فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { يأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرِ يَأتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ} ( الْحَج: 72) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: { يأتوك ... } ( الْحَج: 72) .
إِلَى آخِره.
وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة مترجما بهَا تَنْبِيها على أَن اشْتِرَاط الرَّاحِلَة فِي وجوب الْحَج لَا يُنَافِي جَوَاز الْحَج مَاشِيا مَعَ الْقُدْرَة على الرَّاحِلَة وَعدم الْقُدْرَة، لِأَن الْآيَة اشْتَمَلت على المشاة والركبان، وَذَلِكَ أَن سَبَب نزُول الْآيَة أَنهم كَانُوا لَا يركبون على مَا روى الطَّبَرَانِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، من طَرِيق عَمْرو بن ذَر، رَحمَه الله تَعَالَى.
قَالَ: قَالَ مُجَاهِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانُوا لَا يركبون، فَأنْزل الله تَعَالَى: { يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 72) .
فَأَمرهمْ بالزاد وَرخّص لَهُم فِي الرّكُوب والمتجر، وَأول الْآيَة: { وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك ... } ( الْحَج: 72) .
الْآيَة.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من بِنَاء الْبَيْت أمره الله تَعَالَى أَن يُؤذن.
قَالَ إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رب وَمَا يبلغ أذاني؟ قَالَ: أذن وَعلي الْبَلَاغ.
فَقَامَ بالْمقَام، وَقيل: على جبل أبي قبيس، وَأدْخل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَأَقْبل بِوَجْهِهِ يَمِينا وَشمَالًا وشرقا وغربا،.

     وَقَالَ : يَا أَيهَا النَّاس! إِن الله يدعوكم إِلَى الْحَج ببيته الْحَرَام، فاسمع من فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء مِمَّن سبق فِي علم الله تَعَالَى أَن يحجّ، فَأَجَابُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، فَمن أجَاب يَوْمئِذٍ بِعَدَد حج على قدره، قيل: أول من أَجَابَهُ أهل الْيمن فهم أَكثر النَّاس حجا، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور.
.

     وَقَالَ  قوم: الْمَأْمُور بِالتَّأْذِينِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يفعل ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع، والتوفيق بَين الْقَوْلَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أمره الله بذلك إحْيَاء لسنة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قلت: { يأتوك} ( الْحَج: 72) .
على القَوْل الأول خطاب لإِبْرَاهِيم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى القَوْل الثَّانِي لنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر، وَهُوَ قَوْله: { أذِّنْ} ( الْحَج: 72) .
قَوْله: { رجَالًا} ( الْحَج: 72) .
نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي { يأتوك} ( الْحَج: 72) .
وَهُوَ جمع راجل، كَذَا قَالَه أَبُو عبيد فِي ( كتاب الْمجَاز) نَحْو: صِحَاب وَصَاحب، وَعَن ابْن عَبَّاس رجَالًا، رجالة، وَقَرَأَ عِكْرِمَة مشددا، وَقَرَأَ مُجَاهِد مخففا.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: جمع الراجل رجل، مثل صَاحب وَصَحب، ورجالة وَرِجَال، والأراجيل جمع الْجمع.
قَوْله: { وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 72) .
من الضمور، وَهُوَ الهزال،.

