فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاستعفاف عن المسألة

( بابُُ الاسْتِعْفَافِ عنِ المَسْألَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الاستعفاف: هُوَ طلب العفاف، وَقيل: الاستعفاف الصَّبْر والنزاهة عَن الشَّيْء، وَقيل: التَّنَزُّه عَن السُّؤَال، وَفِي بعض النّسخ عَن الْمَسْأَلَة.



[ قــ :1411 ... غــ :1469 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَطَتاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ نَاسا مِنَ الأنْصَارِ سألُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْطَاهُمْ ثُمَّ سَألُوهُ فأعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِذَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله ومَنْ يَتَصَبَّرُ يُصَبِّرُهُ الله ومَا أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرا وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ.

( الحَدِيث 9641 طرفه فِي: 0746) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، ثَلَاثَتهمْ عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَفِي الرقَاق عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِن نَاسا من الْأَنْصَار) لم يعرف أَسمَاؤُهُم، وَلَكِن قَالَ بَعضهم: فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ مَا يدل على أَن أَبَا سعيد مِنْهُم، فَفِي حَدِيثه: ( سرحتني أُمِّي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي لاسأله من حَاجَة شَدِيدَة، فَأَتَيْته وَقَعَدت فاستقبلني فَقَالَ: من اسْتغنى أغناه الله) الحَدِيث، وَزَاد فِيهِ: ( وَمن سَأَلَ وَله أُوقِيَّة فقد ألحف، فَقلت: نَاقَتي خير من أُوقِيَّة، فَرَجَعت وَلم أسأله) .
قلت: لَيْت شعري أَي: دلَالَة هَذِه من أَنْوَاع الدلالات وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على كَونه مَعَ الْأَنْصَار فِي حَالَة سُؤَالهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَوْله: ( سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَاهُمْ) ، أَي: شَيْئا.
وَهَذِه اللَّفْظَة فِي بعض النّسخ ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: ( حَتَّى نفد) ، بِكَسْر الْفَاء وبالدال الْمُهْملَة، أَي: فرغ وفني،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: وأنفده هُوَ واستنفده.
قَوْله: ( مَا يكون) ، كلمة: مَا، فِيهِ مَوْصُولَة متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط.
وَقَوله: ( فَلم أدخره) جَوَاب الشَّرْط، وَمَعْنَاهُ لن أجعله ذخيرة لغيركم معرضًا عَنْكُم، والفصيح فِيهِ إهمال الدَّال وَجَاء بإعجامها مدغما وَغير مدغم، لَكِن تقلب التَّاء دَالا مُهْملَة فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات.
وَيُقَال: مَعْنَاهُ لن أحبسه عَنْكُم، ويروى عَن مَالك: ( فَلَنْ أدخره) .
قَوْله: ( وَمن يستعف) أَي: من طلب الْعِفَّة عَن السُّؤَال وَلم يظْهر الِاسْتِغْنَاء عَن الْخلق وَلم يقبل أَن أعْطى فَهُوَ هُوَ إِذْ الصَّبْر جَامع لمكارم الإخلاق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( وَمن يسْتَغْن) أَي وَمن يظْهر الإستغناء ( يغنه الله) ( يعفه الله) ، أَي: يرزقه الله الْعِفَّة، أَي: الْكَفّ عَن الْحَرَام، يُقَال: عف يعف عفة فَهُوَ عفيف.
قَالَ الطَّيِّبِيّ: مَعْنَاهُ من طلب الْعِفَّة عَن السُّؤَال وَلم يظْهر الِاسْتِغْنَاء ( يغنه الله) أَي: يرزقه الْغنى عَن النَّاس، فَلَا يحْتَاج إِلَى أحد.
قَوْله: ( وَمن يتصبر) ، أَي: من يعالج الصَّبْر، وَهُوَ مَا بابُُ: التفعل، فِيهِ معنى التَّكَلُّف ( يصبره الله) أَي: يرزقه الله صبرا وَهُوَ من بابُُ: التفعيل.
