فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟

( بابٌُ هَلْ يَبِيتُ أصْحَابُ السِّقَايَةِ أوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنىً)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يبيت أَصْحَاب السِّقَايَة، وَهِي المَاء الْمعد للشُّرْب، وسقاية الْعَبَّاس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام مَشْهُورَة.
قَوْله: ( أَو غَيرهم) ، أَي: أَو غير أَصْحَاب السِّقَايَة مِمَّن كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو شغل كالحطابين والرعاء، وَالْبَاء فِي: بِمَكَّة، تتَعَلَّق بقوله: يبيت.
وليالي، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ جَوَاب الِاسْتِفْهَام؟ قلت: الظَّاهِر أَنه اكْتفى بِمَا فِي حَدِيث الْبابُُ عَن ذكر الْجَواب.
وَقيل: يحْتَمل أَن البُخَارِيّ لَا يرى ذَلِك إلاَّ لأهل السِّقَايَة خَاصَّة وحدهم، كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَيحْتَمل أَن يكون طرد الْإِبَاحَة فِي ذَلِك لأَصْحَاب الْأَعْذَار، كَمَا أُبِيح لأَصْحَاب السِّقَايَة، فَلذَلِك لم يذكر الْجَواب.



[ قــ :1668 ... غــ :1743 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدثنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا رَخَّصَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
أخرج حَدِيث ابْن عمر هَذَا من ثَلَاثَة طرق، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق الأول بقوله: رخص، وَفِي الثَّانِي بقوله: أذن، وَلم يعلم الترخيص وَالْأُذن فِيمَا ذَا، وَبَين ذَلِك فِي الطَّرِيق الثَّالِث كَمَا يَجِيء عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
ومطابقتها للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَال هَذَا خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن عبيد، مصغر: العَبْد، ابْن مَيْمُون مولى هَارُون بن يزِيد بن مهَاجر بن قنفذ الْمدنِي الْمَشْهُور بِمُحَمد بن أبي عباد وَهُوَ من أَفْرَاده.
الثَّانِي: عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، واسْمه عَمْرو بن عبد الله الْهَمدَانِي الْكُوفِي.
الثَّالِث: عبيد الله الْعمريّ، وَقد تكَرر ذكره.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( رخص النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف تَقْدِيره: رخص فِي البيتوتة ليَالِي منى بِمَكَّة لأهل السِّقَايَة.
وَقد مر الْكَلَام فِي هَذَا الْبابُُ مستقصىً فِي: بابُُ سِقَايَة الْحَاج، فَإِنَّهُ أخرج حَدِيث ابْن عمر هُنَاكَ من طَرِيق عبيد الله عَن نَافِع، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَنهُ.





[ قــ :1668 ... غــ :1744 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى قَالَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذِنَ..
هَذَا طَرِيق ثَان عَن يحيى بن مُوسَى بن عبد ربه بن سَالم أبي زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن مُحَمَّد بن بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي الْبَصْرِيّ عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عبيد الله الْعمريّ عَن نَافِع.

وَأخرجه مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن حَاتِم وَعبد بن حميد، كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج عَن عبيد الله عَن نَافِع.

قَوْله: ( أذن) أَي: أذن للْعَبَّاس بن عبد الْمطلب للسقاية بِأَن يبيت ليَالِي منى بِمَكَّة.





[ قــ :1668 ... غــ :1745 ]
- قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ نمَيْرٍ قَالَ حَدثنَا أبِي قَالَ حَدثنَا عُبَيْدُ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ العَبَّاسَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ اسْتَأْذَنَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيالِي مِنىً مِنْ أجْلِ سِقَايَتِهِ فأذِنَ لَهُ..
هَذَا طَرِيق ثَالِث أخرجه عَن مُحَمَّد بن نمير، بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم إِلَى آخِره، وَمضى هَذَا فِي بابُُ سِقَايَة الْحَاج عَن ابْن عمر بِلَفْظ: (اسْتَأْذن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيت بِمَكَّة ليَالِي منى من أجل سقايته فَأذن لَهُ) .
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر السّنة أَن يبيت النَّاس بمنى ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق إلاَّ من أرخص لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ أرخص للْعَبَّاس أَن يبيت بِمَكَّة لأجل سقايته، وأرخص لرعاء الْإِبِل وأرخص لمن أَرَادَ التَّعْجِيل أَن ينفر فِي النَّفر الأول.

وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِيمَن بَات لَيْلَة منى بِمَكَّة من غير من رخص لَهُ، فَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ دم،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن بَات لَيْلَة أطْعم عَنْهَا مِسْكينا، وَإِن بَات ليَالِي منى كلهَا أَحْبَبْت أَن يهريق دَمًا، وَجعل أَبُو حنيفَة، رَحمَه الله تَعَالَى، وَأَصْحَابه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِن كَانَ يَأْتِي منى، وَيَرْمِي الْجمار، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

تابَعَهُ أبُو أسَامَةَ وعُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ وأبُو ضَمْرَةَ

أَي: تَابع مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن نمير وَأَبُو أُسَامَة، قَالَا: حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَحدثنَا ابْن نمير، وَاللَّفْظ لَهُ، قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنَا عبيد الله، قَالَ: حَدثنِي نَافِع (عَن ابْن عمر أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيت بِمَكَّة ليَالِي منى من أجل سقايته، فَأذن لَهُ.

قَوْله: (وَعقبَة بن خَالِد) عطف على قَوْله: (أَبُو أُسَامَة) أَي: تَابع ابْن نمير أَيْضا عقبَة بن خَالِد أَبُو مَسْعُود الْكُوفِي.
وَأخرج مُتَابَعَته عُثْمَان بن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَنهُ.

قَوْله: (وَأَبُو ضَمرَة) عطف على مَا قبله أَي: تَابع ابْن نمير أَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم، واسْمه أنس بن عِيَاض.

وَقد أخرج البُخَارِيّ فِي: بابُُ سِقَايَة الْحَاج عَن عبد الله بن أبي الْأسود عَن أبي ضَمرَة عَن عبيد الله عَن نَافِع الحَدِيث.
وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذِه المتابعات هُنَا بعد أَن روى هَذَا الحَدِيث من ثَلَاث طرق لأجل شكّ وَقع فِي رِوَايَة يحيى بن سعيد الْقطَّان فِي وَصله، وَقد أخرجه أَحْمد عَن يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع، قَالَ: لَا أعلمهُ إلاَّ عَن ابْن عمر،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: وصل هَذَا الحَدِيث بِلَا شكّ فِيهِ الدَّرَاورْدِي، وَعلي بن مسْهر وَأَبُو حَمْزَة وَعقبَة بن خَالِد وَمُحَمّد بن فليح ومُوسَى بن عقبَة عَن عبيد الله وأرسله ابْن الْمُبَارك عَن عبيد الله.