فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب خرص الثمر

( بابُُ خَرْص التمْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي مَشْرُوعِيَّة خرص التَّمْر، الْخرص، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا صَاد مُهْملَة: مصدر من خرص الْعدَد ويخرصه من بابُُ: نصر ينصر وَضرب يضْرب، خرصا وخرصا بِالْفَتْح وَالْكَسْر إِذا حزره، وَيُقَال بِالْفَتْح مصدر وبالكسر اسْم.
وَفِي ( الصِّحَاح) : هُوَ حزر على النّخل من الرطب تَمرا.
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: الْخرص والخرص لُغَتَانِ فِي الشَّيْء المخروص، وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن بعض أهل الْعلم: أَن تَفْسِيره أَن الثِّمَار إِذا أدْركْت من الرطب وَالْعِنَب مِمَّا يجب فِيهِ الزَّكَاة بعث السُّلْطَان خارصا ينظر فَيَقُول: يخرج من هَذَا كَذَا وَكَذَا زبيبا وَكَذَا ثمرا فيصيه، وَينظر مبلغ العُشر فيثبته عَلَيْهِم ويخلي بَينهم وَبَين الثِّمَار فَإِذا جَاءَ وَقت الْجذاذ أَخذ مِنْهُم العُشر.



[ قــ :1423 ... غــ :1481 ]
- حدَّثنا سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى عَن عَبَّاسٍ السَّاعِديِّ عنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ غزَوْنَا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فلَمَّا جاءَ وَادِي القُرى إذَا امْرَأةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَها فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِصْحَابِهِ اخْرُصُوا وخَرَصَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْرَةَ أوْسُق فَقَالَ لهَا أحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فلَمَّا أتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أمَا إنَّهَا ستَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلا يَقُومَنَّ أحَدٌ ومَنْ كانَ معَهُ بَعِيرٌ فلْيَعْقِلْهُ فعَقَلْنَاهَا وهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدةٌ فقامَ رجلٌ فألقَتْهُ بِجَبَلِ طيِّىءٍ وأَهْدَى مَلِكُ أيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ وكسَاهُ بُرْدا وكتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فلَمَّا أتَى وَادِي القُرَى قَالَ لِلْمَرأةِ كَمْ جاءَ حَدِيقَتُكِ قالَتْ عَشَرَةَ أوْسُقٍ خَرْصَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي مُتَعَجِّلٌ إلَى المَدِينَةِ فَمَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يتَعَجَّلَ مَعِي فلْيَتَعَجَّلْ فلَمَّا قَالَ ابنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعْنَاها أشْرَفَ عَلى المدِينَةِ.
قَالَ هاذِهِ طابَةُ فلَمَّا رَأي أُحُدا قَالَ هاذا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ ألاَ أخبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأنصَارِ قالُوا بَلى قالَ دُورُ بَنِي النَّجَّار ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ ثُمَّ دُورِ بَنِي ساعِدَةَ أوْ دُورُ بَنِي الحَارِثِ بنِ الخزْرَجِ وفِي كُلِّ دُورِ الأنْصَارِ يَعْنِي خَيْرا.
وقالَ سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ حدَّثني عَمْرٌ وثُمَّ دَارُ بَنِي الحارِثِ ثُمَّ بَنِي ساعِدَةَ.

