فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس

(بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { جَعَلَ الله الكَعْبَةَ الْبَيْتَ الحَرامَ قِياما لِلنَّاسِ والشَّهْرَ الحرامَ وَالهدْيَ وَالقَلائِدَ ذالِكَ لِتَعْلَمُوا أنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ ومَا فِي الأرْضِ وأنَّ الله بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} (الْمَائِدَة: 79) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله تَعَالَى، عز وَجل: جعل الله ... إِلَى آخِره، وَوَقع فِي شرح ابْن بطال بِأَنَّهُ ضم الْبابُُ السَّابِق إِلَى هَذَا وجعلهما وَاحِدًا، فَقَالَ بعد قَوْله: { لَعَلَّهُم يشكرون} (إِبْرَاهِيم: 53) .
وَقَول الله تَعَالَى: { جعل الله الْكَعْبَة} (الْمَائِدَة: 79) .
إِلَى آخِره، قَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن المُرَاد بقوله: { قيَاما} أَي: قواما، وَأَنَّهَا مَا دَامَت مَوْجُودَة فالدين قَائِم.

قلت: السِّرّ فِي هَذَا وَالتَّحْقِيق أَنه جعل هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة تَرْجَمَة وَأَشَارَ بهَا إِلَى أُمُور.
الأول: أَشَارَ فِيهِ إِلَى أَن قوام أُمُور النَّاس وانتعاش أَمر دينهم ودنياهم بِالْكَعْبَةِ المشرفة يدل على قَوْله { قيَاما للنَّاس} (الْمَائِدَة: 79) .
فَإِذا زَالَت الْكَعْبَة على يَد ذِي السويقتين تختل أُمُورهم، فَلذَلِك أورد حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيهِ مُنَاسبَة لهَذَا، فَتَقَع بِهِ الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة.
وَالثَّانِي: أَشَارَ بِهِ إِلَى تَعْظِيم الْكَعْبَة وتوقيرها، يدل عَلَيْهِ قَوْله: { الْبَيْت الْحَرَام} حَيْثُ وصفهَا بِالْحُرْمَةِ، فأورد حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِيهِ مُنَاسبَة لهَذَا، فَتَقَع بِهِ الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، وَذَلِكَ فِي قَوْله: (وَكَانَ يَوْمًا تستر فِيهِ الْكَعْبَة) .
وَالثَّالِث: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْكَعْبَة لَا تَنْقَطِع الزوار عَنْهَا، وَلِهَذَا تحج بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج الَّذِي يكون فِيهِ من الْفِتَن والشدائد مَا لَا يُوصف، فَلذَلِك أورد حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِيهِ مُنَاسبَة لهَذَا، وَهُوَ قَوْله: (ليحجن الْبَيْت وليعتمرن بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج) ، وَيدل على هَذَا الْوَجْه أَيْضا قيَاما، فَتَقَع بِهِ الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة.
قَوْله: (الْبَيْت الْحَرَام) ، نصب على أَنه عطف بَيَان على جِهَة الْمَدْح لَا على التَّوْضِيح كَمَا تَجِيء الصّفة، كَذَلِك قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ.
قَوْله: (قيَاما) أَي: عمادا للنَّاس فِي أَمر دينهم ودنياهم ونهوضا إِلَى أغراضهم ومقاصدهم فِي معاشهم ومعادهم لما يتم لَهُم من أَمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم، وَرُوِيَ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: لَو تركوها عَاما وَاحِدًا لم ينْظرُوا وَلم يتجروا، وَقَرَأَ ابْن عَامر: قيمًا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ قيَاما، وَأَصله: قواما، وَيُقَال معني: قيَاما، معالم للحق،.

