فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الخطبة أيام منى

( بابُُ الْخطْبَةِ أيَّامَ مِنىً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الْخطْبَة أَيَّام منى، قيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرّد على من زعم أَن يَوْم النَّحْر لَا خطْبَة فِيهِ للْحَاج، وَأَن الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث من قبيل الْوَصَايَا الْعَامَّة لَا على أَنه من شَعَائِر الْحَج، فَأَرَادَ البُخَارِيّ أَن يبين أَن الرَّاوِي قد سَمَّاهَا خطْبَة كَمَا سمي الَّتِي وَقعت فِي عَرَفَات خطْبَة، وَقد اتَّفقُوا على مَشْرُوعِيَّة الْخطْبَة بِعَرَفَات، فَكَأَنَّهُ ألحق الْمُخْتَلف فِيهِ بالمتفق عَلَيْهِ.
انْتهى.
قلت: أَرَادَ هَذَا الْقَائِل بِهَذَا الرَّد على الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْخطْبَة الْمَذْكُورَة لَيست من متعلقات الْحَج لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا شَيْئا من أُمُور الْحَج، وَإِنَّمَا ذكر فِيهَا وَصَايَا عَامَّة، وَلم ينْقل أحد أَنه علمهمْ شَيْئا من الَّذِي يتَعَلَّق بِيَوْم النَّحْر، فَعرفنَا أَنَّهَا لم تقصد لأجل الْحَج.
انْتهى.
قلت: رد هَذَا الْقَائِل عَن الطَّحَاوِيّ أَو على غَيره مِمَّن قَالَ مثل مَا قَالَ الطَّحَاوِيّ مَرْدُود عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يذكر شَيْئا أصلا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور من أُمُور الْحَج، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك من أجل تَبْلِيغ مَا ذكره لِكَثْرَة الْجمع الَّذِي الَّذِي اجْتمع من أقاصي الدُّنْيَا، هَكَذَا قَالَ ابْن الْقصار أَيْضا، ثمَّ قَالَ: فَظن الَّذِي رَآهُ أَنه خطب،.

     وَقَالَ  بَعضهم، نصْرَة للقائل الْمَذْكُور: وَأجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبه فِي الْخطْبَة الْمَذْكُورَة على تَعْظِيم يَوْم النَّحْر، وعَلى تَعْظِيم شهر ذِي الْحجَّة، وعَلى تَعْظِيم الْبَلَد الْحَرَام، وَقد جزم الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بتسميتها خطْبَة فَلَا يلْتَفت إِلَى تَأْوِيل غَيرهم.
انْتهى.
قلت: لَيْت شعري مَا وَجه هَذَا الَّذِي ذكره أَن يكون جَوَابا؟ وتعظيم هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَيْسَ لَهُ دخل فِي أُمُور الْحَج، وتعظيم هَذِه الْأَشْيَاء غير مُقَيّد بأوقات الْحَج، بل يجب تعظيمها مُطلقًا.
وَقَوله: وَقد جزم الصَّحَابَة ... إِلَى آخِره، دَعْوَى بِلَا دَلِيل.
على أَنا نقُول: إِن تسميتهم للتبليغ الْمَذْكُور خطْبَة لَيست على حَقِيقَة الْخطْبَة الْمَعْهُودَة الْمُشْتَملَة على أَشْيَاء شَتَّى،.

     وَقَالَ  بَعضهم فِي الرَّد على الطَّحَاوِيّ فِي قَوْله: وَلم ينْقل أحد أَنه، عَلَيْهِ السَّلَام، علمهمْ شَيْئا من أُمُور الْحَج، بقوله: وَأما قَول الطَّحَاوِيّ: وَلم ينْقل أحد ... إِلَى آخِره، لَا يَنْفِي وُقُوع ذَلِك أَو شَيْء مِنْهُ فِي نفس الْأَمر، بل قد ثَبت فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه شهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب يَوْم النَّحْر وَذكر فِيهِ السُّؤَال عَن تَقْدِيم بعض الْمَنَاسِك على بعض، فَكيف سَاغَ للطحاوي هَذَا النَّفْي الْمُطلق مَعَ رِوَايَته هُوَ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو؟ انْتهى.
قلت: كَيفَ سَاغَ لهَذَا الْقَائِل أَن يحط على الطَّحَاوِيّ بفهمه كَلَامه على غير أَصله؟ فَإِنَّهُ لم ينف مُطلقًا، وَإِنَّمَا مُرَاده نفي دلَالَة حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ على أَنه خطْبَة وَقعت يَوْم النَّحْر، وَلَا يلْزم من هَذَا أَن يَنْفِي نفيا مُطلقًا، وتأييد رده عَلَيْهِ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو يُؤَيّد ضعف مَا فهمه من كَلَامه، لِأَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو لَيْسَ فِيهِ مَا يدل صَرِيحًا على لفظ: خطب، فَإِن لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم: ( وقف فِي حجَّة الْوَدَاع فَجعلُوا يسألونه) .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم: ( وقف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على رَاحِلَته فَطَفِقَ نَاس يسألونه) ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ ( أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: حلقت قبل أَن أذبح) الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذِه الْأَلْفَاظ مَا يدل على أَنه خطْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤال وَجَوَاب وَتَعْلِيم وَتعلم، فَلَا يُسمى هَذَا خطْبَة، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي أَحَادِيث أُخْرَى غير حَدِيث عبد الله بن عَمْرو مَا يدل على أَنه خطْبَة، وروى أَحْمد فِي ( مُسْنده) عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ( قَالَ: جَاءَ رجل، يَا رَسُول الله! حلقت قبل أَن أنحر) الحَدِيث، وروى النَّسَائِيّ عَن جَابر: ( أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله ذبحت قبل أَن أرمي) الحَدِيث، وروى ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَيْضا يَقُول: ( قعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى يَوْم النَّحْر للنَّاس، فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي حلقت قبل أَن أذبح.
.
)
، وروى الْأَئِمَّة السِّتَّة، خلا التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن عَبَّاس من طَرِيق وَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على أَنه خطْبَة، فروى الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه ( عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ فِي الذّبْح وَالْحلق وَالرَّمْي والتقديم وَالتَّأْخِير، قَالَ: لَا حرج) ، وروى البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن، خلا التِّرْمِذِيّ، من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسأب يَوْم النَّحْر بمنى) الحَدِيث، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مَنْصُور عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: ( سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حلق) الحَدِيث، وروى البُخَارِيّ من رِوَايَة عَطاء أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، ( قَالَ رجل للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زرت قبل أَن أرمي.
.
)
الحَدِيث، فَهَذِهِ كلهَا سُؤَالَات وأجوبة، وَقد مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله مَا يُوضح مَا ذَكرْنَاهُ هُنَا.


