فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف، ويرمل ثلاثا

( بابُُ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أوَّلَ مَا يَطُوفُ ويَرْمُلُ ثَلاثا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان استلام الْحجر الْأسود، والاستلام هُوَ الْمسْح بِالْيَدِ، مُشْتَقّ من السَّلَام الَّذِي هُوَ التَّحِيَّة.
وَقيل: من السَّلَام بِكَسْر السِّين، وَهُوَ الْحِجَارَة.
.

     وَقَالَ  ابْن سيدة: اسْتَلم الْحجر واستلأمه، بِالْهَمْزَةِ، أَي: قبله أَو اعتنقه، وَلَيْسَ أَصله الْهَمْز، وَيُقَال استلمت الْحجر إِذْ لمسته.
كَمَا يُقَال: اكتحلت من الكهل، وَفِي ( الْجَامِع) وَقيل: هُوَ استفعل من اللأمة، واللأمة هِيَ الدرْع وَالسِّلَاح وَإِنَّمَا يلبس اللامة ليمتنع بهَا من الْأَعْدَاء، فَكَانَ هَذَا إِذا لمس الْحجر فقد تحصن من الْعَذَاب.
قَوْله: ( أول) ، مَنْصُوب على الظّرْف، ظرف للاستلام.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث مَرَّات.



[ قــ :1538 ... غــ :1603 ]
- حدَّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ قَالَ أخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ سالِمٍ عنْ أبيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رَأيْتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأسْوَدَ أوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاثَةَ أطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا لِأَن مَعْنَاهُ معنى التَّرْجَمَة سَوَاء، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم بن عبد الله بن عمر يروي عَن أَبِيه عبد الله.

وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي الظَّاهِر.
وحرملة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي الطَّاهِر وَسليمَان بن دَاوُد، كلهم عَن ابْن وهب بِهِ.

قَوْله: ( إِذا اسْتَلم) ظرف لَا شَرط، وَبدل عَن قَوْله: ( حِين يقدم) .
قَوْله: ( أول) ، نصب على الظّرْف مُضَاف إِلَى كلمة: مَا، المصدرية.
قَوْله: ( يخب) فِي مَحل النصب على أَنه مفعول ثَان لقَوْله: ( رَأَيْت) ، وَهُوَ بِفَتْح يَاء المضارعة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: من الخبب، وَهُوَ ضرب من الْعَدو.
وَقيل: خب الْفرس إِذا نقل أيامنه وإياسره جَمِيعًا.
وَقيل: هُوَ أَن يراوح بَين يَدَيْهِ، وَقيل: الخبب السرعة، وَقد خبت الدَّابَّة تخب خببا وخبيبا وأخبت وَقد أخبها ذكره ابْن سَيّده.
وَفِي ( الْمُنْتَهى) يُقَال: خب خبيبا وأخبه صَاحبه إخبابُا.
وَفِي ( الجمهرة) وأخببته أَنا، وَفِي الْكِفَايَة لأبي إِسْحَاق الأجداني: إِذا ارْتَفع سير الْبَعِير حَتَّى يكون عدوا يراوح بَين يَدَيْهِ، فَذَلِك الخبب.
قَوْله: ( ثَلَاثَة) ، وَإِن كَانَ مُبْهما، لَكِن الْمَقْصُود مِنْهُ الثَّلَاثَة الأول.
قَوْله: ( من السَّبع) أَي: الطوفات السَّبع، ويروى: السَّبْعَة، بِاعْتِبَار الأطواف.
.

     وَقَالَ ت النُّحَاة: إِذا كَانَ الْمُمَيز غير مَذْكُور جَازَ فِي الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: إِن سنة الدَّاخِل إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَن يبْدَأ بِالْحجرِ الْأسود فيقبله، ثمَّ الخبب، إِنَّمَا يشرع فِي طواف يعقبه سعي وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي طواف الْقدوم والإفاضة، وَلَا يتَصَوَّر فِي طواف الْوَدَاع لِأَن شَرطه أَن يكون قد طَاف طواف الْإِفَاضَة، فعلى هَذَا القَوْل إِذا طَاف للقدوم، وَفِي نِيَّته أَن يسْعَى بعده اسْتحبَّ الرمل فِيهِ، وَإِن لم يكن هَذَا فِي نِيَّته لم يرمل فِي طواف الْإِفَاضَة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وثمة قَول آخر، وَهُوَ أَنه يرمل فِي طواف الْقدوم سَوَاء أَرَادَ السَّعْي بعده أم لَا، وروى الْحَاكِم عَن عَطاء عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرمل فِي السَّبع الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ،.

     وَقَالَ  عَطاء: لَا رمل فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: يفهم مِنْهُ أَن الرمل إِنَّمَا هُوَ فِي جَمِيع المطاف، وَمن الحَدِيث الأول حَيْثُ قَالَ فِيهِ: ( وليمشوا بَين الرُّكْنَيْنِ) أَنه فِي بعضه.
قلت: قَالَ النَّوَوِيّ، ذَلِك مَنْسُوخ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع، قبل الْفَتْح، وَكَانَ بِالْمُسْلِمين ضعف فِي أبدانهم، وَإِنَّمَا رملوا إِظْهَارًا للقوة والاحتياج إِلَيْهِ كَانَ فِي غير الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، لِأَن الْمُشْركين كَانُوا جُلُوسًا فِي الْحجر وَلَا يرونهم من هذَيْن الرُّكْنَيْنِ، ويرونهم فِيمَا سواهُمَا، فَلَمَّا حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع سنة عشر رمل من الْحجر إِلَى الْحجر، فَوَجَبَ الْأَمر بالمتأخر.