فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: ذات عرق لأهل العراق

( بابٌُ ذَاتَ عِرْقٍ لأهلِ العِرَاقِ)

يجوز فِي: بابُُ، الْإِضَافَة وَالْقطع.
أما الأول: فتقديره: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن ذَات عرق مهل أهل الْعرَاق، وَأما تَقْدِير الثَّانِي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ ذَات عرق لأهل الْعرَاق، وَذَات غرق بِكَسْر الْعين، وَقد فسرناها فِي: بابُُ مِيقَات أهل الْمَدِينَة، سمي بذلك لِأَن فِيهِ عرقا، وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير، وَهِي أَرض سبخَة تنْبت الطرفاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فِي مَنَاسِكه: ذَات عرق أول بِلَاد تهَامَة ودونها بميلين وَنصف مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي لبني هِلَال بن عَامر بن صعصعة، وَبهَا بركَة تعرف بقصر الوصيف، وَبهَا من الْآبَار الْكِبَار ثَلَاثَة آبار وآبار صغَار كَثِيرُونَ وبقربه قبر أبي رِغَال، وبالقرب مِنْهَا بُسْتَان مِنْهُ إِلَى مَكَّة ثَمَانِيَة عشر ميلًا.

وَفِي ( الموعب) لِابْنِ التياني: الْعرَاق الَّذِي يَجْعَل على ملتقى طرفِي الْجلد إِذا خرز فِي أَسْفَل الْقرْبَة، وَبِه سمي الْعرَاق لِأَنَّهُ بَين الْبر والريف،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْعرَاق بِلَاد تذكر وتؤنث، وَيُقَال: هُوَ فَارسي مُعرب، وَزعم ابْن حوقل فِي ( كتاب الْبلدَانِ) تأليفه: أَن حد الْعرَاق من تكريت إِلَى عبادان، وَعرضه من الْقَادِسِيَّة إِلَى الْكُوفَة وبغداد إِلَى حلوان، وَعرضه بنواحي وَاسِط من سَواد وَاسِط إِلَى قريب الطّيب، وبنواحي الْبَصْرَة من الْبَصْرَة إِلَى حُدُود جِيءَ، وَالَّذِي يطِيف بِحُدُودِهِ من تكريت فِيمَا يَلِي الْمشرق حَتَّى يجوز بِحُدُودِهِ شهر زور، ثمَّ يمر على حُدُود حلوان وحدود السيروان والضميرة وَالطّيب والسوس حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حُدُود جِيءَ، ثمَّ إِلَى الْبَحْر فَيكون فِي هَذَا الْحَد من تكريت إِلَى الْبَحْر تقويس، وَيرجع على حد الغرب من وَرَاء الْبَصْرَة فِي الْبَادِيَة على سَواد الْبَصْرَة وبطائحها إِلَى وَاسِط، ثمَّ على سَواد الْكُوفَة وبطائحها إِلَى الْكُوفَة، ثمَّ على ظهر الْفُرَات إِلَى الأنبار ثمَّ من الأنبار إِلَى حد تكريت بَين دجلة والفرات من هَذَا الْحَد من الْبَحْر على الأنبار إِلَى تكريت تقويس أَيْضا، فَهَذَا الْمُحِيط بحدود الْعرَاق، وَهُوَ من تكريت إِلَى الْبَحْر مِمَّا يَلِي الْمشرق على تقويسه نَحْو شهر، وَمن الْبَحْر رَاجعا فِي حد الْمغرب على تقويسه إِلَى تكريت إِلَى الْبَحْر بِنَحْوِ شهر أَيْضا، وَعرضه على مَا سَمِعت بَغْدَاد من حلوان إِلَى الْقَادِسِيَّة إِحْدَى عشرَة مرحلة، وعَلى قسمه سر من رأى من دجلة إِلَى شهر زور والجبل نَحْو خمس مراحل، وَالْعرض بواسط إِلَى نواحي خورستان نَحْو أَربع مراحل.



[ قــ :1470 ... غــ :1531 ]
- حدَّثني عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدثنَا عُبَيْدُ الله عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ لَمَّا فُتِحَ هاذانِ المِصْرَانِ أتَوْا عُمَرَ فقالُوا يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّ لأِهْلِ نَجْدٍ قَرْنا وَهْوَ جَوْرٌ عنْ طَرِيقِنَا وإنَّا أرَدْنَا قَرْنا شَقَّ عليْنَا قَالَ فانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فحد لَهُم ذَات عرق.

