فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاغتباط في العلم والحكمة

( بابُُ الاغْتِباطِ فِي العِلْمِ والحِكْمَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الِاغْتِبَاط، وَهُوَ افتعال من: غبطه يغبطه، من بابُُ: ضرب يضْرب، غبطاً وغبطةً، وَالْغِبْطَة أَن يتَمَنَّى مثل حَال المغبوط من غير أَن يُرِيد زَوَالهَا عَنهُ، وَلَيْسَ بحسد.
والحسد أَن: يتَمَنَّى زَوَال مَا فِيهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن بزرج: غبط يغبط، مِثَال: سمع يسمع، لُغَة فِيهِ.
وَبِنَاء بابُُ الافتعال مِنْهَا يدل على التَّصَرُّف وَالسَّعْي فِيهَا، وَالْحكمَة معرفَة الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَهِيَ مرادفة للْعلم، فالعطف عَلَيْهِ من بابُُ الْعَطف التفسيري، إلاّ أَن يُفَسر الْعلم بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ من الْيَقِين المتناول للظن أَيْضا، أَو تفسر الْحِكْمَة بِمَا يتَنَاوَل سداد الْعَمَل أَيْضا.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ الأول: الْفَهم فِي الْعلم، وَفِي هَذَا الْبابُُ: الِاغْتِبَاط فِي الْعلم، وَكلما زَاد فهم الرجل فِي الْعلم زَادَت غبطته فِيهِ، لِأَن من زَاد فهمه وَقَوي يزْدَاد نظره فِيمَن هُوَ أقوى فهما مِنْهُ، ويتمنى أَن يكون مثله، وَهُوَ الْغِبْطَة.

وَقَالَ عُمَرُ: تَفقَّهُوا قَبْلَ أَن تُسَوَّدُوا

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ لَيْسَ من تَمام التَّرْجَمَة إِذْ لم يذكر بعده شَيْء يكون هَذَا مُتَعَلقا بِهِ، إلاَّ أَن يُقَال: الِاغْتِبَاط فِي الْحِكْمَة على الْقَضَاء لَا يكون إلاَّ قبل كَون الغابط قَاضِيا، وَيَزُول حينئذٍ.
.

     وَقَالَ  عمر: بِمَعْنى الْمصدر، أَي: قَول عمر، رَضِي الله عَنهُ.
قلت: كَيفَ يؤول الْمَاضِي بِالْمَصْدَرِ وَتَأْويل الْفِعْل بِالْمَصْدَرِ لَا يكون إلاَّ بِوُجُود أَن المصدرية؟.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: مُطَابقَة قَول عمر، رَضِي الله عَنهُ، للتَّرْجَمَة أَنه جعل السِّيَادَة من ثَمَرَات الْعلم، وَأوصى الطَّالِب باغتنام الزِّيَادَة قبل بُلُوغ دَرَجَة السِّيَادَة، وَذَلِكَ يُحَقّق اسْتِحْقَاق الْعلم بِأَن يغبط صَاحبه، فَإِنَّهُ سَبَب لسيادته.
قلت: لَا شكّ أَن الَّذِي يتفقه قبل السِّيَادَة يغبط فِي فقهه وَعلمه، فَيدْخل فِي قَوْله: بابُُ الِاغْتِبَاط فِي الْعلم.

الثَّانِي: أَن هَذَا الْأَثر الَّذِي علقه أخرجه أَبُو عمر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أَحْمد بن مُحَمَّد: ثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى، ثَنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا أَبُو عبيد، ثَنَا ابْن علية ومعاذ عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين عَن الْأَحْنَف عَن عمر، رَضِي الله عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه الْحَوْزِيِّ فِي كِتَابه: ثَنَا إِسْحَاق بن القعْنبِي، ثَنَا بشر بن أبي الْأَزْهَر، ثَنَا خَارِجَة بن مُصعب عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين عَن الْأَحْنَف عَنهُ بِهِ، وخارجة ضَعِيف جدا.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِسَنَد مُنْقَطع عَن وَكِيع عَن ابْن عون بِهِ.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه ( الْمدْخل) عَن الروذبازي عَن الصفار عَن سَعْدَان بن نصر، ثَنَا وَكِيع عَن ابْن عون بِهِ.