[ قــ :1664 ... غــ :1739 ]
- ( حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنَا فُضَيْل بن غَزوَان قَالَ حَدثنَا عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب النَّاس يَوْم النَّحْر فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَي يَوْم هَذَا قَالُوا يَوْم حرَام قَالَ فَأَي بلد هَذَا قَالُوا بلد حرَام قَالَ فَأَي شهر هَذَا قَالُوا شهر حرَام قَالَ فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي بلدكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فَأَعَادَهَا مرَارًا ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ اللَّهُمَّ هَل بلغت اللَّهُمَّ هَل بلغت قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوصيته إِلَى أمته فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " خطب النَّاس يَوْم النَّحْر " وَقد ذكرنَا أَن قَوْله " خطب " لَيْسَ من الْخطْبَة الْمَعْهُودَة وَإِطْلَاق الْخطْبَة عَلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنَّهَا فِي الأَصْل كَلَام وَقَول وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وَيحيى هُوَ الْقطَّان وفضيل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي وبالنون فِي آخِره وَفِيه أَن شيخ وَعِكْرِمَة مدنيان وَيحيى بَصرِي وفضيل كُوفِي والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن أَحْمد بن أشكاب وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بِهِ.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " خطب النَّاس يَوْم النَّحْر " قد ذكرنَا أَن إِطْلَاق لفظ الْخطْبَة لَيْسَ على حَقِيقَة الْخطْبَة الْمَعْهُودَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَمر من أُمُور الْحَج كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب وَالْخطْبَة الْحَقِيقِيَّة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس مَا رَوَاهُ جَابر بن زيد عَنهُ قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب بِعَرَفَات كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْبابُُ فَهَذِهِ الْخطْبَة الْحَقِيقِيَّة لِأَن فِيهَا تَعْلِيم النَّاس الْوُقُوف بِعَرَفَة والمزدلفة والإفاضة مِنْهَا وَرمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر وَالذّبْح وَالْحلق وَطواف الزِّيَارَة وَلَيْسَ فِي خطْبَة يَوْم النَّحْر شَيْء من ذَلِك وَإِنَّمَا هِيَ سُؤَالَات وأجوبة كَمَا ذكرنَا وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الهرماس بن زِيَاد وَأبي أُمَامَة عِنْد أبي دَاوُد وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد أَحْمد " خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم النَّحْر فَقَالَ أَي يَوْم أعظم حُرْمَة " الحَدِيث وَإِطْلَاق الْخطْبَة فِي كل ذَلِك لَيْسَ على حَقِيقَته قَوْله " فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس " خطاب لمن كَانَ مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت وَوَصِيَّة أَيْضا للشاهدين بِأَن يبلغُوا الغائبين كَمَا يَأْتِي ذَلِك عَن قريب قَوْله " أَي يَوْم هَذَا " خرج مخرج الِاسْتِفْهَام وَالْمرَاد بِهِ التَّقْدِير لِأَنَّهُ أبلغ وَكَذَلِكَ الاستفهامان الْآخرَانِ قَوْله " قَالُوا يَوْم حرَام " يَعْنِي يحرم فِيهِ الْقِتَال وتوصيف الْيَوْم بالحرام مجَاز مُرْسل من قبيل قَوْلهم رجل عدل لِأَن الْحَرَام لَيْسَ عين الْيَوْم وَإِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَقع فِيهِ من الْقِتَال وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله " بلد حرَام وَشهر حرَام ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) الْمُسْتَفَاد من الحَدِيث الأول وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنهم أجابوه بِأَنَّهُ يَوْم حرَام وَمن الثَّانِي وَهُوَ حَدِيث أبي بكرَة أَنهم سكتوا عَنهُ وفوضوه إِلَيْهِ فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا ( قلت) السُّؤَال الثَّانِي فِيهِ فخامة لَيست فِي الأول بِسَبَب زِيَادَة لفظ أَتَدْرُونَ فَلهَذَا سكتوا فِيهِ بِخِلَاف الأول وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ يَوْم كَذَا بعد أَن قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلَيْسَ هَذَا يَوْم النَّحْر وَكَذَا فِي أَخَوَيْهِ فالسكوت كَانَ أَولا وَالْجَوَاب بِالتَّعْيِينِ كَانَ آخرا انْتهى ووفق بَعضهم بَين الْحَدِيثين بقوله لعلهما وَاقِعَتَانِ ورده بَعضهم بقوله وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْخطْبَة يَوْم النَّحْر إِنَّمَا تشرع مرّة وَاحِدَة وَقد قَالَ فِي كل مِنْهُمَا أَن ذَلِك كَانَ يَوْم النَّحْر انْتهى ( قلت) لَيْسَ لهَذَا الرَّد وَجه لِأَنَّهُ لَا مَانع من تعدد الْقَضِيَّة وَقَوله لِأَن الْخطْبَة يَوْم النَّحْر إِلَى آخِره بِنَاء على أَن الْخطْبَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس على حَقِيقَتهَا على زعمهم وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ خصمهم قَوْله " وَأَعْرَاضكُمْ " جمع عرض بِكَسْر الْعين وَهُوَ مَا يحميه الْإِنْسَان وَيلْزمهُ الْقيام بِهِ قَالَه أَبُو عَمْرو.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي هُوَ مَا يمدح بِهِ ويذم وَقيل الْعرض الْحسب وَقيل النَّفس فَإِن الْعرض يُقَال للنَّفس وللحسب يُقَال فلَان نقي الْعرض أَي بَرِيء أَن يشْتم أَو يعاب وَالْعرض رَائِحَة الْجَسَد أَو غَيره طيبَة أَو خبيثة وَفِي شرح السّنة لَو كَانَ المُرَاد من الْأَعْرَاض النُّفُوس لَكَانَ تَكْرَارا لِأَن ذكر الدِّمَاء كَاف إِذْ المُرَاد بهَا النُّفُوس.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ الظَّاهِر أَن المُرَاد بالأعراض الْأَخْلَاق النفسانية وَذكر فِي النِّهَايَة الْعرض مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو فِي سلفه وَلما كَانَ مَوضِع الْعرض النَّفس قَالَ من قَالَ الْعرض النَّفس إطلاقا للمحل على الْحَال وَحين كَانَ الْمَدْح نِسْبَة الشَّخْص إِلَى الْأَخْلَاق الحميدة والذم نسبته إِلَى الذميمة سَوَاء كَانَت فِيهِ أَو لَا قَالَ من قَالَ الْعرض الْخلق إطلاقا الِاسْم اللَّازِم على الْمَلْزُوم قَوْله " كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا " إِنَّمَا شبهها فِي الْحُرْمَة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لأَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ اسْتِبَاحَة تِلْكَ الْأَشْيَاء وانتهاك حرمتهَا بِحَال وَقيل مثل بِالْيَوْمِ وبالشهر وبالبلد لتوكيد تَحْرِيم مَا حرم من الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والأعراض قَوْله " فَأَعَادَهَا مرَارًا " أَي أعَاد الْمَذْكُورَات مرَارًا وَأقله أَن يكون ثَلَاث مَرَّات قَوْله " ثمَّ رفع رَأسه " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء قَوْله " اللَّهُمَّ هَل بلغت " إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ فرضا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يبلغ وَمِنْه سميت حجَّة الْبَلَاغ قَوْله " إِنَّهَا لوصيته " أَي أَن الْكَلِمَات الَّتِي قَالَهَا لوصيته إِلَى أمته يُرِيد بذلك قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " إِلَى آخر الحَدِيث وَالْمرَاد بِالشَّاهِدِ الْحَاضِر فِي ذَلِك الْمجْلس وَقَوله قَالَ ابْن عَبَّاس فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوصيته إِلَى أمته قسم من ابْن عَبَّاس صدر بِهِ كَلَامه للتَّأْكِيد وَهُوَ إِلَى آخر كَلَامه معترض بَين قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هَل بلغت " وَبَين قَوْله " فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " وَاللَّام فِي قَوْله " لوصيته " مَفْتُوحَة وَهِي لَام التَّأْكِيد وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكرنَا أَن الضَّمِير فِي أَنَّهَا يرجع إِلَى الْكَلِمَات الَّتِي قَالَهَا وَهِي " فليبلغ الشَّاهِد " إِلَى آخِره وَالضَّمِير وَإِن كَانَ مقدما فِي الذّكر فالقرينة تدل على أَنه مُؤخر فِي الْمَعْنى قَوْله " لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا " قَالَ الْكرْمَانِي أَي كالكفار أَو لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحقوا الْقِتَال.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ أَي لَا تكن أفعالكم شَبيهَة بأعمال الْكفَّار فِي ضرب رِقَاب الْمُسلمين ( قلت) ذكرُوا فِيهِ أقوالا.
الأول كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق.
الثَّانِي كفر النِّعْمَة وَحقّ الْإِسْلَام.
الثَّالِث يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ.
الرَّابِع فعل كَفعل الْكفَّار.
الْخَامِس حَقِيقَة الْكفْر يَعْنِي لَا تكفرُوا بل دوموا مُسلمين.
السَّادِس المتكفرين بِالسِّلَاحِ يُقَال للابس السِّلَاح كَافِر.
السَّابِع لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا ( فَإِن قلت) مَا معنى قَوْله بعدِي وهم لَو رجعُوا فِي زَمَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَهُم هَذَا الَّذِي ذكره لَهُم ( قلت) إِنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد علم أَنهم لَا يرجعُونَ فِي حَيَاته أَو أَرَادَ بعد فراقي من موقفي هَذَا أَو الْمَعْنى بعد حَياتِي قَوْله " يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض " الرِّوَايَة بِرَفْع الْبَاء وَيصِح بِهِ الْمَقْصُود.

