فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: متى يحل المعتمر

( بابٌُ مَتَى يَحِلُّ المُعْتَمِرُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ مَتى يخرج الْمُعْتَمِر من إِحْرَامه، وَقد أبهم الحكم لِأَن فِي حل الْمُعْتَمِر من عمرته خلافًا، فمذهب ابْن عَبَّاس أَنه يحل بِالطّوافِ، وَإِلَيْهِ ذهب إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَعند الْبَعْض: إِذْ دخل الْمُعْتَمِر الْحرم حل وَإِن لم يطف وَلم يسع، وَله أَن يفعل كل مَا حرم على الْمحرم، وَيكون الطّواف وَالسَّعْي فِي حَقه كالرمي وَالْمَبِيت فِي حق الْحَاج، وَهَذَا مَذْهَب شَاذ.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: لَا أعلم خلافًا بَين أَئِمَّة الْفَتْوَى: أَن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف وَيسْعَى.

وَقَالَ عَطاءٌ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْحَابَهُ أنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً ويَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا ويحِلُّوا

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه فهم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف وَيقصر) .
فَإِن قلت: لم يذكر السَّعْي هُنَا؟ قلت: مُرَاده من قَوْله ( ويطوفوا) أَي: بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة لِأَن جَابر أَجْزم بِأَن الْمُعْتَمِر لَا يحل لَهُ أَن يخرج امْرَأَته حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة، فَعلم من هَذَا أَن المُرَاد من الطّواف فِي قَوْله: ( ويطوفوا) أَعم من الطّواف بِالْبَيْتِ وَمن الطّواف بَين الصَّفَا والمروة، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي: بابُُ عمْرَة التَّنْعِيم.



[ قــ :1712 ... غــ :1791 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ جَريرٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي أوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واعْتَمَرْنَا مَعَهُ فلَمَّا دخَلَ مَكَّةَ وطُفْنَا مَعَهُ وأتَى الصَّفَا والمَرْوَةَ وأتيْنَاها معَهُ وكُنَّا نَسْتُرُهُ من أهلِ مكَّةَ أنْ يَرْمِيَهُ أحَدٌ فَقَالَ لَهُ صاحِبٌ لِي أكانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَا.
قالَ فحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيحَةَ قَالَ بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنَ الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ولاَ نَصَبَ.

( الحَدِيث 2971 طرفه فِي: 9183) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله أَرْبَعَة الأول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه.
الثَّانِي: جرير بن عبد الحميد.
الثَّالِث: إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير، مَاتَ سنة أَربع أَو خمس أَو سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: عبد الله بن أبي أوفى، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة، مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ أحد من روى عَنهُ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول الْمُنكر المتعصب.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن مُسَدّد، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير، وَعَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَعَن تَمِيم بن الْمُنْتَصر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن ابْن نمير.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عَن جرير) ،.

     وَقَالَ  ابْن رَاهَوَيْه فِي ( مُسْنده) : أخبرنَا جرير.
قَوْله: ( اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: عمْرَة الْقَضَاء.
قَوْله: ( وأتيناها) ، ويروى: ( وأتيناهما) أَي: الصَّفَا والمروة، وَهَذَا هُوَ الأَصْل، وَوجه إِفْرَاد الضَّمِير على تَقْدِير: أَتَيْنَا بقْعَة الصَّفَا والمروة.
قَوْله: ( وأتى الصَّفَا والمروة) أَي: سعى بَينهمَا.
قَوْله: ( أَن يرميه أحد) أَي: مَخَافَة أَن يرميه أحد من الْمُشْركين.
قَوْله: ( قَالَ لَهُ صَاحب لي) أَي: قَالَ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور لعبد الله بن أبي أوفى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( أَكَانَ) أَي: أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( دخل الْكَعْبَة؟ قَالَ: لَا) أَي: لم يدْخل الْكَعْبَة فِي تِلْكَ الْعمرَة، وَلَيْسَ المُرَاد نفي دُخُوله مُطلقًا، لِأَنَّهُ ثَبت دُخُوله فِي غير هَذَا الْحَالة.
قَوْله: ( فحدثنا) بِلَفْظ الْأَمر.
قَوْله: ( لِخَدِيجَة) هِيَ: بنت خويلد زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( بِبَيْت) قَالَ الْخطابِيّ: أَي بقصر.
قَوْله: ( من الْجنَّة) ، ويروى: ( فِي الْجنَّة) .
بِكَلِمَة: فِي.
قَوْله: ( لَا صخب) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الصياح ( وَالنّصب) بالنُّون التَّعَب، وَمعنى نفي الصخب وَالنّصب أَنه مَا من بَيت فِي الدُّنْيَا يجْتَمع فِيهِ أَهله إلاَّ كَانَ بَينهم صخب وجلبة، وإلاَّ كَانَ فِي بنائِهِ وإصلاحه نصب وتعب، فَأخْبر أَن قُصُور أهل الْجنَّة بِخِلَاف ذَلِك لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْآفَات الَّتِي تعتري أهل الدُّنْيَا.

وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن الْعمرَة لَا بُد فِيهَا من الطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة.
وَفِيه: بَيَان فَضِيلَة خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.




[ قــ :1714 ... غــ :1793 ]
- ( حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَأَلنَا ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رجل طَاف بِالْبَيْتِ فِي عمْرَة وَلم يطف بَين الصَّفَا والمروة أَيَأتِي امْرَأَته فَقَالَ قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة سبعا وَقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة قَالَ وَسَأَلنَا جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يقربنها حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة سبعا بَعْدَمَا طَاف بِالْبَيْتِ سبعا كَمَا يخبر بِهِ حَدِيث ابْن عمر وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي بابُُ قَول الله عز وَجل { وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد وبعين هَذَا الْمَتْن من غير زِيَادَة وَهَذَا نَادِر جدا والْحميدِي بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم هُوَ عبد الله بن الزبير نِسْبَة إِلَى أحد أجداده حميد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ قَوْله " فِي عمْرَة " وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " فِي عمرته " قَوْله " أَيَأتِي امْرَأَته " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار أَي يُجَامِعهَا قَوْله " لَا يقربنها " أَي لَا يباشرنها بَينهمَا وَهُوَ بنُون التَّأْكِيد وَالْمرَاد نهي الْمُبَاشرَة بِالْجِمَاعِ ومقدماته لَا مُجَرّد الْقرب مِنْهَا قَوْله " فَطَافَ بَين الصَّفَا والمروة " أَي سعى بَينهمَا وَإِطْلَاق الطّواف على السَّعْي إِنَّمَا هُوَ للمشاكلة وَيجوز أَن يكون لكَونه نوعا من الطّواف قَوْله " إسوة " بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا قَوْله " قَالَ وَسَأَلنَا جَابِرا " الْقَائِل هُوَ عَمْرو بن دِينَار.
وَفِيه وجوب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ بعد الطّواف خلق الْمقَام



[ قــ :1715 ... غــ :1795 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شعبَةُ عنْ قَيسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ عنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمْتُ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْبَطْحَاءِ وهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ أحَجَجْتَ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِما أهْلَلْتَ.

قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإهْلاَلٍ كَإهْلاَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ ثُمَّ أحلَّ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وبالصَّفَا والمَرْوَةِ ثُمَّ أتَيْتُ امْرَأةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأسِي ثُمَّ أهْلَلْتُ بالحَجِّ فكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ فَقَالَ إنْ أخَذْنَا بِكِتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا بالتَّمَامِ وإنْ أخذْنَا بِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنَّهُ لَمُ يحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ أحل) فَإِنَّهُ يخبر أَن الْمُعْتَمِر يحل بعد الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن أبي مُوسَى، وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.

