فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من اشترى الهدي من الطريق

( بابُُ منِ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من اشْترط الْهَدْي فِي طَرِيقه عِنْد توجهه إِلَى الْكَعْبَة، سَوَاء كَانَ فِي الْحل أَو الْحرم.



[ قــ :1620 ... غــ :1693 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لأِبِيهِ أقِمْ فإنِّي لاَ آمَنُهَا أنْ سَتُصَدُّ عنِ الْبَيتِ قَالَ إِذا أفْعَلَ كَمَا فعَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ قالَ الله لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رسولِ الله أُسْوَةٌ حسَنَةٌ فأنَا أشْهِدُكُمْ أنِّي قَدْ أوْجَبْتُ عَلَى نَفْسي الْعُمْرَةَ فأهَلَّ بالْعُمْرَةِ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كانَ بالبَيْدَاءِ أهَلَّ بِالحَجِّ والْعُمْرَةِ.

     وَقَالَ  مَا شأنُ الْحَجِّ والعُمْرَةِ إلاَّ وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطافَ لَهُمَا طَوَافا وَاحِدا فلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ اشْترى الْهَدْي من قديد) ، فَإِن القديد فِي الطَّرِيق فِي الْحل.
قَالَ ابْن بطال: أَرَادَ أَن يبين أَن مَذْهَب ابْن عمر فِي الْهَدْي مَا أَدخل من الْحل إِلَى الْحرم، لِأَن قديدا من الْحل، ورد عَلَيْهِ بِأَن التَّرْجَمَة أَعم من فعل ابْن عمر فَكيف يكون بَيَانا لَهُ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ طواف الْقَارِن، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع ... إِلَى آخِره، فَاعْتبر التَّفَاوُت فِي السَّنَد والمتن وَالْمعْنَى وَاحِد، وَهنا أخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي عَن حَمَّاد بن يزِيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( لِأَبِيهِ) هُوَ: عبد الله بن عمر.
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( أقِم) ، أَمر من الْإِقَامَة، أَرَادَ أَنه قَالَ لِأَبِيهِ لما أَرَادَ التَّوَجُّه إِلَى الْكَعْبَة: أقِم عندنَا لَا ترح هَذِه السّنة، فَإِن فِيهَا فتْنَة الْحجَّاج، فَيكون فِيهَا قتال يصدك عَن الْبَيْت.
قَوْله: ( فَإِنِّي لَا آمنها) أَي: لَا آمن الْفِتْنَة، وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة الممدودة وَفتح الْمِيم المخففة، وَقد مر فِي حَدِيث الْبابُُ الْمَذْكُور بِلَفْظ: لَا آمن، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: لَا أيمنها، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء.
.

     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: من الْعَرَب من يكسر زَوَائِد كل فعل مضارع فعل ومستقبله يفعل، فَتَقول: أَنا أعلم وَأَنت تعلم وَنحن نعلم، وَهُوَ يعلم.
قَوْله: ( أَن ستصد) أَي: أَن ستمنع، هَذِه رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( أَن تصد) ، بِنصب الدَّال، ويروى ( أَن ستصد) بِالرَّفْع.
قَوْله: ( إِذا أفعل) بِالنّصب.
قَوْله: ( كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، يَعْنِي: من الإهلال حِين صد بِالْحُدَيْبِية.
قَوْله: ( فَأهل بِالْعُمْرَةِ) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: ( فَأهل بِالْعُمْرَةِ من الدَّار) ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم من رِوَايَة عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي النُّعْمَان: شيخ البُخَارِيّ، وَفِيه حجَّة على من لم ير بِجَوَاز الْإِحْرَام من خَارج الْمَوَاقِيت، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على الْجَوَاز، ثمَّ قيل: هُوَ أفضل من الْمِيقَات، وَقيل: من كَانَ لَهُ مِيقَات معِين فَهُوَ فِي حَقه أفضل وإلاَّ فَمن دَاره أفضل، وللشافعية فِي أرجحية الْمِيقَات من الدَّار اخْتِلَاف.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: يُؤْخَذ من تَعْلِيلهم أَي: من أَمن على نَفسه كَانَ أرجح فِي حَقه، وإلاَّ فَمن الْمِيقَات أفضل.
قَوْله: ( مَا شَأْنهمَا إلاَّ وَاحِد) يَعْنِي: فِي الْعَمَل، لِأَن الْقَارِن لَا يطوف عِنْده إلاَّ طَوافا وَاحِدًا وسعيا وَاحِدًا.
وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن من أهلَّ بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج أَن لَهُ أَن يدْخل عَلَيْهَا الْحَج مَا لم يفْتَتح الطّواف بِالْبَيْتِ، لِأَن الصَّحَابَة أهلوا بِعُمْرَة فِي حجَّة الْوَدَاع، ثمَّ قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ مَعَه هدي فليهل بِالْحَجِّ مَعَ الْعمرَة، ثمَّ لَا يحل حَتَّى يحل مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَبِهَذَا احْتج مَالك فِي ( موطئِهِ) .
وَاخْتلفُوا فِي إِدْخَاله عَلَيْهَا إِذا افْتتح الطّواف، فَقَالَ مَالك: يلْزمه ذَلِك.
وَيكون قَارنا، وَذكر أَنه قَول عَطاء، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَأما إِدْخَال الْعمرَة مَعَ الْحَج فَمِنْهُ مِنْهُ مَالك، وَهُوَ قَول إِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَقَالُوا: يصير قَارنا، وَذكر أَنه قَول عَطاء، وَلكنه أَسَاءَ فِيمَا فعل.
قلت: الْقيَاس عِنْد أبي حنيفَة أَن لَا يمْنَع من إِدْخَال عمْرَة على حج، لِأَن من أَصله أَن على الْقَارِن تعدد الطّواف وَالسَّعْي.
قَوْله: ( فَلم يحل حَتَّى حل) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: حَتَّى أحل، بِزِيَادَة ألف فِي أَوله وَفتح الْحَاء، وَهِي لُغَة مَشْهُورَة، يُقَال: حل وَأحل.
قَوْله: ( مِنْهُمَا) أَي: من الْعمرَة وَالْحجّة.



( بابُُ منْ أشْعَرَ وقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أحْرَمَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أشعر هَدْيه.
وَفِي بَيَان من قَلّدهُ وَالْكَلَام فِي هذَيْن الْفَصْلَيْنِ على أَنْوَاع.

الأول: فِي تَفْسِير الْإِشْعَار لُغَة، وَهُوَ: من الشُّعُور فِي الأَصْل وَهُوَ الْعلم بالشَّيْء: من شعر يشْعر، من بابُُ نصر ينصر، إِذا علم وأشعر من الْإِشْعَار بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ الْإِعْلَام.

النَّوْع الثَّانِي: فِي تَفْسِيره شرعا، وَهُوَ أَن يضْرب صفحة سنامها الْيُمْنَى بحديدة حَتَّى تتلطخ بِالدَّمِ ظَاهرا، وَلَا نظر إِلَى مَا فِيهِ من الإيلام لِأَنَّهُ لَا منع إلاَّ مَا مَنعه الشَّرْع، وَذكر الْقَزاز: أشعرها إشعارا وإشعارها أَن يوجأ أصل سنامها بسكين، سميت بِمَا حل فِيهَا، وَذَلِكَ لِأَن الَّذِي فعل بهَا عَلامَة تعرف بهَا.
وَفِي ( الْمُحكم) : هُوَ أَن يشق جلدهَا أَو يطعنها حَتَّى يظْهر الدَّم، وَزعم ابْن قرقول أَن إشعارها هُوَ تعليمها بعلامة بشق جلد سنامها عرضا من الْجَانِب الْأَيْمن، هَذَا عِنْد الْحِجَازِيِّينَ وَأما الْعِرَاقِيُّونَ فالإشعار عِنْدهم تقليدها بقلادة، وَقيل الْإِشْعَار أَن يكشط جلد الْبَدنَة حَتَّى يسيل دم ثمَّ يسلته، فَيكون ذَلِك عَلامَة على كَونهَا هَديا.

النَّوْع الثَّالِث: فِي كَيْفيَّة الْإِشْعَار، وَالِاخْتِلَاف الَّذِي فِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: كَيْفيَّة الْإِشْعَار أَن يطعنها فِي أَسْفَل سنامها من الْجَانِب الْأَيْسَر حَتَّى يسيل الدَّم، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد فِي قَول: الْأَيْمن،.

     وَقَالَ  السفاقسي: إِذا كَانَت الْبَدنَة ذللاً أشعرها من الْأَيْسَر، وَإِن كَانَت صعبة قرن بدنتين، ثمَّ قَامَ بَينهمَا وأشعر إِحْدَاهمَا من الْأَيْمن وَالْأُخْرَى من الْأَيْسَر.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: وَعَن أَحْمد من الْجَانِب الْأَيْسَر، لِأَن ابْن عمر فعله، وَبِه قَالَ مَالك، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن مُجَاهِد، يَقُول: كَانُوا يستحبون الْإِشْعَار فِي الْجَانِب الْأَيْسَر.
وَفِي ( شرح الْمُوَطَّأ) للأشبيلي: وَجَائِز الْإِشْعَار فِي الْجَانِب الْأَيْمن، وَفِي الْجَانِب الْأَيْسَر، وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رُبمَا فعل هَذَا وَرُبمَا فعل هَذَا، وَأكْثر أهل الْعلم يستحبون فِي الْجَانِب الْأَيْمن، مِنْهُم الشَّافِعِي وَإِسْحَاق لحَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر بِذِي الحليفة ثمَّ دَعَا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الْيُمْنَى، ثمَّ سلت الدَّم عَنْهَا وقلدها بنعلين، أخرجه مُسلم، وَعند أبي دَاوُد: ثمَّ سلت الدَّم بِيَدِهِ، وَفِي لفظ: ثمَّ سلت الدَّم بإصبعه.
.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: يشْعر طولا،.

     وَقَالَ  السفاقسي عرضا، وَالْعرض عرض السنام من الْعُنُق إِلَى الذَّنب،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: أشعر من حَيْثُ شِئْت، ثمَّ قَالَ: والإشعار طولا فِي شقّ الْبَعِير أخذا من جِهَة مقدم الْبَعِير إِلَى جِهَة عَجزه، فَيكون مجْرى الدَّم عريضا فيتبين الْإِشْعَار، وَلَو كَانَ مَعَ عرض الْبَعِير كَانَ مجْرى الدَّم يَسِيرا خَفِيفا لَا يَقع بِهِ مَقْصُود الإعلان بِالْهَدْي.

النَّوْع الرَّابِع: فِي صفة الْإِشْعَار، ذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَن الْإِشْعَار سنة، وَذكر ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) بأسانيد جَيِّدَة عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس: إِن شِئْت فأشعر وَإِن شِئْت فَلَا،.

     وَقَالَ  ابْن حزم فِي ( الْمحلى) : قَالَ أَبُو حنيفَة: أكره الْإِشْعَار وَهُوَ مثلَة،.

     وَقَالَ : هَذِه طامة من طوام الْعَالم أَن يكون مثلَة شَيْء فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أفٍ لكل عقل يتعقب حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيلْزمهُ أَن تكون الْحجامَة وَفتح الْعرق مثله، فَيمْنَع من ذَلِك.
وَهَذِه قولة لَا نعلم لأبي حنيفَة فِيهَا مُتَقَدم من السّلف، وَلَا مُوَافق من فُقَهَاء عصره إلاَّ من ابتلاه الله تَعَالَى بتقليده.
قلت: هَذَا سفاهة وَقلة حَيَاء، لِأَن الطَّحَاوِيّ الَّذِي هُوَ أعلم النَّاس بمذاهب الْفُقَهَاء، وَلَا سِيمَا بِمذهب أبي حنيفَة، ذكر أَن أَبَا حنيفَة لم يكره أصل الْإِشْعَار، وَلَا كَونه سنة، وَإِنَّمَا كره مَا يفعل على وَجه يخَاف مِنْهُ هلاكها لسراية الْجرْح، لَا سِيمَا فِي حر الْحجاز مَعَ الطعْن بِالسِّنَانِ، أَو الشَّفْرَة، فَأَرَادَ سد الْبابُُ على الْعَامَّة، لأَنهم لَا يراعون الْحَد فِي ذَلِك، وَأما من وقف على الْحَد فَقطع الْجلد دون اللَّحْم فَلَا يكرههُ، وَذكر الْكرْمَانِي صَاحب الْمَنَاسِك عَنهُ استحسانه، قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، لَا سِيمَا إِذا كَانَ بمبضع وَنَحْوه، فَيصير كالفصد والحجامة، وَأما قَوْله: وَهَذِه قولة لَا نعلم لأبي حنيفَة فِيهَا مُتَقَدم من السّلف، فَقَوْل فَاسد، لِأَن ابْن بطال ذكر أَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَيْضا لَا يرى بالإشعار، وَلما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلد نَعْلَيْنِ، وأشعر الْهَدْي فِي الشق الْأَيْمن بِذِي الحليفة وأماط عَنهُ الدَّم، قَالَ: سَمِعت يُوسُف بن عِيسَى، يَقُول: سَمِعت وكيعا يَقُول حِين روى هَذَا الحَدِيث: لَا تنظروا إِلَى قَول أهل الرَّأْي فِي هَذَا، فَإِن الْإِشْعَار سنة، وَقَوْلهمْ بِدعَة.
قَالَ: وَسمعت أَبَا السَّائِب يَقُول: كُنَّا عِنْد وَكِيع فَقَالَ لرجل مِمَّن ينظر فِي الرَّأْي: أشعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيَقُول أَبُو حنيفَة: هُوَ مثلَة.
قَالَ الرجل: فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ: الْإِشْعَار مثلَة.
قَالَ: فَرَأَيْت وكيعا غضب غَضبا شَدِيدا،.

     وَقَالَ : أَقُول لَك: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتقول: قَالَ إِبْرَاهِيم؟ مَا أحقك بِأَن تحبس ثمَّ لَا تخرج حَتَّى تنْزع عَن قَوْلك هَذَا؟ انْتهى.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: لَا أعلم أحدا يكره الْإِشْعَار إلاَّ أَبَا حنيفَة، قَالَ: وَخَالفهُ صَاحِبَاه، وَقَالا بقول عَامَّة أهل الْعلم.
قلت: الْجَواب عَمَّا نَقله التِّرْمِذِيّ عَن وَكِيع، وَعَما قَالَه الْخطابِيّ، وَعَن قَول كل من يتعقب على أبي حنيفَة بِمثل هَذَا يحصل مِمَّا قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَقد رَأَيْت كل مَا ذكره، وَفِيه أريحية العصبية والحط على من لَا يجوز الْحَط عَلَيْهِ، وحاشا من أهل الْإِنْصَاف أَن يصدر مِنْهُم مَا لَا يَلِيق ذكره فِي حق الْأَئِمَّة الأجلاء على أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: لَا أتبع الرَّأْي وَالْقِيَاس إلاَّ إِذا لم أظفر بِشَيْء من الْكتاب أَو السّنة أَو الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهَذَا ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قد خير صَاحب الْهَدْي فِي الْإِشْعَار، وَتَركه على مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهَذَا يشْعر مِنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يريان الْإِشْعَار سنة وَلَا مُسْتَحبا.

النَّوْع الْخَامِس: فِي الْحِكْمَة فِي الْإِشْعَار: مِنْهَا: أَن الْبَدنَة الَّتِي أشعرت إِذا اخْتلطت بغَيْرهَا تميزت، وَإِذا ضلت عرفت، وَمِنْهَا: أَن السَّارِق رُبمَا ارتدع فَتَركهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا قد تعطب فتنحر، فَإِذا رأى الْمَسَاكِين عَلَيْهَا الْعَلامَة أكلوها، وَأَنَّهُمْ يتبعونها إِلَى المنحر لينالوا مِنْهَا.
وَمِنْهَا: أَن فِيهَا تَعْظِيم شعار الشَّرْع، وحث الْغَيْر عَلَيْهِ.

النَّوْع السَّادِس: أَن الْإِشْعَار مُخْتَصّ بِالْإِبِلِ أم لَا؟ فَقَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي إِشْعَار الْبَقَرَة فَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يشْعر فِي أسنمتها، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: تقلد وتشعر، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر،.

     وَقَالَ  مَالك: تشعر الَّتِي لَهَا سناء.
وتقلد وَلَا تشعر الَّتِي لَا سَنَام لَهَا.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير تقلد وَلَا تشعر وَأما الْغنم فَلَا يسن إشعارها لِضعْفِهَا وَلِأَن صوفها يستر مَوضِع الْإِشْعَار،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَمَا علمت أحدا ذكر الْخلاف فِي الْبَقَرَة المسمنة إلاَّ الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق وَمَا أرَاهُ مَوْجُودا.

النَّوْع السَّابِع: فِي التَّقْلِيد.
وَهُوَ سنة بِالْإِجْمَاع، وَهُوَ تَعْلِيق نعل أَو جلد ليَكُون عَلامَة الْهَدْي.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: لَو قلد بِعُرْوَة مزادة أَو لحي شَجَرَة أَو شبه ذَلِك جَازَ لحُصُول الْعَلامَة، وَذهب الشَّافِعِي وَالثَّوْري إِلَى أَنَّهَا تقلد بنعلين، وَهُوَ قَول ابْن عمر،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ وَمَالك: يجزىء وَاحِدَة، وَعَن الثَّوْريّ: يجزىء فَم الْقرْبَة، وَنَعْلَان أفضل لمن وجدهما.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن يبين أَن الْمُسْتَحبّ أَن لَا يشْعر الْمحرم وَلَا يُقَلّد إلاَّ فِي مِيقَات بَلَده، وَقيل: الَّذِي يظْهر أَن غَرَضه الْإِشَارَة إِلَى رد قَول مُجَاهِد، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يشْعر حَتَّى يحرم، وَهُوَ عكس مَا فِي التَّرْجَمَة.

وَقَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا أهْدَى مِنَ المَدِينَةِ قَلَّدَهُ وأشْعَرَهُ بِذِي الحلَيْفَةِ ويَطْعُن فِي شِثِّ سَنامِهِ الأيْمَن بِالشَّفْرَةِ ووَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عمر كَانَ يُقَلّد ويشعر بِذِي الحليفة، فَإِن بداءته بالتقليد والإشعار يدل على أَنه كَانَ يقدمهما على الْإِحْرَام، وَفِي التَّرْجَمَة كَذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: ثمَّ أحرم أَي: بعد الْإِشْعَار والتقليد أحرم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) قَالَ: عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أَنه إِذا أهْدى هَديا من الْمَدِينَة قَلّدهُ بِذِي الحليفة، يقلده قبل أَن يشعره، وَذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِد، وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى الْقبْلَة يقلده بنعلين، ويشعره من الشق الْأَيْسَر ثمَّ يساق مَعَه حَتَّى يُوقف بِهِ مَعَ النَّاس بِعَرَفَة، ثمَّ يدْفع بِهِ فَإِذا قدم غَدَاة النَّحْر نَحره.
فَإِن قلت: الَّذِي علقه البُخَارِيّ يدل على الْأَيْمن، وَالَّذِي رَوَاهُ مَالك يدل على الْأَيْسَر.
قلت: قَالَ ابْن بطال: روى أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ يشعرها مرّة فِي الْأَيْمن، وَمرَّة فِي الْأَيْسَر، فَأخذ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة الْأَيْسَر، وَأخذ الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة أُخْرَى بِرِوَايَة الْأَيْمن، وَعَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ إِذا طعن فِي سَنَام هَدْيه، وَهُوَ يشعره، قَالَ: بِسم الله وَالله أكبر.
قَوْله: ( إِذا أهْدى من الْمَدِينَة) أَي: هَدْيه قَلّدهُ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي قَلّدهُ، وَأَشْعرهُ يرجع إِلَى الْهَدْي الْمُقدر الَّذِي هُوَ مفعول: أهْدى، وَقد صرح بِهِ فِي رِوَايَة مَالك كَمَا وقفت عَلَيْهِ.
قَوْله: ( ويطعن) ، بِضَم الْعين من الطعْن بِالرُّمْحِ، وَنَحْوه، قَوْله: ( فِي شقّ سنامه) ، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ النَّاحِيَة وَالنّصف.
قَوْله: ( بالشفرة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَهِي السكين الْعَظِيم.
قَوْله: ( ووجهها) الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ، يرجع إِلَى الْبَدنَة الَّتِي هِيَ الْهَدْي، وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لدلَالَة الْقَرِينَة عَلَيْهِ.
قَوْله: ( باركة) ، نصب على الْحَال.



[ قــ :160 ... غــ :1695 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ ومَرْوانَ قَالَا خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ المَدِينَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ مائَةً مِنْ أصحَابِهِ حَتَّى إذَا كانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدْيَ وأشْعَرَهُ وَأحْرَمَ بِالعُمْرَةِ.

.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم بعد تَقْلِيده هَدْيه، وإشعاره، والترجمة فِي الْإِشْعَار والتقليد ثمَّ الْإِحْرَام.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاس، يُقَال لَهُ: مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي.
الثَّانِي: عبد الله ابْن الْمُبَارك.
الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
السَّادِس: الْمسور، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو، وَفِي آخِره رَاء: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء ابْن نَوْفَل بن وهيب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب بن مرّة بن لؤَي بن غَالب، ابْن أُخْت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ، يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمر بن الْخطاب وَعمر بن عَوْف عِنْدهمَا، والمغيرة بن شُعْبَة وَمُحَمّد بن مُسلم.
قَالَ ابْن بكير: مَاتَ بِمَكَّة يَوْم جَاءَ نعي يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى ابْن الزبير سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير، وأصابه حجر المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر، فَمَاتَ فِي شهر ربيع الأول وَولد بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ، وَتُوفِّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَكَانَ أَصْغَر من ابْن الزبير بأَرْبعَة أشهر.
السَّابِع: مَرْوَان بن الحكم ابْن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس أَبُو عبد الْملك الْقرشِي الْأمَوِي، يُقَال: إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَلم يحفظ عَنهُ شَيْئا، وَتُوفِّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، قَالَ خَليفَة: مَاتَ مَرْوَان بِدِمَشْق لثلاث خلت من شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَخمسين سنة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مروزيان ومعمرا بَصرِي سكن الْيمن والبقية مدنيون، غير أَن مسورا أَقَامَ بِمَكَّة إِلَى أَن مَاتَ بهَا، كَمَا ذكرنَا.
وَفِيه: أَن هَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَه صَاحب ( التَّلْوِيح) .

     وَقَالَ : لِأَن سنه كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَة أَربع سِنِين، وَأما مَرْوَان فَلم تصح لَهُ صُحْبَة.
وَفِيه: أَن مَرْوَان من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَعَن التَّابِعِيّ أَيْضا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) أخرجه البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع مُخْتَصرا من حَدِيث طَوِيل.
.

     وَقَالَ  الْحَافِظ الْمزي: أخرجه فِي كتاب الشُّرُوط عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَفِي الْحَج أَيْضا عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق، وَفِي الْمَغَازِي عَن عَليّ بن عبد الله مُخْتَصرا، وَفِيه عَن عبد الله بن مُحَمَّد أَيْضا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن عبد الْأَعْلَى عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمُبَارك بِبَعْضِه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خرج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَدِينَة) ويروى: ( خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة من الْمَدِينَة) .
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: ( من الْمَدِينَة) وَفِي بَعْضهَا بدله: ( من الْحُدَيْبِيَة) .
قَوْله: ( فِي بضع عشرَة) ، الْبضْع بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْفَتْح: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع.
قَوْله: ( قلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدْي) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاق يَوْم الْحُدَيْبِيَة سبعين بَدَنَة عَن سَبْعمِائة رجل) .
وَفِي رِوَايَة: ( كَانُوا فِي الْحُدَيْبِيَة خمس عشرَة مائَة) .
وَفِي رِوَايَة: ( أَربع عشرَة مائَة) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: تَقْلِيد الْهَدْي وإشعاره قبل الْإِحْرَام.
وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة التَّقْلِيد ومشروعية الْإِشْعَار،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: من أَرَادَ أَن يحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة وسَاق مَعَه هَديا لَا يقلده إلاَّ من مِيقَات، وَكَذَلِكَ يسْتَحبّ لَهُ أَيْضا أَن لَا يحرم إلاَّ من ذَلِك الْمِيقَات، على مَا عمل بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا فِي الْحُدَيْبِيَة، وَفِي حجَّته أَيْضا، وَكَذَلِكَ من أَرَادَ أَن يبْعَث بِهَدي إِلَى الْبَيْت وَلم يرد الْحَج وَالْعمْرَة وَأقَام فِي بَلَده فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يقلده وَأَن يشْعر فِي بَلَده، ثمَّ يبْعَث بِهِ كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ بعث بهديه مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة تسع وَلم يُوجب ذَلِك على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحراما وَلَا تجردا من ثِيَاب وَلَا غير ذَلِك، وعَلى هَذَا جمَاعَة أَئِمَّة الْفَتْوَى: مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وردوا قَول ابْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ كَانَ يرى أَن من بعث بِهَدي إِلَى الْكَعْبَة لزمَه، إِذا قَلّدهُ، الْإِحْرَام، ويجتنب كل مَا يجْتَنب الْحَاج حَتَّى ينْحَر هَدْيه.
وتابع ابْن عَبَّاس، على ذَلِك ابْن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على خلاف عَنهُ، وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد.
قَالَ أَبُو عمر: وَقيس بن سعد بن عبَادَة، وَسَعِيد بن الْمسيب على اخْتِلَاف عَنهُ، وَمَيْمُون بن شبيب، ويروى مثل ذَلِك فِي أثر مَرْفُوع عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الرَّحْمَن بن عَطاء بن أبي لَبِيبَة عَن عبد الْملك بن جَابر عَنهُ، وَابْن أبي لَبِيبَة شيخ لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ فِيمَا ينْفَرد بِهِ، فَكيف فِيمَا خَالفه فِيهِ من هُوَ أثبت مِنْهُ؟ وَلكنه قد عمل بحَديثه بعض الصَّحَابَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَلَا يخْتَلف الْعلمَاء أَن هدي كل من كَانَ مِيقَاته ذَا الحليفة أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُؤَخر إِحْرَامه إِلَى الْجحْفَة، وَإِنَّمَا يُؤَخر إِحْرَامه إِلَى الْجحْفَة المغربي والشامي.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : وتابع ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَيْضا الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو الشعْثَاء وَمُجاهد وَالْحسن بن أبي الْحسن، ذكره فِي ( المُصَنّف) وَحَكَاهُ أَيْضا عَن عمر وَعلي وَابْن سِيرِين، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ عَطاء،.

     وَقَالَ  مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن ربيعَة بن الهدير: رأى رجلا متجردا بالعراق، فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: أَمر بهديه أَن يُقَلّد، فَلذَلِك تجرد، فَذكر ذَلِك لِابْنِ الزبير، فَقَالَ: بِدعَة وَرب الْكَعْبَة.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: لَا يجوز عندنَا أَن يكون حلف ابْن الزبير على ذَلِك إلاَّ أَنه قد علم أَن السّنة على خِلَافه.
وَالله أعلم.