فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الزكاة على الأقارب

( بابُُ الزَّكَاةِ عَلَى الأقَارِبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الزَّكَاة على الْأَقَارِب، وَلَيْسَ المُرَاد من الزَّكَاة هَهُنَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ إيتَاء جُزْء من النّصاب الشَّرْعِيّ الحولي إِلَى فَقير مُسلم غير هاشمي وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْط قطع الْمَنْفَعَة عَن الْمُزَكي لله تَعَالَى، وَإِنَّمَا المُرَاد مِنْهَا مَا أخرجته من مَالك لتسد بِهِ خلة الْمُحْتَاج وتكتسب بِهِ الْأجر والمثوبة عِنْد الله، وللزكاة معَان فِي اللُّغَة: مِنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ، فَبِهَذَا يلتئم مَا فِي الْبابُُ من الْأَحَادِيث مَعَ التَّرْجَمَة، وَقد تعسفت جمَاعَة هَهُنَا بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ وَلَا مُنَاسبَة، مِنْهُم الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول: فَإِن قلت: عقد الْبابُُ لِلزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ ذكرهَا؟ قلت: لَعَلَّه أثبت لِلزَّكَاةِ حكم الصَّدَقَة بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ أجْرَانِ أجْرُ القَرَابةَ وَالصَّدَقَةِ

هَذَا التَّعْلِيق أخرجه مُسْندًا فِي: بابُُ الزَّكَاة على الزَّوْج والأيتام، بعد ثَلَاثَة أَبْوَاب من هَذَا الْبابُُ فِي حَدِيث زَيْنَب امْرَأَة عبد الله ابْن مَسْعُود، وَلَكِن لَفظه فِيهِ: ( لَهَا أَجْرَانِ: أجر الْقَرَابَة وَأجر الصَّدَقَة) .



[ قــ :1403 ... غــ :1461 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ كانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ وكانَ أحَبَّ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وكانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ منْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هاذِهِ الآيَةُ { لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ( آل عمرَان: 29) .
قامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إِن الله تَبَارَكَ وتَعَالى يقُولُ { لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ( آل عمرَان: 29) .
وَإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ وإنَّهَا صَدَقَةٌ لله أرْجُو بِرَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ الله فَضَعْهَا يَا رَسُولَ الله حَيثُ أرَاكَ الله قَالَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَخْ ذالِكَ مالٌ رَابِحٌ ذالِكَ مالٌ رَابِحٌ وقَدْ سَمِعْتُ مَا.

قُلْتُ وَإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ أفْعَلُ يَا رسولَ الله فَقَسَمَها أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم مماذ ذكرنَا الْآن، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَإِسْحَاق هَذَا ابْن أخي أنس بن مَالك، وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي الْوَصَايَا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْوكَالَة عَن يحيى بن يحيى، وَفِي الْوَصَايَا وَفِي الإشربة عَن القعْنبِي، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن يحيى ابْن يحيى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن هَارُون بن عبد الله.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَكثر الْأَنْصَار) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ.
قَوْله: ( مَالا) ، نصب على التَّمْيِيز أَي: من حَيْثُ المَال، وَكلمَة: من، فِي: ( من نخل) للْبَيَان.
قَوْله: ( بيرحاء) ، اخْتلفُوا فِي ضَبطه على أوجه جمعهَا ابْن الْأَثِير فِي ( النِّهَايَة) فَقَالَ: يرْوى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وبكسرها، وبفتح الرَّاء وَضمّهَا، وبالمد وَالْقصر، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: بريحا، بِفَتْح أَوله وَكسر الرَّاء وتقديمها على الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي ( سنَن أبي دَاوُد) بأريحاء، مثله لَكِن بِزِيَادَة ألف.
.

     وَقَالَ  الْبَاجِيّ: أفصحها بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْيَاء وَفتح الرَّاء مَقْصُور، وَكَذَا جزم بِهِ الصغاني.
.

     وَقَالَ : إِنَّه فيعلاً من: البراح.
قَالَ: وَمن ذكره بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَظن أَنَّهَا: بِئْر، من أبار الْمَدِينَة فقد صحف.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: روينَا بِفَتْح الْبَاء وَالرَّاء وَضمّهَا مَعَ كسر الْبَاء، وَمِنْهُم من قَالَ: من رفع الرَّاء وألزمها حكم الْإِعْرَاب فقد أَخطَأ.
.