     وَقَالَ  عِيَاض وَضَبطه بَعضهم بِسُكُون الْبَاء.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاء على تَقْدِير شَرط مضمن أَي أَن ترجعوا بعدِي.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض جملَة مستأنفة مبينَة لقَوْله " فَلَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا " فَيَنْبَغِي أَن يحمل على الْعُمُوم وَأَن يُقَال لَا يظلم بَعْضكُم بَعْضًا فَلَا تسفكوا دماءكم وَلَا تهتكوا أعراضكم وَلَا تستبيحوا أَمْوَالكُم وَنَحْوه أَي فِي إِطْلَاق الْخَاص وَإِرَادَة الْعُمُوم قَوْله تَعَالَى { الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} انْتهى ( قلت) هَذَا كُله فِي شرح قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ترجعوا بعدِي ضلالا " لِأَن الْمَتْن الَّذِي شَرحه وَهُوَ متن الْمشكاة وَقع " ضلالا " ثمَّ قَالَ ويروى " كفَّارًا " ثمَّ نقل كَلَام صَاحب الْمظهر بقوله يَعْنِي إِذا فَارَقت الدُّنْيَا فاثبتوا بعدِي على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْإِيمَان وَالتَّقوى وَلَا تظلموا أحدا وَلَا تَحَارَبُوا الْمُسلمين وَلَا تَأْخُذُوا أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ فَإِن هَذِه الْأَفْعَال من الضَّلَالَة والعدول من الْحق إِلَى الْبَاطِل ثمَّ قَالَ الطَّيِّبِيّ بعد ذَلِك مَا ذكرنَا عَنهُ من قَوْله جملَة مستأنفة إِلَى آخِره ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد على أَن الْخطْبَة يَوْم النَّحْر سنة.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة وَعَن بعض أَصْحَابنَا لَا يخْطب فِيهِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك قلت الْخطْبَة عِنْد أَصْحَابنَا فِي الْحَج فِي ثَلَاثَة أَيَّام الأولى فِي الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة وَالثَّانيَِة بِعَرَفَات يَوْم عَرَفَة وَالثَّالِثَة بمنى فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر وَعند زفر يخْطب فِي ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة أَولهَا يَوْم التَّرويَة.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر خطب سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم السَّابِع وَكَذَا أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَرَأَ سُورَة بَرَاءَة عَلَيْهِم رَوَاهُ ابْن عمر.
وَفِي التَّلْوِيح وَأما الْخطب الَّتِي وَردت فِي الْآثَار أَيَّام الْحَج فَمِنْهَا خطْبَة يَوْم التَّرويَة وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يُوَافق قَول زفر لِأَن الْجَمَاعَة لَا يرَوْنَ فِيهِ خطْبَة بل الْخطْبَة الأولى قبل يَوْم التَّرويَة بِيَوْم وَهُوَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ.

