فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا رمى الجمرتين، يقوم ويسهل، مستقبل القبلة

( بابٌُ إذَا رَمىَ الجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ ويُسْهِلُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا رمى الْجَمْرَتَيْن، وهما الْجَمْرَة الأولى وَالثَّانيَِة غير جَمْرَة الْعقبَة.
قَوْله: ( يقوم) أَي: يقف عِنْدهمَا طَويلا.
وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يقف عِنْد الْجَمْرَة الأولى، فَكَانَ ابْن مَسْعُود يقف عِنْدهَا قدر قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة مرَّتَيْنِ، وَعَن ابْن عمر: كَانَ يقف عِنْدهَا قدر قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة عِنْد الْجَمْرَتَيْن، وَعَن أبي مجلز قَالَ: كَانَ ابْن عمر يشبر ظله ثَلَاثَة أشبار ثمَّ يَرْمِي، وَقَامَ عِنْد الْجَمْرَتَيْن قدر قِرَاءَة سُورَة يُوسُف، وَكَانَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يقف بِقدر قِرَاءَة سُورَة من المئين، وَلَا تَوْقِيف فِي ذَلِك عِنْد الْعلمَاء، وَإِنَّمَا هُوَ ذكر وَدُعَاء، فَإِن لم يقف وَلم يدع فَلَا حرج عَلَيْهِ عِنْد أَكثر الْعلمَاء إلاَّ الثَّوْريّ فَإِنَّهُ اسْتحبَّ أَن يطعم شَيْئا أَو يهريق دَمًا.
قَوْله: ( ويسهل) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، أَي: يقْصد السهل من الأَرْض وَهُوَ الْمَكَان المصطحب الَّذِي لَا ارْتِفَاع فِيهِ.
قَوْله: ( مُسْتَقْبل الْقبْلَة) كَلَام إضافي وَقع حَالا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يُسهل أَن ينزل إِلَى السهل من بطن الْوَادي، يُقَال: أسهل الْقَوْم إِذا نزلُوا من الْجَبَل إِلَى السهل.



[ قــ :1674 ... غــ :1751 ]
- حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا طَلحَةُ بنُ يَحْيَى قَالَ حَدثنَا يُونسُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ كانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً ويَدْعُو ويَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى ثُمَّ يأخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُّ ويَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً ويَدْعُو ويَرْفَعُ يَدَيْهِ طَوِيلاً ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي ولاَ يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هاكَذَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَلُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَذكره أَيْضا فِي بابَُُيْنِ بعده، وَعُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَطَلْحَة بن يحيى بن النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش الزرقي الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْكتاب غير هَذَا الحَدِيث.
فَإِن قلت: فِيهِ مقَال، فَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، وَلِهَذَا لم يخرج لَهُ مُسلم شَيْئا قلت: وَثَّقَهُ ابْن معِين، على أَن البُخَارِيّ لم يحْتَج بِهِ وَحده، فقد استظهر بمتابعة سُلَيْمَان بن بِلَال فِي الْبابُُ الَّذِي بعده، وبمتابعة عُثْمَان بن عمر أَيْضا، كِلَاهُمَا عَن يُونُس، وتابعهم عبد الله بن عمر النميري عَن يُونُس عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.

قَوْله: ( الْجَمْرَة الدُّنْيَا) ، بِضَم الدَّال أَو بِكَسْرِهَا أَي: الْقَرِيبَة إِلَى جِهَة مَسْجِد الْخيف، وَهِي أولى الجمرات الَّتِي ترمي من ثَانِي يَوْم النَّحْر، وَهِي أقرب الجمرات من منى وأبعدها من مَكَّة.
قَوْله: ( على إِثْر كل حَصَاة) إِثْر الشَّيْء، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: عقيبة.
قَوْله: ( حَتَّى يسهل) ، بِنصب اللَّام بِتَقْدِير: أَن، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.
قَوْله: ( فَيقوم طَويلا) ، وَفِي رِوَايَة سلميان بن بِلَال: فَيقوم قيَاما طَويلا.
قَوْله: ( وَيرْفَع يَدَيْهِ) أَي: فِي الدُّعَاء، وَهَذَا يدل على مَشْرُوعِيَّة رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الدُّعَاء، وروى مَالك مَنعه فِي جَمِيع المشاعر، وروى فِي الاسْتِسْقَاء: ( رَافعا يَدَيْهِ وَقد جعل بطونهما إِلَى الأَرْض، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: لَا أعلم أحدا أنكر ذَلِك غير مَالك فَإِن ابْن الْقَاسِم حكى عَنهُ أَنه لم يكن يعرف رفع الْيَدَيْنِ هُنَالك قَالَ وَاتِّبَاع السّنة أفضل وَقيل يرفع حَكَاهُ ابْن التِّين وَابْن الْحَاجِب.
قَوْله: ( ثمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى) أَي: الْجَمْرَة الْوُسْطَى.
قَوْله: ( ثمَّ يَأْخُذ ذَات الشمَال) ، بِكَسْر الشين أَي: جَانب الشمَال.
قَوْله: ( ثمَّ يَرْمِي جَمْرَة ذَات الْعقبَة) ، هِيَ جَمْرَة الْعقبَة.
وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن عمر: ( ثمَّ يَأْتِي الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الْعقبَة) .
قَوْله: ( ثمَّ ينْصَرف) ، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: ( وَلَا يقف عِنْدهَا) .