     وَقَالَ  سُلَيْمَانُ عنْ سَعْدِ بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ عنْ عَبَّاسٍ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( اخرصوا وخرص رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: سهل بن بكار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف وبالراء: أَبُو بشر الدَّارمِيّ.
الثَّانِي: وهيب بن خَالِد أَبُو بكر.
الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة.
الرَّابِع: عَبَّاس، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سهل بن سعد، مَاتَ زمن الْوَلِيد بِالْمَدِينَةِ.
الْخَامِس: أَبُو حميد، بِضَم الحاءر الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم: اسْمه الْمُنْذر أَو عبد الرَّحْمَن بن سعد السَّاعِدِيّ، مر فِي: بابُُ فضل اسْتِقْبَال الْقبْلَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: عَن عَمْرو بن يحيى، وَلمُسلم من وَجه آخر عَن وهيب حَدثنَا عَمْرو بن يحيى.
وَفِيه: عَبَّاس وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: عَن الْعَبَّاس السَّاعِدِيّ، يَعْنِي ابْن سهل بن سعد، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر: عَن وهيب أخبرنَا عَمْرو بن يحيى حَدثنَا عَبَّاس ابْن سهل السَّاعِدِيّ.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَعَمْرو بن يحيى وعباس بن سهل مدنيان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج وَفِي الْمَغَازِي بِتَمَامِهِ وَفِي فضل الْأَنْصَار بِبَعْضِه: ( خير دور الْأَنْصَار) ، عَن خَالِد ابْن مخلد، وَأخرجه مُسلم فِي فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِيه وَفِي الْحَج عَن القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن سهل بن بكار بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( غَزْوَة تَبُوك) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة وَفِي آخِره كَاف، منصرف بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة أَربع عشرَة مرحلة من طرف الشَّام، وَبَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة.
وَفِي ( الْمُحكم) : تَبُوك اسْم أَرض وَقد يكون: تَبُوك، تفعل، وَزعم ابْن قُتَيْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ فِي غَزْوَة تَبُوك وهم يبوكون حسيها بقدح، فَقَالَ: مَا زلتم تبوكونها بعد؟ فسميت: بتبوك، وَمعنى: تبوكون تدخلون فِيهِ السهْم وتحركونه ليخرج مَاؤُهُ.
قلت: هَذَا يدل على أَنه معتل، وَذكرهَا ابْن سَيّده فِي الثلاثي الصَّحِيح.
قَوْله: ( حسيها) ، أَي: حشي تَبُوك، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي آخِره يَاء آخر الْحُرُوف: مَا تنشفه الأَرْض من الرمل، فَإِذا صَار إِلَى صلابة أمسكته فيحفر عَنهُ الرمل فتستخرجه وَهُوَ الاحتساء، وَيجمع الْحسي على أحساء، وغزوة تَبُوك تسمى الْعسرَة والفاضحة، وَكَانَت فِي رَجَب يَوْم الْخَمِيس سنة تسع،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول يَوْم من رَجَب إِلَيْهَا وَرجع فِي سلخ شَوَّال.
وَقيل: فِي شهر رَمَضَان.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هِيَ آخر غَزَوَاته، لم يقدر أحد أَن يتَخَلَّف عَنْهَا، وَكَانَت فِي شدَّة الْحر وإقبال الثِّمَار، وَلم يكن فِيهَا قتال وَلم تكن غَزْوَة إلاَّ ورى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا إلاَّ غَزْوَة تَبُوك، ومكرت طَائِفَة من الْمُنَافِقين فِي هَذِه الْغَزْوَة برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرَادوا أَن يلقوه من الْعقبَة فَنزل فيهم مَا فِي سُورَة بَرَاءَة.
قَوْله: ( وَادي الْقرى) ، ذكر السَّمْعَانِيّ أَنَّهَا مَدِينَة قديمَة بالحجاز مِمَّا يَلِي الشَّام، وَذكر ابْن قرقول، أَنَّهَا من أَعمال الْمَدِينَة، وَهَذَا قريب.
قَوْله: ( إِذا امْرَأَة فِي حديقة) ، قَالَ ابْن مَالك فِي ( الشواهد) : لَا يمْتَنع الِابْتِدَاء بالنكرة الْمَحْضَة على الْإِطْلَاق، بل إِذا لم تحصل فَائِدَة نَحْو: رجل يتَكَلَّم، إِذْ لَا تَخْلُو الدُّنْيَا من رجل يتَكَلَّم، فَلَو اقْترن بالنكرة قرينَة تتحصل بهَا الْفَائِدَة جَازَ الِابْتِدَاء بهَا، وَمن تِلْكَ الْقَرَائِن الِاعْتِمَاد على: إِذا، المفاجأة نَحْو: انْطَلَقت فَإِذا سبع فِي الطَّرِيق، والحديقة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ ابْن سَيّده: هِيَ من الرياض كل أَرض استدارت.
وَقيل: الحديقة كل أَرض ذَات شَجَرَة بثمر ونخل.
وَقيل: الحديقة الْبُسْتَان والحائط وَخص بَعضهم بِهِ الْجنَّة من النّخل وَالْعِنَب، وَقيل: الحديقة حُفْرَة تكون فِي الْوَادي تحبس المَاء فِي الْوَادي، وَإِن لم يكن المَاء فِي بَطْنه فَهُوَ حديقة، والحديقة أعمق من الغدير، والحديقة الْقطعَة من الزَّرْع من كرَاع، وَكله فِي معنى الاستدارة.
وَفِي ( الغريبين) : يُقَال للقطعة من النّخل: حديقة.
قَوْله: ( اخرصوا) بِضَم الرَّاء زَاد سُلَيْمَان: ( فخرصنا) .
قَوْله: ( عشرَة أوسق) على وزن أفعل، بِضَم الْعين: جمع وسق بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا، وَهُوَ ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ رطلا عِنْد أهل الْحجاز، وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ رطلا عِنْد أهل الْعرَاق، على اخْتلَافهمْ فِي مِقْدَار الصَّاع وَالْمدّ.
قَوْله: ( احصى) ، بِفَتْح الْهمزَة من الإحصاء وَهُوَ الْعد، وَمَعْنَاهُ: احفظي عدد كيلها.
وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: ( إحصيها حَتَّى نرْجِع إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى) .
وأصل الإحصاء الْعد بالحصى لأَنهم كَانُوا لَا يحسنون الْكِتَابَة، فَكَانُوا يضبطون الْعدَد بالحصى.
قَوْله: ( أما إِنَّهَا) أما، بِفَتْح الْهمزَة بِالتَّخْفِيفِ، وَهِي حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلاَ، وَيكون بِمَعْنى: حَقًا.
قَوْله: ( ستهب اللَّيْلَة) ، زَاد سُلَيْمَان: ( عَلَيْكُم) ، وستهب، بِضَم الْهَاء وَالسِّين فِيهِ عَلامَة الِاسْتِقْبَال، وَأَصله من: هَب يهب، ككب يكب، وَهَذَا الْبابُُ إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا يكون عين الْفِعْل فِيهِ مضموما إلاَّ: حبه يُحِبهُ، فَإِنَّهُ مكسور.
وأحرف نادرة جَاءَ فِيهَا الْوَجْهَانِ إِذا كَانَ لَازِما مثل: ضل يضل.
قَوْله: ( فليعقله) أَي: يشده بالعقال، وَهُوَ الْحَبل، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: ( فليشد عقاله) ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق فِي ( الْمَغَازِي) : عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن عَبَّاس بن سهل: ( وَلَا يخْرجن أحد مِنْكُم اللَّيْلَة إلاَّ وَمَعَهُ صَاحب لَهُ) .
قَوْله: ( بجبل طي) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( بجبلي طي) ، وَفِي رِوَايَة: ( فَحملت الرّيح حَتَّى ألقته بجبلي طَيء) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَفَّان عَن وهيب: ( فَلم يقم فِيهَا أحد غير رجلَيْنِ ألقتهما بجبلي طَيء) ، وَفِيه نظر تبينه رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَفظه: ( فَفعل النَّاس مَا أَمرهم إلاَّ رجلَيْنِ من بني سَاعِدَة خرج أَحدهمَا لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خنق على مذْهبه، وَأما الَّذِي ذهب فِي طلب بعيره فاحتملته الرّيح حَتَّى طرحته بجبلي طَيء، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: ألم أنهكم أَن يخرج رجل إلاَّ وَمَعَهُ صَاحب لَهُ؟ ثمَّ دعى الَّذِي أُصِيب على مذْهبه فشفي، وَأما الآخر فَإِنَّهُ وصل إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين قدم من تَبُوك) .
وَأما جبلا طَيء فقد ذكر الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه ( أَسمَاء الْبلدَانِ) أَن سلمى بنت حام بن حمى بن برارة من بني عمليق كَانَت لَهَا حاضنة يُقَال لَهَا العوجاء، وَكَانَت الرَّسُول بَينهَا وَبَين أجأ بن عبد الْحَيّ من العماليق، فعشقها فهرب بهَا وبحاضنتها إِلَى مَوضِع جبل طييء، وبالجبلين قوم من عَاد، وَكَانَ لسلمى أخوة فجاؤوا فِي طلبَهَا فلحقوهم بِموضع الجبلين، فَأخذُوا سلمى فنزعوا عينهَا ووضعوها على الْجَبَل، وكتف أجأ، وَكَانَ أول من كتف وَوضع على الْجَبَل الآخر، فَسُمي بهَا الجبلان، أجأ وسلمى.
.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: أجأ، بِفَتْح أَوله وثانيه على وزن فعل يهمز وَلَا يهمز وَيذكر وَيُؤَنث، وَهُوَ مَقْصُور فِي كلا الْوَجْهَيْنِ من همزه وَترك همزه.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَيُقَال: إِن الجبلين سميا باسم رجل وَامْرَأَة من العماليق، قلت: الْكَلْبِيّ قد سماهما كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( ملك أَيْلَة) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام: إسم بَلْدَة على سَاحل الْبَحْر آخر الْحجاز وَأول الشَّام.
قلت: أَيْلَة على وزن: فعلة، مَدِينَة على شاطىء الْبَحْر فِي منصف مَا بَين مصر وَمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، سميت بأيلة بنت مَدين بن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد روى أَن أَيْلَة هِيَ الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : وَملك أَيْلَة اسْمه يوحنا بن روبة، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان عِنْد مُسلم: ( وَجَاء رَسُول ابْن العلما صَاحب أَيْلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب، وَأهْدى لَهُ بغلة بَيْضَاء) .
قلت: يوحنا، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون مَقْصُور.
وروبة، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره هَاء، وَالظَّاهِر أَن علما اسْم يوحنا، وإسم البغلة: دُلْدُل.
قَوْله: ( وَكتب لَهُ ببحرهم) ، أَي: ببلدهم، وَالْمرَاد بِأَهْل بحرهم لأَنهم كَانُوا سكانا بساحل الْبَحْر، ويروى: ( ببحرتهم) ، أَي: ببلدتهم، وَقيل: البحرة الأَرْض، كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقطع هَذَا الْملك من بِلَاده قطائع، وفوض إِلَيْهِ حكومتها، وَذكر ابْن إِسْحَاق الْكتاب، وَهُوَ بعد الْبَسْمَلَة: ( هَذِه أَمَنَة من الله وَمن مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله ليوحنا بن روبة وَأهل أَيْلَة سفنهم وسيارتهم فِي الْبر وَالْبَحْر لَهُم ذمَّة الله، وَمُحَمّد النَّبِي) ، وسَاق بَقِيَّة الْكتاب.
قَوْله: ( كم جَاءَ حديقتك) أَي: قدر ثَمَر حديقتك؟ وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( فَسَأَلَ الْمَرْأَة عَن حديقتها: كم بلغ ثَمَرهَا؟) .
قَوْله: ( قَالَت عشرَة أوسق) ، بِنَزْع الْخَافِض، أَي جَاءَ بِمِقْدَار عشرَة أوسق، أَو نصب على الْحَال، وَيجوز أَن يعْطى لقَوْله: جَاءَ، حكم الْأَفْعَال النَّاقِصَة، فَيكون عشرَة خَبرا لَهُ، وَالتَّقْدِير: جَاءَت عشرَة أوسق.
قَوْله: ( خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، خرص، مصدر بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: ( عشرَة أوسق) ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد خرصها عشرَة أوسق لما جَاءَ وَادي الْقرى، أَو عطف بَيَان لعشرة، وَيجوز الرّفْع فِي عشرَة وَفِي خرص، وَالتَّقْدِير: الْحَاصِل عشرَة أوسق خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيجوز الرّفْع فِي: خرص، وَحده على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هِيَ خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: الْعشْرَة خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَلَمَّا قَالَ ابْن بكار) كلمة: فَلَمَّا، مقول ابْن بكار، وَهُوَ سهل شيخ البُخَارِيّ، وَلَفظ ابْن بكار مقول البُخَارِيّ.
و: كلمة، بِالنّصب مقول ابْن بكار، مَعْنَاهَا: أَي معنى هَذِه الْكَلِمَة أشرف أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة مَعْنَاهُ: قرب مِنْهَا واطلع إِلَيْهَا، وَكَأن البُخَارِيّ شكّ فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقَالَ هَذَا.
قَوْله: ( قَالَ هَذِه طابة) جَوَاب لما، أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَشَارَ إِلَى الْمَدِينَة بقوله: ( هَذِه طابة) ، وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث، وَمَعْنَاهَا الطّيبَة، وسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الِاسْم وَكَانَ اسْمهَا يثرب.
قَوْله: ( فَلَمَّا رأى أحدا) أَي: الْجَبَل الْمُسَمّى بِأحد.
قَوْله: ( يحبنا ونحبه) ، يَعْنِي: أهل الْجَبَل، وهم الْأَنْصَار لِأَنَّهُ لَهُم، فَيكون مجَازًا كَمَا فِي قَوْله: { واسأل الْقرْيَة} ( يُوسُف: 28) .
وَلَا منع من حَقِيقَته فَلَا حَاجَة إِلَى إِضْمَار فِيهِ، وَقد ثَبت ( أَنه ارتج تَحْتَهُ فَقَالَ لَهُ: إثبت، فَلَيْسَ عَلَيْك إلاَّ نَبِي وصديق وشهيدان) .
وحن الْجذع الْيَابِس إِلَيْهِ حَتَّى نزل فضمه،.