     وَقَالَ : وبالرفع قرأناه على شُيُوخنَا بالأندلس، وَالرِّوَايَات فِيهِ الْقصر، وروينا أَيْضا بِالْمدِّ، وَهُوَ حَائِط سمي بِهَذَا الإسم وَلَيْسَ اسْم بِئْر،.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: هُوَ بِالرَّفْع اسْم كَانَ ( وَأحب) خَبره، وَيجوز بِالْعَكْسِ و: حا، مَقْصُور كَذَا الْمَحْفُوظ، وَيجوز أَن يمد فِي اللُّغَة، يُقَال: هَذِه حاء بِالْقصرِ وَالْمدّ، وَقد جَاءَ: حا، فِي اسْم قَبيلَة، وبير حاء، بُسْتَان.
وَكَانَت بساتين الْمَدِينَة تدعى بالآبار الَّتِي فِيهَا أَي الْبُسْتَان الَّتِي فِيهِ بِئْر حا، أضيف الْبِئْر إِلَى: حا، ويروى: بير حا، بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَفتح الرَّاء، هُوَ اسْم مَقْصُور وَلَا يَتَيَسَّر فِيهِ إِعْرَاب، أَي: فَهُوَ كلمة وَاحِدَة لَا مُضَاف وَلَا مُضَاف إِلَيْهِ.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع رفع، وَأَن يكون فِي مَوضِع نصب، ويروى: ( وَأَن أحب أَمْوَالِي بير حا) ، فعلى هَذَا مَحَله رفع وَهُوَ اسْم بُسْتَان،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قيل: حا، اسْم امْرَأَة، وَقيل: اسْم مَوضِع وَهُوَ مَمْدُود وَيجوز قصره.
وَفِي ( مُعْجم أبي عبيد) : حا، على لفظ حرف الهجاء مَوضِع بِالشَّام، و: حا، آخر، مَوضِع بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي ينْسبهُ إِلَيْهِ بِئْر حا، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت، أرِيحَا، خرجه أَبُو دَاوُد وَلَا أعلم أرِيحَا إلاَّ بِالشَّام.
وَقيل: سميت بيرحا، بزجر الْإِبِل عَنْهَا، وَذَلِكَ أَن الْإِبِل إِذا زجرت عَن المَاء، وَقد رويت: حاحا، وَقيل: بير حا، من البرح وَالْيَاء زَائِدَة.
وَفِي ( الْمُنْتَهى) : بيرح اسْم رجل، زَاد فِي ( الواعي) : الْيَاء فِيهِ زَائِدَة.
قَوْله: ( وَكَانَت) أَي: بيرحا ( مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد) أَو مُقَابلَته،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهَذَا الْموضع يعرف بقصر بني جديلة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الدَّال الْمُهْملَة، قبلي الْمَسْجِد، وَفِي ( التَّلْوِيح) : هُوَ مَوضِع بِقرب الْمَسْجِد يعرف بقصر بني حديلة، وضبطها بِالْكِتَابَةِ: بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّال.
قلت: الصَّوَاب بِالْجِيم.
قَوْله: ( من مَاء فِيهَا) أَي: فِي بيرحا.
قَوْله: ( طيب) بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ صفة للْمَاء.
قَوْله: ( فَلَمَّا أنزلت هَذِه الْآيَة) وَهِي قَوْله تَعَالَى: { لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} ( آل عمرَان: 29) .
قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أبي صَالح: لن تنالوا مَا عِنْد الله من ثَوَابه فِي الْجنَّة حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون من الصَّدَقَة، أَي: بعض مَا تحبون من الْأَمْوَال.
.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: يَعْنِي لن تدْخلُوا الْجنَّة حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون، يَعْنِي: تخرجُونَ زَكَاة أَمْوَالكُم طيبَة بهَا أَنفسكُم، وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة، نسختها آيَة الزَّكَاة.
قَوْله: { وَمَا تنفقوا من شَيْء} ( آل عمرَان: 29) .
يَعْنِي: الصَّدَقَة وصلَة الرَّحِم، { فَإِن الله بِهِ عليم} ( آل عمرَان: 29) .
أَي: مَا يخفى عَلَيْهِ فيثيبكم عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَن عبد الله ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه اشْترى جَارِيَة جميلَة وَهُوَ يُحِبهَا، فَمَكثت عِنْده أَيَّامًا فَأعْتقهَا فَزَوجهَا من رجل فولد لَهَا ولد، فَكَانَ يَأْخُذ وَلَدهَا ويضمه إِلَى نَفسه، فَيَقُول: إِنِّي أَشمّ مِنْك ريح أمك.
فَقيل لَهُ: قد رزقك الله من حَلَال فَأَنت تحبها فَلم تركتهَا؟ فَقَالَ: ألم تسمع هَذِه الْآيَة: { لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} ( آل عمرَان: 29) .
ذكره أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي ( تَفْسِيره) وَذكر أَيْضا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَشْتَرِي أعدالاً من سكر وَيتَصَدَّق بِهِ، فَقيل لَهُ: هلا تَصَدَّقت بِثمنِهِ؟ فَقَالَ: لِأَن السكر أحب إِلَيّ، فَأَرَدْت أَن أنْفق مِمَّا أحب.
قَوْله: ( قَامَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: قَامَ أَبُو طَلْحَة منتهيا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( برهَا) ، أَي: خَيرهَا، وَالْبر إسم جَامع لأنواع الْخيرَات والطاعات، وَيُقَال أَرْجُو ثَوَاب برهَا.
قَوْله: ( وَذُخْرهَا) أَي: أقدمها فأدخرها لأجدها هُنَاكَ، وَعَن ابْن مَسْعُود: الْبر فِي الْآيَة: الْجِهَة، وَالتَّقْدِير على هَذَا: أَبْوَاب الْبر.
قَوْله: ( بخ) ، هَذِه كلمة تقال عِنْد الْمَدْح والرضى بالشَّيْء وتكرر للْمُبَالَغَة، فَإِن وصلت خففت ونونت وَرُبمَا شددت كالاسم، وَيُقَال بِإِسْكَان الْخَاء وتنوينها مَكْسُورَة،.

