخذ العناق فِي الصَّدَقَة: أَي: الزَّكَاة، والعناق، بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون: ولد الْمعز إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وَفصل من أمه وَقَوي على الرَّعْي، فَإِن كَانَ ذكرا فَهُوَ جدي، وَإِن كَانَ أُنْثَى فَهُوَ عنَاق، فَإِذا أَتَى عَلَيْهِ حول فالذكر ثني وَالْأُنْثَى عنز، ثمَّ يكون جذعا فِي السّنة الثَّانِيَة.
وَنقل ابْن التِّين عَن القَاضِي إبي مُحَمَّد: أَن المُرَاد بالعناق الْجَذعَة من الْمعز،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: وَاخْتلف فِي الْجذع من الْمعز، فَقيل: ابْن سنة.
وَقيل: وَدخل فِي الثَّانِيَة، وَاخْتلف فِي الثني فَقيل: إِذا أسقط سنة وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثناياه كلهَا فَهُوَ ثني، وَقيل: لَا يكون سنيا إلاَّ بِسُقُوط ثِنْتَيْنِ، وَأما الْجذع من الضَّأْن فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال عِنْد الملكية: ابْن سنة، ابْن عشرَة أشهر، ابْن ثَمَانِيَة، ابْن سِتَّة، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة: مَا اسْتكْمل سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة.



[ قــ :1399 ... غــ :1456 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ ح.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقا كانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا.
قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَمَا هُوَ إلاَّ أنْ رَأيْتُ أنَّ الله شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بالقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَو مَنَعُونِي عنَاقًا) إِلَى آخِره، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى جَوَاز أَخذ الصَّغِير من الْغنم فِي الزَّكَاة، وَهَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث قصَّة عمر مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قتال مانعي الزَّكَاة، وَقد مر الحَدِيث بِتَمَامِهِ مطولا فِي أول الزَّكَاة، أخرجه هُنَاكَ من طَرِيق وَاحِد عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله آخِره، وَهَهُنَا أخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله، وَالْآخر مُعَلّق حَيْثُ قَالَ: قَالَ اللَّيْث ... إِلَى آخِره، وَوَصله الذهلي فِي الزهريات عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلفُوا فِي أَخذ العناق والسخال، والبهم إِذا كَانَت الْغنم كَذَلِك كلهَا، أَو كَانَ فِي الْإِبِل فصلان أَو فِي الْبَقر عجاجيل، فَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ فِي الْغنم جَذَعَة أَو ثنية، وَعَلِيهِ فِي الْإِبِل وَالْبَقر مَا فِي الْكِبَار مِنْهَا، وَهُوَ قَول زفر وَأبي ثَوْر،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: يُؤْخَذ مِنْهَا إِذا كَانَت صغَارًا من كل صنف وَاحِد مِنْهَا،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَمُحَمّد: لَا شَيْء فِي الفصلان وَلَا فِي العجاجيل، وَلَا فِي صغَار الْغنم لَا مِنْهَا وَلَا من غَيرهَا، وَذكر ابْن الْمُنْذر: وَكَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقُولُونَ: فِي أَرْبَعِينَ حملا مُسِنَّة، وعَلى هَذَا القَوْل هم موافقون لقَوْل مَالك، وَقد مر تَحْقِيق هَذَا فِي الْبابُُ السَّابِق، فَإِن قلت: كَيفَ وَجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عِنْد من يرى جَوَاز أَخذ الصَّغِير إِذا كَانَت الْمَاشِيَة كلهَا صغَارًا؟ قلت: قَالُوا: قَول أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها) يدل على أَنَّهَا مَأْخُوذَة فِي الصَّدَقَة، وَهُوَ مَذْهَب البُخَارِيّ أَيْضا، فَلذَلِك ترْجم بالترجمة الْمَذْكُورَة، وَأجَاب المانعون، بِأَن تَأْوِيله: يؤدون عَنْهَا مَا يجوز أَدَاؤُهُ، وَيشْهد لَهُ قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أعدد عَلَيْهِم السخلة وَلَا تأخذها، وَإِنَّمَا خرج قَول الصّديق على الْمُبَالغَة بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَو مَنَعُونِي عقَالًا، والعقال لَيْسَ فِيهِ زَكَاة، وَالله تَعَالَى أعلم.