فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب طواف الوداع

( بابُُ طَوَافِ الوَدَاعِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم طواف الْوَدَاع، وَإِنَّمَا أضمر الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبابُُ.



[ قــ :1678 ... غــ :1755 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ طَاووسِ عَنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالْبَيْتِ إلاَّ أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ) ، وَهُوَ لَا يكون إلاَّ بِالطّوافِ، وَهُوَ فِي آخر الْعَهْد طواف الْوَدَاع.

وَرِجَاله: تكَرر ذكرهم، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله بن طَاوُوس.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسلم ابْن إِبْرَاهِيم، فَعَن قريب يَأْتِي، وَأخرجه أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن مُعلى بن أَسد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن سعيد بن مَنْصُور وَأبي بكر بن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري، والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ.
وَعَن جَعْفَر بن مُسَافر مُخْتَصرا.

قَوْله: ( أَمر النَّاس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وأصل الْكَلَام: أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ.
وَرَوَاهُ مُسلم نَحوه عَن سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: ( كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ينصرفن أحدكُم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ) .
قَالَ زُهَيْر: يَنْصَرِفُونَ كل، وَجه وَلم يقل: فِي.
وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة الْحسن بن مُسلم ( عَن طَاوُوس، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس إِذْ قَالَ زيد بن ثَابت: تَعْنِي أَن تصدر الْحَائِض قبل أَن يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أما لَا فسل فُلَانَة الْأَنْصَارِيَّة، هَل أمرهَا بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: فَرجع زيد إِلَى ابْن عَبَّاس يضْحك، وَهُوَ يَقُول: مَا أَرَاك إلاَّ قد صدقت!) .
وَفِي رِوَايَة: ( فَسَأَلَهَا زيد ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ يضْحك، فَقَالَ ... الحَدِيث كَمَا حَدَّثتنِي) .
وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: ( أرسل زيد إِلَى ابْن عَبَّاس: إِنِّي وجدت الَّذِي قلت كَمَا قلت، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي لأعْلم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنِّسَاء، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن أَقُول مَا فِي كتاب الله تَعَالَى، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة: { ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} ( الْحَج: 92) .
فقد قَضَت التفث ووفت النّذر وطافت بِالْبَيْتِ فَمَا بَقِي)
.
قَوْله: ( أما لَا) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح اللَّام وبالإمالة الْخفية، وَهُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور.
قَالَ القَاضِي: ضَبطه الطَّبَرِيّ والأصيلي بِكَسْر اللَّام، قَالَ: وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب فتحهَا إلاَّ على لُغَة من يمِيل.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي قَوْلهم: إفعل هَذَا إِمَّا لَا، مَعْنَاهُ: إفعله إِن كنت لَا تفعل غَيره.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: أصل هَذِه الْكَلِمَة أَن وَمَا، فأدغمت النُّون فِي الْمِيم، وَمَا زَائِدَة فِي اللَّفْظ لَا حكم لَهَا، وَقد أمالت الْعَرَب: لَا، إمالة خُفْيَة.
قَالَ: والعوام يشبعون إمالتها فَتَصِير ألفها يَاء، وَهُوَ خطأ، وَمَعْنَاهُ: إِن لم تفعل هَذَا فَلْيَكُن هَذَا.
قَوْله: ( بِالْبَيْتِ) خبر: كَانَ، يَعْنِي طواف الْوَدَاع لَا بُد أَن يكون آخر الْعَهْد بِهِ.
قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ وَاجِب يلْزم بِتَرْكِهِ دم على الصَّحِيح عندنَا، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء.
.

     وَقَالَ  مَالك وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر: هُوَ سنة لَا شَيْء فِي تَركه.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: هُوَ وَاجِب على الآفاقي دون الْمَكِّيّ والميقاتي، وَمن دونهم،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: أحب إليَّ أَن يطوف الْمَكِّيّ لِأَنَّهُ يخْتم الْمَنَاسِك، وَلَا يجب على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء، وَلَا على الْمُعْتَمِر لِأَن وُجُوبه عرف نصا فِي الْحَج، فَيقْتَصر عَلَيْهِ وَلَا على فَائت الْحَج، لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ الْعمرَة وَلَيْسَ لَهَا طواف الْوَدَاع،.