قَوْله: ( عَطاء) أَي: شَيْئا من الْعَطاء.
قَوْله: ( خيرا) ، بِالنّصب صفته، ويروى: خير، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ خير.

وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: إِعْطَاء السَّائِل مرَّتَيْنِ والاعتذار إِلَى السَّائِل والحض على التعفف.

وَفِيه: الْحَث على الصَّبْر على ضيق الْعَيْش وَغَيره من مكاره الدُّنْيَا.
وَفِيه: أَن الِاسْتِغْنَاء والعفة وَالصَّبْر بِفعل الله تَعَالَى.
وَفِيه: جَوَاز السُّؤَال للْحَاجة وَإِن كَانَ الأولى تَركه وَالصَّبْر حَتَّى يَأْتِيهِ رزقه بِغَيْر مَسْأَلَة.
وَفِيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْكَرم والسخاء والسماحة والإيثار على نَفسه.





[ قــ :141 ... غــ :1470 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألَهُ أعْطَاهُ أوْ منَعَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من عمل بِهَذَا الحَدِيث يحصل لَهُ الاستعفاف عَن الْمَسْأَلَة.
وَرِجَاله قد تكرروا، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عَليّ بن شُعَيْب عَن معن ابْن عِيسَى عَن مَالك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لِأَن يَأْخُذ) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَفِي الْمُوَطَّأ: ( ليَأْخُذ أحدكُم) .
قَوْله: ( حبله) أَي: رسنه.
قَوْله: ( فيحتطب) أَي: فَإِن يحتطب أَي: يجمع الْحَطب.
قَوْله: ( خير) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ خير لَهُ.
قَوْله: ( فيسأله) أَي: فَإِن يسْأَله، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي رِوَايَة ابْن وهب: ( خير لَهُ من أَن يَأْتِي رجلا قد أعطَاهُ الله من فَضله فيسأله) .
قَوْله: ( أعطَاهُ أَو مَنعه) لِأَن حَال المسؤول مِنْهُ إِمَّا الْعَطاء فَفِيهِ الْمِنَّة وذل السُّؤَال، وَإِمَّا الْمَنْع فَفِيهِ الذل والخيبة والحرمان، وَكَانَ السّلف إِذا سقط من أحدهم سَوْطه.
لَا يسْأَل من يناوله إِيَّاه.

وَفِيه: التحريض على الْأكل من عمل يَده والاكتساب من الْمُبَاحَات.

وَاعْلَم أَن مدَار الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبابُُ على كَرَاهِيَة الْمَسْأَلَة، وَهِي على ثَلَاثَة أوجه: حرَام ومكروه ومباح.
فالحرام لمن سَأَلَ وَهُوَ غَنِي من زَكَاة أَو أظهر من الْفقر فَوق مَا هُوَ بِهِ.
وَالْمَكْرُوه لمن سَأَلَ وَعِنْده مَا يمنعهُ عَن ذَلِك وَلم يظْهر من الْفقر مَا هُوَ بِهِ، والمباح لمن سَأَلَ بِالْمَعْرُوفِ قَرِيبا أَو صديقا.
وَأما السُّؤَال عِنْد الضَّرُورَة فَوَاجِب لإحياء النَّفس.
وَأدْخلهُ الدَّاودِيّ فِي الْمُبَاح.
وَأما الْأَخْذ من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فَلَا بَأْس بِهِ.

وَفِي هَذَا الْبابُُ أَحَادِيث: عَن عَطِيَّة السَّعْدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا أَغْنَاك الله فَلَا تسْأَل النَّاس شَيْئا فَإِن الْيَد الْعليا المعطية وَإِن الْيَد السُّفْلى هِيَ المعطاء) ، رَوَاهُ ابْن عبد الْبر.
وَعَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من سَأَلَ وَله مَا يُغْنِيه جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة ومسألته فِي وَجهه خموش أَو خدوش أَو كدوح، قيل: يَا رَسُول الله وَمَا يُغْنِيه؟ قَالَ: خَمْسُونَ درهما أَو قيمتهَا من الذَّهَب) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ بَقِيَّة الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم، وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ( كتاب القناعة) وَلَفظه: ( من سَأَلَ النَّاس عَن ظهر غنى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَفِي وَجهه كدوح أَو خموش، قيل: يَا رَسُول الله مَا الْغنى؟ قَالَ: خَمْسُونَ درهما أَو قِيمَته من الذَّهَب) .
وَعَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن.
وَعَن حُبَيْش بن جُنَادَة السَّلُولي قَالَ: ( سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة) الحَدِيث، وَفِيه: ( وَمن سَأَلَ النَّاس ليثري بِهِ مَاله كَانَ خموشا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، ورضفا يَأْكُلهُ من جَهَنَّم، فَمن شَاءَ فليقِلَّ وَمن شَاءَ فليكثِر) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ.
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مثل حَدِيث عبد الله بن عَمْرو.
وَعَن قبيصَة بن الْمخَارِق الْهِلَالِي، قَالَ: ( تحملت حمالَة فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: ( يَا قبيصَة: إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إلاَّ لأحد ثَلَاثَة: رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيبهَا ثمَّ يمسك، وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش.
أَو قَالَ: سدادا من عَيْش، وَرجل أَصَابَته فاقة حَتَّى يَقُول ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه: لقد أصَاب فلَانا فاقة، فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش، أَو قَالَ: سدادا من عَيْش، فَمَا سواهن من الْمَسْأَلَة يَا قبيصَة سحت يأكلها صَاحبهَا سحتا)
.
رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَن رجلا من الْأَنْصَار) الحَدِيث، وَفِيه: ( أَن الْمَسْأَلَة لَا تصلح إلاَّ لثَلَاثَة: لذِي فقر مدقع، أَو لذِي غرم مقطع، أَو لذِي دم موجع) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي) ، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) .
وَعَن عمرَان ابْن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَسْأَلَة الْغَنِيّ شين فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة) ، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار.
وَعَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( من سَأَلَ مَسْأَلَة وَهُوَ عَنْهَا غَنِي كَانَت شَيْئا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة) ، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، وَإِسْنَاده صَحِيح.
وَعَن مَسْعُود بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا يزَال العَبْد يسْأَل وَهُوَ غَنِي حَتَّى يخلق وَجهه فَلَا يكون لَهُ عِنْد الله وَجه) ، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير.
وَعَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( من سَأَلَ وَهُوَ غَنِي عَن الْمَسْأَلَة يحْشر يَوْم الْقِيَامَة وَهِي خموش فِي وَجهه) ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) وَعَن رجلَيْنِ غير مسميين أَتَيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يقسم الصَّدَقَة، فسألا مِنْهَا، فَرفع فِينَا الْبَصَر وخفضه فرآنا جلدين، فَقَالَ: ( إِن شئتما أعطيتكما وَلَا حظَّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب) ، وَرِجَاله فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من سَأَلَ وَله قيمَة أُوقِيَّة فقد ألحف، فَقلت نَاقَتي الياقوتة خير من أُوقِيَّة) .
وَفِي رِوَايَة: ( خير من أَرْبَعِينَ درهما، فَرَجَعت فَلم أسأله) .
وَكَانَت الْأُوقِيَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ درهما، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه.
وَعَن سُهَيْل بن الحنظلية قَالَ: ( قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيَيْنَة بن حُصَيْن والأقرع بن حَابِس فَسَأَلَاهُ فَأمر لَهما بِمَا سألاه.
.
)
الحَدِيث، وَفِيه: ( فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سَأَلَ وَعِنْده مَا يُغْنِيه فَإِنَّمَا يستكثر من النَّار، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! وَمَا يُغْنِيه؟.

     وَقَالَ  النُّفَيْلِي: وَمَا الْغنى الَّذِي لَا يَنْبَغِي مَعَه الْمَسْأَلَة؟ قَالَ: قدر مَا يغديه ويعشيه)
.
.