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: عَليّ بن مُسلم، بِلَفْظ إسم الْفَاعِل من الْإِسْلَام: ابْن سعيد أَبُو الْحسن، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد الله بن نمير، بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم، مصغر نمر، مر فِي أول: بابُُ التَّيَمُّم.
الثَّالِث: عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَبُو عُثْمَان الْقرشِي الْعَدوي.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
السَّادِس: عمر بن الْخطاب أَمِير الْمُؤمنِينَ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه طوسي سكن بَغْدَاد وَعبد الله بن نمير كُوفِي وَعبيد الله وَنَافِع مدنيان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لما فتح هَذَانِ المصران) فتح فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِضَم الْفَاء على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِفَتْح الْفَاء على الْبناء للْفَاعِل، وهذين المصرين، مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل للْعلم بِهِ، وَالتَّقْدِير: لما فتح الله هذَيْن المصرين، وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة أبي نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) ، وَبِه جزم القَاضِي عِيَاض.
.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: تنَازع فِيهِ الفعلان، وهما: فتح وَأتوا، وأعمل الثَّانِي.
والمصران تَثْنِيَة مصر، وَأَرَادَ بهما: الْبَصْرَة والكوفة.
فَإِن قلت: هما من تمصير الْمُسلمين، وبنيتا فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أما الْكُوفَة فَإِنَّهَا بنيت سنة أَربع عشرَة وَأما الْبَصْرَة فَكَذَلِك مَدِينَة إسلامية بنيت فِي أَيَّام عمر ابْن الْخطاب فِي سنة سبع عشرَة، وَكَيف يُقَال لما فتح هَذَانِ المصران؟ قلت: المُرَاد بفتحهما غَلَبَة الْمُسلمين على مَكَان أرضهما، وَبَين الْبَصْرَة والكوفة ثَمَانُون فرسخا، وَلَيْسَ فِيهَا مزدرع على الْمَطَر أصلا لِكَثْرَة أنهارها، والكوفة على ذِرَاع من الْفُرَات خَارج جَانِبي الْفُرَات وغربيها.
قَوْله: ( وَهُوَ جور) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره رَاء أَي: ميل، والجور: الْميل عَن الْقَصْد.
قَوْله: ( فانظروا حذوها) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو، بِمَعْنى: الْحذاء، وَالْمعْنَى اعتبروا مَا يُقَابل من الأَرْض الَّتِي تسلكونها من غير ميل فاجعلوها ميقاتا.
قَوْله: ( فحد لَهُم) أَي: حد ذَات عرق لَهُم أَي لهَؤُلَاء الَّذين سَأَلُوا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ طَاوُوس وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن زيد على أَن أهل الْعرَاق لَا وَقت لَهُم كوقت سَائِر الْبلدَانِ، وَإِنَّمَا يهلون من الْمِيقَات الَّذِي يأْتونَ عَلَيْهِ من الْمَوَاقِيت الْمَذْكُورَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع عوام أهل الْعلم على القَوْل بِظَاهِر حَدِيث ابْن عمر، وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل من مر بِذَات عرق، فَثَبت أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وقته لأهل الْعرَاق وَلَا يثبت فِيهِ شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْإِثْبَات أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي وقته على حسب مَا علمه بِالْوَحْي من فتح الْبلدَانِ والأقطار لأمته، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( زويت لي الأَرْض فَأريت مشارقها وَمَغَارِبهَا) .
.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: إِن مِيقَات أهل الْعرَاق ذَات عرق، إلاَّ أَن الشَّافِعِي اسْتحبَّ أَن يحرم الْعِرَاقِيّ من العقيق الَّذِي بحذاء ذَات عرق،.

     وَقَالَ  فِي ( الْأُم) : لم يثبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حد ذَات عرق، وَإِنَّمَا أجمع عَلَيْهِ النَّاس، وَهَذَا يدل على أَن مِيقَات ذَات عرق لَيْسَ مَنْصُوصا عَلَيْهِ.
وَبِه قطع الْغَزالِيّ والرافعي فِي ( شرح الْمسند) وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَكَذَا وَقع فِي الْمُدَوَّنَة لمَالِك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت: صححت الْحَنَفِيَّة والحنابلة وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّة والراقعي فِي ( الشَّرْح الصَّغِير) وَالنَّوَوِيّ فِي ( شرح الْمُهَذّب) : أَنه مَنْصُوص عَلَيْهِ، وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن يزِيد وَهِشَام بن بهْرَام الْمَدَائِنِي، قَالَا: حَدثنَا الْمعَافي بن عمرَان عَن أَفْلح بن حميد عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَّت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام ومصر الْجحْفَة، وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق، وَلأَهل الْيمن بلملم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن بهْرَام إِلَى آخِره، وَبِحَدِيث جَابر أخرجه مُسلم، وَفِيه: مهلَّ أهل الْعرَاق ذَات عرق، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَلَفظه: وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أنس بن مَالك أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَّت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم، وَلأَهل الْبَصْرَة ذَات عرق، وَلأَهل الْمَدَائِن العقيق.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فقد ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْآثَار من وَقت أهل الْعرَاق، كَمَا ثَبت من وَقت من سواهُم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: اخْتلفُوا فِي الْمَكَان الَّذِي يحرم من أَتَى من الْعرَاق على ذَات عرق، فَكَانَ أنس يحرم من العقيق، وَاسْتحبَّ ذَلِك الشَّافِعِي، وَكَانَ مَالك وَإِسْحَاق وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ الْإِحْرَام من ذَات عرق.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر: الْإِحْرَام من ذَات عرق يجزيء، وَهُوَ من العقيق أحوط.
وَقد كَانَ الْحسن بن صَالح يحرم من الربذَة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن حصيف وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، والعقيق، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف.
.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: على وزن فعيل: عقيقان، عقيق بني عقيل على مقربة من عقيق الْمَدِينَة الَّذِي بِقرب البقيع على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة.
.

     وَقَالَ  ياقوت: العقيق عشرَة مَوَاضِع، وعقيقا الْمَدِينَة أشهرها وَأكْثر مَا يذكر فِي الْأَشْعَار فإياهما،.

     وَقَالَ  الْحسن بن مُحَمَّد المهلبي: بَين العقيق وَالْمَدينَة أَرْبَعَة أَمْيَال، وَعَن الْأَصْمَعِي: الأعقة الأودية.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : حَدثنَا عبد الله بن عُرْوَة حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد العابد حَدثنِي أَبُو عَاصِم عَن سُفْيَان عَن يزِيد عَن مُحَمَّد بن عَليّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَّتَ لأهل الْعرَاق بطن العقيق.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: أَرَادَ العقيق الَّذِي بحذاء ذَات عرق.
<