قَوْله: ( منيخ) أَي: رَاحِلَته، وَهُوَ كِنَايَة عَن النُّزُول بهَا.
قَوْله: ( أحججت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام أَي: هَل أَحرمت بِالْحَجِّ أَو نَوَيْت الْحَج؟ قَوْله: ( ففلت رَأْسِي) أَي: ففتشت رَأْسِي واستخرجت مِنْهُ الْقمل، وَهُوَ على وزن: رمت، وَأَصله، فليت، قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ: فَلت، على وزن: فعت، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ لَام الْفِعْل، وَذَلِكَ كَمَا فعل فِي رمت وَنَحْوه من معتل اللَّام.
قَوْله: ( يَأْمُرنَا بالتمام) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( يَأْمر) .
قَوْله: ( حَتَّى يبلغ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( حَتَّى بلغ) ، بِلَفْظ الْمَاضِي.

وَاحْتج الطَّبَرِيّ بِهَذَا الحَدِيث على أَن من زعم أَن الْمُعْتَمِر يحل من عمرته إِذا أكمل عمرته ثمَّ جَامع قبل أَن يحلق أَنه مُفسد لعمرته، فَقَالَ: أَلا ترى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي مُوسَى: ( طف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة ثمَّ أحل) .
وَلم يقل: طف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وَقصر من شعرك أَو إحلق ثمَّ أحل، فَتبين بذلك أَن الْحلق وَالتَّقْصِير ليسَا من النّسك، وَإِنَّمَا هما من مَعَاني الْإِحْلَال، كَمَا أَن لبس الثِّيَاب وَالطّيب بعد طواف الْمُعْتَمِر بِالْبَيْتِ وسعيه من مَعَاني إحلاله، فَتبين فَسَاد قَول من زعم أَن الْمُعْتَمِر إِذا جَامع قبل الْحلق بعد طَوَافه وسعيه أَنه مُفسد عمرته، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَلَا أحفظ ذَلِك عَن غَيره.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالثَّوْري والكوفيون: عَلَيْهِ الْهَدْي،.

     وَقَالَ  عَطاء: يسْتَغْفر الله وَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَفِي حَدِيث أبي مُوسَى بَيَان فَسَاد من قَالَ: إِن الْمُعْتَمِر إِن خرج من الْحرم قبل أَن يقصر أَن عَلَيْهِ دَمًا، وَإِن كَانَ طَاف وسعى قبل خُرُوجه مِنْهُ.
وَفِيه: أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أذن لأبي مُوسَى بالإحلال من عمرته بعد الطّواف وَالسَّعْي، فَبَان بذلك أَن من حل مِنْهَا قبل ذَلِك فقد أَخطَأ وَخَالف السّنة.
واتضح بِهِ فَسَاد قَول من زعم أَن الْمُعْتَمِر إِذا دخل الْحرم فقد حل، وَله أَن يلبس ويتطيب وَيعْمل مَا يعمله الْحَلَال.
وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَالْحسن، وَاخْتلف الْعلمَاء إِذا وطىء الْمُعْتَمِر بعد طَوَافه وَقبل سَعْيه، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهِ الْهَدْي وَعمرَة أُخْرَى مَكَانهَا، وَيتم عمرته الَّتِي أفسدها.
قَالَ صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَوَافَقَهُمْ أَبُو حنيفَة إِذا جَامع بعد أَرْبَعَة أَشْوَاط بِالْبَيْتِ، أَنه يقْضِي مَا بَقِي من عمرته وَعَلِيهِ دم، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهَذَا الحكم لَا دَلِيل عَلَيْهِ إلاَّ الدَّعْوَى قلت.