الثَّالِث: قَوْله: ( قبل أَن تسودوا) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو، أَي: قبل أَن تصيروا سادة، وتعلموا الْعلم مَا دمتم صغَارًا قبل السِّيَادَة والرياسة، وَقبل أَن ينظر إِلَيْكُم، فَإِن لم تعلمُوا قبل ذَلِك استحييتم أَن تعلمُوا بعد الْكبر، فبقيتم جهلاء.
وَفِي ( مجمع الغرائب) : يحْتَمل أَن معنى قَول عمر، رَضِي الله عَنهُ: قبل أَن تزوجوا فتصيروا سادة بالتحكم على الْأزْوَاج والاشتغال بِهن لهواً، ثمَّ تمحلاً للتفقه.
وَمِنْه الاستياد، وَهُوَ: طلب التسيد من الْقَوْم.
وَجزم الْبَيْهَقِيّ فِي ( مدخله) بِهَذَا الْمَعْنى، وَلم يذكر غَيره.
.

     وَقَالَ : مَعْنَاهُ قبل أَن تزوجوا فتصيروا أَرْبابُُ بيُوت.
قَالَه شمر.
وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَا تَأْخُذُوا الْعلم من الأصاغر فيزرى بكم ذَلِك، وَهَذَا أشبه بِحَدِيث عبد اللَّه: ( لن يزَال النَّاس بِخَير مَا أخذُوا الْعلم عَن أكابرهم) ثمَّ قَوْله: ( تسودوا) من: سود يسود تسويداً، وثلاثيه: سَاد يسود وَفِي ( الْمُحكم) : سادهم سُودًا وسودداً وسيادة وسيدودة، فاستادهم كسادهم، وسوده.
وَهُوَ.
.

     وَقَالَ : والسودد: الشّرف، وَقد يهمز، وَضم الدَّال لُغَة طائية، وَالسَّيِّد: الرئيس.
.

     وَقَالَ  كرَاع: وَجمعه سادة، وَنَظِيره: قيم وقامة.
قلت: السَّادة جمع سائدة، وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ، وَفِي ( الْمُخَصّص) : ساودني فسدته.
وَقَالُوا: سيد وسائد، وَجمع السَّيِّد سادة.
وَحكى الزبيدِيّ فِي كتاب ( طَبَقَات النَّحْوِيين) : أَن أَبَا مُحَمَّد العذري الْأَعرَابِي قَالَ لإِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الثابر باشبيلية: تالله أَيهَا الْأَمِير مَا سيدتك الْعَرَب، إلاّ بحقك، فَقَالَهَا بِالْيَاءِ، فَلَمَّا أنكر عَلَيْهِ قَالَ: السوَاد السخام، وأصر على أَن الصَّوَاب مَعَه، ومالأه على ذَلِك الْأَمِير لعظم مَنْزِلَته فِي الْعلم.
وَفِي ( الْجَامِع) : وَهُوَ مسود عَلَيْهِم إِذا جعل سيدهم، والمسود هُوَ الَّذِي سَاد غَيره.
وَفِي ( الصِّحَاح) : يجمع السَّيِّد على سيائد، بِالْهَمْزَةِ على غير قِيَاس، لِأَن جمع فيعل فياعل بِلَا همز، وَالدَّال فِي سودد زَائِدَة للإلحاق.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: الْعَرَب تَقول: هُوَ سيدنَا، أَي: رئيسنا وَالَّذِي نعظمه فِينَا.
.