     وَقَالَ  أَبُو اللَّيْث: { وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 72) .
يَعْنِي: الْإِبِل وَغَيرهَا، فَلَا يدْخل بعير وَلَا غَيره الْحرم إلاَّ وَقد ضمر من طول الطَّرِيق، وضامر بِغَيْر هَاء يسْتَعْمل للمذكر والمؤنث.
.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) { وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 72) .
حَال معطوفة على: رجال، كَأَنَّهُ قيل: رجَالًا وركبانا، والضامر الْبَعِير المهزول.
قَوْله: { يَأْتِين} ( الْحَج: 72) .
صفة لكل ضامر، لِأَن: كل ضامر، فِي معنى الْجمع أَرَادَ النوق.
قَوْله: { من كل فج عميق} ( الْحَج: 72) .
أَي: من كل طَرِيق بعيد، وَمِنْه قيل: بِئْر عميقة.
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: معيق، فَقَالَ: بِئْر بعيدَة القعر.
قَوْله: { ليشهدوا} ( الْحَج: 72) .
أَي: ليحضروا مَنَافِع لَهُم هِيَ التِّجَارَة، وَقيل: مَنَافِع الْآخِرَة، وَقيل: مَنَافِع الدَّاريْنِ جَمِيعًا، وَتَمام الْآيَة { ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} ( الْحَج: 72) .
قَوْله: { ويذكروا} ( الْحَج: 72) .
أَي: وليذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات يَعْنِي: يَوْم النَّحْر ويومين بعده،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَقَتَادَة: المعلومات: الْأَيَّام الْعشْر، والمعدودات: إيام التَّشْرِيق.
قَوْله: { على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} ( الْحَج: 72) .
مُتَعَلق بذكروا، وَالْمعْنَى: ويذكروا اسْم الله على ذبح أنعامهم، وَالْمرَاد بِالذكر التَّسْمِيَة، وَهِي قَوْله: بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك عَن فلَان، كَانَ الْكفَّار يدعونَ ويذبحون على أَسمَاء أصنامهم، فَبين الله تَعَالَى أَن الْوَاجِب الذّبْح على اسْمه: { بَهِيمَة الْأَنْعَام} ( الْحَج: 72) .
الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم.
قَوْله: { فَكُلُوا مِنْهَا} ( الْحَج: 72) .
فَهُوَ أَمر إِبَاحَة، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يرَوْنَ وَلَا يسْتَحلُّونَ الْأكل من ذَبَائِحهم.
قَوْله: { وأطعموا البائس} ( الْحَج: 72) .
أَي: الَّذِي اشْتَدَّ فقره،.

     وَقَالَ  أَبُو اللَّيْث: البائس الصرير الزَّمن، وَالْفَقِير الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْء.
.

     وَقَالَ  الزّجاج: البائس الَّذِي أَصَابَهُ الْبُؤْس وَهُوَ الشدَّة، وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الْفِقْه عرف فِي مَوْضِعه.

فِجَاجا: الطّرُقُ الوَاسِعَةُ

قد جرت عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا وَقعت لَفْظَة فِي الحَدِيث أَو فِي الْآيَة يذكر نظيرها مِمَّا وَقع فِي الحَدِيث أَو الْقُرْآن، وَذكر هُنَا: فجاجا، يُرِيد بِهِ مَا وَقع فِي قَوْله تَعَالَى: { لتسلكوا مِنْهَا سبلاً فجاجا} ( الْحَج: 72) .
ثمَّ فسر الفجاج بقوله: الطّرق الواسعة، وَهَكَذَا فَسرهَا الْفراء فِي ( الْمعَانِي) فِي سُورَة نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ: جمع فج.
قَالَ ابْن سَيّده: الْفَج الطَّرِيق الْوَاسِع فِي جبل أَو فِي قبل جبل، وَهُوَ أوسع من الشّعب.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: هُوَ مَا انخفض من الطّرق، وَجمع على فجاج، وأفجة، الْأَخِيرَة نادرة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( المنتهي) : فجاج الأَرْض نَوَاحِيهَا.
وَفِي ( التَّهْذِيب) : { من كل فج عميق} ( الْحَج: 72) .
أَي: وَاسع غامض.



[ قــ :1454 ... غــ :1514 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عِيسى اقال حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ أنَّ سالمَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ أخبَره أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْكَبُ رَحِلَتَهُ بِذِي الحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قائِمَةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر الرّكُوب وَذكر الْفَج العميق.
أما الرّكُوب فَهُوَ قَوْله: ( يركب رَاحِلَته) ، وَأما الْفَج العميق فَهُوَ، ذُو الحليفة، لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن بَينهَا وَبَين مَكَّة عشر مراحل، وَهُوَ فج وعميق، وسنبسط الْكَلَام فِيهَا عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَبِمَا ذكرنَا سقط اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ، حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثين شَيْء مِمَّا ترْجم الْبابُُ بِهِ، وَلَو وَقع فِي خاطره مَا ذكرنَا من الْمُطَابقَة الْوَاضِحَة لما أقدم إِلَى الإعتراض.