[ قــ :1716 ... غــ :1796 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عِيسَى قَالَ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرنَا عَمْرٌ وعنْ أبِي الأسْوَدِ أنَّ عَبْدَ الله مَوْلَى أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ قَالَ حدَّثَهُ أنَّهُ كانَ يَسْمَعُ أسْمَاءَ تَقُولُ كلَّمَا مَرَّتْ بالحَجُونِ صَلَّى الله على مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا معَهُ هاهُنا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنا قَلِيلَةٌ أزْوَادُنا فاعْتَمَرْتُ أَنا وأُخْتِي عائشَةُ والزُّبَيرُ وفُلانٌ وفُلاَنٌ فلَمَّا مَسَحْنا الْبَيْتَ أحْلَلْنَا ثُمَّ أهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بالحَجِّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت أَحللنَا) ، لِأَن مَعْنَاهُ: لما طفنا بِالْبَيْتِ أَحللنَا أَي: صرنا حَلَالا.
وَالطّواف ملزوم للمسح عرفا.
فَإِن قلت: الْمُعْتَمِر إِنَّمَا يحل بعد الطّواف وَبعد السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَالْحلق أَيْضا، فَكيف يكون هَذَا؟ قلت: حذف ذَلِك مِنْهُ للْعلم بِهِ كَمَا يُقَال: لما زنى فلَان رجم، وَالتَّقْدِير لما أحصن وزني رجم.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَحْمد بن عِيسَى، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة: أَحْمد بن عِيسَى مَنْسُوبا وَهُوَ أَحْمد بن عِيسَى بن حسان أَبُو عبد الله التسترِي، مصري الأَصْل.
كَانَ يتجر إِلَى تستر، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  ابْن قَانِع: مَاتَ بسر من رأى، تكلم فِيهِ يحيى بن معِين، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنَا أَحْمد غير مَنْسُوب يحدث عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، كَذَا من غير نِسْبَة، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: إِنَّه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي عبد الله بن وهب،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: إِنَّه أَحْمد ابْن صَالح أَو أَحْمد بن عِيسَى،.

     وَقَالَ  أَبُو أَحْمد الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي، أَحْمد بن وهب هُوَ ابْن أخي ابْن وهب،.

     وَقَالَ  أَبُو عبد الله ابْن مَنْدَه: كل مَا قَالَ البُخَارِيّ فِي الْجَامِع حَدثنَا أَحْمد عَن ابْن وهب هُوَ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ، وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي ( الصَّحِيح) شَيْئا وَإِذا حدث عَن أَحْمد بن عِيسَى نسبه، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح.
وَقد أخرجه مُسلم عَن أَحْمد بن عِيسَى عَن ابْن وهب.
الثَّانِي: عبد الله بن وهب.
الثَّالِث: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الْحَارِث.
الرَّابِع: أَبُو الْأسود هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَشْهُور بيتيم عُرْوَة بن الزبير.
الْخَامِس: عبد الله بن كيسَان أَبُو عَمْرو، مولى أَسمَاء بنت أبي بكر.
السَّادِس: أَسمَاء بنت أبي بكر.

السَّادِس أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن رجال هَذَا الْإِسْنَاد نصفهم مصريون ونصفهم مدنيون.
وَفِيه: أَن عبد الله الْمَذْكُور لَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ غير حديثين: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر مضى فِي: بابُُ من قدم ضعفة أَهله فَافْهَم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَأحمد بن عِيسَى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بالحجون) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الْجِيم المخففة وَفِي آخِره نون، قَالَ الْبكْرِيّ: الْحجُون على وزن: فعول، مَوضِع بِمَكَّة عِنْد المحصب، وَهُوَ الْجَبَل المشرف بحذاء الْمَسْجِد الَّذِي على شعب الجزارين إِلَى مَا بَين الحوضين اللَّذين فِي حَائِط عَوْف وعَلى الْحجُون سَقِيفَة زِيَاد بن عبد الله أحد بني الْحَارِث بن كَعْب، وَكَانَ على مَكَّة.
وَيُقَال: الْحجُون مَقْبرَة أهل مَكَّة تجاه دَار أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ على ميل وَنصف من مَكَّة، وَأغْرب السُّهيْلي فَقَالَ: الْحجُون على فَرسَخ وَثلث من مَكَّة، وَهُوَ غلط ظَاهر، وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ، وَعند الْمقْبرَة الْمَعْرُوفَة بالمعلاة على يسَار الدَّاخِل إِلَى مَكَّة وَيَمِين الْخَارِج مِنْهَا.
وروى الْوَاقِدِيّ عَن إشياخه: أَن قصي بن كلاب لما مَاتَ دفن بالحجون فتدافن النَّاس بعده بِهِ.
قَوْله: ( صلى الله على مُحَمَّد) ، مقول قَوْله: ( تَقول كلما مرت) وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( كلما مرت بالحجون تَقول: صلى الله تَعَالَى على رَسُوله وَسلم) .
قَوْله: ( خفاف) ، بِكَسْر الْخَاء جمع خَفِيف، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة: ( خفاف الحقائب) ، وَهُوَ جمع حقيبة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالقاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهِي مَا احتقبه الرَّاكِب خَلفه من حوائحه فِي مَوضِع الرديف.
قَوْله: ( قَلِيل طهرنا) أَي: مراكبنا.
قَوْله: ( فاعتمرت أَنا وأختي) أَي: بعد أَن فسخوا الْحَج إِلَى الْعمرَة.
قَوْله: ( وَالزُّبَيْر) أَي: الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث صَفِيَّة بنت شيبَة ( عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، قَالَت: خرجنَا محرمين، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ مَعَه هدي فَليقمْ على إِحْرَامه، وَمن لم يكن مَعَه هدي فليحلل، فَلم يكن معي هدي فحللت، وَكَانَ مَعَ الزبير هدي فَلم يحل) الحَدِيث.
فَهَذَا يُخَالف رِوَايَة عبد الله مولى أَسمَاء، لِأَنَّهُ ذكر الزبير مَعَ من أحل.
قلت: أجَاب النَّوَوِيّ بِأَن إِحْرَام الزبير بِالْعُمْرَةِ وتحلله مِنْهَا كَانَ فِي غير حجَّة الْوَدَاع، واستبعده بَعضهم،.