     وَقَالَ  القَاضِي: حُكيَ بِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِين، وَرُوِيَ بِالرَّفْع، فَإِذا كررت فالاختيار تَحْرِيك الأول منونا وَإِسْكَان الثَّانِي،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: مَعْنَاهُ تَعْظِيم الْأَمر وتفخيمه، وسكنت الْخَاء فِيهِ كسكون اللَّام فِي: هَل وبل، وَمن نونه شبهه بالأصوات: كصه ومه، وَفِي ( الواعي) : قَالَ الْأَحْمَر: فِي بخ أَربع لُغَات: الْجَزْم والخفض وَالتَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هِيَ كلمة إعجاب،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الْمَدْح والمحمدة،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هِيَ كلمة يَقُولهَا المفتخر عِنْد ذكر الشَّيْء الْعَظِيم، وَكلهَا مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنى.
قَوْله: ( مَال رابح) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: يربح فِيهِ صَاحبه فِي الْآخِرَة، وَمَعْنَاهُ: ذُو ربح كلابن وتامر، أَي: ذُو لبن وَذُو تمر،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة من تَحت من الرواح يَعْنِي: يروح عَلَيْهِ أجره.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَالْمعْنَى أَن مسافته قريبَة وَذَلِكَ أنفس الْأَمْوَال.
وَقيل: مَعْنَاهُ يروح بِالْأَجْرِ وَيَغْدُو بِهِ، وَاكْتفى بالرواح عَن الغدو، ولعلم السَّامع، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَنه مَال رائح، يَعْنِي من شَأْنه الرواح أَي: الذّهاب والفوات فَإِذا ذهب فِي الْخَيْر فَهُوَ أولى.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: وَهِي رِوَايَة يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة، وَرِوَايَة أبي مُصعب وَغَيره بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: بل الَّذِي روينَاهُ ليحيى بِالْبَاء المفردة، وَهُوَ مَا فِي مُسلم، وَفِي ( التَّلْوِيح) : يحيى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن قرقول يحيى اللَّيْثِيّ المغربي، وَيحيى الَّذِي فِي البُخَارِيّ هُوَ النَّيْسَابُورِي،.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس الواني فِي كِتَابه ( أَطْرَاف الْمُوَطَّأ) : فِي رِوَايَة يحيى الأندلسي بِالْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ: وَتَابعه روح بن عبَادَة وَغَيره،.

     وَقَالَ  يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَإِسْمَاعِيل وَابْن وهب وَغَيرهم: رائح، بِالْهَمْزَةِ من الرّوح، وَشك القعْنبِي فِيهِ،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: من قَالَ رابح، بِالْبَاء، فقد صحف.
قَوْله: ( وَقد سَمِعت مَا قلت) بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي الْوكَالَة: بابُُ إِذا قَالَ الرجل لوَكِيله ضَعْهُ حَيْثُ أَرَاك الله،.

     وَقَالَ  الْوَكِيل: قد سَمِعت،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: دلّ على قبُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جعل إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَة، ثمَّ رد الْوَضع فِيهَا إِلَى أبي طَلْحَة بعد مشورته عَلَيْهِ فِيمَن يَضَعهَا.
قَوْله: ( أفعل) .
قَالَ السفاقسي: هُوَ فعل مُسْتَقْبل مَرْفُوع،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن يَقُول: إفعل أَنْت ذَاك فقد أمضيته على مَا قلت، فَجعله أمرا.
قَوْله: ( فِي أَقَاربه) الْأَقَارِب جمع: الْأَقْرَب،.

     وَقَالَ ت الْفُقَهَاء: لَو قَالَ: وقفت على قَرَابَتي، يتَنَاوَل الْوَاحِد، وَيُقَال: هم قَرَابَتي وَهُوَ قَرَابَتي، وَفِي ( الفصيح) : ذُو قَرَابَتي للْوَاحِد وَذُو قَرَابَتي للإثنين وَذُو قَرَابَتي للْجمع، والقرابة والقربى فِي الرَّحِم.
وَفِي ( الصِّحَاح) : والقرابة الْقُرْبَى فِي الرَّحِم، وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر تَقول: بيني وَبَينه قرَابَة وَقرب وقربى ومقربة ومقربة وقربة وقربة، بِضَم الرَّاء، وَهُوَ قربى وَذُو قَرَابَتي وهم أقربائي وأقاربي، والعامة تَقول: هُوَ قَرَابَتي وهم قراباتي.
قَوْله: ( وَبني عَمه) ، من بابُُ عطف الْخَاص على الْعَام، فَافْهَم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الرجل الصَّالح قد يُضَاف إِلَيْهِ حب المَال وَقد يضيفه هُوَ إِلَى نَفسه، وَلَيْسَ فِي ذَلِك نقيصة عَلَيْهِ.
وَفِيه: اتِّخَاذ الْبَسَاتِين وَالْعَقار،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: وَفِيه رد لما يرْوى عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّه قاال: ( لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَة فترغبوا فِي الدُّنْيَا) .
وَفِيه: إِبَاحَة دُخُول الْعلمَاء الْبَسَاتِين.
وَفِيه: دُخُول الشَّارِع حَوَائِط أَصْحَابه وشربه من مَائِهَا.
وَفِيه: أَن كسب الْعقار مُبَاح إِذا كَانَ حَلَالا وَلم يكن بِسَبَب ذل وَلَا صغَار، فَإِن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كره كسب أَرض الْخراج وَلم ير شراها،.