     وَقَالَ  مقَاتل: يَعْنِي علما لقبلتهم يصلونَ إِلَيْهَا،.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير صلاحا لدينهم.
قَوْله: { والشهر الْحَرَام} وَهُوَ الشَّهْر الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الْحَج، وَهُوَ ذُو الْحجَّة، لِأَن اخْتِصَاصه من بَين الْأَشْهر بِإِقَامَة موسم الْحَج فِيهِ، شَأْنًا عرفه الله تَعَالَى، وَقيل: عَنى بِهِ جنس أشهر الْحرم.
قَوْله: { وَالْهَدْي} وَهُوَ مَا يهدي بِهِ قَوْله: { والقلائد} يَعْنِي المقلدات أَو ذَات القلائد، وَالْمعْنَى: جعل الله الشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي والقلائد أمنا للنَّاس لأَنهم إِذا توجهوا إِلَى مَكَّة وقلدوا الْهَدْي أمنُوا من الْعَدو، لِأَن الْحَرْب كَانَت قَائِمَة بَين الْعَرَب إلاَّ فِي الْأَشْهر الْحرم، فَمن لقوه على هَذِه الْحَالة لم يتَعَرَّضُوا لَهُ.
قَوْله: (ذَلِك) ، إِشَارَة إِلَى جعل الْكَعْبَة قيَاما للنَّاس، أَو إِلَى مَا ذكر من حفظ حُرْمَة الْإِحْرَام بترك الصَّيْد وَغَيره،، قَوْله: { وَإِن الله بِكُل شَيْء عليم} أَي: من السِّرّ وَالْعَلَانِيَة.



[ قــ :1526 ... غــ :1591 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا زِيادُ بنُ سَعْدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشةِ.

(الحَدِيث 1951 طرفه فِي: 6951) .

مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا آنِفا.
وَرِجَاله سِتَّة: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن سعد بن عبد الرَّحْمَن، يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي من أهل بَلخ يُقَال إِنَّه من الْعَرَب سكن مَكَّة وانتقل مِنْهَا إِلَى الْيمن فسكن فِي قَرْيَة إسمها: عك، وَمَات بهَا، يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن أبي عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج، وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بن سعيد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يخرب الْكَعْبَة) فعل ومفعول (وَذُو السويقتين) فَاعله، وَهَذِه تَثْنِيَة سويقة، والسويقة مصغر السَّاق، وَألْحق بهَا التَّاء فِي التصغير لِأَن السَّاق مُؤَنّثَة، والتصغير للتحقير، وَالْإِشَارَة إِلَى الدقة لِأَن فِي سيقان الْحَبَشَة دقة وخموشة، وَالتَّقْدِير: يخرب الْكَعْبَة ضَعِيف من هَذِه الطَّائِفَة.
قَوْله: (من الْحَبَشَة) كلمة: من، بَيَانِيَّة أَي من هَذَا الْجِنْس من بني آدم.
قَالُوا: الْحَبَش جنس من السودَان، وهم الأحبش والحبشان والحبشة، لَيْسَ بِصَحِيح فِي الْقيَاس لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُ على مِثَال فَاعل، فَيكون مكسرا على فعله، والأحبوش جمَاعَة الْحَبَش قَالَ العجاج.

(كَأَن صيران المهى الأخلاط ... والرمل أحبوش من الأنباط)

وَقيل: هم الْجَمَاعَة أيا كَانُوا لأَنهم إِذا اجْتَمعُوا اسودوا.
وَفِي (الصِّحَاح) : الْحَبَش والحبشة جنس من السودَان،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: فَأَما قَوْلهم: الْحَبَشَة، فعلى غير قِيَاس، وَقد قَالُوا: حبشان أَيْضا، وَلَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ.
قلت: إنكارهم لفظ الْحَبَشَة على هَذَا الْوَزْن لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ ورد فِي لفظ الفصيح، بل أفْصح النَّاس،.

     وَقَالَ  الرشاطي: وهم من ولد كوش بن حام، وهم أَكثر مُلُوك السودَان وَجَمِيع ممالك السودَان يُعْطون الطَّاعَة للحبش.