     وَقَالَ  مَالك: إِنَّمَا أَمر النَّاس أَن يكون آخر نسكهم الطّواف لقَوْله تَعَالَى: { ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} ( الْحَج: 23) .
.

     وَقَالَ : { ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} ( الْحَج: 33) .
فَمحل الشعائر كلهَا وانقضاؤها بِالْبَيْتِ الْعَتِيق.
قَالَ: وَمن أخَّر طواف الْوَدَاع وَخرج وَلم يطف، إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن لم يرجع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  عَطاء وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه، وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن تبَاعد مضى وإهراق دَمًا.

وَاخْتلفُوا فِي حد الْقرب، فَروِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رد رجلا من مر الظهْرَان وَلم يكن ودع، وَبَين مر الظهْرَان وَمَكَّة ثَمَانِيَة عشر ميلًا، وَعند أبي حنيفَة يرجع مَا لم يبلغ الْمَوَاقِيت، وَعند الشَّافِعِي: يرجع من مَسَافَة لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة.
وَعند الثَّوْريّ: يرجع مَا لم يخرج من الْحرم.
وَاخْتلفُوا فِيمَن ودع ثمَّ بدا لَهُ فِي شِرَاء حَوَائِجه.
فَقَالَ عَطاء: يُعِيد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ وبنحوه.
قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي بعض حَوَائِجه وَطَعَامه فِي السُّوق، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن أَقَامَ يَوْمًا أَو نَحوه أعَاد.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَو ودع وَأقَام شهرا أَو أَكثر أَجزَأَهُ.
وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ.





[ قــ :1679 ... غــ :1756 ]
- حدَّثنا أصبَغُ بنُ الفَرَجِ قَالَ أخْبَرَنا ابنُ وَهْبٍ عنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والمَغْرِبَ والْعِشَاءِ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بالمحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.

( الحَدِيث 6571 طرفه فِي: 4671) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ) لِأَن المُرَاد بِهِ طواف الْوَدَاع.
فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: إِنَّه صلى الظّهْر بالمحصب وَرمي هَذَا الْيَوْم يكون بعد الزَّوَال؟ قلت: لَا بُعد فِي هَذَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى فنفر فَنزل المحصب فصلى الظّهْر بِهِ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
وَرِجَاله قد ذكرُوا وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ تكلم أَحْمد فِي حَدِيث عَمْرو عَن قَتَادَة أَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلهَذَا أَتَى البُخَارِيّ بالمتابعة أَيْضا.
قَوْله: ( بالمحصب) الْبَاء فِيهِ مُتَعَلق بقوله: صلى، وَقَوله: ثمَّ رقد عطف عَلَيْهِ، والمحصب، بِفَتْح الصَّاد الْمُشَدّدَة: اسْم لمَكَان متسع بَين منى وَمَكَّة، وَهُوَ بَين الجبلين إِلَى الْمَقَابِر، سمي بِهِ لِاجْتِمَاع الْحَصْبَاء فِيهِ بِحمْل السَّبِيل إِلَيْهِ.
تابَعَهُ اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني خالِدٌ عنْ سَعِيدٍ عنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: تَابع عَمْرو بن الْحَارِث فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة اللَّيْث بن سعد وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن خَالِد بن يزِيد السكْسكِي عَن سعيد بن أبي هِلَال، وهما قد تقدما فِي أول كتاب الْوضُوء، وَذكر الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ أَن خَالِدا تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن سعيد، وَأَن اللَّيْث تفرد بِهِ عَن خَالِد، وَأَن سعيد بن أبي هِلَال لم يروِ عَن قَتَادَة عَن أنس غير هَذَا.