فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع

( بابُُ المُعْتَمِرِ إذَا طافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاعِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي باين حكم الْمُعْتَمِر إِذا طَاف إِلَى آخِره، وَجَوَاب: هَل، مَحْذُوف تَقْدِيره: يجْزِيه ويغني طواف الْعمرَة عَن طواف الْوَدَاع.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ لما لم يكن فِي حَدِيث عَائِشَة التَّصْرِيح بِأَنَّهَا مَا طافت للوداع بعد طواف الْعمرَة لم يثبت الحكم فِي التَّرْجَمَة.
انْتهى.
قلت: الحَدِيث يدل على أَن طواف الْعمرَة يُغني عَن طواف الْوَدَاع، وَإِن لم يدل على ذَلِك صَرِيحًا، إِذْ لَو كَانَ لَا بُد من طواف الْوَدَاع لذكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث، وَلم يذكر إلاَّ طواف الْعمرَة.



[ قــ :1709 ... غــ :1788 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا أفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ عنِ القَاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بالحَجِّ فِي أشْهُرِ الحَجِّ وَفِي حُرُمِ الحَجِّ فنَزَلْنَا بِسَرِفَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِصْحَابِهِ منْ لَمْ يَكُنْ معَهُ هَدْيٌ فأحَبَّ أنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَة فَلْيَفْعَلْ ومنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فلاَ وكانَ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورِجَالٌ مِنْ أصْحَابِهِ ذَوِي قُوِّةٍ الهَدْيَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنَا أبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ.

قُلْتُ سَمِعْتِكَ تَقُولُ لأِصْحَابِكَ مَا قُلْتَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قَالَ وَمَا شأنُك.

قُلْتُ لاَ أصَلِّي قَالَ فَلاَ يُضِرُّكِ أنْتِ مِنْ بَناتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ علَيْهِنَّ فَكونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى الله أَن يَرْزُقَكِهَا قالَتْ فكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنىً فنَزَلْنَا المُحَصَّبَ فدَعَا عبْدَ الرَّحْمانِ فقالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ إلَى الحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أنْتَظِرْ كَمَا هَهُنَا فأتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فقالَ فرَغْتُمَا.

قُلْتُ نَعَمْ فَنادَى بالرَّحِيلِ فِي أصْحَابِهِ فارْتَحَلَ النَّاسُ ومنْ طافَ بالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُتَوَجِّها إلَى المَدِينَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فلتهل بِعُمْرَة) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير عَن إِسْحَاق بن سُلَيْمَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بن السّري، وغالب مَا فِيهِ من الْأَحْكَام قد ذكر فِيمَا مضى مفرقا.

قَوْله: ( وَفِي حرم الْحَج) بِضَم الْحَاء وَالرَّاء، وَهِي الْحَالَات والأماكن والأوقات الَّتِي لِلْحَجِّ، وَرُوِيَ، بِفَتْح الرَّاء جمع حُرْمَة أَي مُحرمَات الْحَج.
قَوْله: ( بسرف) أَي: فِي سرف، وَقد فسرناه غير مرّة، وَهُوَ مَكَان بِقرب مَكَّة.
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت: ( سرف) ، بِحَذْف الْبَاء، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق إِسْحَاق بن عِيسَى بن الطباع عَن أَفْلح.
قَوْله: ( فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: من لم يكن مَعَه هدي) ظَاهره أَنه أَمر لأَصْحَابه بِفَسْخ الْحَج إِلَى الْعمرَة.
فَإِن قلت: قَوْله هَذَا كَانَ بسرف، وَفِي غير هَذِه الرِّوَايَة أَن قَوْله لَهُم ذَلِك كَانَ بعد دُخُوله مَكَّة؟ قلت: يحْتَمل التَّعَدُّد.
قَوْله: ( وَرِجَال) ، بِالْجَرِّ عطف على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( ذَوي قُوَّة) ، صفة لقَوْله: ( أَصْحَابه) .
قَوْله: ( الْهَدْي) مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم: كَانَ.
قَوْله: ( وَأَنا أبْكِي) ، جملَة حَالية.
قَوْله: ( فمنعت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( الْعمرَة) ، مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَي: من الْعمرَة.
قَوْله: ( لَا أُصَلِّي) ، كِنَايَة عَن الْحيض، وَهِي من ألطف الْكِنَايَات.
قَوْله: ( كتب عَلَيْك) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: ( كتب الله عَلَيْك) .
وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( فكوني فِي حجتك) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: ( فِي حجك) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( فَعَسَى الله) ، ويروى ( عَسى الله) ، بِدُونِ الْفَاء.
قَوْله: ( فنزلنا) المحصب وَهُوَ الأبطح، وَفِيه اخْتِصَار أظهرته رِوَايَة مُسلم بِلَفْظ: ( حَتَّى نزلنَا منى فتطهرت ثمَّ طفت بِالْبَيْتِ فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحصب) .
قَوْله: ( فَدَعَا عبد الرَّحْمَن) ، هُوَ ابْن أبي بكر أَخُو عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر.
قَوْله: ( اخْرُج بأختك إِلَى الْحرم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( من الْحرم) وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( فأتينا فِي جَوف اللَّيْل) ، ويروى: ( فَجِئْنَا من جَوف اللَّيْل) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( من آخر اللَّيْل) .
قَوْله: ( وَمن طَاف بِالْبَيْتِ) ، هَذَا من عطف الْخَاص على الْعَام، لِأَن النَّاس أَعم من الطائفين، قيل: يحْتَمل أَن يكون: من طَاف صفة النَّاس، وتوسط العاطف بَينهمَا، وَهَذَا جَائِز.
وَنقل عَن سِيبَوَيْهٍ أَنه أجَاز: مَرَرْت بزيد وَصَاحِبك، إِذا أُرِيد بالصاحب زيد الْمَذْكُور، فَوَقع الْوَاو بَين الصّفة والموصوف، وَقيل: الظَّاهِر أَن فِيهِ تحريفا، وَالصَّوَاب فارتحل النَّاس ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ، أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل صَلَاة الصُّبْح، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن أَفْلح، بِلَفْظ: ( فَأذن فِي أَصْحَابه بالرحيل، فارتحل فَمر بِالْبَيْتِ قبل صَلَاة الصُّبْح، فَطَافَ بِهِ حَتَّى خرج ثمَّ انْصَرف مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( فَأذن فِي أَصْحَابه بالرحيل، فَخرج فَمر بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قبل صَلَاة الصُّبْح ثمَّ خرج إِلَى الْمَدِينَة) ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي: بابُُ: { الْحَج أشهر مَعْلُومَات} ( الْبَقَرَة: 791) .
بِلَفْظ: ( فارتحل النَّاس مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة) .
قَوْله: ( مُتَوَجها) من التَّوَجُّه من بابُُ التفعل، هَذِه رِوَايَة ابْن عَسَاكِر، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( موجها) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَتَشْديد الْجِيم: من التَّوْجِيه، وَهُوَ الِاسْتِقْبَال تِلْقَاء وَجه.
فَافْهَم، وَالله تَعَالَى أعلم.