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: أَحْمد بن عِيسَى أَبُو عبد الله التسترِي مصري الأَصْل، وَلكنه كَانَ يتجر إِلَى تستر فنسب إِلَيْهَا، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بنسبته إِلَى أَبِيه، وَوَافَقَهُ أَبُو عَليّ الشبوي، وَأَهْمَلَهُ الْبَاقُونَ، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَالَّذِي رَأَيْت فِي ( مُسْند عبد الله بن وهب) رِوَايَة يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَنهُ: أَنبأَنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهل ملبيا، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَسَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَأخرجه مُسلم عَن حَرْمَلَة، وَالنَّسَائِيّ عَن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( يركب رَاحِلَته) ، وَالرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهَا للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت.
قَوْله: ( بِذِي الحليفة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، وَفِي آخِره هَاء وَهِي شَجَرَة مِنْهَا يحرم أهل الْمَدِينَة.
وَهِي من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال وَمن مَكَّة على مِائَتي ميل غير ميلين، وَقيل: بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ميل أَو ميلان والميل ثلث فَرسَخ وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع، وبذي الحليفة عدَّة آبار ومسجدان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَسْجِد الْكَبِير الَّذِي يحرم مِنْهُ النَّاس، وَالْمَسْجِد الآخر: مَسْجِد المعرس.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هِيَ أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة تَعْظِيمًا لإحرام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( ثمَّ يهل) ، بِضَم الْيَاء: من الإهلال، وَهُوَ رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ.
قَوْله: ( حَتَّى تستوي) أَي: الرَّاحِلَة.
قَوْله: ( قَائِمَة) ، نصب على الْحَال.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الرّكُوب فِي سفر الْحَج وَالرُّكُوب فِيهِ وَالْمَشْي سَوَاء فِي الْإِبَاحَة، وَالْكَلَام فِي الْأَفْضَلِيَّة، فَقَالَ قوم: الرّكُوب أفضل اتبَاعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولفضل النَّفَقَة فَإِن النَّفَقَة فِيهِ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله سَبْعمِائة ضعف، كَمَا أخرجه أَحْمد من حَدِيث بُرَيْدَة، وَصحح جمَاعَة أَن الْمَشْي أفضل وَبِه قَالَ إِسْحَاق لِأَنَّهُ أَشد على النَّفس، وَفِي حَدِيث صَححهُ الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: ( من حج إِلَى مَكَّة مَاشِيا حَتَّى رَجَعَ كتب لَهُ بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم، قيل: وَمَا حَسَنَات الْحرم؟ قَالَ: كل حَسَنَة بِمِائَة ألف حَسَنَة) .
وروى مُحَمَّد بن كَعْب عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَا فَاتَنِي شَيْء أَشد عَليّ إلاَّ أَن أكون حججْت مَاشِيا، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: { يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 72) .
أَي: ركبانا، فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قبل الركْبَان، وَذكر إِسْمَاعِيل إِبْنِ إِسْحَاق عَن مُجَاهِد قَالَ: أهبط آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْهِنْدِ فحج على قَدَمَيْهِ الْبَيْت أَرْبَعِينَ حجَّة، وَعَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، حجا ماشيين، وَحج الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، خَمْسَة وَعشْرين حجَّة مَاشِيا وَأَن النجائب لتقاد بَين يَدَيْهِ، وَفعله ابْن جريج وَالثَّوْري.
وَفِي ( الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( حج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه مشَاة من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة، ثمَّ قَالَ اربطوا على أوساطكم مآزركم وامشوا مشياً خلط الهرولة) .
ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.