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي: كَانَ أَوْلَاد حام سَبْعَة أخوة كأولاد سَام: السَّنَد والهند والزنج والقبط والحبشة والنوبة وكنعان، فَأخذُوا مَا بَين الْجنُوب وَالدبور وَالصبَا.
وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا خير فِي الْحَبَش، إِن جَاعُوا سرقوا، وَإِن شَبِعُوا زنوا، وَإِن فيهم حسنتين إطْعَام الطَّعَام وإلباس يَوْم الْبَأْس) .
.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام فِي (التيجان) : أول من جرى لِسَان الْحَبَشَة على لِسَانه سحلب بن أداد بن ناهس بن سرعَان بن حام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ تولدت من هَذَا اللِّسَان ألسن استخرجت مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الأَصْل.

وَجَاء فِي تخريب الْكَعْبَة أَحَادِيث.
مِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: بابُُ هدم الْكَعْبَة، على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ بِسَنَد صَحِيح فِي: يُبَايع لرجل بَين الرُّكْن وَالْمقَام، وَأول من يسْتَحل هَذَا الْبَيْت أَهله، فَإِذا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا تسْأَل عَن هلكة الْعَرَب ثمَّ تَجِيء الْحَبَشَة فيخربونه خرابا لَا يعمر بعده، وهم الَّذين يستخرجون كنزه، وَذكر الْحَلِيمِيّ: أَن ذَلِك فِي زمن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَن الصَّرِيخ يَأْتِيهِ بِأَن ذَا السويقتين قد سَار إِلَى الْبَيْت يهدمه فيبعث، إِلَيْهِ عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طَائِفَة بَين الثمان إِلَى التسع.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم بِسَنَد فِيهِ مَجْهُول: كَأَنِّي أنظر إِلَى أصيلع أَقرع أفحج على ظهر الْكَعْبَة يَهْدِمهَا بالكرزنة.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتركوا الْحَبَشَة مَا تركوكم، فَإِنَّهُ لَا يسْتَخْرج كنز الْكَعْبَة إِلَّا ذُو السويقتين من الْحَبَشَة.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة، ويسلب حليها ويجردها من كسوتها، وَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ أصيدع أفيدع يضْرب عَلَيْهَا مسحاته ومعوله) .
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر حَدِيثا فِيهِ طول، وَفِيه: (وخراب مَكَّة من الْحَبَشَة على يَد حبشِي أفحج السَّاقَيْن أَزْرَق الْعَينَيْنِ أفطس الْأنف كَبِير الْبَطن مَعَه أَصْحَابه، ينقضونها حجرا حجرا ويتناولونها حَتَّى يرموا بهَا يَعْنِي: الْكَعْبَة إِلَى الْبَحْر، وخراب الْمَدِينَة من الْجُوع وخراب الْيمن من الْجَرَاد) .
