فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي

( بابُُ التَّمَتُّعِ وَالإقْرَانِ وَالإفرَادِ بِالحَجِّ وفَسْخِ الحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّمَتُّع، وَهُوَ أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج، ثمَّ بعد الْفَرَاغ مِنْهَا يحرم بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السّنة.
قَوْله: ( والإقران) ، بِكَسْر الْهمزَة من أقرن بَين الْعمرَة وَالْحج، وَهُوَ أَن يحرم بهما بِأَن يَقُول: لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة مَعًا، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، يَعْنِي بِكَسْر الْهمزَة فِي أَوله، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ خطأ من حَيْثُ اللُّغَة.
وَفِي ( الْمطَالع) : الْقرن فِي الْحَج جمعه بَين الْحَج وَالْعمْرَة فِي الْإِحْرَام، يُقَال مِنْهُ: قرن، وَلَا يُقَال: أقرن.
قلت: رُوِيَ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه نهى عَن الْقرَان إلاَّ أَن يسْتَأْذن أحدكُم صَاحبه.
قَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى عَن الإقران فَإِذا روى الإقران فِي كَلَام الفصيح كَيفَ يُقَال إِنَّه غلط؟ وَكَيف يُقَال يُقَال مِنْهُ: قرن، وَلَا يُقَال: أقرن؟ فالقران من الثلاثي والإقران من الْمَزِيد، من قرن يقرن من: بابُُ ضرب يضْرب، قَالَه ابْن التِّين: وَفِي ( الْمُحكم) و ( الصِّحَاح) من: بابُُ نصر ينصر.
قَوْله: ( والإفراد بِالْحَجِّ) ، وَهُوَ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَحده.
قَوْله: ( وَفسخ الْحَج) هُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ ثمَّ يتَحَلَّل مِنْهُ بِعَمَل عمْرَة فَيصير مُتَمَتِّعا، أما الْقرَان والإفراد بِالْحَجِّ فَلَا خلاف فِي جوازهما، وَأما فسخ الْحَج فَفِي جَوَازه خلاف،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَظَاهر تصرف المُصَنّف إِجَازَته، فَإِن تَقْدِير التَّرْجَمَة: بابُُ مَشْرُوعِيَّة التَّمَتُّع ... إِلَى آخِره.
قلت: لَا نسلم هَذَا التَّقْدِير، بل الظَّاهِر أَن التَّقْدِير فِي بَيَان التَّمَتُّع.
.
إِلَى آخِره، وَهُوَ أَعم مِمَّا ذكره قَوْله: ( لمن لم يكن مَعَه هدي) ، قيد بِهِ لِأَن من سَاق الْهَدْي مَعَه لَا يجوز لَهُ فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة.



[ قــ :1497 ... غــ :1561 ]
- حدَّثنا عُثْمَانُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلاَ نُرَي إلاَّ أنَّهُ الحَج فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فأمرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدْيَ أنْ يُحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فأحْلَلْنَ قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَحِضْتُ فَلَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ فَلَمَّا كانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ قالَتْ يَا رسولَ الله يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ وأرْجِعُ أَنا بِحَجَّةٍ قَالَ وَما طُفْتُ لَيَالي قَدِمْنَا مَكَّةَ.

قُلْتُ لاَ قَالَ فاذْهَبِي مَعَ أخِيكِ إلَى التَّنْعِيمِ فأهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كذَا وكَذَا قالَتْ صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إلاَّ حابَسْتَهُمْ قَالَ عَقْرَى حَلُقَى أوْ مَا طُفْتُ يَوْمَ النَّحْرِ قالَتْ.

قُلْتُ بَلَى قَالَ لاَ بَأسَ انْفِرِي قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَلَقِيَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأنَا منْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أوْ أنَا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الْأَخير مِنْهَا، وَهُوَ قَوْله: ( وَفسخ الْحَج لمن لم يكن مَعَه هدي) فِي قَوْله: ( فَأمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من لم يكن سَاق الْهَدْي أَن يحل) أَي: من الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَهَذَا هُوَ فسخ الْحَج.

