فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحلق والتقصير عند الإحلال

( بابُُ الْحَلْقِ والتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإحْلاَلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْحلق وَالتَّقْصِير عِنْد إحلاله من الْإِحْرَام.
قيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن الْحلق نسك لقَوْله: ( عِنْد الْإِحْلَال) ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور إلاَّ فِي رِوَايَة ضَعِيفَة عَن الشَّافِعِي أَنه اسْتِبَاحَة مَحْظُور.
قلت: وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَن من لبد رَأسه وَجب عَلَيْهِ الحلاق، كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِذَلِك أَمر النَّاس عمر بن الْخطاب وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَكَذَلِكَ لَو ضفر رَأسه أَو عقصه كَانَ حكمه حكم التلبيد، وَفِي ( كَامِل) ابْن عدي من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: ( من لبد رَأسه للْإِحْرَام فقد وَجب عَلَيْهِ الْحلق) ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: من لبد رَأسه أَو ضفره فَإِن قصر وَلم يحلق أَجزَأَهُ، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كَانَ يَقُول: من لبد أَو عقص أَو ضفر فَإِن نوى الْحلق فليحلق، وَإِن لم يُنَوّه فَإِن شَاءَ حلق وَإِن شَاءَ قصر.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين فِي شرح التِّرْمِذِيّ: إِن الْحلق نسك.
قَالَه النَّوَوِيّ، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ القَوْل الصَّحِيح للشَّافِعِيّ.
وَفِيه خَمْسَة أوجه أَصَحهَا: أَنه ركن لَا يَصح الْحَج وَالْعمْرَة إِلَّا بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنه وَاجِب.
وَالثَّالِث: أَنه مُسْتَحبّ.
وَالرَّابِع: أَنه اسْتِبَاحَة مَحْظُور.
وَالْخَامِس: أَنه ركن فِي الْحَج وَاجِب فِي الْعمرَة وَإِلَيْهِ ذهب الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغير وَاحِد من الشَّافِعِيَّة.



[ قــ :1652 ... غــ :1726 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبُ بنُ أبِي حَمْزَةَ قَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ حَلَقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّتِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( حلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، قَالَ بَعضهم: والْحَدِيث طرف من حَدِيث طَوِيل أَوله: لما نزل الْحجَّاج بِابْن الزبير، نبه عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قلت: روى مُسلم من حَدِيث نَافِع أَن ابْن عمر أَرَادَ الْحَج عَام نزُول الْحجَّاج بِابْن الزبير ... الحَدِيث، وَفِيه: ( وَلم يحلل من شَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْم النَّحْر، فَنحر وَحلق) .

قَوْله: ( فِي حجَّته) ، وَهِي حجَّة الْوَدَاع، يدل عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( اللَّهُمَّ ارْحَمْ المخلقين) فَفِيهِ خلاف.

     وَقَالَ  بَعضهم كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين أَمرهم بِالْحلقِ، على مَا نذكرهُ عَن قريب، وَيحْتَمل أَنه كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ الْأَشْبَه، لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة توقفت فِي الْحلق فيهمَا.

ثمَّ الْكَلَام فِي حلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَعَلَّق بِهِ على أَنْوَاع.

الأول فِي كَيْفيَّة حلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: روى مُسلم من حَدِيث أنس: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى من منى فَأتى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا، ثمَّ أَتَى منزله بمنى وَنحر،.