     وَقَالَ  عَطاء أدركتهم يخرجُون وَلَا يخطبون بِمَكَّة قَالَ ابْن الْمُنْذر قَول مَالك كَقَوْل عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ الْخطب الْمَشْرُوعَة فِي الْحَج عندنَا أَرْبَعَة أَولهَا بِمَكَّة عِنْد الْكَعْبَة فِي الْيَوْم السَّابِع قَالَ وَهِي مسنونة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد صَلَاة الظّهْر وَالثَّانيَِة بِبَطن عُرَنَة يَوْم عَرَفَة وَالثَّالِثَة يَوْم النَّحْر وَالرَّابِعَة يَوْم النَّفر وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق وَكلهَا أَفْرَاد إِلَّا الَّتِي يَوْم عَرَفَات فَإِنَّهَا خطبتان بعد صَلَاة الظّهْر وَقبل الصَّلَاة انْتهى.
وَمِنْهَا خطْبَة يَوْم عَرَفَة لما رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر " حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت فَأتى بطن الْوَادي فَخَطب " وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن أسلم عَن رجل من بني ضميرَة عَن أَبِيه أَو عَمه قَالَ " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ على الْمِنْبَر يَوْم عَرَفَة وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر يرفعهُ " فَلَمَّا أَتَى عَرَفَة " فَذكر كلَاما.
وَفِيه " حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد صَلَاة الظّهْر رَاح مهجرا فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر ثمَّ خطب النَّاس " الحَدِيث وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث قيس بن الْمطلب أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب بِعَرَفَة وروى أَحْمد من حَدِيث نبيط أَنه رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاقِفًا بِعَرَفَة على بعير أَحْمَر يخْطب فَسَمعهُ يَقُول أَي يَوْم أحرم قَالُوا هَذَا الْيَوْم قَالَ فَأَي بلد أحرم قَالُوا هَذَا الْبَلَد قَالَ فَأَي شهر أحرم قَالُوا هَذَا الشَّهْر " الحَدِيث وَعَن العداء بن خَالِد " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب بِعَرَفَات وَهُوَ قَائِم وَهُوَ يُنَادي بِأَعْلَى صَوته يَا أَيهَا النَّاس أَي يَوْم هَذَا " الحَدِيث وروى ابْن ماجة من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ على نَاقَته بِعَرَفَات أَتَدْرِي أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث وروى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس " لما وقف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَرَفَة أَمر ربيعَة بن أُميَّة بن خلف فَقَامَ تَحت نَاقَته فَقَالَ اُصْرُخْ أَيهَا النَّاس أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا فَصَرَخَ فَقَالَ النَّاس الشَّهْر الْحَرَام " الحَدِيث.
وَمِنْهَا خطْبَة يَوْم النَّحْر رَوَاهَا جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم الهرماس بن زِيَاد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب النَّاس على نَاقَته الجدعاء يَوْم الْأَضْحَى " وروى عَن أبي أُمَامَة قَالَ سَمِعت خطْبَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنى يَوْم النَّحْر وروى عَن عبد الرَّحْمَن بن معَاذ التَّيْمِيّ قَالَ " خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن بمنى " وروى عَن رَافع بن عَمْرو الْمُزنِيّ قَالَ " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب النَّاس بمنى حِين ارْتَفع الضُّحَى على بغلة شهباء " الحَدِيث وروى ابْن أبي شيبَة عَن مَسْرُوق أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطبهم يَوْم النَّحْر.
وَمِنْهَا خطْبَة الْيَوْم الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة.