     وَقَالَ  النُّفَيْلِي، فِي مَوضِع آخر: ( أَن يكون لَهُ شبع يَوْم وَلَيْلَة أَو لَيْلَة وَيَوْم) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَلَفظه: ( قَالُوا: وَمَا يُغْنِيه؟ قَالَ: مَا يغديه أَو يعشيه) .
( وَعَن رجل من بني أَسد قَالَ: نزلت أَنا وَأَهلي ببقيع الْغَرْقَد) الحَدِيث، وَفِيه: ( من سَأَلَ مِنْكُم وَله أُوقِيَّة أَو عدلها فقد سَأَلَ إلحافا، فَقَالَ الْأَسدي: فَقلت: للقحة لنا خير من أُوقِيَّة) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
( وَعَن الرجل الَّذِي من مزينة، قَالَت لَهُ أمه: أَلا تَنْطَلِق فتسأل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يسْأَله النَّاس، فَانْطَلَقت أسأله فَوَجَدته قَائِما يخْطب، وَهُوَ يَقُول: من استعف أعفه الله، وَمن اسْتغنى أغناه الله وَمن سَأَلَ النَّاس وَله عدل خمس أَوَاقٍ فقد سَأَلَ إلحافا، فَقلت بيني وَبَين نَفسِي: لناقة لنا خير من خَمْسَة أَوَاقٍ، ولغلامه نَاقَة أُخْرَى خير من خمس أَوَاقٍ، فَرَجَعت وَلم أسأله) ، رَوَاهُ أَحْمد، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح.
وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( من سَأَلَ مَسْأَلَة عَن ظهر غنى أسْتَكْثر بهَا من رضف جَهَنَّم، قَالُوا: وَمَا ظهر غنى؟ قَالَ: عشَاء لَيْلَة) .
رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي زياداته على ( الْمسند) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) وَابْن عدي فِي ( الْكَامِل) وَعَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من سَأَلَ النَّاس عَن ظهر غنى فصداع فِي الرَّأْس وداء فِي الْبَطن) ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَبَعضه عِنْد أبي دَاوُد.
وَعَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَو يعلم صَاحب الْمَسْأَلَة مَا لَهُ فِيهَا لم يسْأَل) ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة قَابُوس، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا أحتج بِهِ،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: رَدِيء الْحِفْظ.
وَلابْن عَبَّاس حَدِيث آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار بِلَفْظ: ( استغنوا عَن النَّاس وَلَو بشوص السِّوَاك) ، وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَعَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تلحفوا فِي الْمَسْأَلَة فوَاللَّه لَا يسألني أحد مِنْكُم شَيْئا فَتخرج لَهُ مَسْأَلته مني شَيْئا وَأَنا كَارِه فيبارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته) ، رَوَاهُ مُسلم.
.
وَعَن سَمُرَة ابْن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الْمَسْأَلَة كد يكد بهَا الرجل وَجهه إلاَّ أَن يسْأَل الرجل سُلْطَانا أَو فِي أَمر لَا بُد مِنْهُ) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.
وَعَن أبي ذَر، قَالَ: ( قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يشْتَرط على أَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا، قلت: نعم.
قَالَ: وَلَا سَوْطك إِن سقط مِنْك حَتَّى تنزل فتأخذه)
، رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله ثِقَات، وَعَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من يُبَايع؟ فَقَالَ ثَوْبَان: بَايعنَا رَسُول الله.
قَالَ: على أَن لَا تسألوا شَيْئا؟ قَالَ ثَوْبَان: فَمَا لَهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الْجنَّة.
فَبَايعهُ ثَوْبَان)
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ.
وَعَن عدي الجذامي فِي أثْنَاء حَدِيث فِيهِ: ( فتعففوا وَلَو بحزم الْحَطب، ألاَ هَل بلَّغت؟) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، ( وَعَن الفراسي قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسأَل يَا رَسُول الله! فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا، وَإِن كنت لَا بُد سَائِلًا فسل الصَّالِحين) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، والفراسي، بِكَسْر الْفَاء وَفتح الرَّاء وَكسر السِّين الْمُهْملَة.