     وَقَالَ  للحلاق: خُذ، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ جعل يُعْطِيهِ النَّاس)
.
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس أَيْضا قَالَ: ( لما رمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَمْرَة نحر نُسكه، ثمَّ ناول الحالق شقَّه الْأَيْمن فحلقه، فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة، ثمَّ نَاوَلَهُ شقَّه الْأَيْسَر فحلقه فَقَالَ: أقسمه بَين النَّاس) .
ثمَّ ظَاهر رِوَايَة التِّرْمِذِيّ أَن الشّعْر الَّذِي أَمر أَبَا طَلْحَة بقسمته بَين النَّاس هُوَ شعر الشق الْأَيْسَر، وَهَكَذَا رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة، وَأما رِوَايَة حَفْص بن غياث وَعبد الْأَعْلَى ففيهما أَن الشق الَّذِي قسمه بَين النَّاس، هُوَ الْأَيْمن، وكلا الرِّوَايَتَيْنِ عِنْد مُسلم، وَأما رِوَايَة حَفْص فَقَالَ أَبُو كريب عَنهُ: فَبَدَأَ بالشق الْأَيْمن فوزعه الشعرة والشعرتين بَين النَّاس، ثمَّ قَالَ بالأيسر، فَصنعَ مثل ذَلِك.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر فِي رِوَايَته عَن حَفْص، قَالَ للحلاق: وَهَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن هَكَذَا، فقسم شعره بَين من يَلِيهِ، قَالَ: ثمَّ أَشَارَ إِلَى الحلاق إِلَى الْجَانِب الْأَيْسَر فحلقه، فَأعْطَاهُ أم سليم،.

     وَقَالَ  يحيى بن يحيى فِي رِوَايَته عَن حَفْص، ثمَّ قَالَ للحلاق: خُذ، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبه الْأَيْمن، ثمَّ للأيسر، ثمَّ جعل يُعْطِيهِ النَّاس، فَلم يذكر يحيى بن يحيى فِي رِوَايَته أَبَا طَلْحَة وَلَا أم سليم، وَأما رِوَايَة عبد الْأَعْلَى فَقَالَ فِيهَا:.

     وَقَالَ  بِيَدِهِ، فحلق شقَّه الْأَيْمن فَقَسمهُ فِيمَن يَلِيهِ، ثمَّ قَالَ: إحلق الشق الآخر.
فَقَالَ: أَيْن أَبُو طَلْحَة؟ فَأعْطَاهُ إِيَّاه.

وَقد اخْتلف أهل الحَدِيث فِي الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي هَذَا الحَدِيث، فَذهب بَعضهم إِلَى الْجمع بَينهمَا، وَذهب بَعضهم إِلَى التَّرْجِيح لتعذر الْجمع عِنْده،.

     وَقَالَ  صَاحب الْفَهم: إِن قَوْله: ( لما حلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقّ رَأسه الْأَيْمن أعطاء أَبَا طَلْحَة) ، لَيْسَ مناقضا لما فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه قسم شعر الْجَانِب الْأَيْمن بَين النَّاس، وَشعر الْجَانِب الْأَيْسَر أعطَاهُ أم سليم، وَهِي امْرَأَة أبي طَلْحَة وَهِي أم أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
.
قَالَ: وَحصل من مَجْمُوع هَذِه الرِّوَايَات أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما حلق الشق الْأَيْمن نَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَة ليقسمه بَين النَّاس، فَفعل أَبُو طَلْحَة، وناول شعر الشق الْأَيْسَر ليَكُون عِنْد أبي طَلْحَة، فَصحت نِسْبَة كل ذَلِك إِلَى من نسب إِلَيْهِ، وَالله أعلم.
وَقد جمع الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي مَوضِع إِمْكَان جمعه، وَرجح فِي مَكَان تعذره، فَقَالَ: وَالصَّحِيح أَن الَّذِي وزعه على النَّاس الشق الْأَيْمن، وَأعْطى الْأَيْسَر أَبَا طَلْحَة وَأم سليم، وَلَا تضَاد بَين الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَن أم سليم امْرَأَة أبي طَلْحَة، فإعطاه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهما، فنسب الْعَطِيَّة تَارَة إِلَيْهِ وَتارَة إِلَيْهَا.
انْتهى.
وَفِي رِوَايَة أَحْمد فِي ( الْمسند) مَا يَقْتَضِي أَنه أرسل شعر الشق الْأَيْمن مَعَ أنس إِلَى أمه أم سليم امْرَأَة أبي طَلْحَة فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: لما حلق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأسه بمنى أَخذ شقّ رَأسه الْأَيْمن بِيَدِهِ، فَلَمَّا فرغ ناولني فَقَالَ: يَا أنس إنطلق بِهَذَا إِلَى أم سليم، قَالَ: فَلَمَّا رأى النَّاس مَا خصنا بِهِ تنافسوا فِي الشق الآخر، هَذَا يَأْخُذ الشَّيْء، وَهَذَا يَأْخُذ الشَّيْء.
قَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَكَأن الْمُحب الطَّبَرِيّ رجح رِوَايَة تَفْرِقَة الشق الْأَيْمن بِكَثْرَة الروَاة، فَإِن حَفْص بن غياث وَعبد الْأَعْلَى اتفقَا على ذَلِك عَن هِشَام، وَخَالَفَهُمَا ابْن عُيَيْنَة وَحده، ثمَّ قَالَ الشَّيْخ: وَقد ترجح تَفْرِقَة الإيسر بِكَوْنِهِ مُتَّفقا عَلَيْهِ، وتفرقة الْأَيْمن من أَفْرَاد مُسلم، فقد وَقع عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة ابْن عون عَن ابْن سِيرِين ( عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما حلق كَانَ أَبُو طَلْحَة أول من أَخذ من شعره) ، فَهَذَا يدل على أَن الَّذِي أَخذه أَبُو طَلْحَة الْأَيْمن، وَإِن كَانَ يجوز أَن يُقَال: أَخذه ليفرقه، فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الَّذِي أَخذه أَبُو طَلْحَة لنَفسِهِ، فقد اتّفق ابْن عون عَن هِشَام من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَنهُ، على أَن أَبَا طَلْحَة أَخذ الشق الْأَيْمن، وَاخْتلف فِيهِ على هِشَام، فَكَانَت الرِّوَايَة الَّتِي لَا اخْتِلَاف فِيهَا أولى بِالْقبُولِ، وَالله أعلم.