     وَقَالَ  لَا تجْعَل فِي عُنُقك صغَارًا.
وَفِيه: إِبَاحَة شرب من مَاء الصّديق وَكَذَا الْأكل من ثماره وَطَعَامه.
قَالَ أَبُو عمر: إِذا علم أَن نفس صَاحبه تطيب بذلك.
وَفِيه: دلَالَة للْمَذْهَب الصَّحِيح أَنه يجوز أَن يُقَال: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول، كَمَا يُقَال: ءن الله تَعَالَى قَالَ، خلافًا لما قَالَه مطرف بن عبد الله بن الشخير، إِذْ قَالَ: لَا يُقَال الله وَتَعَالَى يَقُول، إِنَّمَا يُقَال: قَالَ الله، أَو الله، عز وَجل، كَأَنَّهُ ينجر إِلَى اسْتِئْنَاف القَوْل.
وَقَول الله قديم، وَكَأَنَّهُ ذهل عَن قَوْله عز وَجل { وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل} ( الْأَحْزَاب: 4) .
وَفِيه: اسْتِعْمَال ظَاهر الْخطاب وعمومه، أَلا ترى أَن أَبَا طَلْحَة حِين سمع: { لن تنالوا الْبر} ( آل عمرَان: 29) .
لم يحْتَج أَن يقف حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْبَيَان عَن الشَّيْء الَّذِي يُرِيد الله عز وَجل، أَن ينْفق عباده مِنْهُ إِمَّا بِآيَة أَو سنة تبين ذَاك.
وَفِيه: مُشَاورَة أهل الْعلم وَالْفضل فِي كَيْفيَّة وُجُوه الطَّاعَات وَغَيرهَا والإنفاق من المحبوب.
وَفِيه: أَن الْوَقْف صَحِيح وَإِن لم يذكر سَبيله، وَهُوَ الَّذِي بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي الْوَصَايَا.
وَفِيه: أَن الْوكَالَة لَا تتمّ إِلَّا بِالْقبُولِ.
وَفِيه: أَن أَبَا طَلْحَة هُوَ الَّذِي قسمهَا فِي أَقَاربه وَبني عَمه وَقد ذكر إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي ( الْمَبْسُوط) عَن القعْنبِي بِسَنَدِهِ.
وَفِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسمهَا فِي أقَارِب أبي طَلْحَة وَبني عَمه لَا خلاف فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: هُوَ الْمَحْفُوظ عِنْد الْعلمَاء.
قلت: هَذَا خلاف مَا ذكر هُنَا، وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا أضيف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ الْآمِر بِهِ.
وَفِيه: فِي قَوْله: ( فضعها يَا رَسُول الله حَيْثُ أَرَاك الله) ، جَوَاز أَمر الرجل لغيره أَن يتَصَدَّق عَنهُ، أَو يقف عَنهُ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ الآخر: خُذ هَذَا المَال فاجعله حَيْثُ أَرَاك الله من وُجُوه الْخَيْر.
.

     وَقَالَ  مَالك: فِي هَذَا لَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَإِن كَانَ فَقِيرا، فَقَالَ غَيره: وَجَاز لَهُ أَن يَأْخُذهُ كُله إِذا كَانَ فَقِيرا.
وَفِيه: صِحَة الصَّدَقَة الْمُطلقَة وَالْحَبْس الْمُطلق، وَهُوَ الَّذِي لم يعين مصرفه ثمَّ بعد ذَلِك يعين.
وَفِيه: جَوَاز أَن يُعْطي الْوَاحِد من الصَّدَقَة فَوق مِائَتي دِرْهَم لِأَن هَذَا الْحَائِط مَشْهُور أَن ريعه يحصل للْوَاحِد مِنْهُ أَكثر من ذَلِك، قَالَه الْقُرْطُبِيّ، وَلَا فرق بَين فرض الصَّدَقَة ونفلها فِي مِقْدَار مَا يجوز إِعْطَاؤُهُ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِيمَا ذكره الْخطابِيّ.
وَفِيه: أَن الصَّدَقَة إِذا كَانَت جزلة مدح صَاحبهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( بخ ذَلِك مَال رابح) .
وَفِيه: أَن الصَّدَقَة على الْأَقَارِب وضعفاء الأهلين أفضل مِنْهَا على سَائِر النَّاس إِذا كَانَت صَدَقَة تطوع، وَيدل على ذَلِك قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَك أَجْرَانِ: أجر الْقَرَابَة وَالصَّدَََقَة) .
.

     وَقَالَ  لميمونة حِين أعتقت جَارِيَة لَهَا ( أما إِنَّك لَو أعطيتهَا أخوالك كَانَ أعظم لأجرك) ذكره البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْهِبَة.

تابَعَهُ رَوْحٌ
أَي: تَابع عبد الله بن يُوسُف روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة الْبَصْرِيّ عَن مَالك فِي قَوْله: ( رابح) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْبيُوع.

وَقَالَ يَحْيى بنُ يَحْيى وَإسْمَاعِيلُ عَن مالِكٍ رَايِحٌ

أَي: قَالَ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي، رَحمَه الله تَعَالَى، وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس فِي روايتهما عَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَايِح بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، أما رِوَايَة يحيى فستأتي مَوْصُولَة فِي الْوكَالَة، وَأما رِوَايَة إِسْمَاعِيل فوصلها البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّفْسِير.





[ قــ :1404 ... غــ :146 ]
- حدَّثنا ابنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبرنِي زَيْدٌ عنْ عِيَاضِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أضْحًى أوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وأمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ أيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فإنِّي رأيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ ذالِكَ يَا رَسُولَ الله قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ مَا رَأيْتُ مِنْ ناقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا صارَ إلَى مَنْزِلِهِ جاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأةُ ابنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأذِنُ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَا رسولَ الله هاذِهِ زَيْنَبُ فَقَالَ أيُّ الزَّيانِبِ فَقِيلَ امرأةُ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ نَعَمْ ائذِنُوا لَهَا فَأُذِنَ لَهَا قالَتْ يَا نَبِيَّ الله إنَّكَ أمَرْتَ اليَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وكانَ عِنْدي حُلِيٌّ لِي فأرَدْتُ أنْ أتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابنُ مَسْعُودٍ أنَّهُ وَوَلَدَهُ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ ابنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي صدر الْبابُُ فَليرْجع إِلَيْهِ.