وَفِيه: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أهل حِين اسْتَوَت رَاحِلَته قَائِمَة، واستواؤها كَمَال قِيَامهَا، وَبِه احْتج مَالك وَأكْثر الْفُقَهَاء على أَن يهل الرَّاكِب إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة، وَاسْتحبَّ أَبُو حنيفَة أَن يكون إهلاله عقيب الصَّلَاة إِذا سلم مِنْهَا،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يهل إِذا أخذت نَاقَته فِي الْمَشْي، وَمن كَانَ يركب رَاحِلَته قَائِمَة كَمَا يَفْعَله كثير من الْحَاج الْيَوْم فيهل على مَذْهَب مَالك إِذا اسْتَوَى عَلَيْهَا رَاكِبًا.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: جَاءَ فِي رِوَايَة: ( أهل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا اسْتَوَت النَّاقة) .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ( حَتَّى إِذا اسْتَوَت بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته) ، وَفِي أُخْرَى ( حَتَّى تنبعث بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاقَته) ، وَلَا يفهم مِنْهُ أَخذهَا فِي الْمَشْي.

     وَقَالَ  أَكثر أَصْحَاب مَالك يسْتَحبّ أَن يهل إِذا اسْتَوَت بِهِ نَاقَته إِن كَانَ رَاكِبًا وَإِن كَانَ رَاجِلا فحين يَأْخُذ فِي الْمَشْي،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن كَانَ رَاكِبًا فَكَذَلِك.





[ قــ :1455 ... غــ :1515 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ قَالَ أخبرنَا الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنا الأوْزَاعِي سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ إهْلالَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ حينَ اسْتَوَتْ بِهِ راحِلَتُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصد الْحَج رَاكِبًا، وَهُوَ مُطَابق لقَوْله: { وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 7) .

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد بن زادان التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَاق تقدم فِي: بابُُ غسل الْحَائِض رَأسهَا.
الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي.
مر فِي: بابُُ وَقت الْمغرب.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح، وَإِن كَانَ عَطاء بن يسَار روى عَن جَابر، لَكِن الْأَوْزَاعِيّ لم يرو إلاَّ عَن أبي رَبَاح.
الْخَامِس: جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَا نِسْبَة إِلَى أَبِيه وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى.
وَفِيه: أَنه رازي والوليد وَالْأَوْزَاعِيّ دمشقيان وَعَطَاء مكي.

رَوَاهُ أنَسٌ وَابنُ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا

أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أنس بن مَالك وَعبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أما حَدِيث أنس فَسَيَأْتِي فِي: بابُُ من بَات بِذِي الحليفة، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس سَيَأْتِي فِي: بابُُ مَا يلبس الْمحرم.


( بابُُ الحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الْحَج على الرحل، وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره لَام، وَهُوَ للبعير كالسرج للْفرس، وَفِي ( الْمُخَصّص) : الرحل مركب للبعير لَا غير، وَيجمع على أرحل ورحال، يُقَال: رحلت الرحل أرحله رحلاً: وَضعته على الْبَعِير، وَكَذَلِكَ: ارتحلته، أَي: وضعت عَلَيْهِ الرحل، ورحلته رحْلَة: شددت عَلَيْهِ أداته، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن ترك التزين والتزوق أفضل كَمَا يَجِيء الْآن أَن عبد الرَّحْمَن حمل أُخْتهَا عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا على قتب.



[ قــ :1455 ... غــ :1516 ]
- وَقَالَ أبانُ حَدثنَا مالِكُ بنُ دِينَار عنِ القَاسِمِ بنِ محَمَّدٍ عنْ عائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ معَها أخاهَا عَبْدَ الرَّحْمانِ فأعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( على قتب) لِأَن القتب هُوَ الرحل الصَّغِير على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأَبَان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون منصرفا وَغير منصرف: ابْن يزِيد الْعَطَّار الْبَصْرِيّ، وَمَالك بن دِينَار الزَّاهِد الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ النَّاجِي، بالنُّون وَالْجِيم وياء النِّسْبَة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة، وَلم يخرج البُخَارِيّ لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) .