النَّوْع الثَّانِي: أَن فِيهِ مَا يدل على وجوب اسْتِيعَاب حلق الرَّأْس، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلق جَمِيع رَأسه،.

     وَقَالَ : ( خُذُوا عني مَنَاسِككُم) ، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، كالمسح فِي الْوضُوء،.

     وَقَالَ  مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجب حلق أَكثر الرَّأْس، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة،.

     وَقَالَ  عَطاء: يبلغ بِهِ إِلَى العظمين اللَّذين عِنْد مُنْتَهى الصدغين، لِأَنَّهُمَا مُنْتَهى نَبَات الشّعْر، ليَكُون مستوعبا لجَمِيع رَأسه.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: يجب حلق ربع الرَّأْس.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: يجب حلق نصف الرَّأْس، وَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنه يَكْفِي حلق ثَلَاث شَعرَات، وَلم يكتف بشعرة أَو بعض شَعْرَة، كَمَا اكْتفى بذلك فِي مسح الرَّأْس فِي الْوضُوء.

النَّوْع الثَّالِث: أَنه يسْتَدلّ بِهِ على أَفضَلِيَّة الْحلق على التَّقْصِير، وسنبينه فِي الحَدِيث الْآتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

النَّوْع الرَّابِع: أَن فِيهِ طَهَارَة شعر الْآدَمِيّ، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَخَالف فِي ذَلِك أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ مِنْهُم، فخصص الطَّهَارَة بِشعرِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذهب إِلَى نَجَاسَة شعر غَيره.

النَّوْع الْخَامِس: فِيهِ التَّبَرُّك بِشعرِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَغير ذَلِك من آثاره بِأبي وَأمي وَنَفْسِي هُوَ، وَقد روى أَحْمد فِي ( مُسْنده) بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن سِيرِين أَنه قَالَ: فَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدَة السَّلمَانِي يُرِيد: هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لِأَن يكون عِنْدِي شَعْرَة مِنْهُ أحب إِلَيّ من كل بَيْضَاء وصفراء على وَجه الأَرْض.
وَفِي بَطنهَا، وَقد ذكر غير وَاحِد أَن خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ فِي قلنسوته شَعرَات من شعره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلذَلِك كَانَ لَا يقدم على وَجه إلاَّ فتح لَهُ، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ذكره الملا فِي ( السِّيرَة) : أَن خَالِدا سَأَلَ أَبَا طَلْحَة حِين فرق شعره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين النَّاس أَن يُعْطِيهِ شعر ناصيته، فَأعْطَاهُ إِيَّاه، فَكَانَ مقدم ناصيته مناسبا لفتح كل مَا أقدم عَلَيْهِ.