     وَقَالَ  ابْن حزم وخطب النَّاس أَيْضا يَعْنِي سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْأَحَد ثَانِي يَوْم النَّحْر وَهُوَ يَوْم الرؤس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَهُوَ أول أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ يَوْم النَّفر وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث سرا بنت نَبهَان قَالَت " خَطَبنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الرؤس فَقَالَ أَي يَوْم هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ أَلَيْسَ أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق " وَعَن رجلَيْنِ من بني بكر " رَأينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب بَين أوساط أَيَّام التَّشْرِيق وَنحن عِنْد رَاحِلَته " وروى أَحْمد من حَدِيث أبي حرَّة الرقاشِي " عَن عمر قَالَ كنت آخذ بزمام نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق أذود عَنهُ النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ فِي أَي شهر أَنْتُم " الحَدِيث وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث كَعْب بن عَاصِم الْأَشْعَرِيّ " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب بمنى أَوسط أَيَّام الْأَضْحَى ".

     وَقَالَ  ابْن الْمَوَّاز هَذِه الْخطْبَة بعد الظّهْر من غير جُلُوس فِيهَا وَلَا قِرَاءَة جهرية فِي شَيْء من صلَاتهَا.
وَمِنْهَا خطْبَة يَوْم الأكارع.

     وَقَالَ  ابْن حزم وَقد رُوِيَ أَيْضا أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطبهم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَهُوَ يَوْم الأكارع وَأوصى بذوي الْأَرْحَام خيرا وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الرّبيع بن أبي سُبْرَة عَن أَبِيه عَن جده " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب وسط أَيَّام التَّشْرِيق " قَالَ ابْن قدامَة يَعْنِي يَوْم النَّفر الأول وروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يخْطب الْعشْر كُله وَفِي المُصَنّف وَكَذَلِكَ ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا -



[ قــ :1665 ... غــ :1740 ]
- حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرٌ.

     وَقَالَ  سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ بَعَرَفَاتٍ..
لَيْسَ لَهُ مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهرا وَلَكِن لما روى عَن ابْن عَبَّاس خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر وَهُوَ من أَيَّام منى مطابقا للتَّرْجَمَة، ذكر هَذَا الحَدِيث أَيْضا هَهُنَا لكَونه عَن ابْن عَبَّاس، ويستأنس بِهَذَا الْمِقْدَار فِي وَجه الْمُطَابقَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حَفْص بن عمر بن الْحَارِث الحوضي.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار.
الرَّابِع: جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْأَزْدِيّ اليحمدي.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه بَصرِي وَأَن شُعْبَة واسطي وَأَن عمرا مكي وَأَن جَابِرا بَصرِي.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره هَذَا الحَدِيث طرف من حَدِيث سَيَأْتِي فِي: بابُُ لبس الْخُفَّيْنِ للْمحرمِ، وَأخرجه البُخَارِيّ عَن حَفْص بن عمر وَأبي الْوَلِيد وآدَم فرقهم، ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة، وَأخرجه فِي اللبَاس عَن أبي نعيم وَمُحَمّد بن يُوسُف كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ وَعَن أبي كريب وَعَن يحيى بن يحيى وقتيبة وَأبي الرّبيع الزهْرَانِي، ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن يحيى بن يحيى عَن هشيم وَعَن عَليّ بن خشرم وَعَن عَليّ ابْن حجر وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن أَيُّوب بن مُحَمَّد الْوزان وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحَج عَن هِشَام بن عمار وَمُحَمّد بن الصَّباح، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت عَن قريب.

تابَعَهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍ
وَأي: تَابع شُعْبَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن دِينَار،.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح: مُرَاد البُخَارِيّ بِأَنَّهُ تَابعه فِي الْخطْبَة خَاصَّة دون ذكر عَرَفَات ويوضحه قَول مُسلم: وَأخرجه من طرق
إِلَى عَمْرو بن دِينَار لم يذكر وَاحِد مِنْهُم يخْطب بِعَرَفَات غير شُعْبَة.





[ قــ :1666 ... غــ :1741 ]
- حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا أبُو عامِرٍ قَالَ حَدثنَا قرَّةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ قَالَ أخبرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي بَكْرَةَ ورَجُلٌ أفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ حَمِيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خَطَبَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ أتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هاذَا قُلْنَا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمهِ قَالَ ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنا بَلَى قَالَ أيُّ شَهْرٍ هذَا قُلْنا الله ورسولُهُ أعْلَمُ فسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قالَ أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر قُلْنَا بلَى قُلْنَا أَي شهر هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم فَسكت حَتَّى ذننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه فَقَالَ أَلَيْسَ ذُو الْحجَّة قُلْنَا بلَى قَالَ أَي بلد هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم فَسكت حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه قَالَ ألَيْسَتْ بالْبَلدَةِ الحَرَامِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فإنَّ دَمَاءَكُمْ وأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذَا فِي شَهْرِكُمْ هاذا فِي بلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبُ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي.
الثَّانِي: أَبُو عَامر عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي.
الثَّالِث: قُرَّة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد السدُوسِي.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين وَقد تكَرر ذكره.
الْخَامِس: عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة وَاسم أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث بن كلدة.
السَّادِس: حميد بن عبد الرَّحْمَن.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ حميد بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي، وَإِنَّمَا كَانَ عِنْد ابْن سِيرِين أفضل من عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة لكَون عبد الرَّحْمَن دخل فِي الولايات، وَكَانَ حميد زاهدا.
قلت: كل وَاحِد من حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي سمع من أبي بكرَة وَسمع مِنْهُ مُحَمَّد بن سِيرِين وَلم يظْهر لي أَيهمَا المُرَاد هَهُنَا.
السَّابِع: أبوبكرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ نفيع الْمَذْكُور.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وبصيغة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وَأَن أَبَا عَامر وقرة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة بصريون، وَحميد بن عبد الرَّحْمَن إِن كَانَ هُوَ الْحِمْيَرِي فَهُوَ بَصرِي وَإِن كَانَ ابْن عَوْف فَهُوَ مدنِي.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: مُحَمَّد بن سِيرِين وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة وَحميد بن عبد الرَّحْمَن.