     وَقَالَ : لَو لم أضمه لحن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَكَلمه الذِّئْب، وَسجد لَهُ الْبَعِير، وَسلم عَلَيْهِ الْحجر، وَكَلمه اللَّحْم المسموم أَنه مَسْمُوم فَلَا يُنكر حب الْجَبَل لَهُ، وَحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه لِأَن بِهِ قُبُور الشُّهَدَاء، وَلِأَنَّهُم لجأوا إِلَيْهِ يَوْم أحد وامتنعوا.
قَوْله: ( أَلا أخْبركُم بِخَير دور الْأَنْصَار؟) كلمة: أَلا، للتّنْبِيه، وَالْخطاب لمن كَانَ مَعَه من الصَّحَابَة، ودور جمع: دَار، نَحْو أَسد وَأسد، وَيُرِيد بِهِ الْقَبَائِل الَّذين يسكنون الدّور، يَعْنِي: الْمحَال.
قَوْله: ( بني النجار) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْجِيم وبالراء: وَهُوَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج.
قيل: سمي النجار لِأَنَّهُ اختتن بقدوم، وَقيل: بل نجر وَجه رجل بالقدوم فَسُمي النجار.
قَوْله: ( بني عبد الْأَشْهَل) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو، وَهُوَ: النبيت بن مَالك بن الْأَوْس، والأوس أحد جذمي الْأَنْصَار لأَنهم جذمان: الْأَوْس والخزرج، وهما أَخَوان وأمهما: قَبيلَة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة.
وَقيل: قَبيلَة بنت كَاهِل بن عدي بن سعد بن قضاعة.
قَوْله: ( بني سَاعِدَة) ، سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج.
قَوْله: ( يَعْنِي خيرا) ، أَي: كَانَ لفظ خيرا محذوفا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه أَرَادَهُ.

