فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

( بابُُ مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ والمُحْرِمَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا ينْهَى عَنهُ من اسْتِعْمَال الطّيب للْمحرمِ والمحرمة، يَعْنِي أَنَّهُمَا فِي ذَلِك سَوَاء، وَلم تخْتَلف الْأَئِمَّة فِي ذَلِك وَالْحكمَة فِي مَنعه من الطّيب أَنه من دواعي الْجِمَاع ومقدماته الَّتِي تفْسد الْإِحْرَام، وَفِي حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الْبَزَّار ( الْحَاج الشعث التفل) ، والتفل بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَكسر الْفَاء: الَّذِي ترك اسْتِعْمَال الطّيب من التفل وَهِي الرّيح الكريهة.

وقالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَا تَلْبَسُ المُحْرِمَةُ ثَوْبا بِوَرْسٍ أوْ زَعْفَرَانٍ

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالورس والزعفران تفوح لَهُ رَائِحَة مثل مَا تفوح رَائِحَة الطّيب من أَنْوَاع مَا يتطيب بِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو عمر بن مطر حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد عَن عبيد الله بن معَاذ حَدثنَا أبي حَدثنَا حبيب عَن يزِيد الرشك، ( عَن معَاذَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: الْمُحرمَة تلبس من الثِّيَاب مَا شَاءَت إلاَّ ثوبا مَسّه ورس أَو زعفران) .
والورس، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، نبت أصفر تصبغ بِهِ الثِّيَاب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بابُُ مَا لَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب.



[ قــ :1754 ... غــ :1838 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثنا نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قامَ رجلٌ فقالَ يَا رسولَ الله ماذَا تأمُرُنَا أنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإحْرَامِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ ولاَ السَّرَاوِيلاتِ ولاَ العَمَائِمَ ولاَ البَرَانِسَ إلاَّ أنْ يَكُونَ أحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ ولْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ ولاَ تَلْبَسُوا شَيئا مَسَّهُ زَعْفرَانٌ ولاَ الوَرْسُ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأةُ المُحْرِمَة ولاَ تَلْبَسُ الْقُفَازَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا تلبسوا شَيْئا مَسّه زعفران وَلَا الورس) ، وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة المقريء، مولى آل عمر، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي آخر كتاب الْعلم فِي: بابُُ من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ: عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع وَذكره أَيْضا فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بابُُ مَا لَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع وَزَاد فِيهِ هَهُنَا: ( وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة وَلَا تلبس القفازين) .
قَوْله: ( القفازين) ، تَثْنِيَة قفاز، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء وَبعد الْألف زَاي،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هُوَ ضرب من الْحلِيّ، وتقفزت الْمَرْأَة نقشت يَديهَا ورجليها بِالْحِنَّاءِ،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: القفاز تلبس فِي الْكَفّ،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس وَابْن دُرَيْد: هُوَ ضرب من الْحلِيّ تتخذه الْمَرْأَة فِي يَديهَا ورجليها، وَفِي ( الصِّحَاح) : بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ يحشى بِقطن.
وَيكون لَهُ أزرار تزر على الساعدين من الْبرد تلبسه الْمَرْأَة فِي يَديهَا.
وَفِي ( الغريبين) : تلبسه نسَاء الْأَعْرَاب فِي أَيْدِيهنَّ لتغطية الْأَصَابِع والكف.
وَفِي ( الْمغرب) : هُوَ شَيْء يَتَّخِذهُ الصَّائِد فِي يَدَيْهِ من جلد أَو لبد.
وَهَذَا الحَدِيث يشْتَمل على أَحْكَام قد ذَكرنَاهَا فِي آخر كتاب الْعلم.
فَقَوله: ( الْقَمِيص) ويروى: القمص، بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُون الْمِيم أَيْضا: جمع قَمِيص.
( والبرانس) جمع: برنس وَهُوَ ثوب رَأسه ملتزق.
قَوْله: ( وليقطع أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ) ، وَعَن أَحْمد: لَا يلْزمه قطعهمَا، فِي الْمَشْهُور عَنهُ.
قَالَ ابْن قدامَة: وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عَطاء وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن سَالم القداح، احْتج أَحْمد بِحَدِيث ابْن عَبَّاس من عِنْد البُخَارِيّ: ( من لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس الْخُفَّيْنِ) ، وَحَدِيث جَابر مثله رَوَاهُ مُسلم عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله ت: ( من لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ، وَمن لم يجد إزارا فليلبس من سَرَاوِيل) .
وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرين: لَا يجوز لبسهما إلاَّ بعد قطعهمَا، كَمَا فِي حَدِيث الْبابُُ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر مُطلق يحمل على الْمُقَيد، لِأَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ابْن عَبَّاس حفظ لبس الْخُفَّيْنِ وَلم ينْقل صفة اللّبْس، بِخِلَاف ابْن عمر فَهُوَ أولى، وَقد قيل: فليقطعهما من كَلَام نَافِع، كَذَا فِي أمالى أبي الْقَاسِم بن بَشرَان بِسَنَد صَحِيح: أَن نَافِعًا قَالَ، بعد رِوَايَته الحَدِيث: وليقطع الْخُفَّيْنِ أَسْفَل الْكَعْبَيْنِ، وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ وَابْن التِّين أَن جَعْفَر بن برْقَان فِي رِوَايَته: قَالَ نَافِع، وَيقطع الْخفاف أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: وروى ابْن أبي مُوسَى عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص للْمحرمِ أَن يلبس الْخُفَّيْنِ وَلَا يقطعهما، وَكَانَ ابْن عمر يُفْتِي بقطعهما، قَالَت صَفِيَّة: فَلَمَّا أخْبرته بذلك رَجَعَ،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: وَيحْتَمل أَن يكون الْأَمر بقطعهما قد نسخ فَإِن عَمْرو بن دِينَار قد روى الْحَدِيثين جَمِيعًا.
.