النَّوْع السَّادِس: أَن فِيهِ أَنه لَا بَأْس باقتناء الشّعْر الْبَائِن من الْحَيّ وَحفظه عِنْده، وَأَنه لَا يجب دَفنه، كَمَا قَالَ بَعضهم: إِنَّه يجب دفن شُعُور بني آدم، أَو يسْتَحبّ، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي سنَن الْحلق، فَقَالَ: وَإِذا حلق فالمستحب أَن يبْدَأ بالشق الْأَيْمن ثمَّ بالأيسر، وَأَن يكون مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَإِنَّمَا يكبر بعد الْفَرَاغ، وَأَن يدْفن شعره.
وَزَاد الْمُحب الطَّبَرِيّ فَذكر من سنَنه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ بعده، فسننه إِذا خَمْسَة.

النَّوْع السَّابِع: فِيهِ مواساة الإِمَام وَالْكَبِير بَين أَصْحَابه فِيمَا يقسمهُ بَينهم، وَإِن فَاضل بَينهم لأمر اقْتضى ذَلِك.

النَّوْع الثَّامِن: فِيهِ أَنه لَا بَأْس بتفضيل بَعضهم على بعض فِي الْقِسْمَة لأمر يرَاهُ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصص أَبَا طَلْحَة وَأم سليم بِشعر أحد الشقين، كَمَا تقدم.

النَّوْع التَّاسِع: أَن الحالق الْمَذْكُور اخْتلف فِي تَعْيِينه، فَقَالَ البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) : زَعَمُوا أَنه معمر بن عبد الله،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِنَّه الصَّحِيح الْمَشْهُور، قَالَ البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ الْكَبِير) : قَالَ عَليّ بن عبد الله: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عقبَة، مولى معمر، عَن معمر الْعَدوي قَالَ: ( كنت أرجِّل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قضى حجه، وَكَانَ يَوْم النَّحْر، جلس يحلق رَأسه، فَرفع رَأسه فَنظر فِي وَجْهي، فَقَالَ: يَا معمر! أمكنك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شحمة أُذُنه، وَفِي يدك الموسى، فَقَالَ: ذَاك من الله تَعَالَى عَليّ وفضله.
قَالَ: نعم؟ فحلقته)
، وَقيل: إِن الَّذِي حلق رَأسه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ خرَاش بن أُميَّة بن ربيعَة، حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) :.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا وهمٌ من قَائِله، وَإِنَّمَا حلق رَأسه خرَاش بن أُميَّة يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَقد بَينه ابْن عبد الْبر، فَقَالَ فِي تَرْجَمَة خرَاش، وَهُوَ الَّذِي حلق رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة.
انْتهى.
فَمن ذكر أَنه حلق لَهُ يَوْم النَّحْر فِي حجَّته فقد وهم، وَإِنَّمَا حلق لَهُ يَوْم النَّحْر معمر بن عبد الله الْعَدوي.
كَمَا تقدم، وَهُوَ الصَّوَاب.

النَّوْع الْعَاشِر: أَن عِنْد أبي حنيفَة يبْدَأ بِيَمِين الحالق ويسار المحلوق، قَالَه الْكرْمَانِي فِي ( مَنَاسِكه) وَعند الشَّافِعِي: يبْدَأ بِيَمِين المحلوق، وَالصَّحِيح عِنْد أبي حنيفَة مثله.

