فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ، وَأَرَادَ بِهِ الْفَصْل كَمَا جرت بِهِ عَادَة المصنفين، يذكرُونَ بابُُا ثمَّ يذكرُونَ فِيهِ: فصل، أَي: هَذَا فصل، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ هَكَذَا لتَعلق الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة بِمَا قبله، وَهَهُنَا كَذَلِك لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بالبطحاء بِذِي الحليفة، وَهَذَا لَهُ تعلق بِالْإِحْرَامِ من حَيْثُ إِن الصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ عِنْد إِرَادَة الْإِحْرَام مُسْتَحبَّة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقد ترْجم عَلَيْهِ بعض الشَّارِحين: بابُُ نزُول الْبَطْحَاء وَالصَّلَاة بِذِي الحليفة.
قلت: أَرَادَ بِبَعْض الشَّارِحين صَاحب ( التَّوْضِيح) وَحكى قطب الدّين الْحلَبِي أَنه فِي بعض النّسخ، قَالَ: وَسقط فِي نُسْخَة سَمَاعنَا لفظ: بابُُ، وَفِي ( شرح ابْن بطال) : الصَّلَاة بِذِي الحليفة.



[ قــ :1471 ... غــ :1532 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أناخَ بِالبَطْحَاءِ بِذِي الحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا وكانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَفْعَلُ ذالِكَ.

رِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين: كِلَاهُمَا عَن أبي الْقَاسِم وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح عَن ابْن وهب الْكل عَن مَالك.

قَوْله: ( أَنَاخَ) ، بالنُّون وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، أَي: أبرك بعيره، وَالْمعْنَى: أَنه نزل بالبطحاء الَّذِي بِذِي الحليفة، وَإِنَّمَا قيد بِهَذَا لِأَن فِي مَكَّة أَيْضا بطحاء، وبذي قار أَيْضا بطحاء، وبطحاء أَزْهَر، فَهَذِهِ أَرْبَعَة، وبطحاء أَزْهَر نزل بِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بعض غَزَوَاته وَبِه مَسْجِد، وَهَذِه الْبَطْحَاء الْمَذْكُورَة هُنَا يعرفهَا أهل الْمَدِينَة بالمعرس، وأناخ بهَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رُجُوعه من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: نُزُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيهمَا يحْتَمل أَن يكون فِي الذّهاب، وَهُوَ الظَّاهِر من تصرف المُصَنّف، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الرُّجُوع، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده بِلَفْظ: وَإِذا رَجَعَ صلى بِذِي الحليفة بِبَطن الْوَادي، وَبَات حَتَّى أصبح، وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ كَانَ يفعل الْأَمريْنِ ذَهَابًا وإيابا.
انْتهى.
قلت: قَوْله: وَهُوَ الظَّاهِر، غير ظَاهر، بل الظَّاهِر أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي رُجُوعه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِي فِي النّوم وَهُوَ معرس فِي هَذِه الْبَطْحَاء أَنه قيل لَهُ: إِنَّك ببطحاء مباركة، فَلذَلِك كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِيهَا تبركا بهَا.
ويجعلها عِنْد رُجُوعه من مَكَّة مَوضِع مبيته ليبكر مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة ويدخلها فِي صدر النَّهَار، وتتقدم أَخْبَار القادمين على أَهْليهمْ فتتهيأ الْمَرْأَة، وَهُوَ فِي معنى كَرَاهِيَة الطروق لَيْلًا من السّفر، ثمَّ هَذِه الصَّلَاة لَيست الصَّلَاة الَّتِي تصلى وَقت الْإِحْرَام، لِأَن الَّذِي يُصَلِّي وَقت الْإِحْرَام سنة، وَهَذِه الصَّلَاة مُسْتَحبَّة.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: وَهَذَا عَن مَالك وَغَيره من أهل الْعلم مُسْتَحبّ مستحسن مرغب فِيهِ، وَلَيْسَ بِسنة من سنَن الْحَج وَلَا الْمَنَاسِك الَّتِي تجب بهَا على تاركها فديَة أَو دم، وَلكنه حسن عِنْد جَمِيعهم إِلَّا ابْن عمر، فَإِنَّهُ جعله سنة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا: لَو ترك هَذِه الصَّلَاة فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة وَلَا إِثْم عَلَيْهِ.