فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رمي الجمار

( بابُُ رَمْيِ الجِمَارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وَقت رمي الْجمار، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِأَن حَدِيث الْبابُُ لَا يدل إلاَّ على بَيَان وَقت الْجمار.

وَقَالَ جابِرٌ رَمَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ النَّحْرِ ضُحىً ورمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَهَذَا مُعَلّق وَصله مُسلم،.

     وَقَالَ : حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَابْن إِدْرِيس عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير ( عَن جَابر، قَالَ: رمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر ضحى وَأما بعد فَإِذا زَالَت الشَّمْس) ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة يحيى بن سعيد، وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن خشرم: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير ( عَن جَابر، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي يَوْم النَّحْر ضحى وَأما بعد ذَلِك فَبعد زَوَال الشَّمْس) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس.

قَوْله: ( ضحى) الرِّوَايَة فِيهِ بِالتَّنْوِينِ على أَنه مَصْرُوف، وَهُوَ مَذْهَب النُّحَاة من أهل الْبَصْرَة، سَوَاء قصد التَّعْرِيف أَو التنكير.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: تَقول: لَقيته ضحى وضحى إِذا أردْت بِهِ ضحى يَوْمك لم تنونه، وَأما وَقت الضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقصر.
فَقَالَ الْجَوْهَرِي: ضحوة النَّهَار بعد طُلُوع الشَّمْس، ثمَّ بعده الضُّحَى وَهُوَ حِين تشرق الشَّمْس مَقْصُور يؤنث وَيذكر، فَمن أنث ذهب إِلَى أَنَّهَا جمع: ضحوة، وَمن ذكر ذهب إِلَى أَنه إسم على فعل مثل صرد ونغر، وَهُوَ ظرف غير مُتَمَكن مثل: سحر.
قَالَ: ثمَّ بعده الضحاء مَمْدُود مُذَكّر، وَهُوَ عِنْد ارْتِفَاع النَّهَار الْأَعْلَى.
قَوْله: ( وَرمى بعد ذَلِك بعد الزَّوَال) يَعْنِي رمي الْجمار أَيَّام التَّشْرِيق.

وَيُسْتَفَاد من الحَدِيث حكمان: الأول: أَن وَقت رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر ضحى اقْتِدَاء بِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: الْمُسْتَحبّ أَن يَرْمِي بعد طُلُوع الشَّمْس ثمَّ يَأْتِي بباقي الْأَعْمَال فَيَقَع الطّواف فِي ضحوة النَّهَار.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: وَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ مُخَالف للْحَدِيث على مُقْتَضى تَفْسِير أهل اللُّغَة أَن ضحوة النَّهَار مُتَقَدّمَة على الضُّحَى، وَهَذَا وَقت الِاخْتِيَار، وَأما أول وَقت الْجَوَاز فَهُوَ بعد طُلُوع الشَّمْس، وَهَذَا مَذْهَبنَا لما روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: أَي بني لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس.
وَأما آخِره فَإلَى غرُوب الشَّمْس،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يجوز الرَّمْي بعد النّصْف الْأَخير من اللَّيْل، وَفِي ( شرح التِّرْمِذِيّ) لشَيْخِنَا: وَأما آخر وَقت رمي جَمْرَة الْعقبَة فَاخْتلف فِيهِ كَلَام الرَّافِعِيّ، فَجزم فِي ( الشَّرْح الصَّغِير) أَنه يَمْتَد إِلَى الزَّوَال، قَالَ: وَالْمَذْكُور فِي ( النِّهَايَة) جزما امتداده إِلَى الْغُرُوب، وَحكى وَجْهَيْن فِي امتداده إِلَى الْفجْر: أصَحهمَا: أَنه لَا يَمْتَد.
وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي ( الرَّوْضَة) وَفِي ( التَّوْضِيح) : رمي جَمْرَة الْعقبَة من أَسبابُُ التَّحَلُّل عندنَا، وَلَيْسَ بِرُكْن، خلافًا لعبد الْملك الْمَالِكِي حَيْثُ قَالَ: من خرجت عَنهُ أَيَّام منى وَلم يرم جَمْرَة الْعقبَة بَطل حجه، فَإِن ذكر بعد غرُوب شمس يَوْم النَّحْر فَعَلَيهِ دم، وَإِن تذكر بعد فَعَلَيهِ بَدَنَة،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: لَا شَيْء عَلَيْهِ مَا دَامَت أَيَّام منى.
وَفِي ( الْمُحِيط) أَوْقَات رمي جَمْرَة الْعقبَة ثَلَاثَة: مسنون بعد طُلُوع الشَّمْس، ومباح بعد زَوَالهَا إِلَى غُرُوبهَا، ومكروه وَهُوَ الرَّمْي بِاللَّيْلِ.
وَلَو لم يرم حَتَّى دخل اللَّيْل فَعَلَيهِ أَن يرميها فِي اللَّيْل، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَعَن أبي يُوسُف، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ: لَا يَرْمِي فِي اللَّيْل وَعَلِيهِ دم، وَلَو لم يرمِ فِي يَوْم النَّحْر حَتَّى أصبح من الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ دم عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لَهما.

الحكم الثَّانِي: هُوَ أَن الرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق مَحَله بعد زَوَال الشَّمْس، وَهُوَ كَذَلِك، وَقد اتّفق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة.
وَخَالف أَبُو حنيفَة فِي الْيَوْم الثَّالِث مِنْهَا، فَقَالَ: يجوز الرَّمْي فِيهِ قبل الزَّوَال اسْتِحْسَانًا.
.

     وَقَالَ : إِن رمى فِي الْيَوْم الأول أَو الثَّانِي قبل الزَّوَال أعَاد، وَفِي الثَّالِث يجْزِيه.
.

     وَقَالَ  عَطاء وطاووس: يجوز فِي الثَّلَاثَة قبل الزَّوَال، وَاتفقَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: أَنه إِذا مَضَت أَيَّام التَّشْرِيق وَغَابَتْ الشَّمْس من آخرهَا فقد فَاتَ الرَّمْي، وَيجْبر ذَلِك بِالدَّمِ.



[ قــ :1669 ... غــ :1746 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا مِسْغَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ سألْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَتَى أرْمِي الجِمَارَ قَالَ إذَا رَمَى إمَامُكَ فأرْمِهْ فأعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْألَةَ قَالَ كُنَّا نَتَحَيَّنُ فإذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة من الَّذِي ذَكرْنَاهُ قبل هَذَا، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالراء ابْن كدام، مر فِي كتاب الْوضُوء، وبرة، بِالْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء المفتوحات على وزن شَجَرَة: ابْن عبد الرَّحْمَن الْمسلي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا لَام، وَكلهمْ كوفيون.

وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ عَن سُفْيَان ومسعر.

قَوْله: ( مَتى أرمي الْجمار؟) ، يَعْنِي: فِي غير يَوْم الْأَضْحَى.
قَوْله: ( إِذا رمى إمامك) أَرَادَ بِهِ الْأَمِير الَّذِي على الْحَج، وَكَانَ ابْن عمر خَافَ عَلَيْهِ أَن يُخَالف الْأَمِير فَيحصل لَهُ مِنْهُ ضَرَر، فَلَمَّا أعَاد إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة لم يَسعهُ الكتمان، فَأعلمهُ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فارمه) ، بهاء سَاكِنة لِأَنَّهَا هَاء السكت، والْحَدِيث رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ فِيهِ: ( فَقلت لَهُ: أَرَأَيْت إِن أخر إمامي؟) أَي: الرَّمْي، فَذكر لَهُ الحَدِيث، أخرجه ابْن أبي عمر فِي ( مُسْنده) عَنهُ وَمن طَرِيقه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلَفظه: ( فَإِذا زاغت الشَّمْس) ، أَو زَالَت.
قَوْله: ( كُنَّا نتحيَّن) على وزن: نتفعل، من: الْحِين، وَهُوَ الزَّمَان أَي: نراقب الْوَقْت.
قَوْله: ( فَإِذا زَالَت الشَّمْس رمينَا) أَي: فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَعند الْجُمْهُور: لَا يجوز الرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَهِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة إلاَّ بعد الزَّوَال.
.

     وَقَالَ  عَطاء وطاووس: يجْزِيه فِيهَا قبل الزَّوَال، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَاتَّفَقُوا أَنه إِذا مَضَت أَيَّام التَّشْرِيق وَغَابَتْ الشَّمْس من آخرهَا فقد فَاتَ الرَّمْي، وَيجْبر بِالدَّمِ.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: إِذا أخر رمي يَوْم إِلَى يَوْم بعده أَو أخر الرَّمْي كُله إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق ترك السّنة، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَعند أبي حنيفَة: إِن ترك حَصَاة أَو حصاتين أَو ثَلَاثًا إِلَى الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ لكل حَصَاة نصف صَاع، وَإِن ترك أَرْبعا إِلَى الْغَد فَعَلَيهِ دم، وَالله أعلم.