قَوْله: ( وَقَالَ سُلَيْمَان بن بِلَال) ، أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ مولى عبد الله بن أبي عَتيق، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، وَيُقَال: مولى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو عَليّ بن خُزَيْمَة فِي ( فَوَائده) قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان، أَي: ابْن بِلَال، حَدثنِي أَبُو بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، فَذكره، وأوله: ( أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا دنا من الْمَدِينَة أَخذ طَرِيق غراب لِأَنَّهَا أقرب طَرِيق إِلَى الْمَدِينَة، وَترك الْأُخْرَى) فساق الحَدِيث وَلم يذكر أَوله.
قَوْله: ( حَدثنِي عَمْرو) ، هُوَ عَمْرو بن يحيى الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث.
قَوْله: ( وَقَالَ سُلَيْمَان) ، هُوَ ابْن بِلَال الْمَذْكُور.
قَوْله: ( سعيد بن سعيد) ، هُوَ الْأنْصَارِيّ أَخُو يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: ( عَن عمَارَة) ، بِضَم الْعين ابْن غزيَّة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْمَازِني الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: ( عَن عَبَّاس) هُوَ عَبَّاس بن سهل وَأَبوهُ سهل ابْن سعد، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْخرص الَّذِي ذكرنَا تَفْسِيره، وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ.
فَذهب الزُّهْرِيّ وَعَطَاء وَالْحسن وَعمر بن دِينَار وَعبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق ومروان وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد إِلَى جَوَاز الْخرص فِي النخيل وَالْأَعْنَاب حِين يَبْدُو إصلاحها.
.