وَفِي (كتاب الْغَرِيب) لأبي عبيد: عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (استكثروا من الطّواف بِهَذَا الْبَيْت قبل أَن يُحَال بَيْنكُم وَبَينه، فَكَأَنِّي بِرَجُل من الْحَبَشَة أصلع وأصمع حمش السَّاقَيْن قَاعد عَلَيْهَا وَهِي تهدم) .
وخرجه الْحَاكِم مَرْفُوعا (وَفِيه: أصمع أَقرع بِيَدِهِ معول وَهُوَ يَهْدِمهَا حجرا حجرا) .
وَذكر الْغَزالِيّ فِي (مَنَاسِكه) : لَا تغرب الشَّمْس من يَوْم إلاَّ وَيَطوف بِهَذَا الْبَيْت رجل من الأبدال، وَلَا يطلع الْفجْر من لَيْلَة إلاَّ طَاف بِهِ أحد من الْأَوْتَاد، وَإِذا انْقَطع ذَلِك كَانَ سَبَب رَفعه من الأَرْض، فَيُصْبِح النَّاس وَقد رفعت الْكَعْبَة لَيْسَ مِنْهَا أثر، وَهَذَا إِذا أَتَى عَلَيْهَا سبع سِنِين لم يحجها أحد ثمَّ، يرفع الْقُرْآن الْعَظِيم من الْمَصَاحِف، ثمَّ من الْقُلُوب، ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى الْأَشْعَار والأغاني وأخبار الْجَاهِلِيَّة، ثمَّ يخرج الدَّجَّال وَينزل عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي (كتاب الْفِتَن) لنعيم بن حَمَّاد: حَدثنَا بَقِيَّة عَن صَفْوَان عَن شُرَيْح (عَن كَعْب: تخرج الْحَبَشَة خرجَة ينتهون فِيهَا إِلَى الْبَيْت، ثمَّ يتفرغ إِلَيْهِم أهل الشَّام فيجدونهم قد افترشوا الأَرْض، فيقتلونهم أَوديَة بني عَليّ، وَهِي قريبَة من الْمَدِينَة، حَتَّى إِن الحبشي يُبَاع بالشملة) .
قَالَ صَفْوَان: وحَدثني أَبُو الْيَمَان (عَن كَعْب، قَالَ: يخربون الْبَيْت وليأخذن الْمقَام فيدركون على ذَلِك، فيقتلهم الله تَعَالَى.
وَفِيه (وَيخرجُونَ بعد يَأْجُوج) .
(وَعَن عبد الله بن عَمْرو: تخرج الْحَبَشَة بعد نزُول عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فيبعث عِيسَى طَائِفَة فيهزمون) ، وَفِي رِوَايَة: (يهدم مرَّتَيْنِ وَيرْفَع الْحجر فِي الْمرة الثَّالِثَة) ، وَفِي رِوَايَة، وَيرْفَع فِي الثَّانِيَة.
وَفِي رِوَايَة (ويستخرجون كنز فِرْعَوْن بمنوف من الْفسْطَاط، وَيقْتلُونَ بوسيم) وَفِي لفظ: (فَيَأْتُونَ فِي ثَلَاثمِائَة ألف عَلَيْهِم أسيس أَو أسيس) .
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَقيل: إِن خرابه يكون بعد رفع الْقُرْآن من الصُّدُور والمصاحف، وَذَلِكَ بعد موت عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ الصَّحِيح.