قَالَ فِي ( الْكَمَال) : روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَاحِدًا،.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: وَله حَدِيث آخر فِي الْبَحْر: ( هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ والحل ميتَته) ، كِلَاهُمَا يرويهِ اللَّيْث بن سعد، ( وَعَن عَائِذ بن عَمْرو أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا وضع رجله على أُسْكُفَّة الْبابُُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو تعلمُونَ مَا فِي الْمَسْأَلَة مَا مَشى أحد إِلَى أحد يسْأَله شَيْئا) .





[ قــ :1413 ... غــ :1471 ]
- حدَّثنا مُوسى اقال حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ عنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَنْ يأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيأتِي بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلى ظَهْرِهِ فيَبِيعَهَا فيَكُفَّ الله بِهَا وَجْهَهُ خيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يسْألَ النَّاسَ أعْطَوْهُ أوْ مَنَعُوهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا، ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّرْب عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب، وَفِي الْبيُوع عَن يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزَّكَاة عَن عَليّ ابْن مُحَمَّد وَعَمْرو بن عبد الله الأودي، كِلَاهُمَا عَن وَكِيع بِهِ.
قَوْله: ( لِأَن يَأْخُذ) ، اللَّام فِيهِ إِمَّا ابتدائية أَو جَوَاب قسم مَحْذُوف، والحزمة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي: مَا سمي بِالْفَارِسِيَّةِ: دستة.
قَوْله: ( فيكف الله) أَي: فَيمْنَع الله بِهِ وَجهه من أَن يريق مَاءَهُ بالسؤال من النَّاس.
قَوْله: ( خير) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ خير لَهُ من أَن يسْأَل أَي: من سُؤال النَّاس، وَالْمعْنَى: إِن لم يجد إلاَّ الاحتطاب من الْحَرْف، فَهُوَ مَعَ مَا فِيهِ من امتهان الْمَرْء نَفسه، وَمن الْمَشَقَّة خير لَهُ من الْمَسْأَلَة.





[ قــ :1414 ... غــ :147 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ وسَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ حَكِيمَ بنَ حِزَام رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ سَلْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْطانِي ثُمَّ سألْتُهُ فأعْطَاني ثُمَّ سألْتُهُ فأعْطَاني ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إنَّ هاذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ومَنْ أخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كالَّذِي يأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى قَالَ حَكِيمٌ فقُلْتُ يَا رسولَ الله وَالَّذِي بعثَكَ بِالحَقِّ لَا أرْزأُ أحَدا بَعْدَكَ شَيْئا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكانَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَدْعُو حَكِيما إلَى العَطَاءِ فَيأبى أنْ يَقْبَلهُ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أنْ يقْبَلَ منْهُ شَيْئا فَقَالَ عُمَرُ إنِّي أُشْهِدَكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ إنِّي أعْرِضُ عَلَيه حَقَّهُ منْ هاذا الفَيءِ فيَأبَى أنْ يأخُذَهُ فلَمْ يَرْزأ حَكيمٌ أحدا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تُوُفِّيَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى) لِأَن المُرَاد من الْيَد الْعليا على قَول: هِيَ المتعففة وَإِن كَانَ الْمَشْهُور هِيَ المنفقة، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ لَا صَدَقَة إلاَّ عَن ظهر غنى.

ذكر رِجَاله: وهم: سَبْعَة: الأول: عَبْدَانِ، هُوَ عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وعبدان لقبه.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي.
الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي.
الرَّابِع: مُحَمَّد ابْن مُسلم الزُّهْرِيّ الْمدنِي.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْمدنِي.
السَّادِس: سعيد بن الْمسيب الْمدنِي.
السَّابِع: حَكِيم، بِفَتْح الْحَاء: ابْن حزَام، بِكَسْر الْحَاء وبالزاي المخففة، وَقد مر عَن قريب.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بلقبه.
وَفِيه: اثْنَان مذكوران مجردين.