ذكر رِجَاله: وهم: سَبْعَة: الأول: سعيد ابْن أبي مَرْيَم وَهُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي.
الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْأنْصَارِيّ.
الثَّالِث: زيد بن أسلم أَبُو أُسَامَة الْعَدوي.
الرَّابِع: عِيَاض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الْقرشِي العامري الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر فِي كتاب الْحيض، فِي: بابُُ ترك الْحَائِض الصَّوْم مَعَ الْمَتْن من قَوْله: (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى قَوْله: (من إحداكن) ، وَفِيه زِيَادَة وَهِي قَوْله: (قُلْنَ: وَمَا نُقْصَان ديننَا وعقلنا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة مثل نصف شَهَادَة الرجل، قُلْنَ: بلَى.
قَالَ: فَذَاك من نُقْصَان عقلهَا، أَلَيْسَ إِذا حَاضَت لم تصل وَلم تصم؟ قُلْنَ: بلَى.
قَالَ: فَذَاك من نُقْصَان دينهَا.
.
) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
وَبَقِيَّة الحَدِيث تَأتي عَن قريب فِي: بابُُ الزَّكَاة على الزَّوْج والأيتام فِي الْحجر.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَت زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود) ،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: زَيْنَب هَذِه هِيَ رائطة قَالَ: وَلَا نعلم عبد الله تزوج غَيرهَا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  الكلاباذي: رائطة هِيَ الْمَعْرُوفَة بِزَيْنَب،.

     وَقَالَ  ابْن طَاهِر وَغَيره: امْرَأَة ابْن مَسْعُود زَيْنَب.
وَيُقَال اسْمهَا: رائطة.
وَأما ابْن سعد وَأَبُو أَحْمد العسكري وَأَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو عمر بن عبد الْبر وَأَبُو نعيم الْحَافِظ وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فجعلوهما ثِنْتَيْنِ.
وَالله أعلم.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) وَمِمَّا يرجح القَوْل الأول مَا روينَاهُ عَن القَاضِي يُوسُف فِي كتاب الزَّكَاة: حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن غياث حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة أخبرنَا هِشَام عَن عُرْوَة عَن عبد الله بن عبد الله الثَّقَفِيّ عَن أُخْته رائطة ابْنة عبد الله، وَكَانَت امْرَأَة ابْن مَسْعُود، وَكَانَت امْرَأَة صناعًا الحَدِيث.
قلت: روى أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة (عَن رائطة إمرأة عبد الله بن مَسْعُود وَكَانَت امْرَأَة صناع الْيَد، قَالَ: فَكَانَت تنْفق عَلَيْهِ وعَلى وَلَده من صنعتها.
.
) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنفقي عَلَيْهِم فَإِن لَك فِي ذَلِك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم) ، وَإِسْنَاده صَحِيح.
قَوْله: (فَقيل: يَا رَسُول الله هَذِه زَيْنَب { ) الْقَائِل هُوَ بِلَال كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب.
قَوْله: (فَقَالَ: أَي الزيانب؟) أَي: أَيَّة زَيْنَب من الزيانب، وتعريف الْمثنى وَالْمَجْمُوع من الْأَعْلَام وَإِنَّمَا هُوَ بِالْألف وَاللَّام.
قَوْله: (إيذنوا لَهَا.
فَأذن لَهَا، قَالَت: يَا نَبِي الله) إِلَى آخِره، لم يبين أَبُو سعيد مِمَّن سمع ذَلِك، فَإِن كَانَ حَاضرا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال الْمُرَاجَعَة الْمَذْكُورَة فَهُوَ من مُسْنده وإلاَّ فَيحْتَمل أَن يكون حمله عَن زَيْنَب صَاحِبَة الْقِصَّة، فَيكون فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصحابية.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة، وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَأَشْهَب من الْمَالِكِيَّة، وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأهل الظَّاهِر، وَقَالُوا: يجوز للْمَرْأَة أَن تُعْطِي زَكَاتهَا إِلَى زَوجهَا الْفَقِير.
.