النَّوْع الْحَادِي عشر: مَا ذكره صَاحب ( التَّوْضِيح) ، فَقَالَ: يدْخل وَقت الْحلق من طُلُوع الْفجْر عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَعِنْدنَا ينصف لَيْلَة النَّحْر، وَلَا آخر لوقته، وَالْحلق بمنى يَوْم النَّحْر أفضل.
قَالُوا: وَلَو أَخّرهُ حَتَّى بلغ بَلَده حلق.
أَو أهْدى، فَلَو وطىء قبل الْحلق فَعَلَيهِ هدي، بِخِلَاف الصَّيْد على الْمَشْهُور عِنْدهم،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: يجوز تَأْخِيره إِلَى آخر أَيَّام النَّحْر، فَإِن أَخّرهُ عَن ذَلِك فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا دم عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ عَطاء وَأَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر، وَيُشبه مَذْهَب الشَّافِعِي، لِأَن الله تَعَالَى بَين أول وقته بقوله: { وَلَا تحلقوا رؤوسكم} ( الْبَقَرَة: 691) .
الْآيَة، وَلم يبين آخِره، فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجزَأَهُ، وَعَن أَحْمد: عَلَيْهِ دم بِتَأْخِيرِهِ، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ نسك أَخّرهُ عَن مَحَله، وَلَا فرق فِي التَّأْخِير بَين الْقَلِيل وَالْكثير، والساهي والعامد،.

     وَقَالَ  مَالك وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: من تَركه حَتَّى حل فَعَلَيهِ دم، لِأَنَّهُ نسك فَيَأْتِي بِهِ فِي إِحْرَام الْحَج كَسَائِر مَنَاسِكه.





[ قــ :1653 ... غــ :177 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أللَّهُمَّ ارْحَمْ المحَلِّقينَ قالُوا والمُقَصِّرينَ يَا رسولَ الله قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقينَ قالُوا والمُقَصِّرِينَ يَا رسولَ الله قَالَ والمُقَصِّرينَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي الْحلق وَالتَّقْصِير.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد أَيْضا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.

قَوْله: (أللهم ارْحَمْ المحلقين) ، هَذَا الدُّعَاء الَّذِي وَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتكرار للمحلقين وأفراد الدُّعَاء للمقصرين، هَل كَانَ ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع أَو فِي الْحُدَيْبِيَة؟ فَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: كَونه فِي الْحُدَيْبِيَة هُوَ الْمَحْفُوظ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: لَا يبعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَا قَالَه القَاضِي هُوَ الصَّوَاب جمعا بَين الْأَحَادِيث، فَفِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أم الْحصين أَنه قَالَه فِي حجَّة الْوَدَاع، وَقد رُوِيَ أَن ابْن إِسْحَاق قَالَ فِي (السِّيرَة) : حَدثنِي ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ حلق: رجال يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَقصر آخَرُونَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم ارْحَمْ المحلقين، ثَلَاثًا.
قيل: يَا رَسُول الله! مَا بَال المحلقين ظَاهَرت لَهُم بالترحم؟ قَالَ: لأَنهم لم يشكوا) .
فَهَذَا يُوضح أَنه قَالَه فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: كَانَت عَادَتهم اتِّخَاذ الشّعْر على الرؤوس وتوفيرها وتزيينها، وَكَانَ الْحلق فيهم قَلِيلا، ويرون ذَلِك نوعا من الشُّهْرَة، وَكَانَ يشق عَلَيْهِم الْحلق، فمالوا إِلَى التَّقْصِير.
فَمنهمْ من حلق وَمِنْهُم من قصر لما يجد فِي نَفسه مِنْهُ، فَمن أجل ذَلِك سمح لَهُم بِالدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ، وَقصر، بالآخرين إِلَى أَن استعطف عَلَيْهِم، فعممهم بِالدُّعَاءِ بعد ذَلِك.
فَإِن قلت: مَا معنى قَوْله: (لم يشكوا) ؟ وَمَا المُرَاد بِالشَّكِّ وَوُجُود الشَّك من الصَّحَابَة مُشكل.
قلت: مَعْنَاهُ لم يشكوا أَن الحلاق أفضل قيل: فِيهِ نظر، لِأَن الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إِذا رَأَوْا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل فعلا رَأَوْهُ أفضل، وَإِنَّمَا كَانُوا يقصدون مُتَابَعَته.
قَوْله: (والمقصرين) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: قل: وَارْحَمْ الْمُقَصِّرِينَ أَيْضا، وَيُسمى مثل هَذَا: بالْعَطْف التلقيني، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ، وَمن ذريتي} (الْبَقَرَة: 41) .
وَفِيه: مَا يدل على أَفضَلِيَّة الْحلق لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْعِبَادَة وأدل على صدق النِّيَّة فِي التذلل لله، لِأَن المقصر مبق على نَفسه من زينته الَّتِي قد أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يكون الْحَاج مجانبا لَهَا.
وَقيل: مَا ذكر من أَفضَلِيَّة الْحلق على التَّقْصِير إِنَّمَا هِيَ فِي حقِّ الرِّجَال دون النِّسَاء، لوُرُود النَّهْي عَن حلق النِّسَاء، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ على النِّسَاء الْحلق، إِنَّمَا على النِّسَاء التَّقْصِير) .
وروى التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تحلق الْمَرْأَة رَأسهَا) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث: عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة (عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تحلق الْمَرْأَة رَأسهَا) .