     وَقَالَ : الْمُرَجح عِنْد البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الله مولى أَسمَاء، فَلذَلِك اقْتصر على إخْرَاجهَا دون رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة.
قلت: هَذَا مُسلم قد أخرج كليهمَا مَعَ مَا فيهمَا من الِاخْتِلَاف، وَلَا وَجه فِي الْجمع بَينهمَا إلاَّ بِمَا قَالَه النَّوَوِيّ.
فَإِن قلت: فِيهِ إِشْكَال آخر، وَهُوَ أَن أَسمَاء ذكرت عَائِشَة فِيمَن طَاف، وَالْحَال أَنَّهَا كَانَت حِينَئِذٍ حَائِضًا.
قلت: قيل: يحْتَمل أَنَّهَا أشارت إِلَى عمْرَة عَائِشَة الَّتِي فعلتها بعد الْحَج مَعَ أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن من التَّنْعِيم.
قَالَ القَاضِي: هَذَا خطأ، لِأَن فِي الحَدِيث التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع، قيل: لَا وَجه فِي ذَلِك إلاَّ أَن يُقَال: إِنَّمَا لم تستثن أَسمَاء عَائِشَة لشهرة قصَّتهَا، وَفِيه بُعد أَيْضا، نعم إِنَّمَا هَذَا يَتَأَتَّى إِذا قُلْنَا: كَانَت عَائِشَة طَاهِرَة حِين ذكرت أَسمَاء إِيَّاهَا وعطفتها على نَفسهَا فِي قَوْلهَا: ( اعْتَمَرت أَنا وأختي عَائِشَة، ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الْحيض) ، ثمَّ إِنَّهَا لم تستثنها فِي قَوْلهَا: ( فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت) ، لشهرتها أَنَّهَا كَانَت حَائِضًا فِي ذَلِك الْوَقْت، أَو نسيت أَن تستثنيها، فَافْهَم.
قَوْله: ( وَفُلَان وَفُلَان) ، كَأَنَّهَا سمَّت جمَاعَة عرفتهم مِمَّن لم يسق الْهَدْي، وَلم توقف على تعيينهم.
قَوْله: ( فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت،) أَي: طفنا بِالْبَيْتِ، وَقد ذكرنَا أَن من لَازم الطّواف الْمسْح عَادَة، فَيكون من قبيل ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَقد ذكرنَا وَجه طي ذكر السَّعْي عَن قريب.
فَإِن قلت: لَمْ تَذكر أَسمَاء الْحلق مَعَ أَنه نسك؟ قلت: لَا يلْزم من عدم ذكرهَا إِيَّاه ترك فعله، فَإِن الْقِصَّة وَاحِدَة، وَقد ثَبت الْأَمر بالتقصير فِي عدَّة أَحَادِيث.
.
وَالله أعلم.