     وَقَالَ  ابْن رشد: جُمْهُور الْعلمَاء على إجَازَة الْخرص فِيهَا، ويخلى بَينهَا وَبَين أَهلهَا يَأْكُلُونَهُ رطبا.
.

     وَقَالَ  دَاوُد: لَا خرص إلاَّ فِي النخيل فَقَط،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إذابدا صَلَاح ثمار النّخل وَالْكَرم فقد تعلق وجوب الزَّكَاة بهما وَوَجَب خرصهما للْعلم بِمِقْدَار زكاتهما، فيخرصهما رطبا.
وَينظر الخارض كم يصير تَمرا، ثمَّ يخبر رب المَال فِيهَا، فَإِن شَاءَ كَانَت مَضْمُونَة فِي يَده وَله التَّصَرُّف فِيهَا، فَإِذا تصرف فِيهَا ضمنهَا، وَيُسْتَفَاد بالخرص الْعلم بِقدر الزَّكَاة فِيهَا واستباحة رب المَال التَّصَرُّف فِي الثَّمَرَة، بِشَرْط الضَّمَان.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَبِه قَالَ أَبُو بكر، وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: وَهُوَ سنة فِي الرطب وَالْعِنَب، وَلَا خرص فِي الزَّرْع، وَهُوَ قَول أَحْمد.
وَذكر ابْن بزيزة، قَالَ الْجُمْهُور: يَقع الْخرص فِي النّخل وَالْكَرم.

وَاخْتلف مَذْهَب مَالك: هَل يخرص الزَّيْتُون أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ: الْجَوَاز قِيَاسا على الْكَرم، وَالْمَنْع لوَجْهَيْنِ: الأول: لِأَن أوراقه تستره.
وَالثَّانِي: أَن أَهله لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَن يأكلوه رطبا، فَلَا معنى لخرصه وَقد اخْتلفُوا هَل هُوَ وَاجِب أَو مُسْتَحبّ، فَحكى الضميري عَن الشَّافِعِيَّة وَجها بِوُجُوبِهِ،.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: هُوَ مُسْتَحبّ إلاَّ أَن تعلق بِهِ حق لمحجور مثلا، أَو كَانَ شركاؤه غير مؤتمنين، فَيجب لحفظ مَال الْغَيْر.
وَاخْتلفُوا أَيْضا: هَل يخْتَص بِالنَّخْلِ أَو يلْحق بِهِ الْعِنَب أَو يعم كل مَا ينْتَفع بِهِ رطبا وجافا؟ وبالأول قَالَ شُرَيْح القَاضِي وَبَعض الظَّاهِرِيَّة.
وَالثَّانِي: قَول الْجُمْهُور، وَإِلَى الثَّالِث نحى البُخَارِيّ، وَهل يمْضِي قَول الخارص أَو يرجع مَا آل إِلَيْهِ الْحَال بعد الْجَفَاف؟ الأول: قَول مَالك وَطَائِفَة.
وَالثَّانِي: قَول الشَّافِعِي وَمن تبعه.
وَهل يَكْفِي خارص وَاحِد عَارِف ثِقَة أم لَا بُد من اثْنَيْنِ؟ وهما قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور على الأول، وَاخْتلف أَيْضا هَل هُوَ اعْتِبَار أَو تضمين، وهما قَولَانِ للشَّافِعِيّ أظهرهمَا الثَّانِي، وَفَائِدَته جَوَاز التَّصَرُّف فِي جَمِيع الثَّمَرَة، وَلَو أتلف الْمَالِك الثَّمَرَة بعد الْخرص أخذت مِنْهُ الزَّكَاة بِحِسَاب مَا خرص.