     وَقَالَ  الصغاني: سَاد قومه يسودهم سيادة وسودداً وسؤددا، بِالْهَمْزَةِ وَضم الدَّال الأولى، وَهِي لُغَة طي، وسودا عَن الْفراء، وسيدودة.
فَهُوَ سيدهم، وهم سادة.
وتقديرها: فعلة بِالتَّحْرِيكِ، لِأَن تَقْدِير: سيد فعيل، وَهُوَ مثل: سري وسراة وَلَا نَظِير لَهَا، يدل على ذَلِك أَنه يجمع على سيائد، بِالْهَمْزَةِ، مِثَال: أفيل وأفائل، وتبيع وتبائع.
.

     وَقَالَ  أهل الْبَصْرَة: تَقْدِير سيد فيعل، جمع على فعلة كَأَنَّهُمْ جمعُوا سائداً مِثَال: قَائِد وقادة، وزائد وزادة.
وَالدَّال فِي سودد زَائِدَة للإلحاق بِبِنَاء فعلل مِثَال: برقع.
.

     وَقَالَ  الْفراء: يُقَال: هَذَا سيد قومه الْيَوْم، فَإِذا أخْبرت أَنه عَن قَلِيل يكون سيدهم، قلت: هُوَ سائد قومه عَن قَلِيل، وَسيد.
.

     وَقَالَ  الْكسَائي: السَّيِّد من الْمعز المسن،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: سمي السَّيِّد سيداً لِأَن النَّاس يلتجئون إِلَى سوَاده، أَي شخصه،.

     وَقَالَ  الله تبَارك وَتَعَالَى: { وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبابُُ} ( يُوسُف: 25) أَي زَوجهَا.
.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} ( آل عمرَان: 39) السَّيِّد الَّذِي يفوق فِي الْخَيْر قومه.
وَيُقَال: السَّيِّد الْحَلِيم.
( وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقَالَ: أَنْت سيد قُرَيْش؟ فَقَالَ: السَّيِّد الله تَعَالَى) .
قَالَ الْأَزْهَرِي: كره أَن يمدح فِي وَجهه، وَأحب التَّوَاضُع.
.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: السَّيِّد الَّذِي لَا يغلبه غَضَبه.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: السَّيِّد العابد.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول: السَّيِّد كل مقهور مغمور بحلمه.
.

     وَقَالَ  الْفراء: السَّيِّد الْمَالِك، وَفُلَان أسود من فلَان أَي أَعلَى سودداً مِنْهُ، وساودت الرجل من سَواد اللَّوْن وَمن السودد جَمِيعًا أَي غالبته.

الرَّابِع: قَالَ ابْن بطال: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذَلِك لِأَن من سوده النَّاس يستحي أَن يقْعد مقْعد المتعلم خوفًا على رياسته عِنْد الْعَامَّة.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: من عَاجل الرياسة فَاتَهُ علم كثير.
وَقيل: إِن السِّيَادَة تحصل بِالْعلمِ، وَكلما زَاد الْعلم زَادَت السِّيَادَة بِهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فِي بعض النّسخ بدل: تفهموا تفقهوا، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى الْأَمر.
قلت: الْمَشْهُور من الرِّوَايَة: تفقهوا، فَإِنَّهُ يحث بِهِ على تَحْصِيل الْفِقْه.
وَفِي كتاب ابْن عمر: قَالَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أفضل النَّاس أفضلهم عملا إِذا فقهوا فِي دينهم) .
وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَلا انبؤكم بالفقيه كل الْفَقِيه؟ قَالُوا: بلَى، قَالَ: من لم يقنط النَّاس من رَحْمَة الله، وَلم يؤيسهم من روح الله، وَلم يؤمنهم من مكر الله، وَلَا يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى مَا سواهُ أَلا لَا خير فِي عبَادَة لَيْسَ فِيهَا فقه، وَلَا علم لَيْسَ فِيهِ تفهم، وَلَا قِرَاءَة لَيْسَ فِيهَا تدبر) .
قَالَ أَبُو عمر: لم يَأْتِ هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَأَكْثَرهم يوقفونه على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن شَدَّاد بن أَوْس يرفعهُ: ( لَا يفقه العَبْد كل الْفِقْه حَتَّى يمقت النَّاس فِي ذَات الله تَعَالَى، وَلَا يفقه العَبْد كل الْفِقْه حَتَّى يرى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَة) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا الصَّحِيح أَنه من قَول أبي الدَّرْدَاء.
وَصدقَة السمين رَاوِيه مَرْفُوعا مجمع على ضعفه.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: من لم يعرف الِاخْتِلَاف لم يشم الْفِقْه بِأَنْفِهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي عرُوبَة: لَا نعده عَالما، وَكَذَا قَالَه عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه.
.