وَفِيه: أحدهم مَذْكُور بنسبته إِلَى قبيلته ويروى عَن اثْنَيْنِ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: الزُّهْرِيّ وَعُرْوَة وَسَعِيد بن الْمسيب.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا وَفِي الْخمس عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْأَوْزَاعِيّ وَفِي الرقَاق عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ وَعَن الرّبيع بن سُلَيْمَان وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَأَعَادَهُ فِي الرقَاق عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (خضرَة) ، التَّأْنِيث إِمَّا بِاعْتِبَار الْأَنْوَاع أَو الصُّورَة أَو تَقْدِيره، كالفاكهة الخضرة الحلوة، شبه المَال فِي الرَّغْبَة فِيهِ بهَا فَإِن الْأَخْضَر مَرْغُوب من حَيْثُ النّظر، والحلو من حَيْثُ الذَّوْق، فَإِذا اجْتمعَا زادا فِي الرَّغْبَة، حَاصله أَن التَّشْبِيه فِي الرَّغْبَة فِيهِ والميل إِلَيْهِ وحرص النُّفُوس عَلَيْهِ بالفاكهة الخضراء المستلذة، فَإِن الْأَخْضَر مَرْغُوب فِيهِ على انْفِرَاده، والحلو كَذَلِك على انْفِرَاده، فاجتماعهما أَشد، وَفِيه أَيْضا إِشَارَة إِلَى عدم بَقَائِهِ لِأَن الخضراوات لَا تبقى وَلَا ترَاد للبقاء.
قَوْله: (فَمن أَخذه بسخاوة) ، نفس أَي: بِغَيْر شَره وَلَا إلحاح، وَفِي رِوَايَة: (بِطيب نفس) .
فَإِن قلت: السخاوة ءنما هِيَ فِي الْإِعْطَاء لَا فِي الْأَخْذ.
قلت: السخاوة فِي الأَصْل السهولة، وَالسعَة.
قَالَ القَاضِي: فِيهِ احْتِمَالَانِ: أظهرهمَا أَنه عَائِد إِلَى الْآخِذ، أَي من أَخذه بِغَيْر حرص وطمع وإشراف عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: إِلَى الدَّافِع، أَي: من أَخذه مِمَّن يَدْفَعهُ منشرحا بِدَفْعِهِ طيب النَّفس لَهُ.
قَوْله: (بإشراف نفس) الإشراف على الشَّيْء: الِاطِّلَاع عَلَيْهِ والتعرض لَهُ، وَقيل: معنى إشراف نفس أَن المسؤول يُعْطِيهِ عَن تكره.
وَقيل: يُرِيد بِهِ شدَّة حرص السَّائِل وإشرافه على الْمَسْأَلَة.
قَوْله: (لم يُبَارك لَهُ فِيهِ) الضَّمِير فِي: لَهُ، يرجع إِلَى الْآخِذ، وَفِي: فِيهِ، إِلَى المعطَى بِفَتْح الطَّاء، وَمَعْنَاهُ: إِذْ لم يمْنَع نَفسه الْمَسْأَلَة وَلم يصن مَاء وَجهه لم يُبَارك لَهُ فِيمَا أَخذ وَأنْفق.
قَوْله: (كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع) أَي: كمن بِهِ الْجُوع الْكَاذِب، وَقد يُسمى بجوع الْكَلْب كلما ازْدَادَ أكلا ازْدَادَ جوعا لِأَنَّهُ يَأْكُل من سقم كلما أكل ازْدَادَ سقما وَلَا يجد شبعا وَيَزْعُم أهل الطِّبّ أَن ذَلِك من غَلَبَة السَّوْدَاء، ويسمونها: الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة، وَهِي صفة لمن يَأْكُل وَلَا يشْبع.