     وَقَالَ : انْظُرُوا أَيهمَا كَانَ قبل.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: حَدِيث ابْن عمر قبل لِأَنَّهُ قد جَاءَ فِي بعض رواياته: ( نَادَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد) يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ فَكَأَنَّهُ كَانَ قبل الْإِحْرَام، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس يَقُول: سمعته يخْطب بِعَرَفَات ... الحَدِيث، فَيدل على تَأَخره عَن حَدِيث ابْن عمر، فَيكون نَاسِخا لَهُ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْقطع وَاجِبا لبينه للنَّاس، إِذْ لَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: روى حَدِيث ابْن عمر مَالك وَعبيد الله وَأَيوب فِي آخَرين فوقفوه على ابْن عمر، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس سَالم من الْوَقْف مَعَ مَعَ عضده من حَدِيث جَابر، وَيحمل قَوْله: وليقطعهما، على الْجَوَاز من غير كَرَاهَة لأجل الْإِحْرَام، وَينْهى عَن ذَلِك فِي غير الْإِحْرَام لما فِيهِ من الْفساد، فَأَما إِذا لبس الْخُف الْمَقْطُوع من أَسْفَل الكعب مَعَ وجود النَّعْل فعندنا أَنه لَا يجوز وَيجب عَلَيْهِ الْفِدَاء، خلافًا لأبي حنيفَة وَأحد قولي الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: وَالْأولَى قطعهمَا عملا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح، وخروجا من الْخلاف وأخذا بِالِاحْتِيَاطِ.

تابَعَهُ مُوسَى بنُ عُقْبَةَ وإسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ عُقْبَةَ وجُوَيْرِيَةُ وابنُ إسْحَاقَ فِي النِّقَابِ والْقُفَازَيْنِ
أَي: تَابع اللَّيْث هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة فِي الرِّوَايَة عَن نَافِع.
أما مُتَابعَة مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي فقد وَصلهَا النَّسَائِيّ من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن مُوسَى عَن نَافِع،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: روى هَذَا الحَدِيث حَاتِم بن إِسْمَاعِيل وَيحيى بن أَيُّوب عَن مُوسَى مَرْفُوعا.
وَأما مُتَابعَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بن أبي عَيَّاش، وَهُوَ ابْن أخي مُوسَى الْمَذْكُور، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، فوصلها عَليّ بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ فِي فَوَائده من رِوَايَة الْحَافِظ السلَفِي عَن الثَّقَفِيّ: عَن ابْن بَشرَان عَنهُ عَن يُوسُف بن يزِيد عَن يَعْقُوب بن أبي عباد عَن إِسْمَاعِيل عَن نَافِع بِهِ.
وَأما مُتَابعَة جوَيْرِية بن أَسمَاء فوصلها أَبُو يعلى الْموصِلِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء عَنهُ عَن نَافِع.
وَأما مُتَابعَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق فوصلها أَحْمد وَالْحَاكِم من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي نَافِع بِهِ مَرْفُوعا.

قَوْله: ( فِي النقاب والقفازين) أَي: فِي ذكرهمَا، والنقاب الْخمار الَّذِي يشد على الْأنف أَو تَحت المحاجر، وَظَاهره اخْتِصَاص ذَلِك بِالْمَرْأَةِ، وَلَكِن الرجل فِي القفاز مثلهَا لكَونه فِي معنى الْخُف فَإِن كلاًّ مِنْهُمَا مُحِيط بِجُزْء من الْبدن، وَأما النقاب فَلَا يحرم على الرحل من جِهَة الْإِحْرَام لِأَنَّهُ لَا يحرم عَلَيْهِ تَغْطِيَة وَجهه.

