فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب العشر فيما يسقى من ماء السماء، وبالماء الجاري ولم ير عمر بن عبد العزيز: «في العسل شيئا»

( بابُُ العُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وبِالمَاءِ الجَارِي)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم أَخذ العُشر فِي الأَرْض الَّتِي تسقى من مَاء السَّمَاء وَهُوَ الْمَطَر.
قَوْله: ( وَالْمَاء الْجَارِي) أَي: وَمن الَّذِي يسقى بِالْمَاءِ الْجَارِي، وَإِنَّمَا اخْتَار لفظ: المَاء الْجَارِي، وَالْحَال أَن الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبابُُ هُوَ الْعُيُون لعمومه وشموله الْعُيُون والأنهار، وَهَذَا كَمَا وَقع فِي ( سنَن أبي دَاوُد) : ( فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون) الحَدِيث.

ولَمْ يَرَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ فِي العَسَلِ شَيْئا

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَسَل فِيهِ جَرَيَان، وَمن طبعه الانحدار فيناسب المَاء من هَذِه الْجِهَة.
وَقيل: الْمُنَاسبَة فِيهِ من جِهَة أَن الحَدِيث يدل على أَن لَا عشر فِيهِ لِأَنَّهُ خص الْعشْر أَو نصفه بِمَا يسقى، فأفهم أَن مَا لَا يسقى لَا يعشر، وَفِيه نظر، لِأَن مَا لَا يعسر مِمَّا لَا يسقى كثير، فَمَا وَجه ذكر الْعَسَل؟ وَقيل: إِدْخَاله الْعَسَل فِيهِ للتّنْبِيه على الْخلاف فِيهِ، وَأَنه لَا يرى فِيهِ زَكَاة، وَإِن كَانَت النَّحْل تغتذي مِمَّا يسقى من السَّمَاء.
قلت: هَذَا أبعد من الأول على مَا لَا يخفى على المتأمل.

وَهَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى بَيَان مَا ورد فِيهِ من الْأَخْبَار، وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْأَئِمَّة، فَنَقُول بحول الله وقوته وتوفيقه.

قَالَ التِّرْمِذِيّ: بابُُ مَا جَاءَ فِي زَكَاة الْعَسَل، حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة التنيسِي عَن صَدَقَة بن عبد الله عَن مُوسَى ابْن يسَار عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق) .
ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سيارة المنعي، وَعبد الله بن عَمْرو، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث ابْن عمر فِي إِسْنَاده مقَال، وَلَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبابُُ كثير شَيْء، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  بعض أهل الْعلم: لَيْسَ فِي الْعَسَل شَيْء.
انْتهى.
قلت: انْفَرد التِّرْمِذِيّ بِحَدِيث ابْن عمر هَذَا، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل الْيمن أَن يُؤْخَذ من الْعَسَل الْعشْر) ، وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن الْمُحَرر، بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وتكرارها، وَهُوَ مَتْرُوك.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة،.

     وَقَالَ  أَحْمد: ترك النَّاس حَدِيثه،.

     وَقَالَ  الْجوزجَاني: هَالك،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: من خِيَار عباد الله إلاَّ أَنه كَانَ يكذب وَلَا يعلم، ويقلب الْأَخْبَار وَلَا يفهم.
وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدِيث أبي سيار المنعي، قَالَ: ( قلت: يَا رَسُول الله إِن لي نخلا! قَالَ: إِذن تعشر؟ قلت: إحم لي جبلة، فحماه لي) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ،.

     وَقَالَ : وَهَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي وجوب الْعشْر فِيهِ، وَهُوَ مُنْقَطع.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا فَقَالَ: حَدِيث مُرْسل، وَإِنَّمَا قَالَ: مُرْسل، لِأَن فِيهِ سُلَيْمَان بن مُوسَى يروي عَن أبي سيارة، وَسليمَان لم يُدْرِكهُ، وَلَا أحدا من الصَّحَابَة، وَأَبُو سيارة المتعي اسْمه: عميرَة بن الأعلم، وَقيل: عُمَيْر بن الأعلم، ذكره أَبُو عمر فِي ( كتاب الْأَنْسَاب) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: جَاءَ أحد بني متعان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعشور بِحل لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَن يحمي وَاديا يُقَال لَهُ: سلبة، فحمى لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك الْوَادي، فَلَمَّا ولي عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يسْأَله عَن ذَلِك؟ فَكتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن أدّى إِلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من عشور نحله فَاحم لَهُ سلبة، وإلاَّ فَإِنَّمَا هُوَ ذُبابُُ غيث يَأْكُلهُ من شَاءَ.
وسلبة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَاللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة، كَذَا قَيده الْبكْرِيّ.

وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَوَقع فِي سَمَاعنَا من السّنَن، بِسُكُون اللَّام،.

     وَقَالَ  شَيخنَا أَيْضا: حكى التِّرْمِذِيّ عَن أَكثر أهل الْعلم وجوب الزَّكَاة فِي الْعَسَل، وسمى مِنْهُم: أَحْمد وَإِسْحَاق، وَفِيه نظر، فَإِن الَّذين لم يَقُولُوا بِالْوُجُوب: مَالك وَالشَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح بن حَيّ وَأَبُو بكر بن الْمُنْذر وَدَاوُد، وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة: عبد الله بن عمر، وَمن التَّابِعين: الْمُغيرَة بن حَكِيم وَعمر بن عبد الْعَزِيز.
.

