فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صدقة الفطر صاعا من تمر

(بابُُ صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعا منْ تَمْرٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن صَدَقَة الْفطر صَاع من تمر، هَذَا التَّقْدِير على كَون لفظ الْبابُُ مُضَافا إِلَى صَدَقَة الْفطر، وَإِذا قطع عَن الْإِضَافَة يكون صَدَقَة الْفطر مُبْتَدأ أَو خَبره قَوْله: صَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: بابُُ صَدَقَة الْفطر صَاعا، بِالنّصب، وَقد ذكرنَا وَجهه فِي: بابُُ صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير.



[ قــ :1447 ... غــ :1507 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ نَافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله قَالَ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعا مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعا منْ شَعِيرٍ قَالَ عَبْدُ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنُ حِنْطَةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من تمر) .

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَاللَّيْث عنعن هُنَا، وسماعه من نَافِع صَحِيح، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَآخَرين من طَرِيق يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن كثير بن فرقد عَن نَافِع وَزَاد فِيهِ: (من الْمُسلمين) ، فَدلَّ على أَن اللَّيْث سَمعه من نَافِع بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَمن كثير بن فرقد عَنهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة.

وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.

قَوْله: (أَمر) اسْتدلَّ بِهِ على وجوب صَدَقَة الْفطر، قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالمقدار لَا بِأَصْل الْإِخْرَاج.
قلت: إِذا كَانَ الْمِقْدَار وَاجِبا فبالضرورة يدل على وجوب الأَصْل لِأَن وجوب الْمِقْدَار مَبْنِيّ عَلَيْهِ.
قَوْله: (قَالَ عبد الله) أَي: عبد الله بن عمر.
قَوْله: (فَجعل النَّاس) أَرَادَ بِهِ مُعَاوِيَة وَمن تبعه، وَوَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع أخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، حَدثنَا أَيُّوب وَلَفظه: (صَدَقَة الْفطر صَاع من شعير أَو صَاع من تمر، قَالَ ابْن عمر: فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَة عدل النَّاس نصف صَاع بر بِصَاع من شعير) وَهَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من وَجه آخر عَن سُفْيَان،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْهَيْثَم بن خَالِد الْجُهَنِيّ، حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ عَن زَائِدَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي دَاوُد (عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: كَانَ النَّاس يخرجُون صَدَقَة الْفطر على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَاعا من شعير أَو تمر أَو سلت أَو زبيب، قَالَ عبد الله: فَلَمَّا كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَثُرت الْحِنْطَة جعل عمر نصف صَاع حِنْطَة مَكَان صَاع من تِلْكَ الْأَشْيَاء) .
.

     وَقَالَ  مُسلم فِي (كتاب التَّمْيِيز) .
عبد الْعَزِيز وهم فِيهِ وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِهِ،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّنْقِيح) : وَعبد الْعَزِيز هَذَا، وَإِن كَانَ ابْن حبَان تكلم فِيهِ، فقد وَثَّقَهُ يحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيرهم، والموثقون لَهُ أعرف من المضعفين، وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ اسْتِشْهَادًا.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن طَارق، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب عَن يُونُس بن يزِيد أَن نَافِعًا أخبرهُ قَالَ: (قَالَ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: فرض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل إِنْسَان ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد من الْمُسلمين) ، وَكَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: جعل النَّاس عدله مَدين من حِنْطَة، فَقَوْل ابْن عمر: جعل النَّاس عدله مَدين من حِنْطَة إِنَّمَا يُرِيد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يجوز تعديلهم وَيجب الْوُقُوف عِنْد قَوْلهم، فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن عمر مثل ذَلِك فِي كَفَّارَة الْيَمين أَنه قَالَ ذَلِك، فأطعم عني عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو شعير، ويروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثل ذَلِك مَعَ أَنه قد رُوِيَ عَن عمر وَعَن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيْضا، وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صَدَقَة الْفطر أَنَّهَا من الْحِنْطَة نصف صَاع.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الله بن مُسلم حَدثنَا دَاوُد يَعْنِي ابْن قيس عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نخرج، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَكَاة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير حر أَو مَمْلُوك صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من أقط أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من زبيب، فَلم نزل نخرجهُ حَتَّى قدم مُعَاوِيَة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا فَكلم النَّاس على الْمِنْبَر فَكَانَ فِيمَا كلم النَّاس أَن قَالَ: إِنِّي أرى مَدين من سمراء الشَّام تعدل صَاعا من تمر، فَأخذ بذلك النَّاس، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَأَما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه أبدا مَا عِشْت) .
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث مُعْتَمد أبي حنيفَة، قَالَ بِأَنَّهُ فعل صَحَابِيّ، وَقد خَالفه أَبُو سعيد وَغَيره من الصَّحَابَة مِمَّن هُوَ أطول صُحْبَة مِنْهُ وَأعلم بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخبر مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ رَأْي رَآهُ، لَا قَول سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْنَا: إِن قَوْله: فعل صَحَابِيّ، لَا يمْنَع لِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره من الصَّحَابَة الجم الْغَفِير بِدَلِيل قَوْله فِي الحَدِيث: فَأخذ النَّاس بذلك، وَلَفظ النَّاس للْعُمُوم، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلَا تضر مُخَالفَة أبي سعيد لذَلِك بقوله: أما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه، لِأَنَّهُ لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع، سِيمَا إِذا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، أَو نقُول: أَرَادَ الزِّيَادَة على قدر الْوَاجِب تَطَوّعا.
قَوْله: (من سمراء الشَّام) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَبعدهَا رَاء ممدودة، وَهُوَ الْبر الشَّامي، وينطلق على كل بر.
قَوْله: (عدله) ، بِفَتْح الْعين وَكسرهَا، قَالَه الْكرْمَانِي، وَالْأَظْهَر أَنه بِالْكَسْرِ أَي: نَظِيره.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: الْعدْل، بِالْكَسْرِ الْمثل، وبالفتح مصدر عدلته بِهَذَا،.

     وَقَالَ  الْفراء، بِالْفَتْح مَا عَادل الشَّيْء من غير جنسه، وبالكسر: الْمثل.
قَوْله: (مَدين) ، تَثْنِيَة مدّ، وَهُوَ ربع الصَّاع.