وَقَالَ عُبَيْدُ الله ولاَ ورْسٌ وكانَ يَقُولُ لاَ تَتَنَقَّبُ المُحْرِمَةُ ولاَ تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ
عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ: قَوْله: ( وَلَا ورس) ، يَعْنِي قَالَ عبيد الله فِي الحَدِيث الْمَذْكُور إِلَى قَوْله: ( وَلَا ورس) ، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عبيد الله هَذَا وَافق الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورين فِي رِوَايَة الحَدِيث الْمَذْكُور عَن نَافِع حَيْثُ جعل الحَدِيث إِلَى قَوْله: ( وَلَا ورس) مَرْفُوعا ثمَّ فصل بَقِيَّة الحَدِيث فَجعله من قَول ابْن عمر، وَهُوَ معنى قَوْله: ( وَكَانَ يَقُول) أَي: وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: ( لَا تنتقب الْمُحرمَة وَلَا تلبس القفازين) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: كَانَ يَقُول: فَإِن قلت: لم قَالَ أَولا بِلَفْظ: قَالَ؟ وَثَانِيا قَالَ: كَانَ يَقُول؟ قلت: لَعَلَّه قَالَ ذَلِك مرّة، وَهَذَا كَأَن يَقُول دَائِما مكررا، وَالْفرق بَين الْمَرَّتَيْنِ إِمَّا من جِهَة حذف لفظ الْمَرْأَة وَإِمَّا من جِهَة أَن الأول بِلَفْظ لَا تنتقب من التفعل، وَالثَّانِي من الافتعال، وَإِمَّا من جِهَة أَن الثَّانِي، بِضَم الْبَاء على سَبِيل النَّفْي لَا غير، وَالثَّانِي بِالضَّمِّ وَالْكَسْر نفيا ونهيا.
انْتهى قلت: قَوْله: كَانَ يَقُول، دَائِما مكررا كَأَنَّهُ أَخذه من قَول من قَالَ: إِن: كَانَ، يدل على الدَّوَام والاستمرار.
قَوْله من التفعل، يَعْنِي: من بابُُ التفعل، يُقَال من هَذَا: تنقبت المرأت تنتقب تنقبا.
قَوْله: من الافتعال، أَي: من بابُُ الافتعال، يُقَال من هَذَا: انتقبت الْمَرْأَة تنتقب انتقابا.

قَوْله: ( وَقَالَ عبيد الله) إِلَى آخِره مُعَلّق وَصله إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه فِي ( مُسْنده) عَن مُحَمَّد بن بشر وَحَمَّاد بن مسْعدَة وَابْن خُزَيْمَة من طَرِيق بشر بن الْمفضل، ثَلَاثَتهمْ عَن عبيد الله ابْن عمر عَن نَافِع، فساق الحَدِيث إِلَى قَوْله: ( وَلَا ورس) ، قَالَ: وَكَانَ عبد الله يَعْنِي: ابْن عمر: ( يَقُول: وَلَا تنتقب الْمُحرمَة وَلَا تلبس القفازين) وَمعنى: لَا تنتقب لَا تستر وَجههَا، وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك فَمَنعه الْجُمْهُور وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ رِوَايَة عَن الشَّافِعِيَّة والمالكية.

وَقَالَ مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ لاَ تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ
هَذَا فِي ( الْمُوَطَّأ) كَمَا قَالَ مَالك، وَهُوَ اقتصره على الْمَوْقُوف فَقَط، وَقد اخْتلف فِي قَوْله: لَا تنتقب الْمَرْأَة فِي رَفعه وَوَقفه، فَنقل الْحَاكِم عَن شَيْخه على النَّيْسَابُورِي أَنه من قَول ابْن عمر، أدرج فِي الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِي ( المعالم) : وعللوه بِأَن ذكر القفازين، إِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عمر لَيْسَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعلق الشَّافِعِي القَوْل فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ فِي ( الْمعرفَة) : أَنه رَوَاهُ اللَّيْث مدرجا وَقد اسْتشْكل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي ( الإِمَام) الحكم بالإدراح فِي هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن.
الأول: لوُرُود النَّهْي عَن النقاب والقفازين مُفردا مَرْفُوعا، فروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد الْمدنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( الْمُحرمَة لَا تنتقب وَلَا تلبس القفازين) .
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه جَاءَ النَّهْي عَن القفازين مُبْتَدأ بِهِ فِي صدر الحَدِيث مُسْندًا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابِقًا على النَّهْي عَن غَيره.
قَالَ: وَهَذَا يمْنَع من الإدراج وَيُخَالف الطَّرِيق الْمَشْهُورَة، فروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، قَالَ: فَإِن نَافِعًا مولى عبد الله بن عمر، حَدثنِي ( عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى النِّسَاء فِي إحرامهن عَن القفازين والنقاب وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب، ولتلبس بعد ذَلِك مَا أحبت من ألوان الثِّيَاب معصفرا أَو خَزًّا أَو حليا وَسَرَاويل أَو قمصا) .
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين: فِي الْوَجْه الأول قرينَة تدل على عدم الإدراج، فَإِن الحَدِيث ضَعِيف لِأَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْمدنِي مَجْهُول، وَقد ذكره ابْن عدي مُقْتَصرا على ذكر النقاب،.