وقالَ اللَّيْثُ حدَّثني نافَعٌ رَحِمَ الله المُحَلِّقِينَ مَرِّةً أوْ مَرَّتيْنِ.

     وَقَالَ  عُبَيْدُ الله حدَّثني نافعٌ.

     وَقَالَ  فِي الرَّابِعَةِ والمقَصِّرينَ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَلَفظه: (رحم الله المحلقين، مرّة أَو مرَّتَيْنِ.
قَالُوا: والمقصرين؟ قَالَ: والمقصرين) الشَّك فِيهِ من اللَّيْث وإلاَّ فَأكْثر الروَاة يوافقون لما رَوَاهُ مَالك، فَإِن مُعظم الرِّوَايَات عَن مَالك إِعَادَة الدُّعَاء للمحلقين مرَّتَيْنِ، وَعطف الْمُقَصِّرِينَ عَلَيْهِ فِي الْمرة الثَّالِثَة، وَانْفَرَدَ يحيى بن بكير دون رَوَاهُ (الْمُوَطَّأ) بِإِعَادَة ذَلِك ثَلَاث مَرَّات نبه عَلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي (التَّقَصِّي) وَلم يُنَبه عَلَيْهِ فِي (التَّمْهِيد) بل قَالَ فِيهِ: إِنَّهُم لم يَخْتَلِفُوا على مَالك فِي ذَلِك.





[ قــ :1654 ... غــ :178 ]
- حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ قَالَ حدَّثنا عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ عَنْ أبِي زرْعَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قالُوا ولِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِلْمُحَلِّقِينَ قالُوا ولِلْمُقَصِّرِينَ قالَهَا ثَلَاثًا قَالَ ولِلْمُقَصِّرِينَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: هُوَ الرقام، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الجياني، وَالْأول أرجح.
الثَّانِي: مُحَمَّد بن الفضيل، بِضَم الْفَاء مصغر الْفضل بن غَزوَان أَبُو عبد الرَّحْمَن الضَّبِّيّ.
الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، بِفَتْح الْقَاف الأولى وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: ابْن شبْرمَة.
الرَّابِع: أَبُو زرْعَة بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، قيل: اسْمه هرم، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: جرير.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل مكررا.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَبَقِيَّة الروَاة كوفيون.
وَفِيه: أَن رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن عمَارَة من أَفْرَاده، وَرِوَايَة عمَارَة عَن أبي زرْعَة من أَفْرَاده، وتابع أَبَا زرْعَة عَلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب.

