فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في زمزم

( بابُُ مَا جاءَ فِي زَمْزَمَ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي ذكر زَمْزَم من الْآثَار.
قيل: وَلم يذكر مَا جَاءَ فِيهِ من فَضله، لِأَنَّهُ كَانَ لم يثبت عِنْده بِشَرْطِهِ، وَاكْتفى بِذكرِهِ مُجَردا.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبابُُ يدل على فَضلهَا، لِأَن فِيهِ: ( فَفرج صَدْرِي ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) ، وَهَذَا يدل قطعا على فَضلهَا حَيْثُ اخْتصَّ غسل صَدره، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِمَائِهَا دون غَيرهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ركضة جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وسقيا إِسْمَاعِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي ( مُعْجم مَا استعجم) : هِيَ بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي وَفتح الزَّاي الثَّانِيَة، قَالَ: وَيُقَال بِضَم الأول وَفتح الثَّانِي وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة، وَيُقَال بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وتشديده وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة.
وَفِي ( كتاب الْأَزْهَرِي) عَن ابْن الْأَعرَابِي: زَمْزَم وزمم وزمزام، وَتسَمى: ركضة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وهمزمة جِبْرِيل، وهزمة جِبْرِيل، بِتَقْدِيم الزَّاي، وهزمة الْملك، وَتسَمى: الشباعة.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَرَوَاهُ الخازرنجي: شباعة،.

     وَقَالَ  صاعد فِي ( الفصوص) وَمن أسمائها: تكْتم،.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ: إِنَّمَا سميت زَمْزَم لِأَن بابُل بن ساسان حَيْثُ سَار إِلَى الْيمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة فِي مَوضِع بِئْر زَمْزَم، فَلَمَّا احتفرها عبد الْمطلب أصَاب السيوف والحلي فِيهِ سميت زَمْزَم.
.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت بِالتُّرَابِ لِئَلَّا يَأْخُذ المَاء يَمِينا وَشمَالًا، وَلَو تركت لساحت على وَجه الأَرْض حَتَّى مَلأ كل شَيْء.
.

     وَقَالَ  الْحَرْبِيّ: سميت بزمزمة المَاء، وَهُوَ حركته،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من قَوْلهم: مَاء زمزوم وزمزام أَي: كثير.
وَفِي ( الموعب) : مَاء زَمْزَم وزمازم، وَهُوَ الْكثير وَعَن ابْن هِشَام: الزمزمة عِنْد الْعَرَب الْكَثْرَة والاجتماع، وَذكر المَسْعُودِيّ أَن الْفرس كَانَت تحج إِلَيْهَا فِي الزَّمن الأول، والزمزمة صَوت تخرجه الْفرس من خياشيمها.

وَمن فضائلها: مَا رَوَاهُ مُسلم: شرب أَبُو ذَر مِنْهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ لَهُ طَعَام غَيرهَا.
وَأَنه سمن، فَأخْبر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك فَقَالَ: إِنَّهَا مباركة، إِنَّهَا طَعَام طعم وَزَاد أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي ( مُسْنده) وشفاء سقم، وروى الْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: ( مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ، رِجَاله ثقاة إلاَّ أَنه اخْتلف فِي إرْسَاله وَوَصله، وإرساله أصح.
وَعَن أم أَيمن، قَالَت: ( مَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شكى جوعا قطّ وَلَا عطشا، كَانَ يَغْدُو إِذا أصبح فيشرب من مَاء زَمْزَم شربه، فَرُبمَا عرضنَا عَلَيْهِ الطَّعَام فَيَقُول: لَا أَنا شبعان شبعان) .
ذكره فِي ( المُصَنّف الْكَبِير) فِي شرف الْمُصْطَفى، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعَن عقيل ابْن أبي طَالب، قَالَ: كُنَّا إِذا أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ عندنَا طَعَام قَالَ لنا أبي ائْتُوا زَمْزَم فنأتيها فنشرب مِنْهَا فنجتزىء، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا: ( وَهِي هزمة جِبْرِيل وسقيا إِسْمَاعِيل) ، وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِي ( ربيع الْأَبْرَار) أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، أنبط بِئْر زَمْزَم مرَّتَيْنِ: مرّة لآدَم، عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى انْقَطَعت زمن الطوفان، وَمرَّة لإسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام، وروى ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد: ( أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لرجل: إِذا شربت من زَمْزَم فَاسْتقْبل الْكَعْبَة، وَاذْكُر اسْم الله، عز وَجل، فَإِن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: آيَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين أَنهم لَا يتضلعون من زَمْزَم) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبد الله كَانَ إِذا شرب مِنْهَا، قَالَ: أللهم إِنِّي أسأك علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وشفاء من كل دَاء.
وروى أَحْمد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث جَابر فِي ذكر حجَّته، عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ عَاد إِلَى الْحجر ثمَّ ذهب إِلَى زَمْزَم فَشرب مِنْهَا وصب على رَأسه، ثمَّ رَجَعَ فاستلم الرُّكْن ... الحَدِيث.