     وَقَالَ  الْحَارِث بن يَعْقُوب: الْفَقِيه من فقه فِي الْقِرَاءَة، وَعرف مكيدة الشَّيْطَان.

قَالَ أبوُ عبْدِ اللَّهِ: وبعْدَ أنْ تُسوَّدُوا، وقدْ تَعَلَّمَ أصْحابُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِبَرِ سِنّهِمْ.

هَذِه زيادات جَاءَت فِي رِوَايَة الْكشميهني فَقَط، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بقوله: ( قَالَ أَبُو عبد اللَّه) ، نَفسه لِأَن كنيته أَبُو عبد اللَّه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَلَا بُد من مُقَدّر يتَعَلَّق بِهِ لفظ: وَبعد، وَالْمُنَاسِب أَن يقدر: لفظ تفهموا، يَعْنِي الْمَاضِي، فَيكون لفظ: ( تسودوا) بِفَتْح التَّاء مَاضِيا كَمَا أَنه يحْتَمل أَن يكون: تسودوا، من التسويد الَّذِي من السوَاد، أَي: بعد أَن يسودوا لحيتهم مثلا، أَي: فِي كبرهم، أَو أَي: بعد زَوَال السوَاد أَي فِي الشيب.
وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
قلت: هَذَا كُله تعسف خَارج عَن مَقْصُود البُخَارِيّ، إِذْ مَقْصُوده الْأَمر بالتفقه قبل السِّيَادَة وَبعدهَا.
فَقَوله: ( وَبعد أَن تسودوا) عطف على قَول عمر، رَضِي الله عَنهُ: قبل أَن تسودوا، وَهُوَ أَيْضا، بِضَم التَّاء كَمَا فِي قَول عمر: رَضِي الله عَنهُ، وَالْمعْنَى: تفقهوا قبل أَن تسودوا وتفقهوا بعد أَن تسودوا، إِذْ لَا يجوز ترك التفقه بعد السِّيَادَة، إِذا فَاتَهُ قبلهَا، وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَا أَن البُخَارِيّ أكد ذَلِك بقوله: وَقد تعلم أَصْحَاب النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي كبر سنهم، لِأَن النَّاس الَّذين آمنُوا بِالنَّبِيِّ، عَلَيْهِ السَّلَام، وهم كبار مَا تفقهوا إلاَّ فِي كبر سنهم.



[ قــ :73 ... غــ :73 ]
- حدّثناالحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدثنَا سُفيانُ قَالَ: حدْثني إسْماعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ عَلى غيْرِ مَا حدثناهُ الزُّهريُّ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بنَ أبي حازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لاَ حَسَدَ إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَسُلِّطَ عَلى هَلَكَتهِ فِي الحَقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ الله الحكْمَة فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها) ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن البُخَارِيّ حمل مَا وَقع فِي الحَدِيث من لفظ الْحَسَد على الْغِبْطَة، فَأخْرجهُ عَن ظَاهره وَحمله على الْغِبْطَة، وتمني الْأَعْمَال الصَّالِحَة.
وَترْجم الْبابُُ عَلَيْهِ.

بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة، وَالْكل قد ذكرُوا، والْحميدِي: هُوَ أَبُو بكر عبد اللَّه بن الزبير ابْن عِيسَى الْمَكِّيّ، صَاحب الشَّافِعِي، أَخذ عَنهُ ورحل مَعَه إِلَى مصر، وَلما مَاتَ الشَّافِعِي رَجَعَ إِلَى مَكَّة.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَقيس بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مكي وكوفي.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقد ذكر أَن الزُّهْرِيّ حَدثهُ بِهَذَا الحَدِيث بِلَفْظ غير اللَّفْظ الَّذِي حَدثهُ بِهِ إِسْمَاعِيل، وَهُوَ معنى قَوْله: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد على غير مَا حدّثنَاهُ الزُّهْرِيّ، بِرَفْع الزُّهْرِيّ، لِأَنَّهُ فَاعل: حدث، و: نَا، مَفْعُوله، وَالضَّمِير يرجع إِلَى الحَدِيث الَّذِي يدل عَلَيْهِ: حَدثنَا، وَالْغَرَض من هَذَا الْإِشْعَار بِأَنَّهُ سمع ذَلِك من إِسْمَاعِيل على وَجه غير الْوَجْه الَّذِي سمع من الزُّهْرِيّ، إِمَّا مُغَايرَة فِي اللَّفْظ، وَإِمَّا مُغَايرَة فِي الْإِسْنَاد، وَإِمَّا غير ذَلِك.
وَفَائِدَته: التقوية وَالتَّرْجِيح بتعداد الطّرق، وَرِوَايَة سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ أخرجهَا البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن عَليّ بن عبد اللَّه عَنهُ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ عَن سَالم، وَرَوَاهَا مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَغَيره عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: ثَنَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه، سَاقه مُسلم تَاما، وَاخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا تَاما فِي فَضَائِل الْقُرْآن من طَرِيق شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي سَالم بن عبد اللَّه بن عمر، فَذكره.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان.
وَأخرجه أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى الْقطَّان.
وَفِي الْأَحْكَام وَفِي الِاعْتِصَام عَن شهَاب بن عباد عَن إِبْرَاهِيم بن حميد الرواسِي.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع، وَعَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن نمير عَن أَبِيه، وَمُحَمّد بن بشر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير ووكيع وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن عبد اللَّه بن الْمُبَارك، ثمانيتهم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن نمير بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( لَا حسد) ، الْحَسَد: تمني الرجل أَن يحول الله إِلَيْهِ نعْمَة الآخر أَو فضيلته، ويسلبهما عَنهُ.
وَفِي ( مجمع الغرائب) : الْحَسَد أَن يرى الْإِنْسَان لِأَخِيهِ نعْمَة فيتمنى أَن تكون لَهُ وتزول عَن أَخِيه، وَهُوَ مَذْمُوم.
والغبط: أَن يرى النِّعْمَة فيتمناها لنَفسِهِ من غير أَن تَزُول عَن صَاحبهَا، وَهُوَ مَحْمُود.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: المنافسة أَن يتَمَنَّى مثل مَا لَهُ من غير أَن يفْتَقر وَهُوَ مُبَاح.
وَيُقَال: الْحَسَد تمني زَوَال النِّعْمَة عَن الْمُنعم عَلَيْهِ، وَبَعْضهمْ خصّه بِأَن يتَمَنَّى ذَلِك لنَفسِهِ، وَالْحق أَنه أَعم.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: يُقَال: حسده يحسده ويحسده حسداً، وَرجل حَاسِد من قوم حسد وَالْأُنْثَى بِغَيْر هَاء، وهم يتحاسدون.
