فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصدقة قبل العيد

( بابُُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ العِيدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن صَدَقَة الْفطر قبل خُرُوج النَّاس إِلَى صَلَاة الْعِيد، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن وَقت وجوب صَدَقَة الْفطر عِنْد أبي حنيفَة بِطُلُوع الْفجْر يَوْم الْفطر، وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد وَمَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَغَيرهمَا، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: تجب بآخر جُزْء من لَيْلَة الْفطر وَأول جُزْء من يَوْم الْفطر.
وَفِي رِوَايَة أَشهب: تجب بغروب الشَّمْس من لَيْلَة الْفطر، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَكَانَ قَالَ فِي الْقَدِيم بِبَغْدَاد: إِنَّمَا تجب بِطُلُوع فجر يَوْم الْفطر، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، رَحمَه الله تَعَالَى، وَمَعَ هَذَا كُله يسْتَحبّ أَن يُخرجهَا قبل ذَهَابه إِلَى صَلَاة الْعِيد، دلّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبابُُ.



[ قــ :1449 ... غــ :1509 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسى ابنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ بِزَكاةِ الفِطْرِ قَبْلَ خُروجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من التَّقْرِير الَّذِي ذكرنَا عِنْدهَا.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: آدم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَحَفْص ابْن ميسرَة ضد الميمنة أَبُو عمر بِدُونِ الْوَاو الصَّنْعَانِيّ نزل الشَّام، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة.

وَأخرجه مُسلم، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الزَّكَاة عَن يحيى بن يحيى، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي.
وَالتِّرْمِذِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، فِيهِ عَن مُسلم بن عمر.
وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن معدان وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع.

قَوْله: ( أَمر) ، ظَاهره يَقْتَضِي وجوب الْأَدَاء قبل صَلَاة الْعِيد، وَلكنه مَحْمُول على الِاسْتِحْبابُُ، وَذَلِكَ ليحصل الْغناء للْفُقَرَاء فِي هَذَا الْيَوْم ويستريحون عَن الطّواف.
وَوَقع فِي حَدِيث أخرجه ابْن سعد عَن ابْن عمر قَالَ: ( إغنوهم) ، يَعْنِي: الْمَسَاكِين، ( عَن طواف هَذَا الْيَوْم) .
وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ فِي ( الْعَارِضَة) : وَفِي كتاب مُسلم: ( فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْفطر على النَّاس.

     وَقَالَ : إغنوهم عَن سُؤال هَذَا الْيَوْم)
،.

     وَقَالَ : هَذَا قوى فِي الْأَثر، وَلكنه وهم فِي عزوه لمُسلم، وَهَذَا لم يُخرجهُ مُسلم أصلا، وَإِنَّمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
وَيسْتَحب إخْرَاجهَا يَوْم الْفطر قبل الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالقَاسِم وَمُسلم بن يسَار وَأبي نَضرة وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالْحكم بن عُيَيْنَة ومُوسَى بن وردان وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأهل كوفة، وَلم يحك التِّرْمِذِيّ فِيهِ خلافًا لما أخرج هَذَا الحَدِيث، وَحكى الْخطابِيّ الْإِجْمَاع فِيهِ، فَقَالَ فِي ( معالم السّنَن) : وَهُوَ قَول عَامَّة أهل الْعلم، وَنقل الِاتِّفَاق فِي اسْتِحْبابُُ إخْرَاجهَا فِي الْوَقْت الْمَذْكُور.
أما جَوَاز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ وتأخيرها عَنهُ، فَالْخِلَاف فِيهِ مَشْهُور، وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى.





[ قــ :1450 ... غــ :1510 ]
- حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا أبُو عُمَرَ عنْ زَيْدٍ عنْ عَيَاضِ بنِ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَومَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ طَعامٍ.
.

     وَقَالَ  أبُو سَعيدٍ وكانَ طَعَامنا الشَّعيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( يَوْم الْفطر) ، وَلَكِن لَا يدل على إخْرَاجهَا قبل الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة صَرِيحًا، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر السَّابِق.
ومعاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَقد مر فِي الصَّلَاة.
وَأَبُو عمر، بِضَم الْعين: هُوَ حَفْص بن ميسرَة وَقد مر الْآن، وَزيد هُوَ زيد بن أسلم وَقد مر عَن قريب.

قَوْله ( وَكَانَ طعامنا الشّعير) يدل صَرِيحًا على أَن المُرَاد من قَوْله: ( صَاعا من طَعَام) أَنه أحد الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة، وَقد حققنا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: ( قَالَ أَبُو سعيد) منافٍ لما تقدم من قَوْلك: إِن الطَّعَام هُوَ الْحِنْطَة، ثمَّ أجَاب عَن هَذَا نصْرَة لمذهبه بقوله: لَا نزاع فِي أَن الطَّعَام بِحَسب اللُّغَة عَام لكل مطعوم، إِنَّمَا الْبَحْث فِيمَا يعْطف عَلَيْهِ الشّعير وَسَائِر الْأَطْعِمَة، فَإِن الْعَطف قرينَة لإِرَادَة الْمَعْنى الْعرفِيّ مِنْهُ، وَهُوَ الْبر بِخُصُوصِهِ.
قلت: لَا نسلم أَن معنى هَذَا الْعَطف هُوَ الَّذِي قَالَه، بل هَذَا الْعَطف يدل على أَن الطَّعَام الَّذِي ذكره أَبُو سعيد هُوَ أحد الْأَصْنَاف الَّتِي ذكرهَا فِيهِ، لِأَنَّهُ مثل التَّفْسِير لما قبله، وَالْأَصْل اسْتِعْمَال الْأَلْفَاظ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: لِمَ لَا يكون من بابُُ عطف الْخَاص على الْعَام نَحْو: { فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الرَّحْمَن: 86) .
وَأجَاب بِأَن هَذَا الْعَطف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْخَاص أشرف، وَهَذَا بعكس ذَلِك.
قلت: لَا نسلم دَعْوَى عكس الأشرفية فِيمَا نَحن فِيهِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا أما من حَيْثُ اللُّغَة أَو الشَّرْع أَو الْعرف، وكل مِنْهَا منتفٍ، أما اللُّغَة فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِك، وَأما الشَّرْع فَعَلَيهِ الْبَيَان فِيهِ، وَأما الْعرف فَهُوَ مُشْتَرك.
فَافْهَم.