وَاخْتلفُوا فِي الْخرص هَل هُوَ شَهَادَة أَو حكم؟ فَإِن كَانَ شَهَادَة لم يكتف بخارص وَاحِد، وَإِن كَانَ حكما اكْتفى بِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْقَائِف والطبيب يشْهد فِي الْعُيُوب، وحاكم الْجَزَاء فِي الصَّيْد، وَاخْتلفُوا: هَل يُحَاسب أَصْحَاب الزَّرْع وَالثِّمَار بِمَا أكلُوا قبل التصفية والجذاذ أم لَا؟ وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا: هَل يُؤْخَذ قدر العواري والضيف وَمَا فِي مَعْنَاهُ أم لَا؟ وَاخْتلفُوا أَيْضا إِذا غلط الخارص.

ومحصل الْأَمر فِيهِ أَنه: إِن لم يكن من أهل الْمعرفَة بالخرص فالرجوع إِلَى الْخَارِج لَا إِلَى قَوْله، وَإِن كَانَ من أهل الْمعرفَة ثمَّ تبين أَنه أَخطَأ فَهَل يُؤْخَذ بقوله أَو بِمَا تبين؟ فِيهِ خلاف على اخْتلَافهمْ فِي الْمُجْتَهد يخطيء هَل ينْقض حكمه أم لَا؟ قَالَ ابْن قدامَة: وَيلْزم الخارص أَن يتْرك الثُّلُث أَو الرّبع فِي الْخرص توسعة على أَرْبابُُ الْأَمْوَال، وَبِه قَالَ إِسْحَاق وَاللَّيْث لحَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث فَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَاسْتدلَّ من يرى الْخرص فِي النّخل وَالْكَرم بِمَا رَوَاهُ ابْن الْمسيب عَن عتاب بن أسيد، قَالَ: ( أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل، وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيبا كَمَا تُؤْخَذ صَدَقَة النّخل تَمرا) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ،.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب،.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: الدَّلِيل على جَوَاز الْخرص وُرُود السّنة قولا وفعلاً وامتثالاً: أما القَوْل فَحَدِيث عتاب، وَأما الْفِعْل فَحَدِيث البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ، وَأما الِامْتِثَال فَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ خراصون، كَأَنَّهُ يَعْنِي مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل.
وَعَن ابْن عمر فِي ( صَحِيح ابْن حبَان) : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلب أهل خَيْبَر على الأَرْض وَالزَّرْع وَالنَّخْل فَصَالَحُوهُ، وَفِيه: فَكَانَ ابْن رَوَاحَة يَأْتِيهم فيخرصها عَلَيْهِم ثمَّ يضمنهم الشّطْر.
وَفِي ( المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر قَالَ: خرصها عَلَيْهِم ابْن رَوَاحَة يَعْنِي: خيبرا أَرْبَعِينَ ألف وسق.

وَاسْتدلَّ من يرى الْخرص مُطلقًا فِي النخيل وَغَيره بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَعْفَر بن برْقَان عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر الحَدِيث، وَفِيه: ( فَلَمَّا كَانَ حِين يصرم النّخل بعث إِلَيْهِم ابْن رَوَاحَة فحرز النّخل، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل الْمَدِينَة الْخرص) .
الحَدِيث.
وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الصائت بن زبيد عَن أَبِيه عَن جده: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْملهُ على الْخرص، فَقَالَ: اثْبتْ لنا النّصْف وأبقِ لَهُم النّصْف فَإِنَّهُم يسرفون، وَلَا تصل إِلَيْهِم) الحَدِيث.