     وَقَالَ : لَا يُتَابع إِبْرَاهِيم بن سعيد هَذَا على رَفعه، قَالَ: وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من قَول ابْن عمر،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ فِي ( الْمِيزَان) : أَن إِبْرَاهِيم بن سعيد هَذَا مُنكر الحَدِيث غير مَعْرُوف، ثمَّ قَالَ: لَهُ حَدِيث وَاحِد فِي الْإِحْرَام أخرجه أَبُو دَاوُد، وَسكت عَنهُ، فَهُوَ مقارب الْحَال.
وَفِي الْوَجْه الثَّانِي: إِبْنِ إِسْحَاق وَهُوَ لَا شكّ دون عبيد الله بن عمر فِي الْحِفْظ والإتقان، وَقد فصل الْمَوْقُوف من الْمَرْفُوع.
وَقَول الشَّيْخ: إِن هَذَا يمْنَع من الإدراج مُخَالف لقَوْله فِي الاقتراح: إِنَّه يضعف لَا يمنعهُ، فَلَعَلَّ بعض من ظَنّه مَرْفُوعا قدمه، والتقديم وَالتَّأْخِير فِي الحَدِيث سَائِغ بِنَاء على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى.

وتابَعَهُ لَيْثُ بنُ أبِي سُلَيْمٍ
أَي: وتابع مَالِكًا فِي وَقفه لَيْث بن أبي سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام بن زنيم الْقرشِي الْكُوفِي، وَاسم أبي سليم أنس مولى عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان، مَاتَ فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَكَانَ من الْعباد، وَاخْتَلَطَ فِي آخر عمره حَتَّى لَا يكَاد يدْرِي مَا يحدث بِهِ.





[ قــ :1755 ... غــ :1839 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنِ الحَكَمِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا قَالَ وقَصَتْ بِرَجُلٍ محْرِمٍ ناقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فأُتِيَ بِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اغْسِلُوهُ وكَفِّنُوهُ ولاَ تغَطُّوا رَأسَهُ ولاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبا فإنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا تقربوه طيبا فَإِنَّهُ مَاتَ محرما) وَالْمحرم مَمْنُوع عَن الطّيب، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْحكم هُوَ ابْن عتيبة.

وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ كَيفَ يُكفن الْمحرم من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو وَأَيوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ: عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير.
وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ الحنوط للْمَيت عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ الْمحرم يَمُوت بِعَرَفَة من وَجْهَيْن: الأول: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير.
وَالثَّانِي: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب أَيْضا عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ سنة الْمحرم إِذا مَاتَ: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى مستقصىً.

قَوْله: ( وقصت) فعل مَاض وفاعله قَوْله: ( نَاقَته) أَي: كسرت رقبته.
قَوْله: ( وَلَا تقربوه) ، بتَشْديد الرَّاء.
قَوْله: ( يهل) ، بِضَم الْيَاء أَي: يرفع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ، وَهِي جملَة وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي: يبْعَث احتجت الشَّافِعِيَّة بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث على بَقَاء إِحْرَام الْمَيِّت فِي إِحْرَامه وَلَا يجوز أَن يلبس الْمخيط وَلَا يخمر رَأسه، وَلَا يمس طيبا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ ت الْحَنَفِيَّة والمالكية: يَنْقَطِع الْإِحْرَام بِمَوْتِهِ، وَيفْعل بِهِ مَا يفعل بالحي، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا، وجوابهم عَنهُ أَنه وَاقعَة عين لَا عُمُوم فِيهَا لِأَنَّهُ علل ذَلِك بقوله: ( لِأَنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا) ، وَهَذَا الْأَمر لَا يتَحَقَّق وجوده فِي غَيره، فَيكون خَاصّا بذلك الرجل، وَلَو اسْتمرّ بَقَاؤُهُ على إِحْرَامه لأمر بِقَضَاء بَقِيَّة مَنَاسِكه،.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن بن الْقصار: لَو أُرِيد تَعْمِيم هَذَا الحكم فِي كل محرم لقَالَ: فَإِن الْمحرم، كَمَا جَاءَ: ( إِن الشَّهِيد يبْعَث وجرحه يقطر دَمًا) .