قلت: الظَّاهِر أَنه من غَلَبَة السَّوْدَاء وشدتها كلما ينزل الطَّعَام فِي معدته يَحْتَرِق وإلاَّ فَلَا يتَصَوَّر أَن يسع فِي الْمعدة أَكثر مَا يسع فِيهِ، وَقد ذكر أهل الْأَخْبَار أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة أكل جملا وَامْرَأَته أكلت فصيلاً ثمَّ أَرَادَ أَن يُجَامِعهَا فَقَالَت: بيني وَبَيْنك جمل وفصيل كَيفَ يكون ذَاك؟ قَوْله: (الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى) ، قد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي: بابُُ لَا صَدَقَة إلاَّ عَن ظهر غنى.
قَوْله: (لَا أرزأ) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الزَّاي وبالهمزة: مَعْنَاهُ لَا أنقص مَاله بِالطَّلَبِ، وَفِي (النِّهَايَة) : مَا رزأته أَي: مَا نقصته، وَفِي رِوَايَة لإسحاق: (قلت: فوَاللَّه لَا تكون يَدي بعْدك تَحت يَد من أَيدي الْعَرَب.
قلت: هَذَا معنى قَوْله: (بعْدك) ، الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: غَيْرك، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ امْتنع من الْأَخْذ مُطلقًا وَهُوَ مبارك إِذا كَانَ بسعة الصَّدْر مَعَ عدم الإشراف؟ قلت: مُبَالغَة فِي الِاحْتِرَاز إِذْ مُقْتَضى الجبلة الإشراف والحرص وَالنَّفس سراقَة والعرق دساس، وَمن حام حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ.
قَوْله: (فَأبى أَن يقبل مِنْهُ) ، أَي: فَامْتنعَ حَكِيم أَن يقبل عَطاء من أبي بكر فِي الأول، وَمن عمر فِي الثَّانِي، وَجه امْتِنَاعه من أَخذ الْعَطاء مَعَ أَنه حَقه لِأَنَّهُ خشِي أَن يقبل من أحد شَيْئا فيعتاد الْأَخْذ فتتجاوز بِهِ نَفسه إِلَى مَا لَا يُريدهُ، ففطمها عَن ذَلِك وَترك مَا يرِيبهُ إِلَى مَا لَا يرِيبهُ، وَلِأَنَّهُ خَافَ أَن يفعل خلاف مَا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِأَنَّهُ قَالَ: لَا أرزأ أحدا بعْدك) .
حَتَّى روى فِي رِوَايَة: (وَلَا مِنْك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا مني) .
قَوْله: (فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنِّي أشهدكم) إِنَّمَا أشهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على حَكِيم لِأَنَّهُ خشِي سوء التَّأْوِيل، فَأَرَادَ تبرئة ساحته بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَأَن أحدا لَا يسْتَحق شَيْئا من بَيت المَال بعد أَن يُعْطِيهِ الإِمَام إِيَّاه.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَأما قبل ذَلِك فَلَيْسَ بمستحق لَهُ، وَلَو كَانَ مُسْتَحقّا لَهُ لقضى عمر على حَكِيم بِأَخْذِهِ، ذَلِك يدل عَلَيْهِ قَول الله تَعَالَى، حِين ذكر قسم الصَّدقَات، وَفِي أَي الْأَقْسَام يقسم أَيْضا: { كَيْلا يكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْكُم وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} (الْحَشْر: 7) .
الْآيَة.
فَإِنَّمَا هُوَ لمن أوتيه لَا لغيره.
وَإِنَّمَا قَالَ الْعلمَاء فِي إِثْبَات الْحُقُوق فِي بَيت المَال مشددا على غير المرضى من السلاطين ليغلقوا بابُُ الامتداد إِلَى أَمْوَال الْمُسلمين، وَالسَّبَب إِلَيْهَا بِالْبَاطِلِ، وَيدل على ذَلِك أَن من سرق بَيت المَال أَنه يقطع، وزنى بِجَارِيَة من الفىء أَنه يحد، وَلَو اسْتحق فِي بَيت المَال أَو فِي الْفَيْء شَيْئا على الْحَقِيقَة قبل إِعْطَاء السُّلْطَان لَهُ لكَانَتْ شُبْهَة تدرأ الْحَد عَنهُ.