وَقد ذكرنَا تعدده وَمن أخرجه غَيره فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع.

ذكر مَعْنَاهُ: مِمَّا لم نذكرهُ هُنَاكَ.
قَوْله: ( وَرجل) ، بِالرَّفْع لَا غير عطفا على عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: ( أفضل فِي نَفسِي من عبد الرَّحْمَن) يَعْنِي من ابْن أبي بكرَة.
قَوْله: ( حميد بن عبد الرَّحْمَن) ، ارْتِفَاع حميد على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي.
قَوْله: ( أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر) ، بِنصب يَوْم على أَنه خبر: لَيْسَ، أَي: لَيْسَ الْيَوْم يَوْم النَّحْر، وَيجوز الرّفْع على أَنه إسم لَيْسَ وَالتَّقْدِير: أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر هَذَا الْيَوْم.
قَوْله: ( أَلَيْسَ ذُو الْحجَّة) ، بِالرَّفْع اسْم: لَيْسَ، وخبرنا مَحْذُوف أَي: لَيْسَ ذُو الْحجَّة هَذَا الشَّهْر، وَيجوز فِيهِ فتح الْحَاء وَكسرهَا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : فتح الْحَاء أشهر.
قلت: نَقله عَن صَاحب ( التَّلْوِيح) وَهُوَ نَقله عَن الْقَزاز، وَفِي ( المثلث) لِابْنِ سَيّده جَعلهمَا سَوَاء، وَلَكِن فِي ألسن الْعَامَّة الكسرة أشهر.
قَوْله: ( أليست بالبلدة الْحَرَام) ، الضَّمِير فِي: أليست، يرجع إِلَى الْبَلَد فِي قَوْله: ( أَي بلد هَذَا) .
قَالَ الْجَوْهَرِي: الْبَلَد والبلدة وَاحِد الْبِلَاد والبلدان، وَإِنَّمَا وصف الْبَلدة بالحرام، والبلدة تؤنث لِأَن لفظ الْحَرَام اضمحل مِنْهُ معنى الوصفية وَصَارَ إسما.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة لم يُوجد لفظ الْحَرَام،.

     وَقَالَ  التوربشتي: وَجه تَسْمِيَتهَا بالبلدة، وَهِي تقع على سَائِر الْبلدَانِ أَنَّهَا الْبَلدة الجامعة للخير الْمُسْتَحقَّة أَن تسمى بِهَذَا الإسم لتفوقها سَائِر مسميات أحناسها تفوق الْكَعْبَة فِي تَسْمِيَتهَا بِالْبَيْتِ سَائِر مسميات أجناسها حَتَّى كَأَنَّهَا هِيَ الْمحل الْمُسْتَحق للإقامة بهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن جني: من عَادَة الْعَرَب أَن يوقعوا على الشَّيْء الَّذِي يختصونه بالمدح اسْم الْجِنْس، ألاَ تراهم كَيفَ سموا الْكَعْبَة بِالْبَيْتِ، وَكتاب سِيبَوَيْهٍ بِالْكتاب،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يُقَال: إِن الْبَلدة خَاص لمَكَّة، أَو: اللَّام، للْعهد عَن قَوْله تَعَالَى: { إِنَّمَا أمرت أَن أعبد رب هَذِه الْبَلدة الَّذِي حرمهَا} ( النَّمْل: 19) .
إِلَى قَوْله: { إِلَى يَوْم تلقونَ} ، بِفَتْح يَوْم وكسره مَعَ التَّنْوِين وَعَدَمه، وَترك التَّنْوِين مَعَ الْكسر هُوَ الَّذِي ثَبت بِهِ الرِّوَايَة.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ) ، لما كَانَ التَّبْلِيغ فرضا عَلَيْهِ أشهد الله تَعَالَى أَنه أدّى مَا أوجبه عَلَيْهِ.
قَوْله: ( فَرب مبلغ) بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة، أَي: رب شخص بلغه كَلَامي كَانَ أحفظ لَهُ وَأفهم لمعناه من الَّذِي نَقله.
قَوْله: ( أوعى) ، أَي: أحفظ.
فَإِن قلت: كلمة رب أَصْلهَا للتقليل، وَقد تسْتَعْمل للتكثير فَأَيّهمَا المُرَاد هُنَا؟ قلت: الظَّاهِر أَن المُرَاد معنى التقليل تدل عَلَيْهِ الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت فِي كتاب الْعلم، عَسى أَن يبلغ من هُوَ أوعى لَهُ مِنْهُ.

وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: وجوب تَبْلِيغ الْعلم على الْكِفَايَة، وَقد يتَعَيَّن فِي حق بعض النَّاس.
وَفِيه: تَأْكِيد التَّحْرِيم وتغليظه بأبلغ مُمكن من تكْرَار وَنَحْوه.
وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة ضرب الْمثل وإلحاق النظير بالنظير ليَكُون أوضح للسامع.