     وَقَالَ : وَفرق أَبُو حنيفَة بَين أَن يكون النَّحْل فِي أَرض الْعشْر وَبَين أَن يكون فِي أَرض الْخراج، فَإِن كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِيهِ الزَّكَاة، وَإِن كَانَ فِي أَرض الْخراج فَلَا زَكَاة فِيهِ، قل أَو كثر.
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِي قَلِيل الْعَسَل وَكَثِيره الْعشْر، وَحكى عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من الْعَسَل عشر، وَحكى ابْن حزم عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا بلغ الْعَسَل عشرَة أَرْطَال فَفِيهِ رَطْل وَاحِد، وَكَذَا مَا زَاد فَفِيهِ الْعشْر، والرطل هُوَ الفلفلي.
قَالَ:.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الْحسن: إِذا بلغ الْعَسَل خَمْسَة أفراق فَفِيهِ الْعشْر، وإلاَّ فَلَا.
قَالَ: وَالْفرق سِتَّة وَثَلَاثُونَ رطلا فلفلية.
وَحكى صَاحب ( الْهِدَايَة) عَن أبي يُوسُف: أَنه يعْتَبر فِيهِ الْقيمَة كَمَا هُوَ أَصله، وَعنهُ: أَنه لَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يبلغ عشر قرب، وَعنهُ: خَمْسَة أُمَنَاء.
قلت: تَحْقِيق مَذْهَبنَا فِيهِ أَن عِنْد أبي حنيفَة: يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط النّصاب فِي الْعشْر، وَعَن أبي يُوسُف: إِذا بلغت قِيمَته خَمْسَة أوساق، وَعنهُ أَنه قدره بِعشْرَة أَرْطَال، قَالَ فِي ( الْمَبْسُوط) : وَهِي رِوَايَة الأمالي، وَهِي: خَمْسَة أُمَنَاء.
وَعنهُ أَنه اعْتبر فِيهِ عشر قرب، وَعَن مُحَمَّد ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا: خمس قرب، والقربة خَمْسُونَ منا، ذكره فِي ( الْيَنَابِيع) وَفِي ( الْمُغنِي) : الْقرْبَة مائَة رَطْل.
وَالثَّانيَِة: خَمْسَة أُمَنَاء.
وَالثَّالِثَة: خَمْسَة أَوَاقٍ.
.

     وَقَالَ  السَّرخسِيّ: وَهِي تسعون منا.

واحتجت أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه أَخذ من الْعَسَل الْعشْر، وبرواية أبي دَاوُد أَيْضا عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَبِمَا رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا عَنهُ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن حَده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤْخَذ فِي زَمَانه من قرب الْعَسَل من كل عشر قرب قربَة من أوسطها.
قَالَ: هُوَ حَدِيث حسن.
وَبِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتب إِلَى أهل الْيمن أَن يُؤْخَذ عَن الْعَسَل الْعشْر، ذكره فِي ( الإِمَام) .
فَإِن قلت: ذكرُوا عَن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه سُئِلَ عَن الْعَسَل فِي الْيمن؟ قَالَ: لم أومر فِيهِ بِشَيْء.
قلت: لَا يلْزم من عدم أَمر معَاذ أَن لَا يجب فِيهِ الْعشْر، وَإِثْبَات أبي هُرَيْرَة مقدم على نفي أَمر معَاذ.
وَبِمَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئاب عَن أَبِيه: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ( أمره فِي الْعَسَل بالعشر) ، رَوَاهُ الْأَثْرَم، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي ( مُسْنده) وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا أنس بن عِيَاض عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئاب عَن أَبِيه ( عَن سعد بن أبي ذئاب، قَالَ: قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت، ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله إجعل لقومي مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم، فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستعملني عَلَيْهِم، ثمَّ استعملني أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: وَكَانَ سعد من أهل السراة، قَالَ: تَكَلَّمت قومِي فِي الْعَسَل فَقلت زَكَاة فَإِنَّهُ لَا خير فِي ثَمَرَة لَا تزكّى، فَقَالُوا: كم؟ قَالَ: قلت: الْعشْر، فَأخذت مِنْهُم الْعشْر وأتيت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ، قَالَ: فَقَبضهُ عمر فَبَاعَهُ ثمَّ جعل ثمنه فِي صدقَات الْمُسلمين) .
وَبِمَا رَوَاهُ عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ، قَالَ لعمر: إِن عندنَا وَاديا فِيهِ عسل كثير، فَقَالَ: عَلَيْهِم فِي كل عشرَة أفراق فرق، ذكره حميد بن زَنْجوَيْه فِي ( كتاب الْأَمْوَال) .