وَقَالَ الشّعبِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْخرص مَكْرُوه.
.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: الْخرص بِدعَة.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ خرص الثِّمَار لَا يجوز.
وَفِي ( أَحْكَام ابْن بزيزة) : قَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: الْخرص بَاطِل.
.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: احْتج أَبُو حنيفَة بِمَا رَوَاهُ جَابر مَرْفُوعا: ( نهى عَن الْخرص) ، وَبِمَا رَوَاهُ جَابر بن سَمُرَة: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع كل ثَمَرَة بخرص) ، وَبِأَنَّهُ تخمين، وَقد يخطىء، وَلَو جَوَّزنَا لجوزنا خرص الزَّرْع، وخرص الثِّمَار بعد جذاذها أقرب إِلَى الإبصار من خرص مَا على الأشحار، فَلَمَّا لم يجز فِي الْقَرِيب لم يجز فِي الْبعيد، وَلِأَنَّهُ تضمين رب المَال بِقدر الصَّدَقَة، وَذَلِكَ غير جَائِز لِأَنَّهُ بيع رطب بِتَمْر، وَأَنه بيع حَاضر بغائب، وَأَيْضًا فَهُوَ من الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنْهَا وَهُوَ بيع التَّمْر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَهُوَ أَيْضا من: بابُُ بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة، فيدخله الْمَنْع بَين التَّفَاضُل وَبَين النَّسِيئَة.
وَقَالُوا: الْخرص مَنْسُوخ بنسخ الرِّبَا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: أنكر أَصْحَاب الرَّأْي الْخرص،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِنَّمَا كَانَ يفعل تخويفا للمزارعين لِئَلَّا يخونوا، لَا ليلزم بِهِ الحكم، لِأَنَّهُ تخمين وغرور، أَو كَانَ يجوز قبل تَحْرِيم الرِّبَا والقمار ثمَّ تعقبه الْخطابِيّ بِأَن تَحْرِيم الرِّبَا وَالْميسر مُتَقَدم، والخرص عمل بِهِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ ثمَّ أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَمن بعدهمْ، وَلم ينْقل عَن أحد مِنْهُم وَلَا من التَّابِعين تَركه إلاَّ الشّعبِيّ، قَالَ: وَأما قَوْلهم إِنَّه تخمين وغرور فَلَيْسَ، كَذَلِك، بل هُوَ اجْتِهَاد فِي معرفَة مِقْدَار التَّمْر وإدراكه بالخرص الَّذِي هُوَ نوع من الْمَقَادِير.
قلت: قَوْله: تَحْرِيم الرِّبَا وَالْميسر مُتَقَدم، يحْتَاج إِلَى معرفَة التَّارِيخ، وَعِنْدنَا مَا يدل على صِحَة النّسخ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث جَابر: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخرص،.

     وَقَالَ : أَرَأَيْتُم إِن هلك التَّمْر أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل مَال أَخِيه بِالْبَاطِلِ؟)
والحظر بعد الْإِبَاحَة عَلامَة النّسخ.
وَقَوله: والخرص عمل بِهِ ... إِلَى قَوْله: إلاَّ الشّعبِيّ، مُسلم لكنه لَيْسَ على الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ، وَإِنَّمَا وَجهه أَنهم فعلوا ذَلِك ليعلم مِقْدَار مَا فِي أَيدي النَّاس من الثِّمَار فَيُؤْخَذ مثله بِقَدرِهِ فِي أَيَّام الصرام لَا أَنهم يملكُونَ شَيْئا مَا يجب لله فِيهِ بِبَدَل لَا يَزُول ذَلِك الْبَدَل.
وَأما قَوْلهم: إِنَّه تخمين ... إِلَى آخِره، لَيْسَ بِكَلَام موجه لِأَنَّهُ لَا شكّ أَنه تخمين وَلَيْسَ بتحقيق، وعيان، وَكَيف يُقَال لَهُ: هُوَ اجْتِهَاد، والمجتهد فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة قد يخطىء؟ فَفِي مثل هَذَا أَجْدَر بالْخَطَأ، ثمَّ الْجَواب عَن حَدِيث الْبابُُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ بذلك معرفَة مِقْدَار مَا فِي نخل تِلْكَ الْمَرْأَة خَاصَّة، ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا الزَّكَاة وَقت الصرام على حسب مَا تجب فِيهَا، وَأَيْضًا فقد خرص حديقتها وأمرها أَن تحصي، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه جعل زَكَاته فِي ذمَّتهَا وأمرها أَن تتصرف فِي ثَمَرهَا كَيفَ شَاءَت، وَإِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك تخويفا لِئَلَّا يخونوا، وَأَن يعرفوا مِقْدَار مَا فِي النّخل ليأخذوا الزَّكَاة وَقت الصرام هَذَا معنى الْخرص، فَأَما أَنه يلْزم بِهِ حكم شَرْعِي، فَلَا.

وَأما حَدِيث عتاب بن أسيد، فَإِن الَّذِي رَوَاهُ سعيد بن الْمسيب، فعتاب توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَسَعِيد ولد فِي سنة خمس عشرَة، وَقيل: سنة عشْرين،.

     وَقَالَ  أبي: عَليّ بن السكن لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه غير هَذَا، وَهُوَ من رِوَايَة عبد الله بن نَافِع عَن مُحَمَّد بن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن سعيد، وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ، وَخَالَفَهُمَا صَالح بن كيسَان فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عتابا، وَلم يقل: عَن عتاب، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان فِيمَا ذكره أَبُو مُحَمَّد الرَّازِيّ عَنهُ، فَقَالَا: هُوَ خطأ.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: الصَّحِيح: عَن سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... مُرْسلا.
.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح عِنْدِي: عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَلَا أعلم أحدا تَابع عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فِي هَذِه الرِّوَايَة.
فَإِن قلت: زعم الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْوَاقِدِيّ رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عتاب، قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص أعناب الثقيف كخرص النّخل، ثمَّ يُؤدى زبيبا كَمَا تُؤَدّى زَكَاة النّخل تَمرا، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاع؟ قلت: سُبْحَانَ الله، إِذا كَانَ الْوَاقِدِيّ فِيمَا يحتجون بِهِ يسكتون عَنهُ، وَإِذا كَانَ فِيمَا يحْتَج بِهِ عَلَيْهِم يشنعون بأنواع الطعْن، وَمَعَ هَذَا قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: لم يَصح حَدِيث سعيد، وَلَا حَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة، وَلَا فِي الْخرص حَدِيث صَحِيح إلاَّ حَدِيث البُخَارِيّ.
قَالَ: ويليه حَدِيث ابْن رَوَاحَة.