وَرِجَاله قد ذكرُوا فِي: بابُُ من سَأَلَ، فِي كتاب الْعلم، وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير، بِفَتْح الْجِيم: ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَالْأسود بن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم وَكلهمْ كوفيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة عَن جرير، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن جرير بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن قدامَة عَن جرير بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَكَانَ خُرُوجهمْ فِي أشهر الْحَج كَمَا قد بَينه فِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْبابُُ السَّابِق.
قَوْله: ( وَلَا نرى) ، بِضَم النُّون أَي: وَلَا نظن،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ضَبطه بَعضهم بِفَتْح النُّون وَبَعْضهمْ بضَمهَا،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: كَانَ هَذَا قبل أَن يعلمن بِأَحْكَام الْإِحْرَام وأنواعه، وَقيل: يحْتَمل أَن ذَلِك كَانَ اعتقادها من قبل أَن تهل ثمَّ أهلت بِعُمْرَة، وَيحْتَمل أَن تُرِيدُ بقولِهَا: لَا نرى حِكَايَة عَن فعل غَيرهَا من الصَّحَابَة، وهم كَانُوا لَا يعْرفُونَ غَيره، وَزعم عِيَاض أَنَّهَا كَانَت أَحرمت بِالْحَجِّ ثمَّ أَحرمت بِالْعُمْرَةِ، ثمَّ أَحرمت بِالْحَجِّ، وَيدل على أَن المُرَاد بقولِهَا: لَا نرى إلاَّ الْحَج، من فعل غَيرهَا، قَوْله: ( فَلَمَّا قدمنَا تطوفنا بِالْبَيْتِ) ، تَعْنِي بذلك: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس غَيرهَا لِأَنَّهَا لم تطف بِالْبَيْتِ فِي ذَلِك الْوَقْت لأجل حَيْضهَا، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: ( خرجنَا مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مهلين بِالْحَجِّ) وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق الْقَاسِم عَنْهَا: ( لَا تذكر إلاَّ الْحَج) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَقد مَضَت فِي كتاب الْحيض، وَله أَيْضا من هَذَا الْوَجْه: ( لبينا بِالْحَجِّ) ، وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن عَائِشَة كَانَت مَعَ الصَّحَابَة أَولا محرمين بِالْحَجِّ، لَكِن فِي رِوَايَة عُرْوَة عَنْهَا هُنَا: ( فمنا من أهل بِعُمْرَة، وَمنا من أهل بِحَجّ وَعمرَة، وَمنا من أهل بِالْحَجِّ) .
فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا؟ قلت: يحمل الأول على أَنَّهَا ذكرت مَا كَانُوا يعهدونه من ترك الاعتمار فِي أشهر الْحَج فَيخْرجُونَ لَا يعْرفُونَ إلاَّ الْحَج، قَالَت: مهلين بِالْحَجِّ، وَلَا نرى إلاَّ أَنه الْحَج، ثمَّ بَين لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُجُوه الْإِحْرَام وَجوز لَهُم الاعتمار فِي أشهر الْحَج.
فَإِن قلت: قد مر فِي كتاب الْحيض أَنَّهَا قَالَت: أَهلَلْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع، فَكنت فِيمَن تمنع وَلم يسق الْهَدْي؟ قلت: الْجَواب عَنهُ مَا قَالَه عِيَاض الَّذِي قد ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَكَذَلِكَ الْجَواب عَن قَوْلهَا: وَكنت مِمَّن أهل بِعُمْرَة، وَقد مضى فِي كتاب الْحيض، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي، وَادّعى إِسْمَاعِيل القَاضِي وَغَيره أَن هَذَا غلط من عُرْوَة وَأَن الصَّوَاب رِوَايَة الْأسود وَالقَاسِم وَعُرْوَة عَنْهَا أَنَّهَا أهلت بِالْحَجِّ مُفردا، ورد عَلَيْهِ بِأَن قَول عُرْوَة صَرِيح أَنَّهَا أهلت بِعُمْرَة، وَقَول الْأسود وَغَيره عَنْهَا: لَا نرى إلاَّ الْحَج، فَلَيْسَ بِصَرِيح فِي إهلالها بِحَجّ مُفْرد، فالجمع بَينهمَا بِمَا ذَكرْنَاهُ، فَلَا يحْتَاج إِلَى تغليط عُرْوَة وَهُوَ أعلم النَّاس بحديثها.
قَوْله: ( أَن يحل أَي: بِأَن يحل من الْحَج، وَهُوَ بِضَم الْيَاء من الْإِحْلَال، وَهُوَ الْخُرُوج من الْإِحْرَام، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِأَن يحل، بِفَتْح الْيَاء أَي: يصير حَلَالا، وَالْأول يُنَاسب قَوْلهَا: فأحللن، وَالثَّانِي: يُنَاسب قَوْلهَا: فَحل فَإِن قلت: قَوْله: ( فَأمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْفَاء فِيهِ تَقْتَضِي التعقيب، فتدل على أَن الْأَمر كَانَ بعد الطّواف مَعَ أَنه قد سبق الْأَمر بِهَذَا؟ قلت: أجَاب الْكرْمَانِي أَنه قَالَ مرَّتَيْنِ: قبل الْقدوم وَبعده، فَالثَّانِي تكْرَار للْأولِ وتأكيد لَهُ.
قَوْله: ونساؤه لم يسقن)
أَي: نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسقن الْهَدْي، فَلذَلِك أحللن قَوْله: ( فَلم أطف) قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا منَاف لقَوْله: ( تطوفنا) ، ثمَّ أجَاب بقوله: المُرَاد بِلَفْظ الْجمع الصَّحَابَة، وَهَذَا تَخْصِيص لذَلِك الْعَام.
قلت: قد ذكرنَا أَنَّهَا تَعْنِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه، لِأَنَّهَا لم تطف وَلم تدخل نَفسهَا فيهم، فَكيف يكون تَخْصِيصًا لذَلِك الْعَام؟ ثمَّ قَالَ أَيْضا: فَكيف صَحَّ حَجهَا بِدُونِ الطّواف؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد طواف ركن الْحَج، بِدَلِيل قَوْلهَا فِي حَدِيث الْبابُُ السَّابِق: ( ثمَّ خرجت من منى فأفضت بِالْبَيْتِ) .
قَوْله: ( لَيْلَة الحصبة) أَي: اللَّيْلَة الَّتِي بعد ليَالِي التَّشْرِيق الَّتِي ينزل الْحجَّاج فِيهَا فِي المحصب، وَالْمَشْهُور فِي الحصبة سُكُون الصَّاد، وَجَاء فتحهَا وَكسرهَا، وَهِي أَرض ذَات حَصى.
قَوْله: ( وأرجع أَنا بِحجَّة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( وأرجع لي بِحجَّة) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَمَا قَول من قَالَ: إِنَّهَا كَانَت قارنة؟ فَأجَاب بقوله: إِنَّهُم يرجعُونَ بِحَجّ مُنْفَرد وارجع لَيْسَ لي عمْرَة مُنْفَرِدَة؟ قَوْله: ( قَالَت صَفِيَّة) هِيَ أم الْمُؤمنِينَ، سبقت فِي: بابُُ الْمَرْأَة تحيض بعد الْإِفَاضَة.
قَوْله: ( مَا أَرَانِي) أَي: مَا أَظن نَفسِي إلاَّ حابسة الْقَوْم عَن التَّوَجُّه إِلَى الْمَدِينَة، لِأَنِّي حِضْت وَمَا طفت بِالْبَيْتِ، فلعلهم بسببي يتوقفون إِلَى زمَان طوافي بعد الطَّهَارَة، وَإسْنَاد الْحَبْس إِلَيْهَا على سَبِيل الْمجَاز.
قَوْله: ( عقري حلقي) قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ عقرهَا الله وأصابها وجع فِي حلقها، هَذَا على مَا يرويهِ المحدثون، وَالصَّوَاب: عقرا وحلقا أَي: مصدرين بِالتَّنْوِينِ فيهمَا، وَقيل لَهُ لِمَ لَا يجوز: فعلى؟ قَالَ: لِأَن: فعلى، يَجِيء نعتا، وَلم يَجِيء فِي الدُّعَاء، وَهَذَا دُعَاء.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمُحكم) : مَعْنَاهُ عقرهَا الله وَحلق شعرهَا أَو أَصَابَهَا فِي حلقها بالوجع، فعقرى هَهُنَا مصدر كدعوى، وَقيل: مَعْنَاهُ تعقر قَومهَا وتحلقهم بشؤمها، وَهُوَ جمع عقير، وَهُوَ مثل: جريح وجرحى لفظا وَمعنى.
وَقيل: عقرى عَاقِر لَا تَلد، وحلقى أَي مشؤمة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أَصبَحت أمه حالقا أَي ثاكلاً،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وعَلى الْأَقْوَال كلهَا هِيَ كلمة اتسعت فِيهَا الْعَرَب فَصَارَت تلفظها وَلَا تُرِيدُ بهَا حَقِيقَة مَعْنَاهَا الَّتِي وضعت لَهُ: كتربت يَدَاهُ، وقاتله الله.
قَالَ: إِن الْمُحدثين يَرْوُونَهُ بِالْألف الَّتِي هِيَ ألف التَّأْنِيث، ويكتبونه بِالْيَاءِ، وَلَا ينونونه.
وَقيل: مَعْنَاهُ مشؤمة مؤذية.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: يُقَال ذَلِك لأمر يعجب مِنْهُ، وَيُقَال: إمرأة حالق إِذا حلقت قَومهَا بشؤمها.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يُرِيد: أَنْت طَوِيلَة اللِّسَان لما كَلمته بِمَا يكره، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْحلق الَّذِي يخرج مِنْهُ الْكَلَام.
قَوْله: ( انفري) ، بِكَسْر الْفَاء أَي: ارجعي واذهبي، إِذْ لَا حَاجَة لَك إِلَى طواف الْوَدَاع لِأَنَّهُ سَاقِط عَن الْحَائِض.
قَوْله: ( فلقيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره الْوَاو فِي قَوْله: ( وَهُوَ مصعد) للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي قَوْله: ( وَأَنا منهبطة) ، إِنَّمَا حكت الْأَمر على وَجهه، وَشك الْمُحدث أَي الْكَلِمَتَيْنِ قَالَت، وَإِنَّمَا لقيها وَهُوَ يُرِيد المحصب وَهُوَ يهْبط إِلَى مَكَّة، والمصعد فِي اللُّغَة المبتدىء فِي السّير، والصاعد الراقي إِلَى الْأَعْلَى من الْأَسْفَل.