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: أَخذ عمر الْعشْر من الْعَسَل كَانَ على أَنهم تطوعوا بِهِ، قَالَ: لَا بل أَخذه مِنْهُم حَقًا.
فَإِن قلت: فقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَيل وَلَا فِي الرَّقِيق وَلَا فِي الْعَسَل صَدَقَة؟ قلت: الْعمريّ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.
فَإِن قلت: قَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ فِي زَكَاة الْعَسَل حَدِيث يَصح؟ قلت: هَذَا لَا يقْدَح مَا لم يبين عِلّة الحَدِيث والقادح فِيهِ، وَقد رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو دَاوُد، وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ، فَأَقل حَاله أَن يكون حسنا وَهُوَ حجَّة، وَلَا يلْزمنَا قَول البُخَارِيّ لِأَن الصَّحِيح لَيْسَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَكم من حَدِيث صَحِيح لم يُصَحِّحهُ البُخَارِيّ، وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه غير صَحِيح أَن لَا يحْتَج بِهِ، فَإِن الْحسن، وَإِن لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح، فَهُوَ يحْتَج بِهِ، وَلِأَن النَّحْل تتَنَاوَل من الْأَنْوَار وَالثِّمَار وفيهَا الْعشْر.



[ قــ :1424 ... غــ :1483 ]
- حدَّثنا سعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبرنِي يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عَن الزُّهْرِيِّ عَن سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أوْ كانَ عَثَرِيا العُشْرُ ومَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) ، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ يروي عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والخديث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي عَن ابْن وهب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن أبي مَرْيَم بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِيهِ عَن هَارُون بن سعيد بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) أَي: الْمَطَر لِأَنَّهُ ينزل مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: { وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} ( الْفرْقَان: 84) .
وَهُوَ من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
قَوْله: ( أَو كَانَ عثريا) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة المخففة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ مَا يشرب بعروقه من غير سقِِي، قَالَه الْخطابِيّ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: وَهُوَ مَا يسيل إِلَيْهِ مَاء الْمَطَر وتحمله إِلَيْهِ الْأَنْهَار، سمي بذلك لِأَنَّهُ يكسر حوله الأَرْض ويعثر جريه إِلَى أصُول النّخل بِتُرَاب هُنَاكَ يرْتَفع،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : قيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يصنع لَهُ شبه الساقية يجْتَمع فِيهِ المَاء من الْمَطَر إِلَى أُصُوله، وَيُسمى ذَلِك: العاثور، وَفِي ( المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ الَّذِي يشرب بعروقه من مَاء يجْتَمع فِي حفير، وَسمي بِهِ لِأَن الْمَاشِي يتعثر فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: العثري مَا سقِِي من النّخل سيحا، وَكَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَصَاحب ( الْجَامِع) و ( الْمُنْتَهى) وَلَفظ الحَدِيث يرد عَلَيْهِم لِأَنَّهُ عطف العثري على قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون) والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب مَا قَالَه الْخطابِيّ.
.

     وَقَالَ  الهجري: يجوز فِيهِ تَشْدِيد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَحَكَاهُ ابْن سَيّده فِي ( الْمُحكم) عَن ابْن الْأَعرَابِي، ورده ثَعْلَب.
وَفِي ( الْمثنى والمثلث) لِابْنِ عديس: فِيهِ ضم الْعين وَفتحهَا وَإِسْكَان الثَّاء.
قلت: هُوَ مَنْسُوب إِلَى العثر، بِسُكُون الثَّاء، لَكِن الْحَرَكَة من تغييرات النّسَب.
قَوْله: ( الْعشْر) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) ، تَقْدِيره: الْعشْر وَاجِب، أَو: يجب فِيمَا سقت السَّمَاء.
قَوْله: ( أَو كَانَ) الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى لفظ: مسقي مُقَدّر تَقْدِيره: أَو كَانَ المسقي عثريا، وَدلّ على ذَلِك قَوْله: ( فِيمَا سقت) .
قَوْله: ( وَفِيمَا سقِِي بالنضح) تَقْدِيره: وَفِيمَا سقِِي بالنضح ( نصف الْعشْر) أَي: يجب أَو وَاجِب، و: النَّضْح، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: وَهُوَ مَا سقِِي بالسواني،.