فَإِن قلت: قَالَ تَعَالَى: { حرما آمنا} (الْقَصَص: 75) .
وَهُوَ يُعَارض مَا ذكرْتُمْ من هَذِه الْأَشْيَاء؟ قلت: قَالُوا: لَا يلْزم من قَوْله: { حرما آمنا} (الْقَصَص: 75) .
أَن يكون ذَلِك دَائِما فِي كل الْأَوْقَات، بل إِذا حصلت لَهُ حُرْمَة وَأمن فِي وَقت مَا، صدق عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظ وَصَحَّ الْمَعْنى، وَلَا يُعَارضهُ ارْتِفَاع ذَلِك الْمَعْنى فِي وَقت آخر.
فَإِن قلت: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله أحل لي مَكَّة سَاعَة من نَهَار، ثمَّ عَادَتْ حرمتهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) .
قلت: الحكم بِالْحُرْمَةِ وَالْأَمر لَا يرْتَفع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، أما وُقُوع الْخَوْف فِيهَا وَترك الْحُرْمَة فقد وجد من ذَلِك فِي أَيَّام يزِيد وَغَيره كثيرا،.

     وَقَالَ  عِيَاض: { حرما آمنا} (الْقَصَص: 75) .
أَي: إِلَى قرب الْقِيَامَة، وَقيل: يخْتَص مِنْهُ قصَّة ذِي السويقتين.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: إِن قيل مَا السِّرّ فِي حراسة الْكَعْبَة من الْفِيل وَلم تحرس فِي الْإِسْلَام مِمَّا صنع بهَا الْحجَّاج والقرامطة وَذُو السويقتين؟ فَالْجَوَاب: إِن حبس الْفِيل كَانَ من أَعْلَام النُّبُوَّة لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَدَلَائِل رسَالَته لتأكيد الْحجَّة عَلَيْهِم بالأدلة الَّتِي شوهدت بالبصر قبل الْأَدِلَّة الَّتِي ترى بالبصائر، وَكَانَ حكم الْحَبْس أَيْضا دلَالَة على وجود النَّاصِر.





[ قــ :157 ... غــ :159 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ( ح) وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ قَالَ أخبرَني عَبْدُ الله هُوَ ابنُ المُبَارَكِ قَالَ أخبرنَا محَمَّدُ بنُ أبي حَفْصَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانُوا يَصُومُونَ عاشُوراءَ قَبْلَ أنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وكانَ يَوْما تُسْتَرُ فيهِ الكَعْبةُ فلَمَّا فرَضَ الله رمضَانَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ شاءَ أنْ يَصُومَهُ فلْيَصُمْهُ ومنْ شاءَ أَن يَتْرُكهُ فَلْيَتْرُكْهُ..
قد مر وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، وَوجه آخر وَهُوَ: أَن الْمُشْركين كَانُوا يعظمون الْكَعْبَة قَدِيما بالستور وَالْكِسْوَة، ويقومون إِلَيْهَا كَمَا يقوم الْمُسلمُونَ، وَبَين الله تَعَالَى فِي الْآيَة الْمَذْكُور أَنه جعل الْكَعْبَة بَيْتا حَرَامًا، وَمن حرمتهَا تعظيمها فَعَظَّمَهَا الْمُسلمُونَ، وَمن جملَة تعظيمهم إِيَّاهَا أَنهم كَانُوا يكسونها فِي كل سنة يَوْم عَاشُورَاء الَّذِي هُوَ من الْأَيَّام المعظمة، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة حصلت الْمُطَابقَة بَين الْآيَة الَّتِي هِيَ تَرْجَمَة وَبَين الحَدِيث.

