فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا، ففطن الحلال

(بابٌُ إذَا رأى المُحْرِمُون صَيْدا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الحَلاَلُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا رأى الْقَوْم المحرمون صيدا وَفِيهِمْ رجل حَلَال، فَضَحِك المحرمون تَعَجبا من عرُوض الصَّيْد مَعَ عدم التَّعَرُّض لَهُ مَعَ قدرتهم على صَيْده، وفطن الْحَلَال الَّذِي فيهم بذلك، أَي فهم، من: فطنت للشَّيْء، بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا: فطنة وفطانة وفطانية، قَالَ الْجَوْهَرِي: كالفهم، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يكون ضحكهم إِشَارَة مِنْهُم إِلَى الْحَلَال بالصيد حَتَّى إِذا اصطاد ذَاك الْحَلَال الصَّيْد الَّذِي رَآهُ المحرمون الَّذين ضحكوا لَا يلْزمهُم شَيْء.



[ قــ :1740 ... غــ :1822 ]
- حدَّثنا سعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الْمُبَارَكِ عنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي قَتَادَةَ أنَّ أبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الحُدَيْبِيَةِ فأحْرَمَ أصْحَابُهِ ولَمْ أُحْرِمُ فأُنْبِئْنَا بَعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فبَصُرَ أصْحَابِي بِحِمَارَ وحْشٍ فجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلَى بَعْضٍ فنَظَرْتُ فَرَأيْتُهُ فحَمَلْتُ عَلَيْهِ الفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فأثْبَتُّهُ فاسْتَعَنْتُهُمْ فأبَوْا أنْ يُعِينُونِي فأكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخَشِينَا أنْ نُقْتَطَعَ أرْفَعُ فَرَسِي شأوا وأسِيرُ عَلَيْهِ شَأوا فَلَقِيتُ رجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فقُلْتُ أيْنَ تَرَكْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تركْتُهُ بِتَعْهُنَ وهُوَ قائِلٌ السُّقْيَا فلَحُقْتُ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسولَ الله إنَّ أصْحَابَكَ أرْسَلُوا يَقْرَؤُونَ عَلَيْكَ السَّلامَ ورَحْمَةَ الله وبَرَكاتِهِ وإنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وإنَّ عِنْدَنا مِنْهُ فاضِلةً فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِصْحَابِهِ كُلُوا وهُمْ مُحْرِمُونَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَبَصر أَصْحَابِي بِحِمَار وَحش، فَجعل بَعضهم يضْحك، فَنَظَرت) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سعيد بن الرّبيع ضد الخريف أَبُو زيد الْهَرَوِيّ، كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فنسب إِلَيْهَا، مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي، وَقد مر فِي: بابُُ الْجُمُعَة.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير.
الرَّابِع: عبد الله بن أبي قَتَادَة.
الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي، وَقد مر عَن قريب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان، وروى مُسلم عَن شَيْخه بِوَاسِطَة وَيحيى طائي ويمامي.

وَقد ذكرنَا فِي الْبابُُ السَّابِق تعدد مَوْضِعه، وَمن أخرجه غَيره، وَقد ذكر البُخَارِيّ أَحَادِيث أبي قَتَادَة هَهُنَا فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب متناسقة.
الأول: بابُُ إِذا صَاد الْحَلَال.
الثَّانِي: بابُُ إِذا رأى المحرمون صيدا.
الثَّالِث: بابُُ لَا يعين الْمحرم الْحَلَال.
الرَّابِع: لَا يُشِير الْمحرم إِلَى الصَّيْد، وَقد رويت أَحَادِيث أبي قَتَادَة بأسانيد مُخْتَلفَة وألفاظ متباينة.

قَوْله: (وَلم أحرم) أَي: لم أحرم أَنا.
قَوْله: (فأنبئنا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أخبرنَا.
قَوْله: (بغيقة) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفتح الْقَاف: مَوضِع من بِلَاد بني غفار بَين الْحَرَمَيْنِ، قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ مَوضِع فِي رسم رضوى لبني غفار بن مليل بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَهُوَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
قَوْله: (فَبَصر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَضم الصَّاد.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَنظر) ، بنُون وظاء مشالة.
فَإِن قلت: فعلى هَذِه الرِّوَايَة دُخُول الْبَاء فِي) بِحِمَار، مُشكل؟ قلت: يُمكن أَن يكون نظر حِينَئِذٍ بِمَعْنى: بصر، أَو تكون الْبَاء بِمَعْنى إِلَى لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض.
قَوْله: (فأثبته) من الْإِثْبَات، أَي: أحكمت الطعْن فِيهِ.
قَوْله: (فاستعنتهم) ، من الِاسْتِعَانَة، وَهُوَ طلب العون.
وَهُوَ طلب العون.
قَوْله: (فانظرهم) ، بِمَعْنى انتظرهم، يُقَال: نظرت أَي: انتظرت.
قَوْله: (قد خَشوا) أَصله خشيوا.
كرضوا، أَصله: رضيوا، استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد سلب حُرْمَة مَا قبلهَا، فَالتقى ساكنان فحذفت الْيَاء لِأَن الْوَاو ضمير الْجمع.
قَوْله: (إِنَّا اصَّدنا) بوصل الْألف وَتَشْديد الصَّاد، وَأَصله: اصتدنا، من بابُُ الافتعال، فقلبت التَّاء صادا وادغمت الصَّاد فِي الصَّاد، وَأَخْطَأ من قَالَ: أَصله اصطدنا فأبدلت الطَّاء مثناة ثمَّ ادغمت.
ويروى: (اصدنا) .
بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الصَّاد، يُقَال: أصدت الصَّيْد مخففا أَي: آثَرته، والإصادة إثارة الصَّيْد، وَأَخْطَأ أَيْضا من قَالَ: من الإصاد، ويروى: (اصطدنا) من الِاصْطِيَاد، ويروى: (صدنَا) ، من صَاد يصيد، وَتَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ قد مر فِيمَا قبله.

وَفِيه: اسْتِحْبابُُ إرْسَال السَّلَام إِلَى الْغَائِب، قَالَت جمَاعَة: تجب على الرَّسُول تبليغه، وعَلى الْمُرْسل إِلَيْهِ الرَّد بِالْجَوَابِ.