     وَقَالَ  بَعضهم: النَّضْح مَا سقِِي بالدوالي والرشاء، والنواضح الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا، وأحدها: نَاضِح، وَالْأُنْثَى: ناضحة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بالنضح أَي: بالسانية، وَهِي رِوَايَة مُسلم.
قلت: رِوَايَة مُسلم عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفظه: ( أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف الْعشْر) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون أَو كَانَ بعلاً الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسواني والنضح نصف الْعشْر) .
قَوْله: ( أَو كَانَ بعلاً) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره لَام: وَهُوَ مَا يشرب من النّخل بعروقه من الأَرْض من غير سقِِي سَمَاء وَلَا غَيرهَا والسواني: جمع سانية، وَهِي النَّاقة الَّتِي يستقى عَلَيْهَا.
وَقيل: السانية الدَّلْو الْعَظِيمَة، والأنهار الَّتِي تستقى بهَا، والنضح قد مر تَفْسِيره.
فَإِن قلت: قد علمت أَن النَّضْح هُوَ السانية، فَكيف وَجه رِوَايَة أبي دَاوُد بالسواني أَو النَّضْح؟ قلت: الظَّاهِر أَن هَذَا شكّ من الرَّاوِي بَين السواني والنضح، أَرَادَ أَن لفظ الحَدِيث أما فِيمَا سقِِي بالسواني، وَأما فِيمَا سقِِي بالنضح، وَأما الْعشْر، فقد قَالَ ابْن بزيزة فِي ( شرح الْأَحْكَام) : وَهُوَ بِضَم الْعين والشين وسكونها، وَمِنْهُم من يَقُول: العشور، بِفَتْح الْعين وَضمّهَا أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَأكْثر الروَاة بِفَتْح الْعين، وَهُوَ اسْم للقدر الْمخْرج.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: الْعشْر، بِضَم الْعين وَسُكُون الشين، وَيجمع على: عشور، قَالَ: وَالْحكمَة فِي فرض الْعشْر أَنه يكْتب بِعشْرَة أَمْثَاله، فَكَأَن الْمخْرج للعشر تصدق بِكُل مَاله.
فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: بِظَاهِر الحَدِيث الْمَذْكُور أَخذ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقدر فِيهِ مِقْدَارًا، فَدلَّ على وجوب الزَّكَاة فِي كل مَا يخرج من الأَرْض قل أَو كثر.
فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث مُجمل يفسره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) .
قلت: لَا نسلم أَنه مُجمل، فَإِن الْمُجْمل مَا لَا يعرف المُرَاد بصيغته لَا بِالتَّأَمُّلِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا الحَدِيث عَام فَإِن كلمة: مَا، من أَلْفَاظ الْعُمُوم.
فَإِن قلت: سلمنَا أَنه عَام، وَلَكِن الحَدِيث الْمَذْكُور خصصه؟ قلت: إِجْرَاء الْعَام على عُمُومه أولى من التَّخْصِيص لِأَن فِيهِ إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله الْعَام أَن يكون مرَادا، وَلَو صلح هَذَا الحَدِيث أَن يكون مُخَصّصا أَو مُفَسرًا لحَدِيث الْبابُُ لصلح حَدِيث مَا عز أَن يكون مُخَصّصا أَو مُفَسرًا لحَدِيث أنيس فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا، فَحِينَئِذٍ يحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن المُرَاد بِالصَّدَقَةِ هِيَ الزَّكَاة، وَهِي زَكَاة التِّجَارَة بِقَرِينَة عطفها على زَكَاة الْإِبِل وَالْوَرق، إِذْ الْوَاجِب فِي الْعرُوض والنقود وَاحِد، وَهُوَ الزَّكَاة.
وَكَانُوا يتبايعون بالأوساق، وَقِيمَة الْخَمْسَة أوساق كَانَت مِائَتي دِرْهَم فِي ذَلِك الْوَقْت غَالِبا، فأدير الحكم على ذَلِك.

وَاعْلَم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبابُُ على تِسْعَة أَقْوَال:
الأول: قَول أبي حنيفَة، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَاحْتج بِظَاهِر الحَدِيث كَمَا ذكرنَا، وبعموم قَوْله تَعَالَى: { وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} ( الْبَقَرَة: 762) .
وَقَوله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة من ذَلِك: الْحَطب والقصب والحشيش والتبن وَالسَّعَف، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ لأحد، وَذكر فِي ( الْمَبْسُوط) : الطرفاء عوض الْحَطب.
وَالسَّعَف: ورق جريد النّخل الَّذِي تصنع مِنْهُ المراوح وَنَحْوهَا، وَالْمرَاد بالقصب الْفَارِسِي، وَهُوَ يدْخل بالأبنية وتتخذ مِنْهُ الأقلام: قيل: هَذَا إِذا كَانَ الْقصب نابتا فِي الأَرْض، وَأما إِذا اتخذ الأَرْض مقبة فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْعشْر، ذكره الاسبيجابي والمرغيناني وَغَيرهمَا، وَيجب فِي قصب السكر والذريرة وقوائم الْخلاف، بتَخْفِيف اللَّام،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم أحدا قَالَه غير نعْمَان.
.

     وَقَالَ  السرُوجِي: لقد كذب فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يخفى عَنهُ من قَالَه غَيره، وَإِنَّمَا عصبيته تحمله على ارْتِكَاب مثله قلت: قَول أبي حنيفَة مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد وَحَمَّاد وَزفر وَعمر بن عبد الْعَزِيز، ذكره أَبُو عمر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول دَاوُد وَأَصْحَابه فِيمَا لَا يوسق، وَحَكَاهُ يحيى بن آدم بِسَنَد جيد عَن عَطاء: مَا أخرجته الأَرْض فِيهِ الْعشْر أَو نصف الْعشْر،.