[ قــ :1667 ... غــ :174 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قَالَ أخبرنَا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ عنْ أبيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنىً أتدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هاذَا قَالُوا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فَقال فإنَّ هذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أفَتَدْرُونَ أيُّ بَلَدٍ هاذا قالُوا الله ورسولُهُ أعْلَمُ قَالَ بَلَدٌ حَرَامٌ أفَتَدْرُونَ أيُّ شَهْرٍ هذَا قالُوا الله ورسولُه أعْلَمُ قَالَ شَهْرٌ حرامٌ قَالَ فإنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُم هذَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى) لِأَن قَوْله بِهَذِهِ الْكَلِمَات أَعنِي قَوْله: (أفتدرون) إِلَى آخِره عبارَة عَن خطْبَة بمنى، وَلَكِن لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْخطْبَة الْحَقِيقِيَّة الَّتِي فِيهَا شَيْء من مَنَاسِك الْحَج، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبابُُ.

وَرِجَاله: خَمْسَة، مِنْهُم: عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَمُحَمّد يروي عَن جده عبد الله بن عَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْفِتَن عَن حجاج بن منهال، وَفِي الْأَدَب عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، وَفِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن عبد الله، وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن سُلَيْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأبي بكر بن خَلاد وَعَن عبيد الله بن معَاذ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن أبي الْوَلِيد بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن أَحْمد بن عبد الله بن الحكم وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن دُحَيْم.

قَوْله: (بمنى) ، فِي مَحل النصب على الْحَال، وَالْبَاء، بِمَعْنى: فِي.
قَوْله: (أفتدرون؟) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم الْمُطَرز عَن مُحَمَّد بن الْمثنى شيخ البُخَارِيّ قَالَ: أوتدرون.

وقالَ هِشَامُ بنُ الْغَازِ أَخْبرنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وقَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا.

     وَقَالَ  هَذا يَوْمُ الحَجِّ الأكْبَرِ فَطَفِقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أللَّهُمَّ اشْهَدْ وودَّعَ النَّاسَ فقالُوا هاذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام بن الْغَاز، بالغين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي بِلَفْظ الْفَاعِل من الْغَزْو بِحَذْف الْيَاء وإثباتها: ابْن ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء: الجرشِي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة، مَاتَ سنة سبع وَخمسين وَمِائَة، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد: حَدثنَا المؤمل بن الْفضل عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن هِشَام بن الْغَاز، قَالَ: حَدثنَا نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف يَوْم النَّحْر فِي الْحجَّة الَّتِي حج فِيهَا، فَقَالَ: أَي يَوْم هَذَا؟ فَقَالُوا: يَوْم النَّحْر.
فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) .
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا وَالطَّبَرَانِيّ.

قَوْله: (بَين الجمرات) ، بِفَتْح الْجِيم وَالْمِيم: جمع جَمْرَة، وَفِيه تعْيين الْمَكَان الَّذِي وقف فِيهِ، كَمَا أَن فِي الرِّوَايَة الَّتِي قبلهَا تعْيين الزَّمَان، وكما أَن فِي حَدِيثي ابْن عَبَّاس وَأبي بكرَة تعين الْيَوْم.
وَوَقع تعْيين الْوَقْت فِي الْيَوْم فِي رِوَايَة رَافع بن عَمْرو الْمُزنِيّ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَلَفظه: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس بمنى حِين ارْتَفع الضُّحَى) الحَدِيث.
قَوْله: (فِي الْحجَّة الَّتِي حج) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (فِي حجَّته الَّتِي حج) ، وللطبراني: (فِي حجَّة الْوَدَاع) .
قَوْله: (بِهَذَا) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: وقف متلبسا بِهَذَا الْكَلَام الْمَذْكُور، واستغرب بَعضهم من الْكرْمَانِي هَذَا التَّفْسِير،.

     وَقَالَ : بِهَذَا، أَي: بِالْحَدِيثِ الَّذِي تقدم من طَرِيق مُحَمَّد بن زيد عَن جده.
قلت: فِي طَرِيق مُحَمَّد بن زيد عَن جده، (قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم) .
وَفِي طَرِيق هِشَام بن الْغَاز الَّذِي وَصله أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، قَالُوا: (يَوْم النَّحْر) ، وَهَذَا كَمَا ترى مُخْتَلف، لِأَن طَرِيق مُحَمَّد بن زيد فِيهِ التَّفْوِيض، وَفِي طَرِيق هِشَام الْجَواب بِيَوْم النَّحْر.
فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا، وَكَانَ فِي طَرِيق هِشَام: ورد اللفظان الْمَذْكُورَان أَعنِي التَّفْوِيض وَالْجَوَاب.
وَفِي تَعْلِيق البُخَارِيّ عَنهُ اللَّفْظ هُوَ التَّفْوِيض، فَلذَلِك فسر الْكرْمَانِي لَفْظَة: بِهَذَا، بقوله: أَي وقف متلبسا بِهَذَا الْكَلَام الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بالْكلَام الْمَذْكُور قَوْلهم: الله وَرَسُوله أعلم، وَهُوَ التَّفْوِيض، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فَلَا ينْسب إِلَى الاستغراب لِأَن كلمة: الْبَاء، فِي قَوْله: بِهَذَا.
تتَعَلَّق بقوله: وقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمن تَأمل سر التراكيب لم يزغ عَن طَرِيق الصَّوَاب.
قَوْله: (وَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) أَي: يَوْم النَّحْر، هَذَا هُوَ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقيل: هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: الْحَج الْأَكْبَر، وَالْعمْرَة يُقَال لَهَا الْحَج الْأَصْغَر.
وَقيل: الْحَج الَّذِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ وَاقِفًا فِيهِ: الْحَج الْأَكْبَر، وَقيل إِنَّمَا قَالَ: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) لِاجْتِمَاع الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فِيهِ، وموافقته لأعياد أهل الْكتاب.