     وَقَالَ : حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الوَاسِطِيّ حَدثنَا سهل بن أَحْمد وَعلي بن الْعَبَّاس البَجلِيّ وَيحيى بن صاعد، قَالُوا: حَدثنَا عَبدة بن عبد الله حَدثنَا حرمي ابْن عمار حَدثنَا أبان يَعْنِي: ابْن يزِيد الْعَطَّار حَدثنَا مَالك فَذكره.
قَوْله: ( مَعهَا) ، أَي: مَعَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله: عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ شَقِيق عَائِشَة، وَأمّهَا أم رُومَان بنت عَامر، وَكَانَ اسْم عبد الرَّحْمَن فِي الْجَاهِلِيَّة عبد الْعُزَّى، وَقيل: عبد الْكَعْبَة، فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الرَّحْمَن، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَحَادِيث اتفقَا على ثَلَاثَة، مَاتَ بالحبشي على اثْنَي عشر ميلًا من مَكَّة، فَحمل وَدفن فِي مَكَّة فِي إمرة مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَخمسين.
قَوْله: ( فأعمرها) ، أَي: حملهَا على الْعمرَة.
قَوْله: ( من التَّنْعِيم) ، بِفَتْح التَّاء المثناء من فَوق وَسُكُون النُّون وَكسر الْعين الْمُهْملَة: مَوضِع عِنْد طرف حرم مَكَّة من جِهَة الْمَدِينَة على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة.
قَوْله: ( على قتب) ، بِفَتْح التَّاء المثناء من فَوق وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: وَهُوَ رَحل صَغِير على قدر السنام، وَالْجمع: أقتاب، وَيجوز تأنيثه عِنْد الْخَلِيل.
وَفِي ( الْمُحكم) : القتب والقتب: إكاف الْبَعِير.
وَفِي ( الْمُخَصّص) : وَقيل: القتب لبعير الْحمل، والقتب بِالْكَسْرِ لبعير السانية.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ قوم مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار على أَن وَقت الْعمرَة لمن كَانَ بِمَكَّة هُوَ التَّنْعِيم،.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَغَيرهم، مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَآخَرُونَ: وَقت الْعمرَة لمن كَانَ بِمَكَّة الْحل، وَهُوَ خَارج الْحرم: فَمن أَي الْحل أَحْرمُوا بهَا جَازَ، سَوَاء ذَلِك التَّنْعِيم أَو غَيره من الْحل.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: إِنَّه قد يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصد إِلَى التَّنْعِيم لِأَنَّهُ كَانَ أقرب الْمحل مِنْهَا، لِأَن غَيره من الْحل لَيْسَ هُوَ فِي ذَلِك كَهُوَ، وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون أَرَادَ بِهِ التَّوْقِيت لأهل مَكَّة فِي الْعمرَة، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَإِذا يزِيد بن سِنَان قد حَدثنَا، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَامر صَالح بن رستم عَن ابْن أبي مليكَة ( عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرف وَأَنا أبْكِي، فَقَالَ: مَا ذَاك؟ قلت: حِضْت.
قَالَ: فَلَا تبْكي، إصنعي مَا يصنع الْحَاج، فقدمنا مَكَّة ثمَّ أَتَيْنَا منى ثمَّ غدونا إِلَى عَرَفَة ثمَّ رمينَا الْجَمْرَة، تِلْكَ الْأَيَّام، فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر فَنزل الحصبة، قَالَت: وَالله مَا نزلها إلاَّ من أَجلي، فَأمر عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ: إحمل أختك فأخرجها من الْحرم.
قَالَت: وَالله مَا ذكر الْجِعِرَّانَة وَلَا التَّنْعِيم فلتهل بِعُمْرَة، فَكَانَ أدناها من الْحرم التَّنْعِيم، فَأَهْلَلْت بِعُمْرَة، فطفنا بِالْبَيْتِ وسعينا بَين الصَّفَا والمروة، ثمَّ أَتَيْنَا فارتحل، فَأخْبرت عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْصد لما أَرَادَ أَن يعمرها إلاَّ إِلَى الْحل لَا إِلَى مَوضِع مِنْهُ بِعَيْنِه خَاصّا، وَأَنه إِنَّمَا قصد بهَا عبد الرَّحْمَن التَّنْعِيم لِأَنَّهُ كَانَ أقرب الْحل إِلَيْهِم لَا لِمَعْنى فِيهِ يبين بِهِ من سَائِر الْحل غَيره، فَثَبت بذلك أَن وَقت نزُول أهل مَكَّة لعمرتهم الْحل، وَأَن التَّنْعِيم فِي ذَلِك وَغَيره سَوَاء.
،
وَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ: شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الحَجِّ فإنَّهُ أحَدُ الجِهَادَيْنِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الرّحال جمع رَحل، وَقد ذكرنَا أَن القتب هُوَ الرحل الصَّغِير.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ( عَن عَابس بن ربيعَة أَنه سمع عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول وَهُوَ يخْطب: إِذا وضعتم السُّرُوج فشدوا الرّحال إِلَى الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّهُ أحد الجهادين) .
سَمَّاهُ جهادا لِأَنَّهُ يُجَاهد فِيهِ نَفسه بِالصبرِ على مشقة السّفر وَترك الملاذ ودرء الشَّيْطَان عَن الشَّهَوَات، وعابس بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة.