     وَقَالَ هُ أَيْضا حَفْص بن غياث عَن أَشْعَث عَن الحكم، وَعَن أبي بردة: فِي الرّطبَة صَدَقَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِي دستجة من بقل، وَعَن الزُّهْرِيّ: مَا كَانَ سوى الْقَمْح وَالشعِير وَالنَّخْل وَالْعِنَب والسلت وَالزَّيْتُون فإنى أرى أَن تخرج صدقته من أثمانه، رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقَول أبي حنيفَة خلاف السّنة، وَالْعُلَمَاء، قَالَ: وَقد تنَاقض فِيهَا لِأَنَّهُ اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِي الرقة ربع الْعشْر) ، مَعَ قَوْله: ( لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة) ، وَلم يَسْتَعْمِلهُ فِي حَدِيث الْبابُُ مَعَ مَا بعده، وَكَانَ يلْزمه القَوْل بِهِ.
انْتهى.
قلت: قَوْله: خلاف السّنة، بَاطِل لِأَنَّهُ احْتج فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بِحَدِيث الْبابُُ، كَمَا ذكرنَا، وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن بطال خلاف الْقُرْآن، لِأَن عُمُوم قَوْله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَوله: وَخلاف الْعلمَاء، أَيْضا بَاطِل، لِأَن قَول أبي حنيفَة هُوَ قَول من ذَكَرْنَاهُمْ الْآن، فَكيف يَقُول بترك الْأَدَب خلاف الْعلمَاء؟ وَقَوله: وَقد تنَاقض، غير صَحِيح، لِأَن من نقل ذَلِك من أَصْحَابه لم يقل أحد مِنْهُم إِنَّه اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر، وَأَصْحَابه أدرى بِمَا قَالَه وَبِمَا ذهب إِلَيْهِ، وَلما نقل صَاحب ( التَّوْضِيح) مَا قَالَه ابْن بطال أظهر النشاط بذلك،.

     وَقَالَ : وَفِي حَدِيث جَابر: لَا زَكَاة فِي شَيْء من الْحَرْث حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق، فَإِذا بلغَهَا فَفِيهِ الزَّكَاة، ذكرهَا ابْن التِّين،.

     وَقَالَ : هِيَ زِيَادَة من ثِقَة فَقبلت، وَفِي مُسلم من حَدِيث جَابر: ( وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من التَّمْر صَدَقَة) ، وَفِي رِوَايَة من حَدِيث أبي سعيد: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من تمر وَلَا حب صَدَقَة) .
وَفِي رِوَايَة: ( لَيْسَ فِي حب وَلَا تمر صَدَقَة) ، حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوساق.
انْتهى.
قلت: قد ذكرنَا أَن المُرَاد من الصَّدَقَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث زَكَاة التِّجَارَة، وَكَذَلِكَ المُرَاد من قَوْله: ( لَا زَكَاة فِي شَيْء) ، أَي: لَا زَكَاة فِي التِّجَارَة، وَنحن نقُول بِهِ حِينَئِذٍ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: روى ابان بن أبي عَيَّاش عَن أنس مَرْفُوعا: ( فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر فِي قَلِيله وَكَثِيره) ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو مُطِيع الْبَلْخِي وَهُوَ مَجْهُول عِنْد أهل النَّقْل، والمروي عَن أبي حنيفَة عَن أبان عَن رجل عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضَعِيف عَن رجل مَجْهُول.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَا خلاف بَين الْمُسلمين أَنه لَا زَكَاة فِيمَا دون خَمْسَة أوسق إلاَّ مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض السّلف: إِنَّه تجب الزَّكَاة فِي قَلِيل الحَبِّ وَكَثِيره، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل، منابذ لصريح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
قلت: لَيْت شعري كَيفَ تلفظ بِهَذَا الْكَلَام مَعَ شهرته بالزهد والورع؟ وعجبي كل الْعجب يَقُول هَذَا مَعَ اطِّلَاعه على مستنداته من الْكتاب وَالسّنة، وَلَا ينْفَرد حطه على أبي حنيفَة وَحده، بل على كل من كَانَ مذْهبه مثل مذْهبه.

القَوْل الثَّانِي: يجب فِيمَا لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَلَا يجب فِي الخضراوات وَلَا فِي الْبِطِّيخ وَالْخيَار والقثاء.
وَنَصّ مُحَمَّد على أَنه: لَا عشر فِي السفرجل، وَلَا فِي التِّين والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والإجاص، وَفِي الْيَنَابِيع، وَيجب فِي كل ثَمَرَة تبقى سنة كالجوز واللوز والبندق والفستق.
وَفِي ( الْمَبْسُوط) : وأوجبا فِي الْجَوْز واللوز وَفِي الفستق على قَول أبي يُوسُف، وعَلى قَول مُحَمَّد: لَا يجب، وَفِي المرغيناني عَن مُحَمَّد: أَنه لَا عشر فِي التِّين والبندق والتوت والموز والخرنوب، وَعنهُ: يجب فِي التِّين.
قَالَ الْكَرْخِي: هُوَ الصَّحِيح عَنهُ، وَلَا فِي الإهليلجة وَسَائِر الْأَدْوِيَة والسدر والأشنان، وَيجب فِيمَا يَجِيء مِنْهُ مَا يبْقى سنة: كالعنب وَالرّطب، وَعَن مُحَمَّد: إِن كَانَ الْعِنَب لَا يَجِيء مِنْهُ الزَّبِيب لرقته لَا يجب فِيهِ الْعشْر، وَلَا يجب فِي السعتر والصنوبر والحلبة، وَعَن أبي يُوسُف أَنه أوجب فِي الْحِنَّاء،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: لَا يجب فِيهِ كالرياحين، وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي الثوم والبصل، وَلَا عشر فِي التفاح والخوخ الَّذِي يشق وييبس، وَلَا شَيْء فِي بذر الْبِطِّيخ والقثاء وَالْخيَار والرطبة، وكل بذر لَا يصلح إلاَّ للزِّرَاعَة، ذكره الْقَدُورِيّ.
وَيجب فِي بذر القنب دون عيدانه، وَيجب فِي الكمون والكراويا والخردل لِأَن ذَلِك من جملَة الْحُبُوب.
وَفِي ( الْمُحِيط) : وَلَا عشر فِيمَا هُوَ تَابع للْأَرْض: كالنخل وَالْأَشْجَار، وَأَصله أَن كل شَيْء يدْخل فِي بيع الأَرْض تبعا فَهُوَ كالجزء مِنْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ، وَمَا لَا يدْخل إلاَّ بِالشّرطِ يجب فِيهِ: كالثمر والحبوب.