     وَقَالَ  الْقَرَافِيّ: كرهه الشَّافِعِي وَأَشْهَب وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الْجوزجَاني، (عَن عَطاء، قَالَت: أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن عَليّ نذرا أَن أَتصدق بِعشْرين درهما، وَأَن لي زوجا فَقِيرا أفيجزىء عني أَن أعْطِيه؟ قَالَ: نعم كفلان من الْأجر) .
.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة وَأَبُو بكر من الْحَنَابِلَة: لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تُعْطِي زَوجهَا من زَكَاة مَالهَا، ويروى ذَلِك عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث زَيْنَب بِأَن الصَّدَقَة الْمَذْكُورَة فِيهِ إِنَّمَا هِيَ من غير الزَّكَاة،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَقد بَين ذَلِك مَا حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: أخبرنَا اللَّيْث عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبيد الله بن عبد الله، (عَن رائطة بنت عبد الله إمرأة عبد الله بن مَسْعُود، وَكَانَت امْرَأَة صنعا، وَلَيْسَ لعبد الله بن مَسْعُود مَال، وَكَانَت تنْفق عَلَيْهِ وعَلى وَلَده مَعهَا، فَقَالَت: وَالله لقد شغلتني أَنْت وولدك عَن الصَّدَقَة فَمَا أَسْتَطِيع أَن أَتصدق مَعكُمْ بِشَيْء}
فَقَالَ: مَا أحب أَنه لم يكن لَك فِي ذَلِك أجر أَن تفعلي، فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ، وَهُوَ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة ذَات صَنْعَة، أبيع مِنْهَا وَلَيْسَ لوَلَدي وَلَا لزوجي شَيْء، فشغلوني فَلَا أَتصدق، فَهَل لي فيهم أجر؟ فَقَالَ: لَك فِي ذَلِك أجر مَا أنفقتِ عَلَيْهِم، فأنفقي عَلَيْهِم.
.
) فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن تِلْكَ الصَّدَقَة مِمَّا لم يكن فِيهِ زَكَاة، وَالدَّلِيل على أَن الصَّدَقَة كَانَت تَطَوّعا كَمَا ذكرنَا.
قَوْلهَا: (كنت امْرَأَة صنعا أصنع بيَدي فأبيع من ذَلِك فانفق على عبد الله؟) .
فَإِن قلت: لِمَ لَا يجوز أَن يكون المُرَاد من الصَّدَقَة التَّطَوُّع فِي حق وَلَدهَا؟ وَصدقَة الْفَرْض فِي حق زَوجهَا عبد الله؟ قلت: لَا مساغ لذَلِك لِامْتِنَاع الْحَقِيقَة وَالْمجَاز حِينَئِذٍ، وَمِمَّا يدل على مَا قُلْنَا قَوْلهَا: وَكَانَ عِنْدِي حلي فَأَرَدْت أَن أَتصدق، وَلَا تجب الصَّدَقَة فِي الْحلِيّ عِنْد بعض الْعلمَاء، وَمن يُجِيزهُ لَا يكون الْحلِيّ كُله زَكَاة، إِنَّمَا يجب جُزْء مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت عَلَيْهِم) ، وَالْولد لَا تدفع إِلَيْهِ الزَّكَاة إِجْمَاعًا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: احْتج الطَّحَاوِيّ لقَوْل أبي حنيفَة.
فَأخْرج من طَرِيق رائطة امْرَأَة ابْن مَسْعُود أَنَّهَا كَانَت امْرَأَة صنعاء الْيَدَيْنِ، فَكَانَت تنْفق عَلَيْهِ وعَلى وَلَده، قَالَ: فَهَذَا يدل على أَنَّهَا صَدَقَة تطوع، وَأما الْحلِيّ فَإِنَّمَا يحْتَج بِهِ على من لَا يُوجب فِيهِ الزَّكَاة، وَأما من يُوجِبهُ فَلَا.
وَقد روى الثَّوْريّ عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود لامْرَأَته فِي حليها إِذا بلغ مِائَتي دِرْهَم فَفِيهِ الزَّكَاة، فَكيف يحْتَج الطَّحَاوِيّ بِمَا لَا يَقُول بِهِ؟ قلت: لَو فهم هَذَا الْقَائِل مَوضِع احتجاج الطَّحَاوِيّ من هَذَا الحَدِيث لَكَانَ سكت عَمَّا قَالَه، وَمَوْضِع احتجاجه هُوَ قَوْلهَا: إِنِّي امْرَأَة ذَات صَنْعَة أبيع مِنْهَا ... إِلَى آخِره، مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا، فَكَانَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَابا لَهَا فِي سؤالها.
وَلَيْسَ فِي احتجاجه بِهَذَا مفتقرا إِلَى الِاحْتِجَاج بِأَمْر الْحلِيّ سَوَاء كَانَ فِيهِ الزَّكَاة أَو لم يكن.
قَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا.
وَالَّذِي يظْهر لي أَنَّهُمَا قضيتان: إِحْدَاهمَا فِي سؤالها عَن تصدقها بحليها على زَوجهَا وَولده، وَالْأُخْرَى: فِي سؤالها عَن النَّفَقَة.

قلت: الَّذِي يظْهر من هَذَا الحَدِيث خلاف مَا ظهر لَهُ لِأَن فِي الحَدِيث سؤالها عَن الصَّدَقَة الَّتِي أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُنَّ بهَا، وأجابها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم، فَمن أَيْن السؤالان فِيهِ؟ وَمن أَيْن الجوابان عَنْهُمَا؟.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن ظَاهر قَوْله فِي حَدِيث ابْن سعيد الْمَذْكُور: (زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم) دَال على أَنَّهَا صَدَقَة تطوع لِأَن الْوَلَد لَا يعْطى من الزَّكَاة الْوَاجِبَة بِالْإِجْمَاع، كَمَا نَقله ابْن الْمُنْذر وَغَيره، وَفِي هَذَا الِاحْتِجَاج نظر، لِأَن الَّذِي يمْتَنع إِعْطَاؤُهُ من الصَّدَقَة الْوَاجِبَة من يلْزم الْمُعْطِي نَفَقَته، وَالأُم لَا يلْزمهَا نَفَقَة وَلَدهَا مَعَ وجود أَبِيه.
قلت: يلْزم الْأُم نَفَقَة وَلَدهَا إِذا كَانَ أَبوهُ فَقِيرا عَاجِزا عَن التكسب جدا، وَذكر أَصْحَابنَا أَن الْأَب إِذا كَانَ مُعسرا كسوبا وَله ابْن زَمِنٌ وَله أم موسرة هَل تُؤمر بِالْإِنْفَاقِ على الابْن؟ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ، قيل: تُؤمر، وَقيل: لَا ترجع الْأُم على الْأَب، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي حنيفَة نصا.
انْتهى.
وَقيل: قَوْله: ولدك، مَحْمُول على أَن الْإِضَافَة للتربية لَا للولادة، فَكَأَنَّهُ وَلَده من غَيرهَا.
قلت: هَذَا ارْتِكَاب الْمجَاز بِغَيْر قرينَة وَهُوَ غير صَحِيح وَقد خاطبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (وولدك) ، فَدلَّ على أَنه وَلَدهَا حَقِيقَة، وَيدل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيث آخر: (أيجزىء عني أَن أنْفق على زَوجي وأيتام لي فِي حجري؟) وَفِي (مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) : (أيجزىء أَن أجعَل صدقتي فِيك وَفِي بني أخي أَيْتَام؟) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة: (يَا رَسُول الله! هَل لي من أجر أَن أَتصدق على ولد عبد الله من غَيْرِي؟) وإسنادهما جيد، وللبيهقي: (كنت أعول عبد الله ويتامى) ، وَقيل: اعتل من منعهَا من إعطائها زَكَاتهَا لزَوجهَا بِأَنَّهَا تعود إِلَيْهَا فِي النَّفَقَة فَكَأَنَّهَا مَا خرجت عَنْهَا، وَجَوَابه: إِن احْتِمَال رُجُوع الصَّدَقَة إِلَيْهَا وَاقع فِي التَّطَوُّع أَيْضا قلت: لَيست الصَّدَقَة كَالزَّكَاةِ، لِأَن عود الزَّكَاة إِلَيْهَا فِي النَّفَقَة يضر فَتَصِير كَأَنَّهَا مَا خرجت بِخِلَاف الصَّدَقَة، فَإِن احْتِمَال عودهَا إِلَيْهَا لَا يضر، فخروجها وَعَدَمه سَوَاء.