ذكر رِجَاله: وهم: تِسْعَة: الأول: يحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد، الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
السَّادِس: مُحَمَّد بن مقَاتل، بِضَم الْمِيم على وزن اسْم الْفَاعِل من الْمُقَاتلَة: أَبُو الْحسن المجاور بِمَكَّة.
السَّابِع: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّامِن: مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، واسْمه ميسرَة، ضد الميمنة.
التَّاسِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي سَبْعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه يحيى وَاللَّيْث مصريان، وَأَن عقيلاً أيلي، وَأَن ابْن شهَاب وَعُرْوَة مدنيان، وَأَن شَيْخه مُحَمَّد بن مقَاتل من أَفْرَاده، وَأَنه وَابْن الْمُبَارك مروزيان، وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة بَصرِي.
وَفِيه: أَنه رَوَاهُ من طَرِيقين،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: جمع البُخَارِيّ بَين رِوَايَة عقيل وَابْن أبي حَفْصَة فِي الْمَتْن، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة عقيل ذكر السّتْر، ثمَّ سَاقه بِدُونِهِ من طَرِيق عقيل، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعَادَة البُخَارِيّ التَّجَوُّز فِي مثل هَذَا.
وَقيل: أَرَادَ من حَدِيث عقيل التَّصْرِيح بِسَمَاع ابْن شهَاب من عُرْوَة.
قلت: لَيْسَ لما ذكره فَإِنَّهُ لم يَأْتِ بِهِ، نعم هُوَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم، وَقد روى الفاكهي من طَرِيق ابْن أبي حَفْصَة، وَصرح بِسَمَاع الزُّهْرِيّ لَهُ من عُرْوَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( كَانُوا) ، أَي: الْمُسلمُونَ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْم عَاشُورَاء وَهُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من محرم، وَكَانَ فرضا، فَلَمَّا نزل فرض رَمَضَان نسخ صَوْم يَوْم عَاشُورَاء، وَهُوَ مَمْدُود غير منصرف،.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ القالي فِي ( كتاب الْمَمْدُود والمقصور) : عَاشُورَاء على وزن فاعولاء، وَلَا نعلم من هَذَا الْمِثَال غَيره.
قَوْله: ( وَكَانَ) أَي كَانَ يَوْم عَاشُورَاء يَوْمًا تستر فِيهِ الْكَعْبَة، وَكَانَت تُكْسَى فِي كل سنة مرّة يَوْم عَاشُورَاء، ثمَّ إِن مُعَاوِيَة كَانَ يَكْسُوهَا مرَّتَيْنِ، ثمَّ الْمَأْمُون كَانَ يَكْسُوهَا ثَلَاثًا الديباج الْأَحْمَر يَوْم التَّرويَة، وَالْقَبَاطِي هِلَال رَجَب، والديباج الْأَبْيَض يَوْم سبع وَعشْرين من رَمَضَان، وَذكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي ( السّير) أَن تبان أسعد أَبُو كرب وَهُوَ تبع الآخر ابْن كلكيكرب بن زيد، وَهُوَ تبع الأول ابْن عَمْرو، وسَاق نسبه إِلَى يعرب بن قحطان، ثمَّ قَالَ: كَانَ هُوَ وَقَومه أَصْحَاب أوثان يعبدونها، توجه إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا كَانَ بَين عسفان وأمج أَتَاهُ نفر من هُذَيْل بن مدركة، فَقَالُوا: أَلا ندلك على بَيت مَال داثر؟ قَالَ: بلَى.
قَالُوا: مَكَّة، وَإِنَّمَا أَرَادَ الهذليون هَلَاكه، لما عرفُوا هَلَاك من أَرَادَهُ من الْمُلُوك، فَقَالَ لَهُ حبران كَانَا مَعَه: إِنَّمَا إراد هَؤُلَاءِ هلاكك.
قَالَ: فبماذا تأمراني , قَالَا: نصْنَع عِنْده مَا يصنع أَهله، نحلق عِنْده ونطوف وننحر، فَفعل فَأَقَامَ بِمَكَّة سِتَّة أَيَّام ينْحَر للنَّاس ويطعمهم، فأري فِي الْمَنَام أَن يكسو الْبَيْت فَكَسَاهُ الخصف، ثمَّ أرِي أَن يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ المعافر، ثمَّ أرِي أَن يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ الملاء، والوصائل، فَكَانَ تبع فِيمَا يَزْعمُونَ أول من كسا الْبَيْت، وَذكر ابْن قُتَيْبَة أَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت قبل الْإِسْلَام بتسعمائة سنة.
وَفِي ( مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) من حَدِيث ابْن لَهِيعَة: حَدثنَا أَبُو زرْعَة عَمْرو سعمت سهل بن سعد رَفعه: ( لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ قد أسلم) .
وَفِي ( مغايض الْجَوْهَر فِي أَنْسَاب حمير) : كَانَ يدين بالزبور، وَذكر ابْن أبي شيبَة فِي ( تَارِيخه) : أول من كساها عدنان بن أدد، وَزعم الزبير أَن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير، وَذكر الْمَاوَرْدِيّ: أَن أول من كساها الديباج خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب أَحْمد لطيمة يحل الْبر، وَوجد فِيهَا إنماطا فعلقها على الْكَعْبَة، وَذكر الْحَافِظ: أَن أول من علقها عبد الله بن الزبير وَفِي كتاب ابْن إِسْحَاق: أول من حلاها عبد الْمطلب بن عبد منَاف لما حفرهَا بالفزالين اللَّذين وجدهما من ذهب فِيهَا.
وَعَن لَيْث بن أبي سليم، قَالَ: كَانَت كسْوَة الْكَعْبَة على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الانطاع والمسوح.
.