[ قــ :1567 ... غــ :1636 ]
- وَقَالَ عَبْدَانُ أخبرنَا عبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزهْرِيِّ قَالَ أنَسُ بنُ مالِكٍ كانَ أبُو ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُحَدِّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فُرِجَ سَقْفِي وَأَنا بِمَكَّةَ فنَزَلَ جِبْرِيلُ عليهِ السَّلاَمُ ففَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِىءٍ حكْمَةً وَإيمَانا فأفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أطْبَقَهُ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَالَ منْ هاذا قَالَ جِبْرِيلُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) ، فَإِن ذكر زَمْزَم جَاءَ فِي الحَدِيث وَهُوَ يدل على فضل زَمْزَم حَيْثُ اخْتصَّ غسله بهَا دون غَيرهَا من الْمِيَاه، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ كَيفَ فرضت الصَّلَاة فِي الْإِسْرَاء، فِي أول كتاب الصَّلَاة مُسْندًا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر يحدث ... إِلَى آخِره، وَذكره هُنَا مُخْتَصرا مُعَلّقا عَن عَبْدَانِ، واسْمه عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.





[ قــ :1568 ... غــ :1637 ]
- حدَّثنا محَمَّدٌ هُوَ ابنُ سَلامٍ قَالَ أخبرنَا الْفَزَارِيُّ عنْ عاصِمٍ عنِ الشَّعْبِيِّ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا حدَّثَهُ قَالَ سَقَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وهْوَ قائِمٌ قالَ عَاصِمٌ فحَلَفَ عِكْرَمَةُ مَا كانَ يَوْمَئِذٍ إلاَّ عَلى بَعِيرٍ.

(الحَدِيث 7361 طرفه فِي: 7165) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر زَمْزَم.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام بن الْفرج أَبُو عبد الله البيكندي.
الثَّانِي: الْفَزارِيّ، بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا الزَّاي، وَهُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة.
الثَّالِث: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول.
الرَّابِع: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ.
الْخَامِس: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس.
السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه ذكر مُجَردا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: هُوَ ابْن سَلام، بِذكر أَبِيه.
وَفِيه: أَن الْفَزارِيّ وَالشعْبِيّ كوفيان، وَأَن عَاصِمًا بَصرِي.
وَفِيه: أَن الْفَزارِيّ وَالشعْبِيّ مذكوران بِالنِّسْبَةِ، وَأَن شَيْخه فِي أَكثر الرِّوَايَة وعاصما مذكوران مجردين عَن النِّسْبَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي كَامِل الجحدري، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، وَعَن شُرَيْح بن يُونُس وَعَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي وَإِسْمَاعِيل بن سَالم وَعَن عبد الله بن معَاذ وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَشْرِبَة عَن أَحْمد بن منيع، وَفِي الشَّمَائِل عَن عَليّ بن حجر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن عَليّ بن حجر بِهِ، وَعَن زِيَاد بن أَيُّوب وَعَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن سُوَيْد بن سعيد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ قَائِم) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: (فَحلف عِكْرِمَة: مَا كَانَ) أَي: مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ يَعْنِي يَوْم سقى ابْن عَبَّاس، رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من مَاء زَمْزَم، وَفِي لفظ ابْن مَاجَه، قَالَ عَاصِم: فَذكرت ذَلِك لعكرمة فَحلف بِاللَّه مَا فعل! أَي: مَا شرب قَائِما لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ رَاكِبًا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الرُّخْصَة فِي الشّرْب قَائِما.
وَقيل: إِن الشّرْب من زَمْزَم من غير قيام يشق لارْتِفَاع مَا عَلَيْهَا من الْحَائِط.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ أَن الشّرْب من مَاء زَمْزَم من سنَن الْحَج.
فَإِن قلت: روى ابْن جرير عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يشرب مِنْهَا فِي الْحَج قلت: لَعَلَّه إِنَّمَا تَركه لِئَلَّا يظنّ أَن شربه من الْفَرْض اللَّازِم، وَقد فعله أَولا مَعَ أَنه كَانَ شَدِيد الِاتِّبَاع للآثار، بل لم يكن أحدا تبع لَهَا مِنْهُ، وَنَصّ أَصْحَاب الشَّافِعِي على شربه،.

     وَقَالَ  وهب بن مُنَبّه: نجدها فِي كتاب الله: شراب الْأَبْرَار، وَطَعَام طعم وشفاء سقم، لَا تنزح وَلَا تزم، من شرب مِنْهَا حَتَّى يتضلع أحدثت لَهُ شِفَاء وأخرجت عَنهُ دَاء.

وَاعْلَم أَنه رُوِيَ فِي الشّرْب قَائِما أَحَادِيث كَثِيرَة.
مِنْهَا: النَّهْي عَن ذَلِك، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ مُسلم بقوله: بابُُ الزّجر عَن الشّرْب قَائِما.
وَحدثنَا هداب بن خَالِد حَدثنَا همام حَدثنَا قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زجر عَن الشّرْب قَائِما، وَفِي لفظ لَهُ عَن أنس عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه نهى أَن يشرب الرجل قَائِما.
قَالَ قَتَادَة: فَقُلْنَا: فالأكل؟ قَالَ: ذَاك أَشد وأخبث.
وَفِي رِوَايَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زجر عَن الشّرْب قَائِما.
وَفِي لفظ: نهى عَن الشّرْب قَائِما، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يشربن أحدكُم قَائِما، فَمن نسي فليستق) .
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْجَارُود بن الْمُعَلَّى أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن الشّرْب قَائِما.
وَمِنْهَا: إِبَاحَة الشّرْب قَائِما، فَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: بابُُ الشّرْب قَائِما، على مَا يَأْتِي، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حدنا مسعر عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال، قَالَ: أَتَى عَليّ.
، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على بابُُ الرحبة بِمَاء، فَشرب قَائِما، فَقَالَ: إِن نَاسا يكره أحدهم أَن يشرب وَهُوَ قَائِم، وَإِنِّي رَأَيْت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعل كَمَا رَأَيْتُمُونِي فعلت) .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: (كُنَّا نَأْكُل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نمشي، وَنَشْرَب وَنحن قيام) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب، وروى أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده.
(قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب قَائِما وَقَاعِدا) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن، وروى الطَّحَاوِيّ،.

     وَقَالَ : حَدثنَا ربيع الجيزي قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق ابْن أبي فَرْوَة الْمدنِي، قَالَ: حَدَّثتنَا عُبَيْدَة بنت نابل عَن عَائِشَة بنت سعد) عَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يشرب قَائِما) .
وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا فِي (مُسْنده) نَحوه، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا، فَقَالَ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الْكَرِيم ابْن مَالك: (قَالَ: أَخْبرنِي الْبَراء بن زيد أَن أم سليم حدثته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب وَهُوَ قَائِم فِي قربَة) .
وَفِي لفظ لَهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا، وَفِي بَيته قربَة معلقَة، فَشرب من الْقرْبَة قَائِما.
وَأخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إعلم أَن هَذِه الْأَحَادِيث أشكل مَعْنَاهَا على بعض الْعلمَاء، حَتَّى قَالَ فِيهَا أقوالاً بَاطِلَة، وَالصَّوَاب مِنْهَا: أَن النَّهْي مَحْمُول على كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَأما شربه قَائِما فلبيان الْجَوَاز، وَمن زعم نسخا فقد غلط، فَكيف يكون النّسخ مَعَ إِمْكَان الْجمع، وَإِنَّمَا يكون نسخا لَو ثَبت التاريح فأنَّى لَهُ ذَلِك؟.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ مَا ملخصه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ بِهَذَا النَّهْي الإشفاق على أمته، لِأَنَّهُ يخَاف من الشّرْب قَائِما الضَّرَر، وحدوث الدَّاء، كَمَا قَالَ لَهُم: أما أَنا فَلَا آكل مُتكئا.
انْتهى.
قلت: اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبابُُ بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِيهِ، فَذهب الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقَتَادَة: إِلَى كَرَاهَة الشّرْب قَائِما.
وَرُوِيَ ذَلِك عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذهب الشّعبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وزادان وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد إِلَى أَنه لَا بَأْس بِهِ، ويروى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَسعد وَعمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَابْن الزبير وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.