ذكر فَوَائِد فِيهِ: ذكر الْحَج والتمتع، فالحج إِذا ذكر مُطلقًا يتَنَاوَل الْمُفْرد وَغَيره من التَّمَتُّع وَالْقُرْآن، والتمتع الْجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة، يتَحَلَّل بَينهمَا إِن لم يكن سائقا للهدي.
قَالَ ابْن سَيّده: الْمُتْعَة ضم الْعمرَة إِلَى الْحَج، وَقد تمتّع واستمتع،.

     وَقَالَ  الْقَزاز فِي ( جَامعه) : الْمُتْعَة هُوَ أَن يدْخل الرجل مَكَّة فِي أشهر الْحَج بِعُمْرَة، ثمَّ يُقيم فِيهَا حَتَّى يحجّ وَقد خرج من إِحْرَامه، وتمتع بِالنسَاء وَالطّيب.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: التَّمَتُّع الترفق بأَدَاء النُّسُكَيْنِ على وَجه الصِّحَّة فِي سفرة وَاحِدَة من غير أَن يلم بأَهْله إلماما صَحِيحا، وَلِهَذَا لم يتَحَقَّق من الْمَكِّيّ، وَقيل: سمي تمتعا لأَنهم يتمتعون بِالنسَاء وَالطّيب بَين الْعمرَة وَالْحج، قَالَه عَطاء وَآخَرُونَ، والمحرمون عشرَة: مُفْرد بِالْحَجِّ.
مُفْرد بِالْعُمْرَةِ.
قَارن متمتع.
مُطلق.
مُتَطَوّع بِحَجّ: مُتَطَوّع بِعُمْرَة.
مُتَطَوّع بقران.
متمتع.
مُطلق.
مُعَلّق يَعْنِي: كإحرام فلَان، وَالْكل جَائِز عِنْد أهل الْعلم كَافَّة إلاَّ مَا رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا ينهيان عَن التَّمَتُّع، وَقيل: كَانَ نهي تَنْزِيه، وَقيل: إِنَّمَا نهينَا عَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، لِأَن ذَلِك كَانَ خَاصّا بالصحابة، وَذهب أَحْمد إِلَى جَوَاز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَقد استقصينا الْكَلَام فِي الْأَفْضَل من الْإِفْرَاد والتمتع وَالْقرَان عَن قريب.





[ قــ :1498 ... غــ :156 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الأسْوَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ نَوْفَلٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا قالَتْ خرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ ومِنَّا مَنْ أهَلَّ بحَجَّةٍ عمْرَة ومِنَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ وَأهَلَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحجِّ فأمَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ أوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كانَ يَوْمُ النَّحْرِ..
هَذَا وَجه آخر من حَدِيث عَائِشَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَت عَائِشَة: لَا نرى إلاَّ أَنه الْحَج، فَكيف أهلوا بِالْعُمْرَةِ؟ وَأجَاب بقوله: ذَلِك الظَّن كَانَ عِنْد الْخُرُوج، وَأما الانقسام إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة من التَّمَتُّع وَالْقرَان والإفراد فَهُوَ بعد ذَلِك.
قلت: قد ذكرنَا فِي هَذَا عَن قريب بِأَحْسَن من هَذَا وأبسط، وَقد ذكرنَا أَن الرِّوَايَات عَن عَائِشَة مُخْتَلفَة فِيمَا أَحرمت بِهِ، حَتَّى قَالَ مَالك: لَيْسَ الْعَمَل عندنَا على حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة قَدِيما وَلَا حَدِيثا،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الْأَحَادِيث عَنْهَا مضطربة.





[ قــ :1499 ... غــ :1563 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حأقنا غُنْدُرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْن ٍ عَنْ مَرْوَانَ بنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وعلِيّا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وعُثْمَانُ يَنْهَى عنِ المُتْعَةِ وَأنْ يُجْمَعَ بَينَهُما فلَمَّا رَأى عَليٌّ أهَلَّ بهمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ قَالَ مَا كُنْتْ لأِدَعَ سُنَّةَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِقَوْلِ أحَدٍ.

( الحَدِيث 3651 طرفه فِي: 9651) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أهل بهما) ، أَي: بِالْعُمْرَةِ وَالْحج، وَهَذَا هُوَ القِران، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الثَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْفَقِيه الْكُوفِي، وَعلي بن الْحُسَيْن هُوَ زين العابدين.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( شهِدت عُثْمَان وعليا) كَانَ شُهُوده إيَّاهُمَا بعسفان على مَا يَأْتِي.
قَوْله: ( وَعُثْمَان) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( عَن الْمُتْعَة) اخْتلفُوا فِي الْمُتْعَة الَّتِي نهى عَنْهَا.
فَقيل: هِيَ فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة لِأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِتِلْكَ السّنة الَّتِي حج فِيهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ تَحْقِيقا مَا عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من منع الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، وَقيل: هُوَ التَّمَتُّع الْمَشْهُور، وَالنَّهْي للتنزيه ترغيبا للإفراد.
قَوْله: ( وَأَن يجمع بَينهمَا) أَي: بَين الْعمرَة وَالْحج، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي الْقرَان، ثمَّ قَالَ: مَا المُرَاد مِنْهُ؟ ثمَّ أجَاب: بِأَنَّهُ قَالَ ابْن عبد الْبر: القِران أَيْضا نوع من التَّمَتُّع لِأَنَّهُ تمتّع بِسُقُوط سَفَره للنسك الآخر من بَلَده،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الْوَاو فِي قَوْله: ( وَأَن يجمع بَينهمَا) ، عاطفة فَيكون النَّهْي عَن التَّمَتُّع وَالْقرَان مَعًا، وَيحْتَمل إِن تكون تفسيرية، وَذَلِكَ لِأَن السّلف كَانُوا يطلقون على الْقرَان تمتعا.
انْتهى.
قلت: الْوَاو هُنَا عاطفة قطعا، وَلَا إِجْمَال فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ حَتَّى يُقَال: إِنَّهَا تفسيرية، وَهُوَ قد رد على نَفسه كَلَامه بقوله: إِن السّلف كَانُوا يطلقون على الْقرَان تمتعا، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون عطف التَّمَتُّع على الْمُتْعَة، وَهُوَ غير جَائِز.
قَوْله: ( فَلَمَّا رأى عَليّ) مَفْعُوله مَحْذُوف تَقْدِيره: فَلَمَّا رأى عَليّ النَّهْي ( أهل بهما) أَي: بِالْعُمْرَةِ وَالْحج.
وَقَوله: ( إهل) جَوَاب لما، وَفِي رِوَايَة سعيد بن الْمسيب: ( فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا تُرِيدُ إِلَى أَن تنهي عَن أَمر فعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( إلاَّ أَن تنْهى) ، بِحرف الِاسْتِثْنَاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه زِيَادَة، وَهِي: ( فَقَالَ عُثْمَان: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدعك) .
قَوْله: ( لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة) مقول لمقدر، وَالتَّقْدِير: أهل بهما حَال كَونه قَائِلا: لبيْك.
قَوْله: ( قَالَ: مَا كنت) أَي: قَالَ عَليّ، وَهُوَ اسْتِئْنَاف كَأَن قَائِلا يَقُول: لِمَ خَالفه، فَقَالَ: مَا كنت ... إِلَى آخِره، وَحَاصِله أَنه مُجْتَهد لَا يجوز عَلَيْهِ أَن يُقَلّد مُجْتَهدا آخر، لَا سِيمَا مَعَ وجود السّنة، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ والإسماعيلي: ( فَقَالَ عُثْمَان: تَرَ أَنِّي أنهى النَّاس وَأَنت تَفْعَلهُ؟ فَقَالَ: مَا كنت لأدع) ، أَي: لأترك، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِشَاعَة الْعَالم مَا عِنْده من الْعلم وإظهاره ومناظرته وُلَاة الْأُمُور وَغَيرهم فِي تَحْقِيقه لمن قوي على ذَلِك لقصد منا صِحَة الْمُسلمين.
وَفِيه: الْبَيَان بِالْفِعْلِ مَعَ القَوْل، لِأَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَمر وَفعل مَا نَهَاهُ عَنهُ عُثْمَان: وَفِيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ عُثْمَان من الْحلم أَنه لَا يلوم مخالفه.
وَفِيه: أَن الْقَوْم لم يَكُونُوا يسكتون عَن قَول يرَوْنَ أَن غَيره أمثل مِنْهُ إلاَّ بَينُوهُ.
وَفِيه: أَن طَاعَة الإِمَام إِنَّمَا تجب فِي الْمَعْرُوف، وَفِيه: أَن مُعظم الْقَصْد الَّذِي بوب عَلَيْهِ هُوَ مَشْرُوعِيَّة الْمُتْعَة لجَمِيع النَّاس.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي ذَر أَنه قَالَ: كَانَت مُتْعَة الْحَج لأَصْحَاب مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَاصَّة فِي ( صَحِيح مُسلم) ؟ قلت: قَالُوا: هَذَا قَول صَحَابِيّ يُخَالف الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، وَقَول من هُوَ خير مِنْهُ.
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: { فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} ( الْبَقَرَة: 691) .
وَهَذَا عَام، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على إِبَاحَة التَّمَتُّع فِي جَمِيع الْأَعْصَار، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي فَضله.
وَأما السّنة، فَحَدِيث سراقَة: ( الْمُتْعَة لنا خَاصَّة أَو هِيَ لِلْأَبَد؟ قَالَ: بل هِيَ لِلْأَبَد) .
وَحَدِيث جَابر الْمَذْكُور فِي ( صَحِيح مُسلم) فِي صفة الْحَج نَحْو هَذَا، وَمَعْنَاهُ: أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يجيزون التَّمَتُّع، وَلَا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، فجوزا، فبيَّن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن الله قد شرع الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، وَجوز الْمُتْعَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور من قَول طَاوُوس، وَزَاد فِيهِ: ( فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمر النَّاس أَن يعتمروا فِي أشهر الْحَج، فَدخلت الْعمرَة فِي أشهر الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) ، وَقد خَالف أَبَا ذَر عَليّ وَسعد وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعمْرَان بن حُصَيْن وَسَائِر الصَّحَابَة وَسَائِر الْمُسلمين، قَالَ عمرَان: تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزل فِيهِ الْقُرْآن وَلم ينهنا عَنهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينسخها شَيْء، فَقَالَ فِيهَا رجل بِرَأْيهِ مَا شَاءَ، مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: ( فعلناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: الْمُتْعَة، وَهَذَا يَعْنِي الَّذِي نهى عَنْهَا يَوْمئِذٍ كَافِر بالعرش، يَعْنِي بيُوت مَكَّة) رَوَاهُ مُسلم.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن سعيد بن الْمسيب أَن رجلا من الصَّحَابَة أَتَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَشهد عِنْده أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن الْمُتْعَة قبل الْحَج؟ قلت: أُجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ حَالَة مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، كَحَدِيث أبي ذَر، بل هُوَ أدنى حَالا مِنْهُ، فَإِن فِي إِسْنَاده مقَالا.
فَإِن قلت: قد نهى عَنْهَا عمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة قلت: قد أنكر عَلَيْكُم عُلَمَاء الصَّحَابَة وخالفوهم فِي فعلهَا، وَالْحق مَعَ المنكرين عَلَيْهِم دونهم.





[ قــ :1500 ... غــ :1564 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ فِي أشْهُرِ الحَجِّ من أفْجَرِ الْفُجُورَ فِي الأرْضِ ويَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفرا ويَقُولونَ إذَا بَرَأ الدَّبَرْ وعَفا الأثَرْ وانْسَلَخَ صَفَرْ حلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ.
قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بالْحَجِّ فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فتعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقالُوا يَا رسُولَ الله أيُّ الحلِّ قَالَ حِل كُلّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة) ، وَهِي فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَرِجَال الحَدِيث قد تقدمُوا غير مرّة، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.

وَأخرجه ابخاري أَيْضا فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الْأَعْلَى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانُوا) أَي: أهل الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: (يرَوْنَ) ، أَي: يَعْتَقِدُونَ أَن الْعمرَة إِلَى آخِره، وروى دَاوُد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَالله مَا أعمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَائِشَة فِي ذِي الْحجَّة إلاَّ ليقطع بذلك أَمر أهل الشّرك، فَإِن هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش من دَان دينهم كَانُوا يَقُولُونَ: إِذا عَفا الْأَثر وبرأ الدبر وَدخل صفر فقد حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر، وَكَانَ يحرمُونَ الْعمرَة حَتَّى يَنْسَلِخ ذُو الْحجَّة وَالْمحرم) .
وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا، فَفِي هَذَا تعْيين الْقَائِلين الْمَذْكُورين فِي قَوْله: وَيَقُولُونَ: قَوْله: (من أفجر الْفُجُور) ، أَي: من أعظم الذُّنُوب، وَهَذَا من تحكماتهم الْبَاطِلَة الْمَأْخُوذَة من غير أصل، والفجور: الانبعاث فِي المعاضي، يُقَال: فجر يفجر فجورا من: بابُُ نصر ينصر.
قَوْله: (ويجعلون الْمحرم صفرا) أَي: يجْعَلُونَ الصفر من الْأَشْهر الْحرم، وَلَا يجْعَلُونَ الْمحرم مِنْهَا.
قَوْله: (صفر) قَالَ بَعضهم: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول من الصَّحِيحَيْنِ،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله: (صفرا) هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ مَصْرُوف بِلَا خلاف، وَوَقع فِي مُسلم، رَحمَه الله تَعَالَى: صفر بِغَيْر ألف.
قلت: هَذَا يرد مَا قَالَه بَعضهم،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : قَوْله: صفر، كَذَا هُوَ بِغَيْر ألف فِي أصل الدمياطي، رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِي مُسلم: الصَّوَاب صفرا بِالْألف.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكْتب بِالْألف، وَلَكِن على تَقْدِير حذفهَا لَا بُد من قِرَاءَته مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ منصرف.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اللُّغَة الربيعية أَنهم يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوب بِلَا ألف.
.

     وَقَالَ : وتقرأ هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا سَاكِنة الآخر مَوْقُوفا عَلَيْهَا، لِأَن مُرَادهم السجع.
وَفِي (الْمُحكم) وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة لَا يصرفهُ، فَقيل لَهُ: لِمَ لم تصرفْهُ؟ لِأَن النَّحْوِيين قد أَجمعُوا على صرفه وَقَالُوا لَا يمْنَع الْحَرْف من الصّرْف إلاَّ العلتان فَأخْبرنَا بالعلتين فِيهِ؟ فَقَالَ: نعم، العلتان الْمعرفَة والساعة.
.

     وَقَالَ : أَبُو عمر الْمُطَرز، يرى أَن الْأَزْمِنَة كلهَا سَاعَات، والساعات مُؤَنّثَة،.

     وَقَالَ  عِيَاض: قيل صفر دَاء يكون فِي الْبَطن كالحيات إِذا اشْتَدَّ جوع الْإِنْسَان عضه،.

     وَقَالَ  رؤبة: هِيَ حَيَّة تلتوي فِي الْبَطن، وَهِي أعدى من الجرب عِنْد الْعَرَب قلت: هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صفر، وَهَهُنَا غير مُنَاسِب،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَت الْعلمَاء: المُرَاد الْإِخْبَار عَن النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكَانُوا يسمون الْمحرم صفرا، ويحلونه، ويؤخرون تَحْرِيم الْمحرم إِلَى نفس صفر، لِئَلَّا يتوالى عَلَيْهِم ثَلَاثَة أشهر مُحرمَة، فيضيق عَلَيْهِم فِيهَا مَا اعتادوه من الْمُقَاتلَة والغارة والنهب، فضللهم الله فِي ذَلِك فَقَالَ: { إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا} (التَّوْبَة: 73) .
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ، النسيء، هُوَ تَأْخِير حُرْمَة الشَّهْر إِلَى شهر آخر وَرُبمَا زادوا فِي عدد الشَّهْر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر أَو أَرْبَعَة عشر ليتسع لَهُم الْوَقْت،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون الْمحرم إِلَى صفر، وَهُوَ النسيء الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن، قَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} (التَّوْبَة: 73) .
.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ: أول من نسأ القلمّس واسْمه: حُذَيْفَة ابْن عبيد الْكِنَانِي، ثمَّ ابْنه عباد، ثمَّ ابْنه قلع بن عباد، ثمَّ أُميَّة بن قلع، ثمَّ عَوْف بن أُميَّة، ثمَّ جُنَادَة بن أُميَّة وَعَلِيهِ قَامَ الْإِسْلَام.
وَقيل: أول من نسأ نعيم بن ثَعْلَبَة، ثمَّ جُنَادَة، وَهُوَ الَّذِي أدْركهُ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقيل: مَالك بن كنَانَة، وَقيل: عَمْرو بن طَيء.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: الصفران شَهْرَان من السّنة سمي أَحدهمَا فِي الْإِسْلَام: الْمحرم، وَفِي (الْمُحكم) : قَالَ بَعضهم: سمي صفرا لأَنهم كَانُوا يمتارون الطَّعَام فِيهِ من الْمَوَاضِع،.

     وَقَالَ  بَعضهم: سمي بذلك لإصفار مَكَّة من أَهلهَا إِذا سافروا، وروى عَن رؤبة أَنه قَالَ: سموا الشَّهْر صفرا لأَنهم كَانُوا يغزون فِيهِ الْقَبَائِل فيتركون من لقوا صفرا من الْمَتَاع، وَذَلِكَ إِذا كَانَ صفر بعدالمحرم، فَقَالُوا: صفر النَّاس منَّا صفرا، فَإِذا جَمَعُوهُ مَعَ الْمحرم قَالُوا: صفران وَالْجمع أصفار.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: قَالُوا إِنَّمَا سموا الشَّهْر صفرا لأَنهم كَانُوا يخلون الْبيُوت فِيهِ لخروجهم إِلَى الْبِلَاد، يُقَال لَهَا الصفرية، يمتارون مِنْهَا.
وَقيل: لأَنهم كَانُوا يخرجُون إِلَى الْغَارة فَتبقى بُيُوتهم صفرا، وَفِي الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب: الْعَرَب تَقول: صفر وصفران وصفارين وأصفار.
قَالَ: وَقيل: إِن الْعَرَب كَانُوا يزِيدُونَ فِي كل أَربع سِنِين شهرا يسمونه صفرا الثَّانِي، فَتكون السّنة ثَلَاثَة عشر شهرا، وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السّنة اثْنَي عشر شهرا) وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: (إِن الْأُمُور فِيهِ منغلقة، والآفات فِيهِ وَاقعَة.
قَوْله: (إِذا برأَ الدبر) ، برأَ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة مَعْنَاهُ: إِذا أَفَاق، والدبر، بِفَتْح الدَّال وَالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الرَّاء، وَهُوَ مَا يتأثر فِي ظهر الْإِبِل بِسَبَب اصطكاك القتب وَالْحمل عَلَيْهَا فِي السّفر.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يَكُونُوا أَرَادوا برْء الدبر فِي ظهر الْإِبِل إِذا انصرفت من الْحَج.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الْجمع أدبار، ودبر دبرا، فَهُوَ دبر وَأدبر، وَالْأُنْثَى: دبرة ودبراء، وإبل دبراء، وَقد أدبرها الْحمل، قَالَ عِيَاض: وَقيل: هُوَ أَن يقرح خف الْبَعِير.
قَوْله: (وَعَفا الْأَثر) أَي: ذهب أثر الدبر، يُقَال: عَفا الشَّيْء بِمَعْنى درس، وَوَقع فِي (سنَن أبي دَاوُد) وَعَفا الْوَبر: يَعْنِي كثر وبر الْإِبِل الَّذِي حلقته رحال الْحَاج، وَعفى من الأضداد،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْمَعْرُوف فِي عَامَّة الرِّوَايَات: عَفا الْوَبر يَعْنِي بِالْوَاو كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، قَالَ تَعَالَى: { حَتَّى عفوا وَقَالُوا} (الْأَعْرَاف: 59) .
أَي: كَثُرُوا.
قَوْله: (حلت الْعمرَة) أَي: صَار الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ لمن أَرَادَ أَن يحرم بهَا جَائِزا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا وَجه تعلق انسلاخ صفر بالاعتمار فِي أشهر الْحَج الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود من الحَدِيث، وَالْمحرم وصفر ليسَا من أشهر الْحَج؟ فَأجَاب بقوله: لما سموا الْمحرم صفرا.
وَكَانَ من جملَة تصرفاتهم فعل السّنة ثَلَاثَة عشر شهرا، صَار صفر على هَذَا التَّقْدِير آخر السّنة وَآخر أشهر الْحَج، إِذْ لَا برْء فِي أقل من هَذِه الْمدَّة غَالِبا.
وَأما ذكر انسلاخ صفر الَّذِي من الْأَشْهر الْحرم بزعمهم فلأجل أَنه لَو وَقع قتال فِي الطَّرِيق، وَفِي مَكَّة لقدروا على الْمُقَاتلَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا انْقَضى شهر الْحَج وأثره، والشهر الْحَرَام، جَازَ الاعتمار، أَو يُرَاد بالصفر الْمحرم، وَيكون إِذا انْسَلَخَ صفر كالبيان وَالْبدل لقَوْله: (إِذا برأَ الدبر) فَإِن الْغَالِب أَن البرى لَا يحصل من أثر سفر الْحَج إلاَّ فِي هَذِه الْمدَّة، وَهِي مَا بَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى خمسين، وَنَحْوه.
قَوْله: (قدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَوَقع فِي رِوَايَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن وهيب فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة بِلَفْظ: فَقدم، بِزِيَادَة فَاء الْعَطف، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق بهز بن أَسد والإسماعيلي من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج، كِلَاهُمَا عَن وهيب وَهُوَ الْوَجْه.
قَوْله: (صَبِيحَة رَابِعَة) أَي: لَيْلَة رَابِعَة من ذِي الْحجَّة، وَهِي يَوْم الْأَحَد.
قَوْله: (مهلِّين) نصب على الْحَال، أَي: حَال كَونهم مهلين بِالْحَجِّ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج: وهم يلبون بِالْحَجِّ، وَهَذِه الرِّوَايَة تفسر قَوْله: مهلين، قَوْله: (فتعاظم ذَلِك) أَي: الاعتمار فِي أشهر الْحَج، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج: فَكبر ذَلِك عِنْدهم، أَرَادَ أَنه تعاظم عِنْدهم مُخَالفَة الْعِبَادَة الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا من تَأْخِير الْعمرَة عَن أشهر الْحَج.
قَوْله: (أَي الْحل) مَعْنَاهُ: أَي شَيْء من الْأَشْيَاء يحل علينا، لِأَنَّهُ قَالَ: اعتمروا وَأَحلُّوا، فَقَالَ: حل كُله، يَعْنِي جَمِيع مَا يحرم على الْمحرم حَتَّى الْجِمَاع، وَذَلِكَ تَمام الْحل، كَأَنَّهُمْ يعْرفُونَ أَن لِلْحَجِّ تحليلين، فأرادوا بَيَان ذَلِك بقَوْلهمْ: أَي الْحل، فَبين لَهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحل كُله، لِأَن الْعمرَة لَيْسَ لَهَا إلاَّ تحلل وَاحِد، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (أَي الْحل نحل؟ قَالَ: الْحل كُله) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة الَّذِي بوب عَلَيْهِ.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ دُخُول مَكَّة نَهَارا، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي، وَالْوَجْه الثَّانِي: دُخُولهَا لَيْلًا وَنَهَارًا سَوَاء لَا فَضِيلَة لأَحَدهمَا على الآخر، وَهُوَ قَول طَاوُوس وَالثَّوْري، وَعَن عَائِشَة وَسَعِيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز: دُخُولهَا لَيْلًا أفضل من النَّهَار.
.

     وَقَالَ  مَالك: يسْتَحبّ دُخُولهَا نَهَارا، فَمن جاءها لَيْلًا فَلَا بَأْس بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يدخلهَا لطواف الزِّيَارَة لَيْلًا.
وَفِيه: حجَّة لمن قَالَ: كَانَ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُفردا، وَمن قَالَ: كَانَ قَارنا لَا يلْزم من إهلاله بِالْحَجِّ أَن لَا يكون أَدخل عَلَيْهِ الْعمرَة.





[ قــ :1501 ... غــ :1565 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنُ طَارق بنِ شِهَابٍ عنْ أبِي مُوسى ارضي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَهُ بِالحِلِّ..
هَذَا الحَدِيث أوردهُ هُنَا مُخْتَصرا، وَقد مضى بِتَمَامِهِ فِي: بابُُ من أهلَّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مَبْسُوطا.
قَوْله: ( فَأمره بِالْحلِّ) ، رِوَايَة الْكشميهني على الِالْتِفَات، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( فَأمرنِي بِالْحلِّ) .





[ قــ :150 ... غــ :1566 ]
- حدَّثنا إسْمَاعيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ ( ح) وَحدثنَا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرَنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ حَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّها قالَتْ يَا رسولَ الله مَا شأنُ النَّاسِ حَلّزا بِعُمْرَةٍ ولَمْ تَحْلِلْ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رأسِي وقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أحِلُّ حتَّى أنْحَرَ..
هَذَانِ طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن أبي أويس واسْمه عبد الله الأصبحي الْمدنِي، ابْن أُخْت مَالك بن أنس، يروي عَن مَالك عَن نَافِع.
وَالْآخر: عَن عبد الله بن يُوسُف التنيسِي عَن مَالك عَن نَافِع، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصحابية عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرِوَايَة الْأَخ عَن أُخْته لِأَن حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب، وَعبد الله بن عمر أَخُوهَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي موضِعين: فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِيه، وَفِي اللبَاس عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْحَج أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد، وَفِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد وَعَن مُحَمَّد ابْن سَلمَة: وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( حلوا بِعُمْرَة) ، لم يَقع لَفْظَة بِعُمْرَة فِي رِوَايَة مُسلم،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: زعم بعض النَّاس أَنه لم يقل أحد فِي هَذَا الحَدِيث: عَن نَافِع، وَلم تحلل أَنْت عَن عمرتك إلاَّ مَالك وَحده، قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة قَالَهَا عَن نَافِع جمَاعَة مِنْهُم عبيد الله بن عمر، وَأَيوب بن أبي تَمِيمَة، وهما وَمَالك حفاظ أَصْحَاب نَافِع.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لما لم يكن لأحد من الْعلمَاء سَبِيل إِلَى الْأَخْذ بِكُل مَا تعَارض وتدافع من الْآثَار فِي هَذَا الْبابُُ، وَلم يكن بُد من الْمصير إِلَى وَجه وَاحِد مِنْهَا صَار كل وَاحِد إِلَى مَا صَحَّ عِنْده بمبلغ اجْتِهَاده،.

     وَقَالَ  السفاقسي فِي قَوْلهَا: ( مَا شَأْن النَّاس حلوا وَلم تحلل أَنْت من عمرتك؟) يحْتَمل أَن تُرِيدُ، من حجتك، لِأَن مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب، يُقَال: حج الرجل الْبَيْت إِذا قَصده، فعبرت بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقع على نوع مَخْصُوص من الْقَصْد والنسك.
وَقيل: إِنَّهَا لما سمعته يَأْمر النَّاس بسرف بِفَسْخ الْحَج فِي الْعمرَة ظنت أَنه فسخ الْحَج فِيهَا، وَقيل: اعتقدت أَنه كَانَ مُعْتَمِرًا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: قَوْلهَا وَقَول ابْن عَبَّاس: من عمرتك، أَي: بعمرتك، كَمَا قَالَ تَعَالَى { يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} أَي: بِأَمْر الله، عبر بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ عَن الْقرن لِأَنَّهَا السَّابِقَة فِي إِحْرَام الْقَارِن قولا وَنِيَّة، وَلَا سِيمَا على مَا ظهر من حَدِيث ابْن عمر: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُفردا.
قَوْله: ( وَلم تملك) بِكَسْر اللَّام الأولى أَي لم تحل وَفك فِيهِ الْإِدْغَام وَقد غلم أَن فِي مثل هَذَا الْمَوْضُوع يجوز الْوَجْهَانِ الْإِدْغَام وفكه قَوْله: ( لبدت) ، بِكَسْر اللَّام الْمُوَحدَة من التلبيد، وَهُوَ أَن يَجْعَل الْمحرم فِي رَأسه شَيْئا من الصمغ ليجتمع الشّعْر، وَلِئَلَّا يَقع فِيهِ الْقمل.
قَوْله: ( وقلدت) من تَقْلِيد الْهَدْي، وَهُوَ تَعْلِيق شَيْء فِي عنق الْهَدْي من النعم ليعلم أَنه هدي، قَوْله: ( حَتَّى أنحر) أَي: الْهَدْي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن من سَاق الْهَدْي لَا يتَحَلَّل من عمل الْعمرَة حَتَّى يهلَّ بِالْحَجِّ ويفرغ مِنْهُ.
وَفِيه: أَنه لَا يحل حَتَّى ينْحَر هَدْيه، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ التلبيد والتقليد.
وَفِيه: دَلِيل أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ قَارنا لِأَن ثمَّة عمْرَة.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَمَا دخل التلبيد فِي الْإِحْلَال وَعَدَمه؟ ثمَّ أجَاب بقوله: الْغَرَض بَيَان: أَنِّي مستعد من أول الْأَمر بِأَن يَدُوم إحرامي إِلَى أَن يبلغ الْهَدْي مَحَله.





[ قــ :1503 ... غــ :1567 ]
- حدَّثنا آدمُ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ أخبرَنا أبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ تَمَتَّعْتُ فنَهَانِي ناسٌ فسألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فأمرَنِي فرَأيْتُ فِي المَنامِ كأنَّ رجُلاً يَقُولْ لِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وعُمْرَةٌ مُتَقَبِّلَةٌ فأخبرْتُ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ سُنَّةُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي أقِمْ عِنْدِي فأجْعَلَ لَكَ سَهْما مِنْ مَالِي قَالَ شُعْبَةُ فقُلْتُ لِمَ فَقَالَ لِلرُّؤيَا الَّتِي رأيْتُ.

( الحَدِيث 7651 طرفه فِي: 8861) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَأمرنِي) ، أَي: ابْن عَبَّاس أَمرنِي بالتمتع.

وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وبالراء: اسْمه نصر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة: الضبعِي، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي: بابُُ أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
وَأخرجه مُسلم عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فَأمرنِي) ، أَي: فَأمرنِي ابْن عَبَّاس بالتمتع، وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة فِي زمن عبد الله بن الزبير، وَكَانَ ينْهَى عَن التَّمَتُّع كَمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن الزبير عَنهُ، وَعَن جَابر، وَنقل ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الزبير: أَنه كَانَ لَا يرى التَّمَتُّع إلاَّ للمحصر، وَوَافَقَهُ عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم،.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: لَا اخْتِصَاص بذلك للمحصر.
قَوْله: ( حج مبرور) ارْتِفَاع حج على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا حج، ومبرور، صفته أَي: مَقْبُول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم من طَرِيق غنْدر ( عَن شُعْبَة: فَأتيت ابْن عَبَّاس فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَأمرنِي بهَا ثمَّ انْطَلَقت إِلَى الْبَيْت فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: عمْرَة متقبلة وَحج مبرور.
قَالَ: فَأتيت ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بِالَّذِي رَأَيْت، فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
.
قَوْله: ( سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَلَام إضافي مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، تَقْدِيره: هَذِه سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيجوز فِيهِ النصب على تَقْدِير: وَافَقت سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَوله: ( فَقَالَ لي) أَي: قَالَ لي ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( فأجعل لَك) أَي: فَأَنا أجعَل لَك، ويروى: وَأَجْعَل لَك، بِالْوَاو الَّتِي تدل على الْحَال، ويروى: اجْعَل، بِدُونِ الْفَاء وَالْوَاو.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: إجعل، بِالنّصب.
قلت: وَجهه أَن يكون مَنْصُوبًا بِأَن الْمقدرَة أَي: بِأَن أجعَل لَك، وَيجوز الْجَزْم بِأَن يكون جَوَابا لِلْأَمْرِ، قَوْله: ( سَهْما) ، أَي: نَصِيبا.
قَوْله: ( قَالَ شُعْبَة: فَقلت) ، يَعْنِي لأبي جَمْرَة.
قَوْله: ( لِمَ؟) اسْتِفْهَام عَن سَبَب ذَلِك.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي: أَبُو جَمْرَة.
قَوْله: ( للرؤيا) أَي: لأجل الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَة الَّتِي رَأَيْت، وَهُوَ بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، وَسَببه أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة.

وَفِيه: مَا كَانُوا عَلَيْهِ من التعاون على الْبر وَالتَّقوى، وحمدهم لمن يفعل الْخَيْر، فخشي أَبُو جَمْرَة من تمتعه هبوط الْأجر وَنقص الثَّوَاب للْجمع بَينهمَا فِي سفر وَاحِد، وإحرام وَاحِد، وَكَانَ الَّذين أمروا بِالْإِفْرَادِ إِنَّمَا أَمرُوهُ بِفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَاصَّة نَفسه لينفرد الْحَج وَحده، ويخلص عمله من اشْتِرَاك فِيهِ، فَأرَاهُ الله الرُّؤْيَا ليعرفه أَن حجه مبرور وعمرته متقبلة، وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس: أقِم عِنْدِي ليقص على النَّاس هَذِه الرُّؤْيَا المبينة لحَال التَّمَتُّع.
وَفِيه: دَلِيل الرُّؤْيَا الصادقة شاهدة على أُمُور الْيَقَظَة، وَكَيف لَا وَهُوَ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة؟ وَفِيه: أَن الْعَالم يجوز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة على الْعلم.





[ قــ :1504 ... غــ :1568 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا أبُو شِهابٍ قَالَ قَدِمْتُ مُتَمَتِّعا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاثَةِ أيَّامٍ فَقَالَ لي أناسٌ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ تَصيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكّيَّةً فَدَخَلْتُ عَلَى عَطاءٍ أسْتَفْتِيهِ فَقَالَ حدَّثني جابرُ بنُ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ حَجَّ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ ساقَ البُدْنَ معَهُ وقَدْ أهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدا فَقَالَ لَهُمْ أحِلُّوا منْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ البَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا وَالمَرْوَةِ وقَصِّرُوا ثمَّ أقِيمُوا حَلالاً حَتَّى إذَا كانَ يَوْمَ الترْوِيةِ فأهِلُّوا بِالحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقالُوا كَيْفَ نَجْعَلُها مُتْعَةً وقَدْ سَمَّيْنا الحَجَّ فَقَالَ افْعَلُوا مَا أمرْتُكُمْ فَلَوْلاَ أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أمَرْتُكُمْ ولاكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدُيُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وَأَبُو شهَاب الْأَكْبَر الحناط، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون، واسْمه مُوسَى بن نَافِع الْهُذلِيّ الْكُوفِي، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أبي نعيم بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مُتَمَتِّعا) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي قدمت.
قَوْله: ( بِعُمْرَة) أَيْضا حَال، أَي: ملتبسا بِعُمْرَة.
قَوْله: ( مَكِّيَّة) أَي: قَليلَة الثَّوَاب لقلَّة مشقتها،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: مَعْنَاهُ أَنَّك تنشيء حجك من مَكَّة كَمَا ينشيء أهل مَكَّة مِنْهَا، فيفوتك فضل الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَقَوله: ( حجتك مَكِّيَّة) ، هَكَذَا هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( حجا مكيا) .
قَوْله: ( على عَطاء) ، هُوَ عَطاء بن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ.
قَوْله: ( استفتيه) ، من الْأَحْوَال الْمقدرَة.
قَوْله: ( يَوْم سَاق الْبدن) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الدَّال وسكونها، جمع بَدَنَة، وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَفِي رِوَايَة مُسلم بِلَفْظ: ( عَام سَاق الْهَدْي) .
قَوْله: ( وَقد أهلوا بِالْحَجِّ مُفردا) بِفَتْح الرَّاء وبكسرها، قَالَ الْكرْمَانِي: بِاعْتِبَار كل وَاحِد.
قلت: لَا ضَرُورَة فِي كَونه حَالا من الْحَج، وَمَا قَالَه بالتأويل.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُم) أَي: قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحلُّوا من إحرامكم بِالطّوافِ، أَي: اجعلوا حَجكُمْ عمْرَة وتحللوا مِنْهَا بِالطّوافِ وَالسَّعْي، أَو التَّقْدِير: اجعلوا إحرامكم عمْرَة ثمَّ أحلُّوا مِنْهُ بِالطّوافِ.
قَوْله: ( وَبَين الصَّفَا والمروة) أَي: وبالسعي بَين الصَّفَا والمروة، وَهَذَا معنى فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هَذَا الحَدِيث أبين مَا فِي هَذِه من فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة.
قَوْله: ( وَقصرُوا) أَمرهم بالتقصير لأَنهم يهلون بعد قَلِيل بِالْحَجِّ، وَأخر الْحلق لِأَن بَين دُخُولهمْ وَبَين يَوْم التَّرويَة أَرْبَعَة أَيَّام فَقَط.
قَوْله: ( حَلَالا) ، نصب على الْحَال بِمَعْنى: محلين.
قَوْله: ( وَاجْعَلُوا الَّتِي) أَي: الْحجَّة المفردة الَّتِي أهللتم بهَا ( مُتْعَة) أَي: عمْرَة، وَأطلق على الْعمرَة: مُتْعَة، مجَازًا، والعلاقة بَينهمَا ظَاهِرَة.
قَوْله: ( وَلَكِن لَا يحل مني حرَام) ، بِكَسْر حاء يحل، وَالْمعْنَى: لَا يحل مني مَا حرم عَليّ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: ( لَا يحل مني حَرَامًا) ، بِالنّصب على المفعولية، لَكِن بِضَم الْيَاء فِي: لَا يحل، وفاعله مَحْذُوف، وَتَقْدِيره: لَا يحل طول الْمكْث، وَنَحْو ذَلِك مني شَيْئا حَرَامًا ( حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله) وَهُوَ منى، فينحر فِيهِ.

قالَ أبُو عَبْدُ الله أبُو شِهَابٍ لَيْسَ لَهُ مُسْنَدٌ إلاَّ هاذَا
أَبُو عبد الله: هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، أَي لم يرو أَبُو شهَاب حَدِيثا مَرْفُوعا إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَقيل: المُرَاد لَيْسَ لَهُ مُسْند عَن عَطاء إلاَّ هَذَا لَا مُطلقًا.
قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) كَأَنَّهُ يَقُول: من كَانَ هَكَذَا لَا يَجْعَل حَدِيثه أصلا من أصُول الْعلم، وَهَذَا طرف من حَدِيث جَابر بن عبد الله الَّذِي رَوَاهُ مطولا جدا، وَلأبي بكر إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَلَيْهِ كتاب سَمَّاهُ: ( التَّخْيِير) استنبط مِنْهُ مائَة نوع ونيفا وَخمسين نوعا من وُجُوه الْعلم، وَالْبُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذكر جلّ حَدِيث جَابر الَّذِي انْفَرد بِهِ مُسلم، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة.
وَمن فَوَائِد هَذِه الْقطعَة الَّتِي سَاقهَا البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: التَّقْصِير للمعتمر ليتوفر السّفر للحلاق يَوْم النَّحْر.





[ قــ :1505 ... غــ :1569 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الأعْوَرُ عنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ اخْتَلَفَ عليٌّ وعثمانُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وهُمَا بِعُسْفَانَ فِي المُتْعَةِ فَقَالَ عَليٌّ مَا تُرِيدُ إلاَّ أنْ تَنْتَهي عَن أمْرٍ فَعلَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَلَمَّا رَى ذلِكَ عَلِيٌّ أهَلَّ بِهِما جَمِيعا.

( انْظُر الحَدِيث 3651) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

قَوْله: ( وهم بعسفان) ، جملَة حَالية أَي: كائنان بعسفان، وَهُوَ بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالفاء وَبعد الْألف نون: وَهِي قَرْيَة جَامِعَة بهَا مِنْبَر على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من مَكَّة، وَيُقَال: على قدر مرحلَتَيْنِ من مَكَّة قَوْله: ( مَا نُرِيد إلاَّ أَن تنْهى) أَي: مَا تُرِيدُ إِرَادَة منتهية إِلَى النَّهْي، أَو ضمن الْإِرَادَة معنى الْميل.
قَوْله: ( فعله النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا وَقعت صفة.
لقَوْله: ( عَن أَمر) .
قَوْله: ( أهل بهما) أَي: بِالْعُمْرَةِ وَالْحج، وَهَذَا هُوَ الْقرَان.
فَإِن قلت: كَيفَ تَقول: هَذَا قرَان؟ وَالِاخْتِلَاف بَينهمَا كَانَ فِي التَّمَتُّع؟ قلت: من وُجُوه التَّمَتُّع أَن يتمتع الرجل بِالْعُمْرَةِ وَالْحج، وَهُوَ أَن يجمع بَينهمَا فيهل بهما جَمِيعًا فِي أشهر الْحَج أَو غَيرهَا، يَقُول: لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة مَعًا، وَهَذَا هُوَ الْقرَان، وَإِنَّمَا جعل القِران من بابُُ التَّمَتُّع لِأَن الْقَارِن يتمتع بترك النصب فِي السّفر إِلَى الْعمرَة مرّة، وَإِلَى الْحَج أُخْرَى، ويتمتع بجمعهما، وَلم يحرم لكل وَاحِد من مِيقَاته، وَضم الْحَج إِلَى الْعمرَة، فَدخل تَحت قَوْله تَعَالَى: { فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} ( الْبَقَرَة: 691) .