أخرجه مُسلم بعد أَن أخرج حَدِيث أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أللهم إغفر للمحلقين) إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ، قَالَ: وحَدثني أُميَّة بن بسطَام حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا روح عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنى حَدِيث أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَبُو الْعَلَاء هُوَ عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب الْمَذْكُور وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إغفر للمحلقين) ، وَقد مر فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (إرحم المحلقين) ، قَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يكون بعض الناقلين رَوَاهُ على الْمَعْنى أَو إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وهمٌ، أَو قالهما صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا.
قَوْله: (قَالَهَا ثَلَاثًا) أَي: قَالَ: إغفر للمحلقين، ثَلَاث مَرَّات، وَفِي الرَّابِعَة قَالَ: (للمقصرين، وَفِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي مضى آنِفا قَالَ: للمقصرين، بعد الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: رحم الله المحلقين مرّة أَو مرَّتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: والمقصرين، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن مَاجَه، (قيل: يَا رَسُول الله! لم ظَاهَرت المحلقين ثَلَاثًا والمقصرين وَاحِدَة؟) وَقد ذَكرْنَاهُ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَابْن مَاجَه أخرجه من طَرِيقه، وَفِي حَدِيث أم الْحصين أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ: (دَعَا للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين مرّة) .
وَفِي حَدِيث أبي سعيد أخرجه ابْن أبي شيبَة: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بِيَدِهِ: يرحم الله المحلقين، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، والمقصرين؟ قَالَ فِي الثَّالِثَة: والمقصرين) .
وَفِي حَدِيث أبي مَرْيَم، أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (أللهم اغْفِر للمحلقين أللهم إغفر للمحلقين، قَالَ: يَقُول رجل من الْقَوْم: والمقصرين؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة، والمقصرين.
قَالَ وَأَنا يَوْمئِذٍ محلوق الرَّأْس، فَمَا يسرني بحلق رَأْسِي حمر النعم) .
وَفِي حَدِيث حبشِي بن جُنَادَة، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أللهم اغْفِر للمحلقين قَالُوا: يَا رَسُول الله، والمقصرين؟ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر للمقصرين) .
وَفِي حَدِيث جَابر بن عبد الله أخرجه أَبُو قُرَّة يَقُول: حلق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة، فحلق نَاس كثير من أَصْحَابه حِين رَأَوْهُ حلق،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: وَالله مَا طفنا بِالْبَيْتِ فقصروا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يرحم الله المحلقين،.

     وَقَالَ  فِي الرَّابِعَة: والمقصرين) .
وَفِي حَدِيث قَارب أخرجه ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن وهب بن عبد الله بن قَارب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يرحم الله المحلقين) ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: ولاأحفظ هَذَا الحَدِيث من غير رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة وَغير الْحميدِي، والْحميدِي يَقُول: قارت أَو مارب، وَغير الْحميدِي يَقُول: قَارب من غير شكّ، وَهُوَ الصَّوَاب وَهُوَ مَشْهُور مَعْرُوف من وُجُوه ثَقِيف.
انْتهى.
وقارب هُوَ: ابْن عبد الله بن الْأسود بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: قَارب بن الْأسود، ينْسب إِلَى جده، وَأم الْحصين الْمَذْكُورَة لَا يعرف اسْمهَا، وَهِي صحابية، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، شهِدت حجَّة الْوَدَاع، وَهِي من أحمس ثمَّ من بجيلة، وَأَبُو مَرْيَم اسْمه مَالك بن ربيعَة السَّلُولي صَحَابِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سكن الْبَصْرَة وَهُوَ وَالِد يزِيد بن أبي مَرْيَم، وَحبشِي بن جُنَادَة سلولي أَيْضا صَحَابِيّ سكن الْكُوفَة.





[ قــ :1655 ... غــ :179 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَّةُ بنُ أسْماءَ عَنْ نافَعٍ أنَّ عَبْدَ الله قَالَ حلَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ وقصَّرَ بَعْضُهُم..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد بن مِخْرَاق الْبَصْرِيّ ابْن أخي جُورِيَةُ بن أَسمَاء، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَسْمَاء من الْأَعْلَام الْمُشْتَركَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَجُوَيْرِية مصغر الجالية ابْن أَسمَاء بن عبيد الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَسبعين وَمِائَة،.

     وَقَالَ  الْمزي فِي ( الْأَطْرَاف) حَدِيث حلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَائِفَة من أَصْحَابه وَقصر بَعضهم، أخرجه البُخَارِيّ فِي الْحَج عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء كِلَاهُمَا عَنهُ بِهِ، هَكَذَا ذكره خلف وَذكره أَبُو مَسْعُود عَن مُوسَى وَحده، وَالَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي ( الصَّحِيح) : عَن عبد الله وَحده فِيهِ إِثْبَات الْحلق وَالتَّقْصِير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :1656 ... غــ :1730 ]
- حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ الْحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنْ مُعاوِيَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ قَصَّرْتُ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِشْقَصٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( قصرت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى جَوَاز التَّقْصِير وَإِن كَانَ الْحلق أفضل، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضحام بن مخلد، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَالْحسن بن مُسلم بن يناق، مَاتَ قبل طَاوُوس وَقبل أَبِيه مُسلم، والرواة كلهم مكيون سوى أبي عَاصِم شَيْخه فَإِنَّهُ بَصرِي، وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن أبي سُفْيَان.
وَفِيه: رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ.