قلت: جُمْهُور الْأمة على أَن للْمُسلمين حَقًا فِي بَيت المَال والفيء، وَلَكِن الإِمَام بقسمه على اجْتِهَاده، فعلى هَذَا لَا يجب الْقطع وَلَا الْحَد للشُّبْهَة وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقه فِي: بابُُ الِاجْتِهَاد، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (حَتَّى توفّي) ، زَاد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) من طَرِيق معمر بن عبد الله بن عُرْوَة مُرْسلا: أَنه مَا أَخذ من أبي بكر وَلَا عمر وَلَا عُثْمَان وَلَا مُعَاوِيَة ديوانا وَلَا غَيره حَتَّى مَاتَ لعشر سِنِين من إِمَارَة مُعَاوِيَة، وَزَاد ابْن إِسْحَاق أَيْضا فِي (مُسْنده) من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: فَمَاتَ حيت مَاتَ وَأَنه لمن أَكثر قُرَيْش مَالا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَا قَالَ الْمُهلب: إِن سُؤال السُّلْطَان الْأَكْبَر لَيْسَ بِعَارٍ.
وَفِيه: أَن السَّائِل إِذا ألحف لَا بَأْس برده وموعظته وَأمره بالتعفف وَترك الْحِرْص.
وَفِيه: أَن الْإِنْسَان لَا يسْأَل إِلَّا عِنْد الْحَاجة والضرورة لِأَنَّهُ إِذا كَانَت يَده السُّفْلى مَعَ إِبَاحَة الْمَسْأَلَة فَهُوَ أَحْرَى أَن يمْتَنع من ذَلِك عِنْد غير الْحَاجة.
وَفِيه: أَن من كَانَ لَهُ حق عِنْد أحد فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَخذه إِذا أَتَى، فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يسْتَحقّهُ إلاَّ ببسط الْيَد فَلَا يجْبر على أَخذه، وَفِيه: مَا قَالَ ابْن أبي جَمْرَة: قد يَقع الزّهْد مَعَ الْأَخْذ، فَإِن سخاوة النَّفس هُوَ زهدها.
تَقول: سخت بِكَذَا أَي: جَادَتْ، وسخت عَن كَذَا أَي: لم تلْتَفت إِلَيْهِ.
وَفِيه: أَن الْأَخْذ مَعَ سخاوة النَّفس يحصل أجر الزّهْد وَالْبركَة فِي الرزق، فَظهر أَن الزّهْد يحصل خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَفِيه: ضرب الْمثل بِمَا لَا يعقله السَّامع من الْأَمْثِلَة، لِأَن الْغَالِب من النَّاس لَا يعرف الْبركَة إلاَّ فِي الشَّيْء الْكثير، فَبين بالمثال الْمَذْكُور أَن الْبركَة هِيَ خلق من خلق الله تَعَالَى، وَضرب لَهُم الْمثل بِمَا يعهدون بِالْأَكْلِ إِنَّمَا يُؤْكَل ليشبع فَإِذا أكل وَلم يشْبع كَانَ عناء فِي حَقه بِغَيْر فَائِدَة، وَكَذَلِكَ المَال لَيست الْفَائِدَة فِي عينه وَإِنَّمَا هِيَ لما يتَحَصَّل بِهِ من الْمَنَافِع، فَإِذا كثر المَال عِنْد الْمَرْء بِغَيْر تَحْصِيل مَنْفَعَة كَانَ وجوده كَالْعدمِ.
وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي للْإِمَام أَن لَا يبين للطَّالِب مَا فِي مَسْأَلته من الْمفْسدَة إلاَّ بعد قَضَاء حَاجته لتقع موعظته لَهُ الْموقع لِئَلَّا يتخيل أَن ذَلِك سَبَب لمَنعه حَاجته.
وَفِيه: جَوَاز تكَرر السُّؤَال ثَلَاثًا.
وَجَوَاز الْمَنْع فِي الرَّابِعَة.
وَفِيه: أَن رد السَّائِل بعد ثَلَاث لَيْسَ بمكروه.
وَأَن الْإِجْمَال فِي الطّلب مقرون بِالْبركَةِ.