فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

( بابُُ الحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْحَج عَن الشَّخْص الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة، وَهِي المركوب من الْإِبِل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَي من الْإِحْيَاء، قلت: هَذَا تَفْسِير عَبث لِأَن الأذهان قطّ لَا تتبادر إِلَى الْأَمْوَات.



[ قــ :1768 ... غــ :1853 ]
- حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ الْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أنَّ امْرَأَة ( ح) .
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سَلَمَةَ قَالَ حدَّثنا ابنُ شِهَابٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَتِ امْرَأة مِنْ خَثْعَمٍ عامَ الوَدَاعِ قالَتْ يَا رسولَ الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهلْ يَقْضِي عَنْهُ أنْ أحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز وَابْن شهَاب بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

قَوْله: ( عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان) وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق روح عَن ابْن جريج: أَخْبرنِي ابْن شهَاب حَدثنِي سُلَيْمَان بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب الَّتِي تَأتي فِي الاسْتِئْذَان: عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي سُلَيْمَان أَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس.
قَوْله: ( عَن الْفضل بن عَبَّاس) ، كَذَا قَالَه ابْن جريج وَتَابعه معمر وَخَالَفَهُمَا مَالك وَأكْثر الروَاة عَن الزُّهْرِيّ فَلم يَقُولُوا فِيهِ: عَن الْفضل، وَرُوِيَ عَن التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن هَذَا فَقَالَ: أصح شَيْء فِيهِ مَا روى ابْن عَبَّاس عَن الْفضل، قَالَ: فَيحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس سَمعه من الْفضل وَمن غَيره، ثمَّ رَوَاهُ بِغَيْر وَاسِطَة.
قَوْله: ( حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل) فِيهِ انْتِقَال من طَرِيق إِلَى طَرِيق آخر، وَإِنَّمَا رجح الرِّوَايَة عَن الْفضل لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس قد تقدم من مُزْدَلِفَة إِلَى منى مَعَ الضعفة، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب، وَقد ذكر فِيمَا مضى فِي بابُُ التَّلْبِيَة وَالتَّكْبِير من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْدف الْفضل فَأخْبر الْفضل أَنه لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى الْجَمْرَة، فَكَأَن الْفضل حدث أَخَاهُ بِمَا شَاهده فِي تِلْكَ الْحَالة، وَقد يحْتَمل أَن يكون سُؤال الخثعمية وَقع بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة، فحضره ابْن عَبَّاس فنقله تَارَة عَن أَخِيه لكَونه صَاحب الْقِصَّة، وَتارَة عَمَّا شَاهده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا وَقع عِنْد التِّرْمِذِيّ وَأحمد وَابْنه عبد الله والطبري من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مِمَّا يدل على أَن السُّؤَال الْمَذْكُور وَقع عِنْد النَّحْر بعد الْفَرَاغ من الرَّمْي، وَأَن الْعَبَّاس كَانَ شَاهدا، وَلَفظ أَحْمد من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع، ( عَن عَليّ، قَالَ: وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة، فَقَالَ: هَذِه عَرَفَة وَهُوَ الْموقف) فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: ( ثمَّ أَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا، ثمَّ أَتَى المنحر، فَقَالَ: هَذَا المنحر وكل منى منحر، واستفتته) .
وَفِي رِوَايَة عبد الله: ( ثمَّ جَاءَتْهُ جَارِيَة شَابة من خثعم فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير قد أَدْرَكته فَرِيضَة الله فِي الْحَج، أفيجزىء أَن أحج عَنهُ؟ قَالَ: حجي عَن أَبِيك.
قَالَ: ولوى عنق الْفضل، فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله { لويت عنق ابْن عمك} قَالَ: رَأَيْت شَابًّا وشابة.
فَلم آمن عَلَيْهِمَا الشَّيْطَان)
.
وَظَاهر هَذَا أَن الْعَبَّاس كَانَ حَاضرا لذَلِك، فَلَا مَانع أَن يكون ابْنه عبد الله أَيْضا كَانَ مَعَه.
قَوْله: ( حجَّة الْوَدَاع) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب الَّتِي تَأتي فِي الاسْتِئْذَان: يَوْم النَّحْر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شهَاب: ( غَدَاة جمع) .
قَوْله: ( شَيخا كَبِيرا) نصب على الِاخْتِصَاص،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: شَيخا حَال، وَفِيه نظر.
قَوْله: ( لَا يَسْتَطِيع) ، يجوز أَن يكون صفة لَهُ، وَيجوز أَن يكون حَالا.
قَوْله: ( يقْضِي) أَي: يجزىء أَو يَكْفِي أَو ينفذ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز النِّيَابَة عَن الْعَاجِز، قَالَ أَصْحَابنَا: من قدر على الْحَج بِبدنِهِ لم يجز لَهُ أَن يحجّ عَنهُ غَيره، وَلَو عجز عَنهُ عَجزا لَا يَزُول مثل: الزمانة والعمى جَازَ أَن يحجّ عَنهُ غَيره، وَإِن كَانَ يَزُول: كالمرض وَالْحَبْس، فَإِن اسْتمرّ إِلَى الْمَوْت يجْزِيه وَيلْزمهُ حجَّة الْإِسْلَام.
وَفِيه: بر الْوَالِدين بِالْقيامِ بمصالحهما من قَضَاء دين وَحج وخدمة وَغير ذَلِك.
وَفِيه: جَوَاز حج الْمَرْأَة عَن الرجل.
وَفِيه: جَوَاز استفتاء الْمَرْأَة من أهل الْعلم عِنْد الْحَاجة.
وَفِيه: التَّرْغِيب إِلَى الرحلة لطلب الْعلم.
فَافْهَم.
وَالله أعلم.