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: بابُُ مَا جَاءَ فِي الْحَج الْأَكْبَر: حَدثنَا عبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد حَدثنَا أبي عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الْحَارِث (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر؟ فَقَالَ: يَوْم النَّحْر) .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا،.

     وَقَالَ : وَهُوَ الْأَصَح.
قلت: انْفَرد التِّرْمِذِيّ بِإِخْرَاجِهِ مَرْفُوعا وموقوفا، وَقد رُوِيَ من غير طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن أبي إِسْحَاق مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من رِوَايَة مُغيرَة الضَّبِّيّ، وَمن رِوَايَة الْأَجْلَح كِلَاهُمَا عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي الْبابُُ عَن عبد الله بن عمر، وَقد ذكر الْآن وَعَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ، قَالَ: (بَعَثَنِي أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَن يُؤذن يَوْم النَّحْر بمنى أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان) .
وَيَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وَالْحج الْأَكْبَر الْحَج.
وَعَن عبد الله بن أبي أوفى رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَوْم الْأَضْحَى يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) .
وَفِي إِسْنَاده ضعف.
وَعَن عَمْرو بن الْأَحْوَص رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث طَوِيل فِي الْفِتَن وَالتَّفْسِير عَنهُ قَالَ: (سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي حجَّة الْوَدَاع، فَقَالَ: أَي يَوْم هَذَا قَالُوا: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) .
وَعَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنهُ، قَالَ: (قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَة حَمْرَاء مخطومة، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟ قَالُوا: يَوْم النَّحْر.
قَالَ: صَدقْتُمْ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) .
وَقد ورد أَن الْحَج الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من رِوَايَة ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن قيس (عَن الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِعَرَفَات، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد فَإِن هَذَا الْيَوْم يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) ، وَلَا يُعَارض هَذَا الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة لمجيئها من عدَّة طرق صَحِيحَة، بِخِلَاف حَدِيث الْمسور لِأَنَّهُ فَردا، وتؤول هَذَا كتأويل قَوْله: (الْحَج عَرَفَة) ، على معنى أَن الْوُقُوف هُوَ المهم من أَفعاله، لكَون الْحَج يفوت بفواته، وَكَذَلِكَ قَوْله: (يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) ، بِمَعْنى أَن أَكثر أَفعَال الْحَج من الرَّمْي وَالْحلق وَالطّواف فِيهِ، وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) لشَيْخِنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي يَوْم الْحَج الْأَكْبَر على أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يَوْم النَّحْر، وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبد الله بن أبي أوفى وَالشعْبِيّ وَمُجاهد.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه يَوْم عَرَفَة، ويروى ذَلِك عَن عمر وَابْنه عبد الله بن عمر.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه أَيَّام الْحَج كلهَا، وَقد يعبر عَن الزَّمَان بِالْيَوْمِ كَقَوْلِهِم: يَوْم بُعَاث وَيَوْم الْجمل وَيَوْم صفّين وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الْأَكْبَر الْقرَان، والأصغر الْإِفْرَاد، وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم حج أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) .
زَاد فِي رِوَايَة: (بِالنَّاسِ) .

قَوْله: (فَطَفِقَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول) إعلم أَن طفق من أَفعَال المقاربة، وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع: مِنْهَا: مَا وضع للدلالة على الشُّرُوع فِي الْخَبَر، وَكلمَة طفق من هَذَا الْقَبِيل، وَهُوَ يعْمل عمل كَاد إلاَّ أَن خَبره يجب أَن يكون جملَة، وَهَهُنَا قَول: يَقُول، جملَة وَقعت خَبرا لَهُ.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: طفق يفعل كَذَا يطفق طفقا، أَي: جعل يفعل.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وطفقا يخصفان} (الْأَعْرَاف: وطه: 11) .
قَالَ الْأَخْفَش: وَبَعْضهمْ يَقُول: طفق، بِالْفَتْح، يطفق طفوقا.
انْتهى.
قلت: الأول: من بابُُ علم يعلم، وَالثَّانِي: من بابُُ ضرب يضْرب، فَافْهَم.
وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره بَين قَوْله: (يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) ، وَبَين قَوْله: (فَطَفِقَ) من الزِّيَادَة وَهِي قَوْله: (ودماؤكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ هَذَا الْبَلَد فِي هَذَا الْيَوْم) .
قَوْله: (فودع النَّاس) ، لِأَنَّهُ علم أَنه لَا يتَّفق لَهُ بعد هَذَا وَقْفَة أُخْرَى وَلَا اجْتِمَاع آخر مثل ذَلِك، وَسبب ذَلِك مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ: (أَنه أنزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح) (الْفَتْح: 1) .
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وسط أَيَّام التَّشْرِيق، وَعرف أَنه الْوَدَاع فَأمر براحلته الْقَصْوَاء فرحلت لَهُ، فَركب فَوقف بِالْعقبَةِ وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن كل دم كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا زيد بن الْحبابُ حَدثنَا مُوسَى بن عُبَيْدَة، الربذي حَدثنِي صَدَقَة بن يسَار (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: إِن هَذِه السُّورَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق بمنى وَهُوَ فِي حجَّة الْوَدَاع {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (الْفَتْح: 1) .
حَتَّى خَتمهَا، فَعرف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه الْوَدَاع) الحَدِيث بِطُولِهِ، ومُوسَى بن عُبَيْدَة ضَعِيف.
قَوْله: (فَقَالُوا) أَي الصَّحَابَة: هَذِه الْحجَّة حجَّة الْوَدَاع، والوداع بِفَتْح الْوَاو، وَجَاء بِكَسْرِهَا.