وَقَالَ محَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ عنْ ثُمَامَةَ بنَ عَبْدِ الله بنِ أنَس.
قَالَ حَجَّ أنَس عَلَى رَحْلٍ ولَمْ يَكُنْ شَحِيحا وحدَّثَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وكانَتْ زَامِلَتَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة وَاضِحَة.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ وَقد علق عَنهُ هُنَا، وَوَقع كَذَلِك فِي غير مَا نسخه، وَذكره عَنهُ غير وَاحِد، وَوَقع فِي بعض النّسخ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر.
الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع وَقد تقدم.
الثَّالِث: عزْرَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وبالراء: ابْن ثاب، بالثاء الْمُثَلَّثَة ثمَّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة: الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم، مر فِي: بابُُ من أعَاد الحَدِيث ثَلَاثًا.
الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن جده، وَقد ذكرنَا أَنه مُعَلّق بِمَا فِيهِ من الْخلاف، وَقد ولى لَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَرَوَاهُ عَن يُوسُف القَاضِي وَأبي يعلى وَالْحسن، قَالُوا: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَن عَليّ بن هَارُون، وَأَبُو الْفرج النَّسَائِيّ، قَالَا: حَدثنَا يُوسُف القَاضِي حَدثنَا مُحَمَّد، فَذكره.
وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع: حَدثنَا زُرَيْع عَن زيد بن أبان ( عَن أنس، قَالَ: حج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على رَحل وقطيفة تسوأن،.

     وَقَالَ : لَا تَسَاوِي إِلَّا أَرْبَعَة دَرَاهِم)
.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، قَالَ: اللَّهُمَّ حجَّة لَا رِيَاء فِيهَا وَلَا سمعة)
.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي سِنَان عَن عبد الله بن الْحَارِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حج على رَحل فاهتز،.

     وَقَالَ  مرّة: فاحتج فَقَالَ: لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة.
قَوْله: ( وَلم يكن شحيحا) أَي: بَخِيلًا، أَي: لم يكن تَركه الهودج والاكتفاء بالقتب للبخل، بل لمتابعة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَكَانَت) ، أَي: وَكَانَت الرَّاحِلَة الَّتِي ركبهَا زاملته، وَدلّ على هَذَا قَوْله: ( على رَحل) ، والزاملة، بالزاي: الْبَعِير الَّذِي يستظهر بِهِ الرحل، يحمل مَتَاعه وَطَعَامه عَلَيْهِ، وَهِي من الزمل وَهُوَ الْحمل، وَالْحَاصِل أَنه لم يكن مَعَه غير رَاحِلَته لحمل مَتَاعه وَطَعَامه وَهُوَ رَاكب عَلَيْهَا، فَكَانَت هِيَ الرَّاحِلَة والزاملة.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الزاملة هِيَ الدَّابَّة الَّتِي يحمل عَلَيْهَا من الْإِبِل وَغَيرهَا، والزوملة: الْبَعِير الَّتِي عَلَيْهَا أحمالها، فَأَما العير فَهِيَ مَا كَانَ عَلَيْهَا أحمالها، وَمَا لم يكن.
وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة، قَالَ: كَانَ النَّاس يحجون وتحتهم أَزْوَادهم، وَكَانَ أول من حج وَلَيْسَ تَحْتَهُ شَيْء عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.