وحسده على الشَّيْء وحسده إِيَّاه.
وَفِي ( الصِّحَاح) : يحسده حسوداً.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: وَبَعْضهمْ يَقُول: يحسده بِالْكَسْرِ، والمصدر حسد بِالتَّحْرِيكِ، وحسادة، وهم قوم حسدة مثل: حَامِل وَحَملَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الْحَسَد مَأْخُوذ من الحسود، وَهُوَ القراد، فَهُوَ يقشر الْقلب كَمَا يقشر القراد الْجلد فيمص الدَّم.
قَوْله: ( آتَاهُ الله) بِالْمدِّ فِي أَوله، أَي: اعطاه الله من الإيتاء وَهُوَ الْإِعْطَاء.
قَوْله: ( على هَلَكته) ، بِفَتْح اللَّام، أَي: هَلَاكه.
وَفِي ( الْعبابُ) : هلك الشَّيْء يهْلك بِالْكَسْرِ هَلَاكًا وهلوكاً ومهلكاً ومهلكاً وتهلوكاً وهلكة وتهلكةً وتهلكة.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} ( الْبَقَرَة: 195) وَقَرَأَ الْخَلِيل: إِلَى التَّهْلُكَة، بِالْكَسْرِ.
قَالَ اليزيدي: التَّهْلُكَة، بِضَم اللَّام، من نَوَادِر المصادر وَلَيْسَت مِمَّا يجْرِي على الْقيَاس.
وَهلك يهْلك مِثَال: شرك يُشْرك لُغَة فِيهِ.
قَوْله: ( الْحِكْمَة) المُرَاد بهَا الْقُرْآن، وَالله أعلم.
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( لَا حسد إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رجل علمه الله الْقُرْآن فَهُوَ يتلوه آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يهلكه) .
وَفِي رِوَايَة: ( يُنْفِقهُ فِي الْحق) .
وَفِي مُسلم نَحوه من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( لَا حسد) ، كلمة: لَا، لنفي الْجِنْس، و: حسد، اسْمه مَبْنِيّ على الْفَتْح، وَخَبره مَحْذُوف أَي: لَا حسد جَائِز، أَو صَالح، أَو نَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( رجل) ، يجوز فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة من الْإِعْرَاب: الرّفْع على تَقْدِير إِحْدَى الِاثْنَيْنِ خصْلَة رجل، فَلَمَّا حذف الْمُضَاف اكتسى الْمُضَاف إِلَيْهِ إعرابه.
وَالنّصب على إِضْمَار: أَعنِي رجلا، وَهِي رِوَايَة ابْن مَاجَه.
والجر على أَنه بدل من اثْنَيْنِ.
وَأما على رِوَايَة اثْنَتَيْنِ بِالتَّاءِ فَهُوَ بدل أَيْضا على تَقْدِير حذف الْمُضَاف أَي خصْلَة رجل لِأَن الاثنتين مَعْنَاهُ خَصْلَتَيْنِ، على مَا يَجِيء.
قَوْله: ( آتَاهُ الله مَالا) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، والمفعولين أَحدهمَا الضَّمِير الْمَنْصُوب وَالْآخر: مَالا، وَهِي فِي مَحل الرّفْع أَو الْجَرّ أَو النصب على تَقْدِير إِعْرَاب الرجل، لِأَنَّهَا وَقعت صفته.
قَوْله: ( فَسلط) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهِي رِوَايَة أبي ذَر، وَرِوَايَة البَاقِينَ، فَسَلَّطَهُ عطفا على: آتَاهُ.
وَعبر بالتسليط لدلالته على قهر النَّفس المجبولة على الشُّح.
قَوْله: ( وَرجل) عطف على رجل الأول، وَإِعْرَابه فِي الْأَوْجه كإعرابه.
قَوْله: ( آتَاهُ الله الْحِكْمَة) مثل: ( آتَاهُ الله مَالا) .
قَوْله: ( فَهُوَ يقْضِي بهَا) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر عطف على مَا قبلهَا.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) أَي: لَا حسد فِي شَيْء إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ، أَي: فِي خَصْلَتَيْنِ، وَكَذَا هُوَ فِي مُعظم الرِّوَايَات بِالتَّاءِ.
ويروى: ( إِلَّا فِي اثْنَيْنِ) ، أَي: شَيْئَيْنِ.
فَإِن قلت: الْحَسَد مَوْجُود فِي الْحَاسِد لَا فِي اثْنَتَيْنِ، فَمَا معنى هَذَا الْكَلَام؟ قلت: الْمَعْنى لَا حسد للرجل إِلَّا فِي شَأْن اثْنَتَيْنِ، لَا يُقَال: قد يكون الْحَسَد فِي غَيرهمَا فَكيف يَصح الْحصْر؟ لأَنا نقُول: المُرَاد لَا حسد جَائِز فِي شَيْء من الْأَشْيَاء إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ، أَو الْمَعْنى: لَا رخصَة فِي الْحَسَد فِي شَيْء إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ.
فَإِن قلت: مَا فِي هذَيْن الِاثْنَيْنِ غِبْطَة، وَهُوَ غير الْحَسَد، فَكيف يُقَال: لَا حسد؟ قلت: أطلق الْحَسَد وَأَرَادَ الْغِبْطَة، من قبيل إِطْلَاق اسْم الْمُسَبّب على السَّبَب.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: معنى الْحَسَد هَهُنَا شدَّة الْحِرْص وَالرَّغْبَة، كنى بِالْحَسَدِ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا سَببه والداعي إِلَيْهِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ البُخَارِيّ اغتباطاً.
وَقد جَاءَ فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث مَا يبين ذَلِك، فَقَالَ فِيهِ: ( لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتِيَ فلَان فَعمِلت مثل مَا يعْمل) .
ذكره البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بابُُ اغتباط صَاحب الْقُرْآن، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ، فَلم يتمن السَّلب، وَإِنَّمَا تمنى أَن يكون مثله.
وَقد تمنى ذَلِك الصالحون والأخيار، وَفِيه قَول بِأَنَّهُ تَخْصِيص لإباحة نوع من الْحَسَد.
وَإِخْرَاج لَهُ عَن جملَة مَا حظر مِنْهُ كَمَا رخص فِي نوع من الْكَذِب.
وَإِن كَانَت جملَته محظورة، فَالْمَعْنى لَا إِبَاحَة فِي شَيْء من الْحَسَد إلاَّ فِيمَا كَانَ هَذَا سَبيله، أَي: لَا حسد مَحْمُود إلاَّ هَذَا، وَقيل: إِنَّه اسْتثِْنَاء مُنْقَطع بِمَعْنى: لَكِن فِي اثْنَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون من قبيل قَوْله تَعَالَى: { لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} ( الدُّخان: 56) أَي: لَا حسد إلاَّ فِي هذَيْن الِاثْنَيْنِ، وَفِيهِمَا: لَا حسد أَيْضا، فَلَا حسد أصلا.
قلت: الْمَعْنى فِي الْآيَة: لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت الْبَتَّةَ، فَوَقع قَوْله: إلاَّ الموتة الأولى، موقع ذَلِك، لِأَن الموتة الْمَاضِيَة محَال ذوقها فِي الْمُسْتَقْبل، فَهُوَ من بابُُ التَّعْلِيق بالمحال، كَأَنَّهُ قيل: إِن كَانَت الموتة الأولى يَسْتَقِيم ذوقها فِي الْمُسْتَقْبل، فَإِنَّهُم يذوقونها فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله: ( لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ) ، فَكيف يكون من قبيل الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَفِي الْآيَة جَمِيع الْمَوْت منفي.
بِخِلَاف الْحَسَد، فَإِن جَمِيعه لَيْسَ بمنفي، فَإِن الْحَسَد فِي الْخيرَات ممدوح، وَلِهَذَا نكر الْحَاسِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} ( الفلق: 5) لِأَن كل حَاسِد لَا يضر.
قَالَ أَبُو تَمام:
( وَمَا حَاسِد فِي المكرمات بحاسد)

وَكَذَلِكَ نكر الْغَاسِق، لِأَن كل غَاسِق لَا يكون فِيهِ الشَّرّ، وَإِنَّمَا يكون فِي بعض دون بعض، بِخِلَاف النفاثات، فَإِنَّهُ عرف، لِأَن كل نفاثة شريرة.
قَوْله: ( مَالا) ، إِنَّمَا نكره وَعرف الْحِكْمَة، لِأَن المُرَاد من الْحِكْمَة معرفَة الْأَشْيَاء الَّتِي جَاءَ الشَّرْع بهَا، يَعْنِي الشَّرِيعَة، فَأَرَادَ التَّعْرِيف بلام الْعَهْد، أَو المُرَاد مِنْهُ الْقُرْآن كَمَا ذكرنَا، فَاللَّام للْعهد أَيْضا بِخِلَاف المَال، فَلهَذَا دخل صَاحبه بِأَيّ قدر من المَال أهلكه فِي الْحق تَحت هَذَا الحكم.
قَوْله: ( فَسلط على هَلَكته) ، فِي هَذِه الْعبارَة مبالغتان: احداهما: التسليط فَإِنَّهُ يدل على الْغَلَبَة وقهر النَّفس المجبولة على الشُّح الْبَالِغ، وَالْأُخْرَى: لفظ: على هَلَكته، فَإِنَّهُ يدل على أَنه لَا يبقي من المَال شَيْئا، وَلما أوهم اللفظان التبذير، وَهُوَ صرف المَال فِيمَا لَا يَنْبَغِي، ذكر قَوْله: ( فِي الْحق) ، دفعا لذَلِك الْوَهم.
وَكَذَا الْقَرِينَة الْأُخْرَى اشْتَمَلت على مبالغتين إِحْدَاهمَا: الْحِكْمَة، فَإِنَّهَا تدل على علم دَقِيق مُحكم.
وَالْأُخْرَى: الْقَضَاء بَين النَّاس وتعليمهم، فَإِنَّهَا من خلَافَة النُّبُوَّة، ثمَّ إِن لفظ الْحِكْمَة إِشَارَة إِلَى الْكَمَال العلمي ويفضي إِلَى الْكَمَال العملي، وبكليهما إِلَى التَّكْمِيل.
والفضيلة إِمَّا داخلية، وَإِمَّا خارجية.
وأصل الْفَضَائِل الداخلية الْعلم، وأصل الْفَضَائِل الخارجية المَال.
ثمَّ الْفَضَائِل، إمَّا تَامَّة، وإمَّا فَوق التَّامَّة، وَالْأُخْرَى أفضل من الأولى لِأَنَّهَا كَامِلَة متعدية، وَهَذِه قَاصِرَة غير متعدية.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَمعنى الحَدِيث التَّرْغِيب فِي طلب الْعلم وتعلمه وَالتَّصَدُّق بِالْمَالِ، وَقيل: إِنَّه تَخْصِيص لإباحة نوع من الْحَسَد، كَمَا رخص فِي نوع من الْكَذِب.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الْكَذِب لَا يحل إلاَّ فِي ثَلَاث)
الحَدِيث.
والحسد على ثَلَاثَة أضْرب: محرم ومباح ومحمود، فالمحرم: تمني زَوَال النِّعْمَة الْمَحْسُود عَلَيْهَا عَن صَاحبهَا وانتقالها إِلَى الْحَاسِد.
وَأما القسمان الْآخرَانِ فغبطة، وَهُوَ أَن يتَمَنَّى مَا يرَاهُ من خير بأحدٍ أَن يكون لَهُ مثله، فَإِن كَانَت فِي أُمُور الدُّنْيَا فمباح، وَإِن كَانَت من الطَّاعَات فمحمود.
قَالَ النَّوَوِيّ: الأول حرَام بِالْإِجْمَاع.
.

     وَقَالَ  بعض الْفُضَلَاء: إِذا أنعم الله تَعَالَى على أَخِيك نعْمَة، فكرهتها واحببت زَوَالهَا، فَهُوَ حرَام بِكُل حَال، إلاّ نعْمَة أَصَابَهَا كَافِر أَو فَاجر، أَو من يَسْتَعِين بهَا على فتْنَة أَو فَسَاد.

وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه من الْفِقْه أَن الْغَنِيّ إِذا قَامَ بِشُرُوط المَال، وَفعل مَا يُرْضِي ربه تبَارك وَتَعَالَى فَهُوَ أفضل من الْفَقِير الَّذِي لَا يقدر على مثل هَذَا، وَالله أعلم.