فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

( بابُُ اسْتِعْمَالِ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَألْبَانِهَا لأِبْنَاءِ السَّبِيلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِعْمَال إبل الصَّدَقَة وَاسْتِعْمَال أَلْبَانهَا، وَالْمرَاد من اسْتِعْمَال أَلْبَانهَا شربهَا، وكلا الاستعمالين لأبناء السَّبِيل.
قَالَ ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ إِثْبَات وضع الصَّدَقَة فِي صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية خلافًا للشَّافِعِيّ الَّذِي لَا يجوز الْقِسْمَة إلاَّ على الثَّمَانِية، وَالْحجّة قَاطِعَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرد أَبنَاء السَّبِيل بِالِانْتِفَاعِ بِإِبِل الصَّدَقَة وَأَلْبَانهَا دون غَيرهم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَيْسَ حجَّة قَاطِعَة وَلَا غير قَاطِعَة إِذْ الصَّدَقَة لم تكن منحصرة عَلَيْهَا بِالِانْتِفَاعِ، إِذْ الرَّقَبَة تكون لغَيرهم، وَلَا الِانْتِفَاع بِتِلْكَ الْمدَّة وَنَحْوهَا.
قلت: لَا وَجه لدفع كَلَام ابْن بطال لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أفرد هَؤُلَاءِ العرنيين بِالِانْتِفَاعِ بِإِبِل الصَّدَقَة وَشرب أَلْبَانهَا فقد أفرد صنفا وَاحِدًا من الثَّمَانِية.
فَدلَّ على جَوَاز الِاقْتِصَار على صنف وَاحِد.
.

     وَقَالَ  بَعضهم عقيب كَلَام ابْن بطال: وَفِيمَا قَالَه نظر لاحْتِمَال أَن يكون مَا أَبَاحَ لَهُم من الِانْتِفَاع إلاَّ بِمَا هُوَ قدر حصتهم.
قلت: سُبْحَانَ الله، هَذَا نظر عَجِيب، هَل كَانَت هَهُنَا قسْمَة بَين هَؤُلَاءِ وَغَيرهم من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية حَتَّى أَبَاحَ لَهُم مَا يخصهم؟


[ قــ :1441 ... غــ :1501 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثنا قَتَادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ نَاسا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا المَدِينَةَ فرَخَّصَ لَهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يأتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فيَشْرَبُوا مِنْ ألْبَانِهَ وَأبْوَالِهَا فقَتَلُوا الرَّاعِي وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فأرْسَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأُتِيَ بِهِمْ فقَطَّعَ أيْدِيَهُمْ وِأرّجُلَهُمْ وسَمَرَ أعْيُنَهُمْ وتَرَكَهُمْ بِالحَرَّةِ يَعَضُّونَ الحِجَارَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص لَهُم من شرب ألبان إبل الصَّدَقَة وَأَبْوَالهَا، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بابُُ أَبْوَال الْإِبِل وَالدَّوَاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة ( عَن أنس قَالَ: قدم أنَاس من عكل أَو عرينة) الحَدِيث، وَهَهُنَا أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( اجتووا) بِالْجِيم من بابُُ الافتعال، يُقَال: اجتويت الْبَلَد إِذا كرهت الْمقَام فِيهِ.
قَوْله: ( الذود) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْإِبِل.
قَوْله: ( بِالْحرَّةِ) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: أَرض ذَات حِجَارَة سود كَأَنَّهَا احترقت بالنَّار.
قَوْله: ( يعضون) ، بِفَتْح الْعين من بابُُ فعل يفعل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي، وَفتحهَا فِي المغابر.
وَقيل: هُوَ من بابُُ نصر ينصر، ولغة الْقُرْآن مثل الأول: { وَيَوْم بعض الظَّالِم على يَدَيْهِ} ( الْفرْقَان: الْآيَة: 72) .

تابَعَهُ أبُو قِلاَبَةَ وَحُمَيْدٌ وثَابِتٌ عنْ أنَسٍ

أَي: تَابع أَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الحرمي، وَحميد الطَّوِيل، وثابت، بالثاء الْمُثَلَّثَة: الْبنانِيّ قَتَادَة فِي رواياتهم عَن أنس.
أما مُتَابعَة أبي قلَابَة فقد مرت فِي كتاب الطَّهَارَة، وَأما مُتَابعَة حميد فوصلها مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَأما مُتَابعَة ثَابت فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب الطِّبّ.