قلت: قد مر الْجَواب عَن حَدِيث البُخَارِيّ، وَأما حَدِيث ابْن رَوَاحَة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة فَفِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، لِأَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن معِين أخبرنَا حجاج عَن ابْن جريج، قَالَ: أخْبرت عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت، وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص النّخل حَتَّى يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَدِيث الصَّلْت بن زبيد الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا، فداخل تَحت قَول ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَا فِي الْخرص حَدِيث صَحِيح، وَيُقَال: إِن قصَّة خَيْبَر مَخْصُوصَة لِأَن الأَرْض أرضه وَالْعَبِيد عبيده، فَأَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعلم مَا بِأَيْدِيهِم من الثِّمَار فَيتْرك لَهُم مِنْهَا قدر نفقاتهم، وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرهم مَا أقرهم الله، فَلَو كَانَ على وَجه الْمُسَاقَاة لوَجَبَ ضرب الْأَجَل وَالتَّقْيِيد بِالزَّمَانِ، لِأَن الْإِجَارَة المجهولة مُحرمَة.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: قَالَ الَّذين لَا يرَوْنَ بالخرص: أَن لَيْسَ فِي شَيْء من الْآثَار الَّتِي وَردت فِيهِ أَن الثَّمَرَة كَانَت رطبا فِي وَقت مَا خرصت، وَكَيف يجوز أَن يكون رطبا حِينَئِذٍ فَيجْعَل لصَاحِبهَا حق الله فِيهَا بكيله ذَلِك تَمرا يكون عَلَيْهِ نسيئه؟ وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع التَّمْر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَنهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة، وَقد يجوز أَن يُصِيب الثَّمَرَة بعد ذَلِك آفَة فتتلفها، أَو نَار فتحرقها، فَيكون مَا يُؤْخَذ من صَاحبهَا بَدَلا من حق الله مأخوذا مِنْهُ بَدَلا مِمَّا لم يسلم لَهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْقَائِلين بِهِ لَا يضمنُون أَرْبابُُ الْأَمْوَال مَا تلف بعد الْخرص.
قَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع من يحفظ عَنهُ الْعلم أَن المخروص إِذا أَصَابَته جَائِحَة قبل الْجذاذ فَلَا ضَمَان.
قلت: إِذا لم يكن ضَمَان بعد تلف المخروص فَلَا فَائِدَة فِي الْخرص حِينَئِذٍ، وَالْأَظْهَر عِنْد الشَّافِعِي: أَن الْخرص تضمين حَتَّى لَو أتلف الْمَالِك الثَّمَرَة بعد الْخرص أخذت مِنْهُ الزَّكَاة بِحِسَاب مَا خرص، فَإِذا كَانَ نفس الْخرص تضمينا يَنْبَغِي أَن لَا يُفَارق الْأَمر بَين التّلف والإتلاف،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: لم يثبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرص النّخل إلاَّ على الْيَهُود، لأَنهم كَانُوا شُرَكَاء وَكَانُوا غير أُمَنَاء، وَأما الْمُسلمُونَ فَلم يخرص عَلَيْهِم.
وَمن الَّذِي يُسْتَفَاد من حَدِيث الْبابُُ: ظُهُور معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إخْبَاره عَن الرّيح الَّتِي تهب، وَمَا ذكر فِي تِلْكَ الْقِصَّة.
وَفِيه: تدريب الأتباع وتعليمهم وَأخذ الحذر مِمَّا يتَوَقَّع الْخَوْف مِنْهُ.
وَفِيه: فضل الْمَدِينَة.
وَفِيه: فضل أحد.
وَفِيه: فضل الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَفِيه: قبُول هَدِيَّة الْكفَّار.
وَفِيه: جَوَاز الإهداء لملك الْكفَّار وَجَوَاز إقطاع أَرض لَهُم.
وَفِيه: أَن الْمُخَالفَة لما قَالَه الرَّسُول تورث شدَّة وبلاء.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حائِطٌ فَهْوَ حدِيقَةٌ وَما لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حائِطٌ لَمْ يُقَلْ حَدِيقَةٌ

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبيد الله، هُوَ الْقَاسِم بن سَلام الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب ( الْغَرِيب) وَقد ذكر هَذَا فِيهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.