فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد

( بابٌُ لاَ يُعِينُ الْمُحْرِمُ الحَلاَلَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ لَا يعين الْمحرم الْحَلَال بقول أَو فعل فِي قتل الصَّيْد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: قيل: أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على من فرق من أهل الرَّأْي بَين الْإِعَانَة الَّتِي لَا يتم الصَّيْد إلاَّ بهَا فَيحرم، وَبَين الْإِعَانَة الَّتِي يتم الصَّيْد بِدُونِهَا فَلَا يحرم.
قلت: لَا وَجه لهَذَا الْكَلَام، لِأَن التَّرْجَمَة تَشْمَل كلا الْوَجْهَيْنِ.



[ قــ :1741 ... غــ :1823 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ محَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ عنْ أبِي مُحَمَّدٍ نافِعٍ موْلَى أبي قَتادَةَ سَمِعَ أبَا قَتادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْقَاحَةِ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى ثَلاثٍ ح وحدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ عنْ أبِي مُحَمَّدٍ عنْ أبِي قَتادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْقاحَةِ ومِنَّا الْمُحْرِمُ ومِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِم فَرَأيْتُ أصْحَابِي يَتَراءَوْنَ شَيْئا فَنَظَرْتُ فإذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وقَعَ سَوطُهُ فقالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشيءٍ إنَّا مُحْرِمُونَ فتَنَاوَلْتُهُ فأخَذْتُهُ ثُمَّ أتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فأتَيْتُ بِهِ لأصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لاَ تَأكُلُوا فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ أمامَنَا فسَألْتُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلالٌ قَالَ لَنا عَمْرٌ واذْهَبُوا إلَى صَالِحٍ فسَلُوهُ عنْ هَذَا وغَيْرِهِ وقَدِمَ علَيْنَا هَهُنَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَقَالُوا: لَا نعينك عَلَيْهِ بِشَيْء) .
فَأخْرج هَذَا بطريقين أَحدهمَا: عَن عبد الله بن مُحَمَّد أبي جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن صَالح بن كيسَان مؤدب ولد عمر بن عبد الْعَزِيز عَن أبي مُحَمَّد نَافِع مولى أبي قَتَادَة الْمدنِي، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن صَالح سَمِعت أَبَا مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق سعد ابْن إِبْرَاهِيم: سَمِعت رجلا كَانَ يُقَال لَهُ مولى أبي قَتَادَة، وَلم يكن مولى لأبي قَتَادَة، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن عبد الله ابْن أبي سَلمَة أَن نَافِعًا مولى بني غفار، فَظهر من ذَلِك أَنه لم يكن مولى أبي قَتَادَة حَقِيقَة، وَقد صرح بذلك ابْن حبَان، فَقَالَ: هُوَ مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وَكَانَ يُقَال لَهُ: مولى أبي قَتَادَة نسب إِلَيْهِ وَلم يكن مَوْلَاهُ.
قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يكون وَجه ذَلِك أَنه قيل: مولى أبي قَتَادَة لِكَثْرَة لُزُومه إِيَّاه وقيامه بِقَضَاء مَا يهمه من بابُُ الْخدمَة، كَأَنَّهُ صَار مَوْلَاهُ، فَتكون نسبته بِهَذَا الْوَجْه على سَبِيل الْمجَاز.
وَقد وَقع مثل ذَلِك كثيرا، فَمِنْهُ مَا وَقع لقاسم مولى ابْن عَبَّاس.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَكَذَا حول المُصَنّف الْإِسْنَاد إِلَى رِوَايَة عَليّ للتصريح فِيهِ عَن سُفْيَان بقوله: حَدثنَا صَالح بن كيسَان.
قلت: فِي كثير من النّسخ: حَدثنَا صَالح، فِي الطَّرِيقَيْنِ فَلَا يحْتَاج إِلَى مَا قَالَه.

قَوْله: ( بالقاحة) ، بقاف وحاء مُهْملَة خَفِيفَة: على ثَلَاثَة مراحل من الْمَدِينَة قبل السقيا بِنَحْوِ ميل: قَالَ عِيَاض: كَذَا قَيده النَّاس كلهم، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن البُخَارِيّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب بِالْقَافِ، وَزعم ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَنَّهَا بفاء وجيم، ورد ذَلِك عَلَيْهِ ابْن هِشَام: قيل: وَقع عِنْد الجوزقي من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر عَن سُفْيَان: بالصفاح، بدل: القاحة، بِكَسْر الصَّاد بعْدهَا فَاء، وَنسب ذَلِك إِلَى التَّصْحِيف لِأَن الصفاح مَوضِع بِالرَّوْحَاءِ وَبَين الروحاء وَبَين السقيا مَسَافَة طَوِيلَة.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ الروحاء قَرْيَة جَامِعَة لمزينة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد وَأَرْبَعُونَ ميلًا والسقيا أَيْضا قَرْيَة جَامِعَة.
قَوْله: ( على ثَلَاث) أَي: ثَلَاث مراحل.
قَوْله: ( يتراؤن) على وزن يتفاعون صِيغَة جمع مُذَكّر من الرُّؤْيَة.
قَوْله: ( فَإِذا حمَار وَحش) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة وحمار مُضَاف إِلَى وَحش.
قَوْله: ( يَعْنِي: وَقع سَوْطه) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: يَعْنِي، كَلَام الرَّاوِي تَفْسِير لما يدل عَلَيْهِ: ( لَا نعينك عَلَيْهِ) يَعْنِي: قَالُوا: لَا نعينك على أَخذ السَّوْط حِين وَقع سَوْطك.
قلت: هَذَا التَّرْكِيب لَا يَتَّضِح إلاَّ بأَشْيَاء مقدرَة، تَقْدِيره: فَإِذا حمَار وَحش، فركبت فرسي وَأخذت الرمْح وَالسَّوْط، فَسقط مني السَّوْط، فَقلت ناولوني! فَقَالُوا: لَا نعينك عَلَيْهِ.
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ.
قَوْله: ( فتناولته فَأَخَذته) .
قَوْله: ( من وَرَاء أكمة) بِفَتَحَات، وَهِي التل من حجر وَاحِد.
قَوْله: ( أمامنا) أَي: قدامنا.
قَوْله: ( حَلَال) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ حَلَال، وَقد ظهر الْمُبْتَدَأ فِي رِوَايَة أبي عوَانَة.
( فَقَالَ: كلوه فَهُوَ حَلَال) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( هُوَ حَلَال فكلوه) ، ويروى: ( حَلَالا) ، بِالنّصب.
فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ فَهُوَ مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف، أَي: أكلا حَلَالا.
قَوْله: ( قَالَ لنا عَمْرو) أَي: عَمْرو بن دِينَار، وَصرح بِهِ أَبُو عوَانَة فِي رِوَايَته، وَالْقَائِل سُفْيَان، وَالْغَرَض بذلك تَأْكِيد ضَبطه لَهُ وسماعه لَهُ من صَالح وَهُوَ ابْن كيسَان.
قَوْله: ( فسلوه) أَصله: فَاسْأَلُوهُ.
قَوْله: ( وَقدم علينا هَهُنَا) ، يَعْنِي: مَكَّة، وَمرَاده أَن صَالح بن كيسَان مدنِي قدم مَكَّة، فَدلَّ عَمْرو بن دِينَار أَصْحَابه عَلَيْهِ ليسمعوا مِنْهُ هَذَا وَغَيره.

وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْمسَائِل الفرعية، وَالِاخْتِلَاف فِيهَا.