فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج

( بابٌُ يَفْعَلُ فِي العُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الحَجِّ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ أَنه يفعل فِي الْعمرَة من التروك مَا يفعل فِي الْحَج، أَو مَا يفعل فِي الْعمرَة بعض مَا يفعل فِي الْحَج لَا كلهَا، وَيفْعل، فِي الْمَوْضِعَيْنِ يجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَأَن يكون على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذَا بِكَلِمَة: فِي الْعمرَة، وَفِي الْحَج، رِوَايَة المستميلي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا، يفعل بِالْعُمْرَةِ مَا يفعل بِالْحَجِّ.



[ قــ :1710 ... غــ :1789 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا عَطاءٌ قَالَ حدَّثني صَفْوَانُ بنُ يَعْلَى ابنِ أميَّةَ يَعْنِي عَنْ أبِيهِ أنَّ رجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ بالجِعْرَانَةِ وعَلَيهِ جُبَّةٌ وعلَيْهِ أثَرُ الخَلُوقِ أوْ قَالَ صُفْرَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أنْ أصْنَعَ فِي عُمرَتِي فأنْزَلَ الله علَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أنِّي قَدْ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ أُنْزِلَ علَيْهِ الوَحْيُ فَقَالَ عُمَرُ تَعالَ أيَسُرُّكَ أنْ تَنْظُرَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ أنْزَلَ الله علَيْهِ الوَحْيَ.

قُلْتُ نَعَمْ فرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فنَظَرْتُ إلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ وأحْسِبُهُ قالَ كَغَطِيطِ البَكْرِ فلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قالَ أيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ اخْلَعْ عنْكَ الجُبَّةَ واغْسِلْ أثَرَ الْخُلُوقِ عَنْكَ وأنْقَ الصُّفُرَةَ واصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( واصنع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) .
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بابُُ غسل الخلوق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلى إِلَى آخِره، وَأخرجه هَهُنَا: عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن همام بن يحيى الْبَصْرِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح.
.
إِلَى آخِره.

قَوْله: ( الخلوق) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام المضمومة وبالقاف ضرب من الطّيب.
قَوْله: صفرَة، بِالْجَرِّ عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو الْمُضَاف.
قَوْله: ( فَأنْزل الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
على مَا روى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) : أَن الْمنزل حِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
وَجه الدّلَالَة على ذَلِك هُوَ أَن الله تَعَالَى أَمر بالإتمام، وَهُوَ يتَنَاوَل الهيئات وَالصِّفَات.
قَوْله: ( أَيَسُرُّك؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَضم السِّين.
قَوْله: ( وَقد أنزل الله) ، فِي مَوضِع الْحَال.
قَوْله: ( لَهُ غطيط) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ: النخير وَالصَّوْت الَّذِي فِيهِ البحوحة.
قَوْله: ( وَأَحْسبهُ) أَي: وَأَظنهُ.
قَوْله: ( الْبكر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ: الفتي من الْإِبِل، والبكرة الفتاة، والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة، وَالْبَعِير كالأنسان، والناقة كَالْمَرْأَةِ.
قَوْله: ( فَلَمَّا سُرِّي) بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة والمخففة أَي: كشف، وانسرى: أَي: انْكَشَفَ.
قَوْله: ( وأنقِ) أَمر من الأنقاء، وَهُوَ التَّطْهِير.
وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( واتَّقِ) من الاتقاء، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْمُشَدّدَة، وَهُوَ الحذر.
ويروى: ( ألقِ) ، من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي.
قَوْله: ( واصنع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) أَي: كصنعك فِي حجك من اجْتِنَاب الْمُحرمَات وَمن أَعمال الْحَج إلاَّ الْوُقُوف، فَلَا وقُوف فِيهَا وَلَا رمي، وأركانها أَرْبَعَة: الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق أَو التَّقْصِير.





[ قــ :1711 ... غــ :1790 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ أنَّهُ قَالَ.

قُلْتُ لِ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أرَأيْتِ قَوْلَ الله تبارَكَ وتَعَالى إنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَلاَ أُرَى عَلَى أحَدٍ شَيْئا أنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقالَتْ عائِشَةُ كَلاَّ لَوْ كانَتْ كَما تَقُولُ كانَتْ فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأنْصَارِ كانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وكَانَتْ مَناةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وكانُوا يَتَحَرَّجُونَ أنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الإسْلامُ سَألُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ فأنْزَلَ الله تَعالى إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أَنه يصنع فِي حجه من السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ وجوب الصَّفَا والمروة، بأطول مِنْهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة ... إِلَى آخِره، وَقد مرت مباحثه هُنَاكَ مستوفاة.
قَوْله: (وَأَنا يَوْمئِذٍ حَدِيث السن) يُرِيد لم يكن لَهُ بعد فِقْهٌ وَلَا علم من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يتَأَوَّل بِهِ نَص الْكتاب وَالسّنة.
قَوْله: (كلاًّ) هِيَ كلمة ردع، أَي: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك.
قَوْله: (كَمَا تَقول) أَي: عدم وجوب السَّعْي.
قَوْله: (مَنَاة) ، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف النُّون: اسْم صنم.
قَوْله: (حَذْو قديد) ، أَي: محاذيه، و: قديد، بِضَم الْقَاف: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
قَوْله: (يتحرجون) ، يَعْنِي: يحترزون من الْإِثْم الَّذِي فِي الطّواف باعتقادهم، أَو يحترزونه لأجل الطّواف، أَو مَعْنَاهُ: يتكلفون الْحَرج فِي الطّواف ويرونه فِيهِ.

زَادَ سُفْيَانُ وَأبُو مُعَاوِيَةَ عنْ هِشَامٍ مَا أتَمَّ الله حَجَّ امْرِىءٍ ولاَ عُمْرَتَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ
أَي: زَاد سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي: الضَّرِير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: (مَا أتم الله حج امرىء.
.
) إِلَى آخِره.
أما رِوَايَة سُفْيَان فوصلها الطَّبَرِيّ من طَرِيق وَكِيع عَنهُ عَن هِشَام، فَذكر الْوُقُوف فَقَط.
وَأما رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فوصلها مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة، قَالَ: قلت لَهَا: إِنِّي لأَظُن رجلا لم يطف بَين الصَّفَا والمروة، مَا ضره؟ قَالَت: لِمَ قلت؟ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: { إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: 891) .
إِلَى آخر الْآيَة، قَالَت: (مَا أتم الله حج امرىء وَلَا عمرته لم يطف بَين الصَّفَا والمروة) الحَدِيث بِطُولِهِ.