فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى

( بابُُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنًى)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان النَّحْر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
المنحر، بِفَتْح الْمِيم: اسْم الْموضع الَّذِي تنحر فِيهِ الْإِبِل،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الأولى الَّتِي تلِي مَسْجِد منى، وَأخرج الفاكهي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ منزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى عَن يسَار الْمُصَلِّي.
.

     وَقَالَ  غير طَاوُوس: وَأمر بنسائه أَن ينزلن جنب الدَّار بمنى.
وَأمر الْأَنْصَار أَن ينزلُوا الشّعب وَرَاء الدَّار.
انْتهى.
والشِّعب، هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الْمَذْكُورَة، وللنحر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضِيلَة لما روى مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنِي أبي ( عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نحرت هَهُنَا، وَمنى كلهَا منحر، فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ، ووقفت هَهُنَا، وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَهُنَا، وَجمع كلهَا موقف) .
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: فِي هَذِه الْأَلْفَاظ بَيَان رفق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمته وشفقته عَلَيْهِم فِي تنبيههم عَن مصَالح دينهم ودنياهم فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَهُم الْأَكْمَل والجائز، فالأكمل مَوضِع نَحره ووقوفه، والجائز كل جُزْء من أَجزَاء منى للنحر، وجزء من أَجزَاء عَرَفَات، وجزء من أَجزَاء مُزْدَلِفَة.
.

     وَقَالَ  فِي ( شرح الْمُهَذّب) : قَالَ الشَّافِعِي وأصحابنا: يجوز نحر الْهَدْي وَدِمَاء الجبرانات فِي جَمِيع الْحرم، لَكِن الْأَفْضَل فِي حق الْحَاج النَّحْر بمنى، وَأفضل مَوضِع فِي منى للنحر مَوضِع نحر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا قاربه، وَالْأَفْضَل فِي حق الْمُعْتَمِر أَن ينْحَر فِي الْمَرْوَة، لِأَنَّهَا مَوضِع تَحْلِيله، كَمَا أَن منى مَوضِع تَحْلِيل الْحَاج.

قَوْله: ( فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ) أَي: فِي مَنَازِلكُمْ، قَالَ أهل اللُّغَة: رَحل الرجل منزله سَوَاء كَانَ من حجرٍ أَو مدر أَو شعر أَو وبر، وَمعنى الحَدِيث: منى كلهَا يجوز النَّحْر فِيهَا، فَلَا تتكلفوا فِي النَّحْر فِي مَوضِع نحري، بل يجوز لكم النَّحْر فِي مَنَازِلكُمْ من منى، وَالله أعلم.



[ قــ :1636 ... غــ :1710 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ سَمِعَ خالِدَ بنَ الحَارِثِ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ قَالَ عُبَيْدُ الله مَنْحَرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( منحر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِإسْحَاق بن رَاهَوَيْه، كَذَلِك أخرجه إِسْحَاق فِي ( مُسْنده) وَأخرجه من طَرِيقه أَبُو نعيم وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبيد الله بن عمر بن الْخطاب.

قَوْله: ( قَالَ عبيد الله) ، هُوَ ابْن عمر الْمَذْكُور، وَمَعْنَاهُ أَن مُرَاد نَافِع بِإِطْلَاق النَّحْر ( هُوَ) منحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الْأَضَاحِي أوضح من هَذَا، فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، حَدثنَا خَالِد بن الْحَارِث ... فَذكره.
قَالَ: قَالَ عبيد الله: يَعْنِي منحر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :1637 ... غــ :1711 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنَا أنَسُ بنُ عِياضٍ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ من آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الْحُرُّ والمَمْلُوكُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِنَّمَا ذكر حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عقيب الحَدِيث السَّابِق لكَونه مُصَرحًا بِإِضَافَة المنحر إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نفس الحَدِيث، وَأفَاد أَيْضا هَذَا الحَدِيث أَن وَقت بعث الْهَدْي إِلَى المنحر من الْمزْدَلِفَة من آخر اللَّيْل.

قَوْله: ( من جمع) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم: هُوَ الْمزْدَلِفَة.
قَوْله: ( حُجاج) بِضَم الْحَاء: جمع حَاج.
قَوْله: ( فيهم الْحر والمملوك) .
أَي فِي الْحجَّاج، يَعْنِي أَن ابْن عمر لم يكن يخص فِي بعث هَدْيه مَعَ الْحجَّاج الحرَّ مِنْهُم، وَلَا الْمَمْلُوك، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَا يشْتَرط بعث الْهَدْي مَعَ الْأَحْرَار دون العبيد.