وَأما مَسْأَلَة الْحلِيّ فَفِيهَا خلاف بَين الْعلمَاء، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: تجب فِيهَا الزَّكَاة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر ابْن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَمُحَمّد بن سِيرِين وَجَابِر بن زيد وَمُجاهد وَالزهْرِيّ وطاووس وَمَيْمُون بن مهْرَان وَالضَّحَّاك وعلقمة وَالْأسود وَعمر بن عبد الْعَزِيز وذر الْهَمدَانِي وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن حَيّ،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر وَابْن حزم: الزَّكَاة وَاجِبَة بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة،.

     وَقَالَ  مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فِي أظهر قوليه: لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَجَابِر بن عبد الله وَعَائِشَة وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَالشعْبِيّ، وَكَانَ الشَّافِعِي يُفْتِي بِهَذَا فِي الْعرَاق وَتوقف بِمصْر،.

     وَقَالَ : هَذَا مِمَّا استخير الله فِيهِ.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث: مَا كَانَ من حلي يلبس ويعار فَلَا زَكَاة فِيهِ، وَإِن اتخذ للتحرز عَن الزَّكَاة فَفِيهِ الزَّكَاة،.

     وَقَالَ  أنس: يزكّى عَاما وَاحِدًا لَا غير.

وَاسْتدلَّ من أسقط الزَّكَاة بِحَدِيث جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة، ذكره فِي (الإِمَام) وَعَن جَابر أَنه كَانَ يرى الزَّكَاة فِي كثير الْحلِيّ دون قليلها، وروى عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ، وروى مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَت تلِي بَنَات أُخْتهَا يتامى فِي حجرها فَلَا تخرج من حليهن الزَّكَاة، وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن شريك عَن عَليّ بن سُلَيْمَان، قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْحلِيّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاة.
وروى الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة: أخبرنَا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: سَمِعت ابْن خَالِد يسْأَل جَابر بن عبد الله عَن الْحلِيّ أفيه زَكَاة؟ فَقَالَ جَابر: لَا، وَإِن كَانَ يبلغ ألف دِينَار.
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر أَنَّهَا كَانَت تحلي بناتها الذَّهَب وَلَا تزكيه نَحوا من خمسين ألف.

وَاحْتج من رأى فِيهَا الزَّكَاة بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده (أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهَا بنت لَهَا وَفِي يَد ابْنَتهَا مسكتان غليظتان من ذهب، فَقَالَ لَهَا: أتعطين زَكَاة هَذَا؟ قَالَت: لَا.
قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يسورك الله بهما يَوْم الْقِيَامَة سِوَارَيْنِ من نَار؟ قَالَت: فخلعتهما فألقيتهما إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ ت: هما لله وَلِرَسُولِهِ) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ : وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبابُُ شَيْء.
قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: إِسْنَاده صَحِيح،.

     وَقَالَ  الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده لَا مقَال فِيهِ، فَإِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَن أبي كَامِل الجحدري وَحميد بن مسْعدَة وهما من الثِّقَات احْتج بهما مُسلم، وخَالِد بن الْحَارِث إِمَام فَقِيه احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَكَذَلِكَ حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم احتجا بِهِ فِي (الصَّحِيح) وَوَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَعَمْرو بن شُعَيْب مِمَّن قد علم وَهَذَا إِسْنَاد تقوم بِهِ الْحجَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَإِن قلت: أخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة (عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن جده، قَالَ: أَتَت امْرَأَتَانِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أَيْدِيهِمَا سواران من ذهب، فَقَالَ لَهما: أتؤديان زَكَاة هَذَا؟ قَالَتَا: لَا.
فَقَالَ: أتحبان أَن يسوركما الله بسوارين من نَار؟ قَالَتَا: لَا، قَالَ: فأديا زَكَاته) ،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ ابْن الْمثنى بن الصَّباح عَن عمر بن شُعَيْب نَحْو هَذَا، وَابْن لَهِيعَة وَابْن الصَّباح يُضعفَانِ فِي الحَدِيث، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبابُُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء.
قلت: قَالَ الْمُنْذِرِيّ: لَعَلَّ التِّرْمِذِيّ قصد الطَّرِيقَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا، وإلاَّ فطريق أبي دَاوُد لَا مقَال فِيهِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث (عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد أَنه، قَالَ: دَخَلنَا على عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى فِي يَدي فتخات من ورق، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة؟ فَقلت صنعتهن أتزين لَك يَا رَسُول الله! قَالَ: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لَا أَو مَا شَاءَ الله، قَالَ: هُوَ حَسبك من النَّار) .
وَأخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه).

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
قلت: الحَدِيث على شَرط مُسلم وَلَا يلْزم، من قَول التِّرْمِذِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبابُُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء، أَن لَا يَصح عِنْد غَيره فَافْهَم.

وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد، أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) : (حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم عَن شهر بن حَوْشَب عَن أَسمَاء بنت يزِيد، قَالَت: دخلت أَنا وخالتي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلينا أسورة من ذهب، فَقَالَ لنا: أتعطيان زَكَاتهَا؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: أما تخافان أَن يسوركما الله أسورة من نَار؟ أديا زَكَاتهَا.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَعلي بن عَاصِم رَمَاه يزِيد بن هَارُون بِالْكَذِبِ، وَعبد الله بن خَيْثَم قَالَ ابْن معِين: أَحَادِيثه لَيست بالقوية، وَشهر بن حَوْشَب قَالَ ابْن عدي: لَا يحْتَج بحَديثه.
قلت: ذكر فِي (الْكَمَال) : وَسُئِلَ أَحْمد عَن عَليّ بن عَاصِم فَقَالَ: هُوَ وَالله عِنْدِي ثِقَة، وَأَنا أحدث عَنهُ، وَعبد الله بن خَيْثَم قَالَ ابْن معِين، هُوَ ثِقَة حجَّة، وَشهر بن حَوْشَب قَالَ أَحْمد: مَا أحسن حَدِيثه وَوَثَّقَهُ، وَعَن يحيى: هُوَ ثِقَة،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: هُوَ لَا بَأْس بِهِ، فَظهر من هَذَا كُله سُقُوط كَلَام ابْن الجوزري وَصِحَّة الحَدِيث.

وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) : عَن نصر بن مُزَاحم عَن أبي بكر الْهُذلِيّ أخبرنَا شُعَيْب بن الْحجاب (عَن الشّعبِيّ قَالَ: سَمِعت فَاطِمَة بنت قيس، تَقول: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطوق فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالا من ذهب، فَقلت: يَا رَسُول الله خُذ مِنْهُ الْفَرِيضَة فَأخذ مِنْهُ مِثْقَالا وَثَلَاثَة أَربَاع مِثْقَال) .
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: أَبُو بكر الْهُذلِيّ مَتْرُوك لم يَأْتِ بِهِ غَيره، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث أم سليمَة أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا عتاب عَن ثَابت بن عجلَان (عَن عَطاء عَن أم سَلمَة، قَالَت: كنت ألبس أَوْضَاحًا من ذهب، فَقلت: يَا رَسُول الله أكنز هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بلغ أَن تُؤدِّي زَكَاته فَزكِّي فَلَيْسَ بكنز) ، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا فِي (مُسْتَدْركه).

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ.
وَلَفظه: (إِذا أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز) .
فَإِن قلت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ،.

     وَقَالَ : تفرد بِهِ ثَابت بن عجلَان،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّحْقِيق) : مُحَمَّد بن مهَاجر، قَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث على الثِّقَات.
قلت: قَالَ فِي (تَنْقِيح التَّحْقِيق) : لَا يضر تفرد ثَابت بِهِ فَإِنَّهُ روى لَهُ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ ابْن معِين،.

     وَقَالَ  فِيهِ أَيْضا: الَّذِي قيل فِي مُحَمَّد ابْن مهَاجر وهم، فَإِن مُحَمَّد بن مهَاجر الْكذَّاب لَيْسَ هُوَ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي يروي عَن ثَابت بن عجلَان ثِقَة شَامي أخرج لَهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة ودحيم وَأَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ، وَذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات).

     وَقَالَ : كَانَ متقنا، وَأما مُحَمَّد بن مهَاجر الْكذَّاب فَإِنَّهُ مُتَأَخّر، وعتاب بن بشير وَثَّقَهُ ابْن معِين.

وَأما حَدِيث جَابر الَّذِي احتجب بِهِ الْفرْقَة الأولى فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَهُوَ حَدِيث لَا أصل لَهُ، وَفِيه عَافِيَة بن أَيُّوب، وَهُوَ مَجْهُول، فَمن احْتج بِهِ مَرْفُوعا كَانَ مغرورا بِدِينِهِ دَاخِلا فِيمَا يعيب بِهِ مِمَّن يحْتَج بالكذابين.
قلت: هَذَا غَرِيب من الْبَيْهَقِيّ مَعَ تعصبه للشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  سبط بن الْجَوْزِيّ: هُوَ حَدِيث ضَعِيف مَعَ أَنه مَوْقُوف على جَابر.

قَوْله: (مسكتان) ، تَثْنِيَة مسكة بالفتحات، وَهُوَ السوار من الدبل، وَهِي قُرُون الأوعال.
وَقيل: جُلُود دَابَّة بحريّة، وَالْجمع: مسك، وَقيل: الدبل ظهر السلحفات البحرية.
(والفتخات) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالخاء الْمُعْجَمَة جمع: فتخة، بِالتَّحْرِيكِ وَهِي حَلقَة من فضَّة لَا فص لَهَا، فَإِذا كَانَ فِيهَا فص فَهِيَ خَاتم،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق، هِيَ الخواتيم الْعِظَام، وَقيل: خَوَاتِيم عراض الفصوص لَيْسَ بمستقيمة، وَقيل: خلخل لَا جرس لَهُ، والفتخ تلبس فِي الْأَيْدِي.
وَقيل: فِي الأرجل.
(والأوضاح) جمع: وضح، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، وَهُوَ نوع من الْحلِيّ يعْمل من الْفضة، سميت بِهِ لبياضها، ثمَّ اسْتعْملت فِي الَّتِي يعْمل من الذَّهَب أَيْضا.
وَقيل: حلي من الدَّرَاهِم الصَّحِيحَة والوضح الدِّرْهَم الصَّحِيح، وَقيل: حلي من الْحِجَارَة، وَقيل: الأوضاح: الخلاخل.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور: اسْتِئْذَان النِّسَاء على الرِّجَال.
وَفِيه: أَنه إِذا لم ينْسب إِلَيْهِ من يسْتَأْذن سَالَ أَن ينْسب.
وَفِيه: الْحَث على الصَّدَقَة على الْأَقَارِب.
وَفِيه: ترغيب ولي الْأَمر فِي أَفعَال الْخَيْر للرِّجَال وَالنِّسَاء.
وَفِيه: التحدث مَعَ النِّسَاء الْأَجَانِب عِنْد أَمن الْفِتْنَة.