القَوْل الثَّالِث: يجب فِيمَا يدّخر ويقتات كالحنطة وَالشعِير والدخن والذرة والأرز والعدس والحمص والباقلاء والجلبان والماش واللوبيا وَنَحْوهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
وَفِي ( شرح التِّرْمِذِيّ) أطلق القَوْل فِي وجوب الزَّكَاة فِي كل شَيْء يجْرِي فِيهِ الوساق والصاع، وَلَا شكّ أَنه أَرَادَ مِمَّا يزرع ويستنبت وإلاَّ فَلَا يجْرِي فِيهِ الوسق والصاع، وَلَا زَكَاة فِيهِ.
وَإِنَّمَا اخْتلف الْعلمَاء فِي أَشْيَاء مِمَّا يستنبت، فمذهب الشَّافِعِي، كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب: أَن يكون قوتا فِي حَال الِاخْتِيَار، وَأَن يكون من جنس مَا ينبته الآدميون، وَشرط الْعِرَاقِيُّونَ أَن يدّخر وييبس.
قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا حَاجَة إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا ملازمان لكل مقتات مستنبت وَهُوَ الْحِنْطَة وَالشعِير والسلت والذرة والدخن والأرز والجاورش، بِالْجِيم وَفتح الْوَاو، وَفَسرهُ بِأَنَّهُ: حب صغَار من جنس الذّرة، وَكَذَلِكَ القطنية، بِكَسْر الْقَاف وَجَمعهَا القطاني، وَهِي العدس والحمص والماش والباقلاء، وَهُوَ الفول واللوبيا والهرطمان وَهُوَ الجلبان، وَيُقَال لَهُ الخلر، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وَفتحهَا وَآخره رَاء، لِأَنَّهَا تصلح للاقتيات وتدخر للْأَكْل، وَاحْترز الْأَصْحَاب بقَوْلهمْ: فِي حَال الِاخْتِيَار عَن حب الحنظل وَعَن القت، وَبِه مثله الشَّافِعِي، وَفَسرهُ الْمُزنِيّ وَغَيره: بحب الغاسول، وَهُوَ الأشنان وَسَائِر بذور البراري، قَالُوا: وَلَا تجب الزَّكَاة فِي الثفاء، وَهُوَ حب الرشاد، وَلَا فِي الترمس والسمسم والكمون والكراويا والكزبرة وبذر القطونا وبذر الْكتاب وبذر الفجل وَمَا أشبه ذَلِك من البذورات، وَلَا شَيْء فِي هَذِه عندنَا بِلَا خلاف، وَإِن جرى فِيهِ الْكَيْل بالصاع وَنَحْوه، إلاَّ مَا حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَن فِي الترمس قولا قَدِيما فِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ، وإلاَّ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن ابْن كج من حِكَايَة قَول قديم فِي بذر الفجل، وَلَا زَكَاة عِنْد الشَّافِعِي فِي التِّين والتفاح والسفرجل وَالرُّمَّان والخوخ والجوز واللوز والموز وَسَائِر الثِّمَار سوى الرطب وَالْعِنَب، وَلَا فِي الزَّيْتُون فِي الْجَدِيد.

وَفِي الورس فِي الْجَدِيد وواجبها فِي الْقَدِيم من غير شَرط النّصاب فِي قَلِيله وَكَثِيره وَلَا تجب فِي الترمس فِي الْجَدِيد.

القَوْل الرَّابِع: قَول مَالك مثل قَول الشَّافِعِي، وَزَاد عَلَيْهِ: وجوب العُشر فِي الترمس والسمسم وَالزَّيْتُون، وَأوجب الْمَالِكِيَّة فِي غير رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي بذر الْكتاب وبذر السلجم لعُمُوم نفعهما بِمصْر وَالْعراق، مَعَ أَنه لَا يُؤْكَل بذرهما.

القَوْل الْخَامِس: قَول أَحْمد: يجب فِيمَا لَهُ الْبَقَاء واليبس والكيل من الْحُبُوب وَالثِّمَار، سَوَاء كَانَ قوتا كالحنطة وَالشعِير والسلت وَهُوَ نوع من الشّعير.
وَفِي الْمغرب: شعير لَا قشر لَهُ يكون بالغور والحجاز، والأرز والدهن والعلس وَهُوَ نوع من الْحِنْطَة يزْعم أَهله أَنه إِذا أخرج من قشره لَا يبْقى بَقَاء غَيره من الْحِنْطَة، وَيكون مِنْهُ حبتان وَثَلَاث فِي كمام وَاحِد، وَهُوَ طَعَام أهل صنعاء وَفِي الْمغرب هُوَ بِفتْحَتَيْنِ حَيَّة سَوْدَاء إِذا أجدب النَّاس خلطوها وأكلوها.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم الْمَالِكِي: لَيْسَ هُوَ من نوع الْحِنْطَة، وَتجب فِي الْأرز والذرة وَفِي القطنيات كالعدس والباقلاء والحمص والماش، وَفِي الإبازير كالكزبرة والكمون، وَفِي البذور كبذر الْكَتَّان والقثاء وَالْخيَار وَنَحْوهَا، وَفِي الْبُقُول كالرشال والفجل، وَفِي القرطم والترمس والسمسم، وَتجب عِنْده فِي التَّمْر وَالزَّبِيب واللوز والبندق والفستق، دون الْجَوْز والتين والمشمش والتفاح والكمثري والخوخ والإجاص، دون القثاء وَالْخيَار والباذنجان والقت والجزر، وَلَا تجب فِي ورق السدر والخطمي والأشنان والآس، وَلَا فِي الأزهار كالزعفران والعصفر، وَلَا فِي الْقطن.

القَوْل السَّادِس: تجب فِي الْحُبُوب والبقول وَالثِّمَار، وَهُوَ قَول حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان شيخ أبي حنيفَة.

القَوْل السَّابِع: لَيْسَ فِي شَيْء من الزَّرْع زَكَاة إلاَّ فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، حَكَاهُ الْعَبدَرِي عَن الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى، وَحَكَاهُ ابْن الْعُزَّى عَن الْأَوْزَاعِيّ وَزَاد: الزَّيْتُون.

القَوْل الثَّامِن: يُؤْخَذ من الخضراوات إِذا بلغت مِائَتي دِرْهَم، وَهُوَ قَول الْحسن وَالزهْرِيّ.

القَوْل التَّاسِع: أَن مَا يوسق يجب فِي خَمْسَة أوسق مِنْهُ، وَمَا لَا يوسق يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره، وَهُوَ قَول دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَأَصْحَابه.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله هاذا تَفْسِيرُ الأوَّلِ لأِنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأوَّلِ يَعْنِي حَديثَ ابنِ عُمَرَ وفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءِ العُشْرُ وبَيَّنَ فِي هاذا وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي علَى المُبْهَمِ إذَا رَوَاهُ أهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَي الفَضْلُ ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ.

     وَقَالَ  بِلاَلٌ قَدْ صَلَّى فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ.

هَذَا كُله وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر هَهُنَا عقيب حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور، وَفِي نُسْخَة الْفربرِي وَقع فِي الْبابُُ الَّذِي بعد هَذَا الْبابُُ بعد حَدِيث أبي سعيد، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَجزم أَبُو عَليّ الصَّدَفِي بِأَن ذكره عقيب حَدِيث ابْن عمر من قبل بعض نساخ الْكتاب.
قلت: وَكَذَا قَالَ التَّيْمِيّ، وَنسبه إِلَى غلط من الْكَاتِب، وَلَا احْتِيَاج إِلَى هَذِه المشاححة، وَلكُل ذَلِك وَجه لَا يخفى، وَلَكِن رجح بَعضهم كَونه بعد حَدِيث أبي سعيد لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَسّر لحَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّرْجِيح أَيْضا لأَنا نمْنَع الْإِجْمَال وَالتَّفْسِير هَهُنَا، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( هَذَا تَفْسِير الأول) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيث أبي سعيد الَّذِي يَأْتِي وَأَرَادَ بِالْأولِ حَدِيث ابْن عمر، فَهَذَا يدل على أَن هَذَا الْكَلَام من البُخَارِيّ إِنَّمَا كَانَ بعد حَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ ظَاهر.
قَوْله: ( لِأَنَّهُ لم يُوَقت فِي الأول) أَي: لم يعين شَيْئا فِي حَدِيث ابْن عمر، وَهُوَ قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر) .
قَوْله: ( وَبَين فِي هَذَا) أَي: فِي حَدِيث أبي سعيد، ووقَّت أَي: عيَّن، وَهُوَ قَوْله: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) ، وَقد عيَّن فِيهِ بِأَن النّصاب خَمْسَة أوسق.
قَوْله: ( وَالزِّيَادَة) يَعْنِي: تعْيين النّصاب ( مَقْبُولَة) يَعْنِي: من الثِّقَة.
قَوْله: ( والمفسر) ، بِفَتْح السِّين يَعْنِي: الْمُبين، وَهُوَ الْخَاص ( يقْضِي) أَي: يحكم ( على الْمُبْهم) أَي الْعَام، وسمى البُخَارِيّ الْخَاص بِحَسب تصرفه مُفَسرًا لوضوح المُرَاد مِنْهُ، وسمى الْعَام مُبْهما لاحْتِمَال إِرَادَة الْكل وَالْبَعْض مِنْهُ، وغرضه أَن حَدِيث ابْن عمر عَام للنصاب، ودونه وَحَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) ، خَاص بِقدر النّصاب، وَالْخَاص وَالْعَام إِذا تَعَارضا يخصص الْخَاص الْعَام، وَهُوَ معنى الْقَضَاء عَلَيْهِ، وَهَذَا حَاصِل مَا قَالَه البُخَارِيّ.
قلت: قد ذكرنَا عَن قريب أَن إِجْرَاء الْعَام على عُمُومه أولى من التَّخْصِيص، فَارْجِع إِلَيْهِ.

وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَنه: أذا ورد حديثان أَحدهمَا عَام وَالْآخر خَاص فَإِن علم تَقْدِيم الْعَام على الْخَاص خص الْعَام بالخاص، كمن يَقُول لعَبْدِهِ: لَا تعط لأحد شَيْئا، ثمَّ قَالَ لَهُ: أعْط زيدا درهما، وَإِن علم تَقْدِيم الْخَاص على الْعَام ينْسَخ الْعَام للخاص، كمن يَقُول لعَبْدِهِ: أعْط زيدا درهما، ثمَّ قَالَ لَهُ: لَا تعط أحدا شَيْئا، فَإِن هَذَا نَاسخ للْأولِ، هَذَا مَذْهَب عِيسَى بن أبان، وَهُوَ الْمَأْخُوذ بِهِ، وَإِذا لم يعلم فَإِن الْعَام يَجْعَل آخرا لما فِيهِ من الِاحْتِيَاط، وَهنا لم يعلم التَّارِيخ فَيجْعَل الْعَام آخرا احْتِيَاطًا، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفى الصَّدَقَة وَلم ينف الْعشْر، وَقد كَانَ فِي المَال صدقَات نسختها آيَة الزَّكَاة، وَالْعشر لَيْسَ بِصَدقَة مُطلقَة إِذْ فِيهِ معنى المؤونة، حَتَّى وَجب فِي أَرض الْوَقْف وَلَا تجب الزَّكَاة فِي الْوَقْف.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَذْهَب الْحَنَفِيّ أَن الْخَاص الْمُتَقَدّم مَنْسُوخ بِالْعَام الْمُتَأَخر، وَلَعَلَّه ضبط التَّارِيخ وَعلم تَقْدِيم حَدِيث أبي سعيد، فَلهَذَا لَا يشْتَرط النّصاب فِيهِ.
قلت: فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يَقُول بِمثلِهِ فِي الْوَرق، إِذْ مر فِي: بابُُ زَكَاة الْغنم، فِي الرقة ربع الْعشْر، انْتهى.
قلت: لَا يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهُ لم يدع ضبط التَّارِيخ، وَلَا تقدم حَدِيث أبي سعيد، وَإِنَّمَا الأَصْل عِنْده التَّوَقُّف إِذا جهل التَّارِيخ وَالرُّجُوع إِلَى غَيرهمَا، أَو يرجح أَحدهمَا بِدَلِيل، وَمن جملَة تَرْجِيح الْعَام هُنَا هُوَ أَنه إِذا خص لزم إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله أَن يكون مرَادا، وَمِنْهَا الِاحْتِيَاط فِي جعله آخرا كَمَا ذكرنَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: نَاقض أَبُو حنيفَة حَيْثُ اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي مَسْأَلَة الرقة، وَلم يسْتَعْمل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، كَمَا أَنه أوجب الزَّكَاة فِي الْعَسَل وَلَيْسَ فِيهِ خبر وَلَا إِجْمَاع.
قلت: كَيفَ يسْتَعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ غير قَائِل بِهِ هُنَا لعدم الْإِجْمَال فِيهِ، وَمن أَيْن الْإِجْمَال ودلالته ظَاهِرَة، لِأَن دلَالَته على إِفْرَاده كدلالة الْخَاص على فَرد وَاحِد، فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير، وَلَفظ الصَّدَقَة فِي الزَّكَاة أظهر من الْعشْر فَصَرفهُ إِلَيْهَا أولى، وَلَا كَذَلِك صَدَقَة الرقة.
وَلم يفهم ابْن بطال الْفرق بَينهمَا، وَكَيف يَقُول ابْن بطال: كَمَا أَنه أوجب الزَّكَاة وَلَيْسَ فِيهِ خبر؟ وَقد ذكرنَا عَن التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ( فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق) ، وَذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب جملَة أَحَادِيث تدل على الْوُجُوب، وَقَوله: وَلَا إِجْمَاع، كَلَام واهٍ، لِأَن الْمُجْتَهد لَا يرى بِالْوُجُوب فِي شَيْء إلاَّ إِذا كَانَ فِيهِ إِجْمَاع، وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد.
قَوْله: ( أهل الثبت) ، بتحريك الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أهل الثَّبَات.
قَوْله: ( كَمَا روى الْفضل بن عَبَّاس) أَي: عبد الْمطلب، ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الَّذِي ذكره صُورَة اجْتِمَاع النَّفْي وَالْإِثْبَات، لِأَن الْفضل يَنْفِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوف الْكَعْبَة لما حج عَام الْفَتْح، وبلال يثبت ذَلِك، فَأخذ بقول بِلَال لكَونه يثبت أمرا، وَترك قَول الْفضل لِأَنَّهُ يَنْفِيه، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن النَّفْي مَتى عرف بدليله يُعَارض الْمُثبت وإلاَّ فَلَا، وَهَهُنَا لم يعرف النَّفْي بِدَلِيل، فَقدم عَلَيْهِ الْإِثْبَات، وَذكر بعض أَصْحَابنَا هَذِه الصُّورَة بِخِلَاف مَا قَالَه البُخَارِيّ، وَهِي: أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي جَوف الْكَعْبَة، ورجحنا رِوَايَته على رِوَايَة بِلَال أَنه: لم يصل فِي جَوف الْكَعْبَة عَام الْفَتْح فِي تِلْكَ الْأَيَّام.