قَوْله: ( عَن ابْن جريج عَن الْحسن) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن جريج، قَالَ: حَدثنِي الْحسن بن مُسلم عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أخبرهُ قَالَ: قصرت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمشقص، وَهُوَ على الْمَرْوَة، أَو: رَأَيْته يقصر عَنهُ بمشقص، وَهُوَ على الْمَرْوَة، وَفِي لفظ لَهُ: قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ لي مُعَاوِيَة: أعلمت أَنِّي قد قصرت من رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْمَرْوَة بمشقص؟ فَقلت لَهُ: لَا أعلم هَذِه إلاَّ حجَّة عَلَيْك.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهَذَا الحَدِيث مَحْمُول على أَن مُعَاوِيَة قصر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عمْرَة الْجِعِرَّانَة، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع كَانَ قَارنا، وَثَبت أَنه حلق بمنى، وَفرق أَبُو طَلْحَة شعره بَين النَّاس، فَلَا يجوز حمل تَقْصِير مُعَاوِيَة على حجَّة الْوَدَاع، وَلَا يَصح حمله أَيْضا على عمْرَة الْقَضَاء الْوَاقِعَة سنة سبع من الْهِجْرَة، لِأَن مُعَاوِيَة لم يكن يَوْمئِذٍ مُسلما، إِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح سنة ثَمَان، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، لَا يَصح قَول من حَملَة على حجَّة الْوَدَاع، وَزعم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُتَمَتِّعا لِأَن هَذَا غلط فَاحش، فقد تظاهرت الْأَحَادِيث فِي مُسلم وَغَيره أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: مَا شَأْن النَّاس حلوا وَلم تحل أَنْت؟ فَقَالَ: إِنِّي لبَّدت رَأْسِي وقلَّدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى أنحر الْهَدْي، وَفِي رِوَايَة: حَتَّى أحل من الْحَج.
انْتهى.
قيل: لَعَلَّ مُعَاوِيَة قصر عَنهُ فِي عمْرَة الْجِعِرَّانَة فنسي بعد ذَلِك، وَظن أَنه كَانَ فِي حجَّته فَإِن قلت: قد وَقع فِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق قيس بن سعد عَن عَطاء أَن مُعَاوِيَة حدث أَنه أَخذ من أَطْرَاف شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَيَّام الْعشْر بمشقص معي وَهُوَ محرم؟ قلت: قَالُوا: إِنَّهَا رِوَايَة شَاذَّة، وَقد قَالَ قيس بن سعد عقيبها: وَالنَّاس يُنكرُونَ ذَلِك، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون فِي قَول مُعَاوِيَة: قصرت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمشقص، حذف تَقْدِيره: قصرت أَنا شعري عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: يرد هَذَا مَا فِي رِوَايَة أَحْمد: قصرت عَن رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْمَرْوَة، أخرجه من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: يحْتَمل أَن يكون مُعَاوِيَة قصر رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَقِيَّة شعر لم يكن الحلاق اسْتَوْفَاهُ يَوْم النَّحْر، ورد عَلَيْهِ بِأَن الحالق لم يبْق شعرًا يقصر، وَلَا سِيمَا وَقد قسم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شعره بَين الصَّحَابَة الشعرة والشعرتين، وَأَيْضًا فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسعَ بَين الصَّفَا والمروة إلاَّ سعيا وَاحِدًا فِي أول مَا قدم، فَمَاذَا كَانَ يصنع عِنْد الْمَرْوَة؟ قَوْله: ( بمشقص) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْقَاف وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة، قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ النصل الطَّوِيل وَلَيْسَ بالعريض،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس وَغَيره: هُوَ سهم فِيهِ نصل عريض،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: المشقص هُوَ كل نصل طَال وَعرض،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ الطَّوِيل غير العريض.