     وَقَالَ  ابْن دحْيَة: كساها الْمهْدي الْقبَاطِي والخز والديباج، وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أَسْفَلهَا إِلَى أَعْلَاهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَالَ ابْن جريج: زعم بعض عُلَمَائِنَا أَن أول من كساها إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَحكى البلاذري: أَن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أدد، وروى الْوَاقِدِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن أبي ربيعَة، قَالَ: كسي الْبَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة الأنطاع، ثمَّ كَسَاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الثِّيَاب اليمانية، ثمَّ كَسَاه عمر وَعُثْمَان الْقبَاطِي، ثمَّ كَسَاه الْحجَّاج الديباج.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: بَلغنِي أَن الْبَيْت لم يكْسَ فِي عهد أبي بكر وَعمر، يَعْنِي: لم يجدد لَهُ كسْوَة.
.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج: أخْبرت أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يَكْسُوهَا الْقبَاطِي.
وَأَخْبرنِي غير وَاحِد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كساها الْقبَاطِي والحبرات، وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَأول من كساها الديباج عبد الْملك بن مَرْوَان، وَأَن أول من أدْرك ذَلِك من الْفُقَهَاء قَالُوا: أصَاب، مَا نعلم لَهَا من كسْوَة أوفق مِنْهُ وروى أَبُو عرُوبَة فِي ( الْأَوَائِل) لَهُ: عَن الْحسن، قَالَ: أول من لبس الْكَعْبَة الْقبَاطِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( المؤتلف) : أَن أول من كسا الْكَعْبَة الديباج تنيلة بنت جنان وَالِدَة الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، كَانَت أضلت الْعَبَّاس صَغِيرا فنذرت إِن وجدته أَن تكسو الْكَعْبَة الديباج، وَذكر الزبير بن بكار أَنَّهَا أضلت ضِرَارًا ابْنهَا، فَرده عَلَيْهَا رجل من جذام، فكست الْكَعْبَة ثيابًا بَيْضَاء، وَهُوَ مَحْمُول على تعدد الْقِصَّة، وكسيت فِي أَيَّام الفاطميين الديباج الْأَبْيَض، وَكَسَاهَا السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين ديباجا أصفر، وَكَسَاهَا نَاصِر العباسي ديباجا أَخْضَر، ثمَّ كساها ديباجا أسود، فاستمر إِلَى الْآن، وَلم تزل الْمُلُوك يتداولون كسوتها إِلَى أَن وقف عَلَيْهَا الصَّالح إِسْمَاعِيل بن النَّاصِر فِي سنة نَيف وَخمسين وَسَبْعمائة، قَرْيَة بنواحي الْقَاهِرَة، وَلم تزل تُكْسَى من هَذَا الْوَقْف.





[ قــ :158 ... غــ :1593 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا إبْراهِيمُ عنِ الحَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ عنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبي عُتْبَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ ولَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأجُوجَ ومَأجُوجَ.

قد مر وَجه الْمُطَابقَة فِي أول الب اب.

ذكر رِجَاله: وهم: سَبْعَة: الأول: أَحْمد بن أبي عَمْرو، واسْمه حَفْص بن عبد الله بن رَاشد أَبُو عَليّ السّلمِيّ، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص أَبُو عَمْرو، قَاضِي نيسابور، الثَّالِث: إِبْرَاهِيم بن طهْمَان أَبُو سعيد.
الرَّابِع: الْحجَّاج بن الْحجَّاج الْأَسْلَمِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَحول.
الْخَامِس: قَتَادَة بن دعامة.
السَّادِس: عبد الله بن أبي عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة.
مولى أنس بن مَالك.
السَّابِع: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، سعد بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَأَنه ذكر فِي بعض النّسخ مُجَردا، وَفِي بَعْضهَا أَحْمد بن حَفْص، وَأَنه وأباه نيسابوريان وَأَن إِبْرَاهِيم هروي سكن نيسابور ثمَّ سكن مَكَّة، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة، وَأَن الْحجَّاج وَقَتَادَة وَعبد الله بصريون.

وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( ليحجن) ، بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء وَالْجِيم على صِيغَة الْمَجْهُول، مؤكدا بالنُّون الثَّقِيلَة، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( ليعتمرن) .
قَوْله: ( يَأْجُوج وَمَأْجُوج) إسمان أعجميان بِدَلِيل منع الصّرْف، وقرىء فِي الْقُرْآن مهموزين، وَقيل: يَأْجُوج من التّرْك، وَمَأْجُوج من الجيل والديلم، وَقيل: هم على صنفين: طوال مفرطوا الطول، وقصار مفرطوا الْقصر.

تابَعَهُ أبانُ وعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ

أَي: تَابع عبد الله بن أبي عتبَة أبان بن يزِيد الْعَطَّار عَن قَتَادَة، وَكَذَلِكَ تَابعه عمرَان الْقطَّان عَن قَتَادَة، ومتابعتهما على لفظ الْمَتْن.
أما مُتَابعَة أبان فوصلها الإِمَام أَحْمد: عَن عَفَّان وسُويد بن عَمْرو الْكَلْبِيّ، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، ثَلَاثَتهمْ عَن أبان، فَذكر مثله، وَأما مُتَابعَة عمرَان فوصلها أَحْمد أَيْضا: عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنهُ، وَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو يعلى من طَرِيق الطَّيَالِسِيّ، وَقد تَابع هَؤُلَاءِ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، أخرجه عبد بن حميد عَن روح بن عبَادَة عَنهُ، وَلَفظه: ( أَن النَّاس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النّخل بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج) .

وَقَالَ عَبْدُ الرحمانِ عَن شُعْبَةَ قَالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ

أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة بِهَذَا السَّنَد: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يحجّ الْبَيْت، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْحَاكِم من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل عَنهُ.

وَالأوَّلُ أكْثَرُ أَرَادَ البُخَارِيّ بِالْأولِ من تقدم ذكرهم قبل شُعْبَة، وَإِنَّمَا قَالَ: أَكثر، لِاتِّفَاق أُولَئِكَ على اللَّفْظ الْمَذْكُور، وانفراد شُعْبَة بِمَا يخالفهم، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن ظاهرهما التَّعَارُض، لِأَن الأول يدل على أَن الْبَيْت يحجّ بعد أَشْرَاط السَّاعَة.
وَالثَّانِي: يدل على أَنه لَا يحجّ، وَيُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال: لَا يلْزم من حج النَّاس بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَن يمْتَنع الْحَج فِي وَقت مَا عِنْد قرب ظُهُور السَّاعَة، وَالَّذِي يظْهر، وَالله أعلم، أَن يكون المُرَاد بقوله: ( ليحجن الْبَيْت) أَي: مَكَان الْبَيْت، وَيدل على ذَلِك مَا رُوِيَ أَن الْحَبَشَة إِذا خربوه لم يعمر بعد ذَلِك على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: وَالْأول أَكثر، يَعْنِي: الْبَيْت يحجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.

سَمِعَ قَتَادةُ عَبْدَ الله وعَبْدُ الله أبَا سَعِيدٍ
وَفِي بعض النّسخ قَالَ أَبُو عبد الله أَي: البُخَارِيّ نَفسه، سمع قَتَادَة عبد الله بن أبي عُتَيّة الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن قَتَادَة لما كَانَ مدلسا صرح بِأَن عنعنته مقرونة بِالسَّمَاعِ.
قَوْله: ( وَعبد الله) أَي: سمع عبد الله بن أبي عتبَة أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ.