فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

( بابُُ مَنْ أجَاب الفُتْيا باشارَةِ اليَدِ والرَّأسِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْمُفْتِي الَّذِي أجَاب المستفتي فِي فتياه بِإِشَارَة بِيَدِهِ أَو رَأسه.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهر.



[ قــ :84 ... غــ :84 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ: حدّثنا وُهَيْبٌ قَالَ: حدّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابْن عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، فَأْوَمَأ بِيدِهِ قَالَ: ( وَلَا حَرَجَ) .
قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، فَأوْمأ بِيَدِهِ ولاَ حَرَجَ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِشَارَة بِالْيَدِ فِي جَوَاب الْفتيا، وَهُوَ قَوْله: ( فاومأ بِيَدِهِ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: التَّبُوذَكِي الْحَافِظ الْبَصْرِيّ.
وَقد مر ذكره.
الثَّانِي: وهيب، بِضَم الْوَاو وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن خَالِد الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: عِكْرِمَة، مولى ابْن الْعَبَّاس.
الْخَامِس: عبد اللَّه بن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب بِهِ نَحوه.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْحَج عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل عَن وهيب عَن عبد اللَّه بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد عَن وهيب عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن الْمُعَلَّى بن أَسد عَن وهيب بِهِ.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله ( فَأَوْمأ) أَي: أَشَارَ، وثلاثيه: ومأت إِلَيْهِ أميء ومأً، وأَومأت إِلَيْهِ وأومأته أَيْضا، وومأت تومئة: اشرت.
قَوْله: ( سُئِلَ) ، بِضَم السِّين.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي السَّائِل: ذبحت قبل أَن أرمي، أَي: فَمَا حكمك فِيهِ هَل يَصح؟ وَهل عَليّ فِيهِ حرج؟ قَوْله: ( فَأَوْمأ) أَي: رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِيَدِهِ.
قَوْله: ( قَالَ: وَلَا حرج) : أَي: قَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَلَا حرج عَلَيْك.
فَإِن قلت: مَا مَحل: قَالَ، من الْإِعْرَاب؟ قلت: مَحَله النصب على الْحَال.
أَي: فَأَوْمأ بِيَدِهِ حَال كَونه قد قَالَ: وَلَا حرج عَلَيْك، وَالْأَحْسَن أَن يكون بَيَانا لقَوْله: ( فَأَوْمأ) ، وَلِهَذَا ذكر بِدُونِ الْوَاو العاطفة حَيْثُ لم يقل: فَأَوْمأ بِيَدِهِ،.

     وَقَالَ : وَأما الْوَاو فِي: ( وَلَا حرج) .
فَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره، وَلَيْسَت بموجودة فِي رِوَايَة ابْن ذَر.
وَأما فِي ( وَلَا حرج) الثَّانِي فَهِيَ مَوْجُودَة عِنْد الْكل.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لم ترك الْوَاو أَولا فِي: ( وَلَا حرج) : وَذكر ثَانِيًا فِيهِ؟ قلت: لِأَن الأول كَانَ فِي ابْتِدَاء الحكم، وَالثَّانِي عطف على الْمَذْكُور أَولا.
قلت: هَذَا إِنَّمَا يتمشى على رِوَايَة أبي ذَر على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( وَقَالَ: حلقت) أَي: قَالَ سَائل آخر، أَو ذَلِك السَّائِل بِعَيْنِه.
قَوْله: ( قبل أَن اذْبَحْ) أَن، فِيهِ مَصْدَرِيَّة أَي: قبل الذّبْح.
قَوْله: ( فَأَوْمأ) أَي: رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِيَدِهِ وَلَا حرج.
وَلم يذكر هَهُنَا: قَالَ: وَلَا حرج.
وَإِنَّمَا قَالَ: فَأَوْمأ بِيَدِهِ وَلَا حرج.
وَلم يحْتَج إِلَى ذكر: قَالَ، هَهُنَا لِأَنَّهُ أَشَارَ بِيَدِهِ بِحَيْثُ فهم من تِلْكَ الْإِشَارَة أَنه لَا حرج، سِيمَا وَقد سُئِلَ عَن الْحَرج، أَو يقدر لَفْظَة قَالَ.
وَالتَّقْدِير: فَأَوْمأ بِيَدِهِ، قَالَ: وَلَا حرج، أَو قَائِلا: وَلَا حرج.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ: ( فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن لَا حرج) ، ثمَّ قَالَ: ان، إِمَّا صلَة لقَوْله: ( أَوْمَأ) .
وَإِمَّا تفسيرية، إِذْ فِي الْإِيمَاء معنى القَوْل.





[ قــ :85 ... غــ :85 ]
- حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْراهِيمَ قَالَ: أخبرنَا خَنْظَلةُ بنُ أبي سُفْيانَ عنْ سالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَن النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يُقْبَضُ العِلْمُ وَيَظْهَرُ الجَهْلُ والفِتَنُ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ) قِيلَ: يَا رَسُول الله! ومَا الهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَها كأنَّهُ يُرِيدُ القَتْلَ..
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِشَارَة بِالْيَدِ كَمَا فِي الحَدِيث السَّابِق.

بَيَان رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم بن بشر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وبالراء، ابْن فرقد أَبُو السكن الْبَلْخِي أَخُو إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب، سمع حَنْظَلَة وَغَيره من التَّابِعين، وَهُوَ أكبر شُيُوخ البُخَارِيّ من الخراسانيين لِأَنَّهُ روى عَن التَّابِعين، وروى عَنهُ أَحْمد وَيحيى بن معِين، وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة والبيوع وَغير مَوضِع، وَأخرج فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَنهُ عَن عبد اللَّه بن سعيد، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ،.

     وَقَالَ  أَحْمد: ثِقَة.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: ثِقَة ثَبت،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ.
ولد سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة، وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ ببلخ، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة مكي بن إِبْرَاهِيم غَيره، و: مكي، بتَشْديد الْيَاء على وزن النِّسْبَة.
وَلَيْسَ بِنِسْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمه.
الثَّانِي: حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن عبد الْملك، وَقد مر فِي: بابُُ الْحيَاء من الْإِيمَان.
الثَّالِث: سَالم بن عبد اللَّه بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنْهُم.
الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَالسَّمَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّازِيّ عَن حَنْظَلَة قَالَ: سَمِعت سالما، وَزَاد فِيهِ: لَا أَدْرِي كم رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة وَاقِفًا فِي السُّوق يَقُول: يقبض الْعلم ... فَذكره مَوْقُوفا، لَكِن ظهر فِي آخِره أَنه مَرْفُوع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي ومكي ومدني.
وَمِنْهَا: أَن إِسْنَاده من الرباعيات العوالي.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: ( الْهَرج) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره جِيم: قَالَ فِي ( الْعبابُ) : الْهَرج الْفِتْنَة والاختلاط، وَقد هرج النَّاس يهرجون، بِالْكَسْرِ، هرجاً.
وَمِنْه حَدِيث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( يتقارب الزَّمَان وَينْقص الْعلم ويلقى الشُّح وَتظهر الْفِتَن وَيكثر الْهَرج.
قيل: وَمَا الْهَرج يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الْقَتْل الْقَتْل)
.
ثمَّ قَالَ الصغاني: وأصل الْهَرج الْكَثْرَة فِي الشَّيْء، وَمِنْه قَوْلهم فِي الْجِمَاع: بَات يهرجها ليلته جَمْعَاء.
وَيُقَال للْفرس: مر يهرج، وَإنَّهُ لمهرج ومهراج إِذا كَانَ كثير الجري، وهرج الْقَوْم فِي الحَدِيث إِذا أفاضوا فِيهِ فَأَكْثرُوا، والهراجة: الْجَمَاعَة يهرجون فِي الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  فِي آخر الْفَصْل: والتركيب يدل على اخْتِلَاط وتخليط.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: الْهَرج الْفِتْنَة فِي آخر الزَّمَان.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: الْفِتَن بعض الْهَرج، وأصل الْهَرج والتهارج الِاخْتِلَاط والقتال، وَمِنْه قَوْله: فَلَنْ يزَال الْهَرج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَمِنْه: يتهارجون تهارج الْحمر، قيل: مَعْنَاهُ: يتخالطون رجَالًا وَنسَاء ويتناكحون مزاناة.
وَيُقَال: هرجها يهرجها إِذا نَكَحَهَا، و: يهرجها، بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا وَكسرهَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِرَادَة الْقَتْل من لفظ الْهَرج إِنَّمَا هُوَ على طَرِيق التَّجَوُّز، إِذْ هُوَ لَازم معنى الْهَرج، اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يثبت وُرُود الْهَرج بِمَعْنى الْقَتْل لُغَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهِي غَفلَة عَمَّا فِي البُخَارِيّ فِي كتاب الْفِتَن.
والهرج الْقَتْل بِلِسَان الْحَبَشَة.
قلت: هَذَا غَفلَة، لِأَن كَون الْهَرج بِمَعْنى الْقَتْل بِلِسَان الْحَبَشَة لَا يسْتَلْزم أَن يكون بِمَعْنى الْقَتْل فِي لُغَة الْعَرَب، غير أَنه لما اسْتعْمل بِمَعْنى الْقَتْل وَافق اللُّغَة الحبشية، وَأما فِي أصل الْوَضع فالعرب مَا استعملته إلاَّ لِمَعْنى الْفِتْنَة والاختلاط، واستعملوه بِمَعْنى الْقَتْل تجوزاً.
فَإِن قلت: قَالَ صَاحب ( الْمطَالع) : فسر الْهَرج فِي الحَدِيث بِالْقَتْلِ بلغَة الْحَبَشَة، ثمَّ قَالَ: وَقَوله: بلغَة الْحَبَشَة وهم من بعض الروَاة، وَإِلَّا فَهِيَ عَرَبِيَّة صَحِيحَة.
قلت: لَا يلْزم من تَفْسِيره فِي الحَدِيث بِالْقَتْلِ أَن يكون مَعْنَاهُ الْقَتْل فِي أصل الْوَضع.
قَوْله: ( يقبض الْعلم) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقد مر أَن قَبضه بِقَبض الْعلمَاء، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الحَدِيث.
وَجَاء فِي مُسلم: ( وَينْقص الْعلم وَيظْهر الْجَهْل) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَظُهُور الْجَهْل من لَوَازِم قبض الْعلم، وَذكره لزِيَادَة الْإِيضَاح والتأكيد.
قَوْله: ( الْفِتَن) بِالرَّفْع عطفا على: الْجَهْل، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( وَتظهر الْفِتَن) .
قَوْله: ( وَيكثر الْهَرج) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم.
قَوْله: ( فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ) ، مَعْنَاهُ: أَشَارَ بِيَدِهِ محرفا، وَفِيه إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل، وَهُوَ كثير.
وَمِنْه قَول الْعَرَب: قَالُوا بزيد وَقُلْنَا بِهِ، أَي: قَتَلْنَاهُ، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي،.

     وَقَالَ  الرجل بالشَّيْء، أَي: غلب.
.

     وَقَالَ  الصغاني: وَفِي دُعَاء النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: سُبْحَانَ من تعطف بالعز.

     وَقَالَ  بِهِ، وَهَذَا من الْمجَاز الْحكمِي كَقَوْلِهِم: نَهَاره صَائِم.
وَالْمرَاد وصف الرجل بِالصَّوْمِ، وَوصف الله تَعَالَى بالعز.
قَوْله: ( وَقَالَ بِهِ) أَي: وَغلب بِهِ كل عَزِيز، وَملك عَلَيْهِ أمره.
وَفِي ( الْمطَالع) : وَفِي حَدِيث الْخضر: ( فَقَالَ بِيَدِهِ فأقامه) .
أَي: أَشَارَ أَو تنَاول.
وَقَوله: ( فِي الْوضُوء فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا) أَي: نفضه.
قَوْله: ( فَقَالَ باصبعه السبابَُة وَالْوُسْطَى) أَي: أَشَارَ.
وَفِي حَدِيث دُعَاء الْوَالِد: ( وَقَالَ بِيَدِهِ نَحْو السَّمَاء) أَي: رَفعهَا.
قَوْله: ( فحرفها) من التحريف.
تَفْسِير لقَوْله: ( فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ) كَأَن الرَّاوِي بَين أَن الْإِيمَاء كَانَ محرفاً، وَمثل هَذِه الْفَاء تسمى الْفَاء التفسيرية.
نَحْو: { فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} ( الْبَقَرَة: 54) إِذْ الْقَتْل هُوَ نفس التَّوْبَة على أحد التفاسير.
قَوْله: ( كَأَنَّهُ يُرِيد الْقَتْل) الظَّاهِر أَن هَذَا زِيَادَة من الرَّاوِي عَن حَنْظَلَة، فَإِن أَبَا عوَانَة رَوَاهُ عَن عَبَّاس الدوري عَن أبي عَاصِم عَن حَنْظَلَة،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: وأرانا أَبُو عَاصِم كَأَنَّهُ يضْرب عنق الْإِنْسَان، وَكَأن الرَّاوِي فهم من تَحْرِيك الْيَد وتحريفها أَنه يُرِيد الْقَتْل.
قلت: وَقع فِي بعض النّسخ: فحركها بِالْكَاف، مَوضِع: فحرفها.
فَالظَّاهِر أَنه غير ثَابت، وَفِيه دَلِيل على أَن الرجل إِذْ أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِرَأْسِهِ أَو بِشَيْء يفهم مِنْهُ ارادته أَنه جَائِز عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الطَّلَاق حكم الْإِشَارَة بِالطَّلَاق وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :86 ... غــ :86 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ: حدّثنا وُهَيْبٌ قَالَ: حدّثنا هِشامٌ عنْ فاطِمَةَ عنْ أسْماءَ قالَتْ: أَتيْتُ عائِشَةَ وَهْيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شأْنُ النَّاسِ؟ فَأشارَتْ إلَى السَّماءِ فَإذَا النَّاسُ قِيامٌ، فقالَتْ: سُبْحانَ الله! قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأشارَتْ بِرَأْسِها أيْ: نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ فَجَعَلْتُ أصُبُّ عَلَى رَأسِي الماءَ، فَحَمِدَ الله عزَّ وَجَلَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأثْنَى عَلِيْهِ ثُمَّ قَالَ: ( مَا مِنْ شَيْءِ لَمْ أكُنْ أرِيتُه إلاَّ رَأيْتُهُ فِي مَقامِي حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ فأُوحِيَ إلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أوْ قَرِيبَ، لَا أدْرِي أيَّ ذَلِكَ قالَتْ أسْماءُ.
مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقالُ: مَا عِلْمُكَ بِهذَا الرَّجُلِ؟ فَأمَّا المُؤْمنُ)
أَو المُوقِنُ، لَا أدْرِي بِأيّهِما قالتْ أسْماءُ فَيَقولُ: ( هُوَ مُحمَّدٌ رسولُ الله جاءَنا بالبَيِّناتِ والهُدَى فَأجَبْنَا واتَّبَعْنا، هُوَ مُحمَّدٌ ثَلاثاً، فَيُقالُ: نَمْ صالِحاً قَد عَلِمْنا إنْ كُنْتَ لُموقِناً بِهِ، وأمَّا المُنَافِقُ) أَو المُرْتابُ، لَا أدْرِي أيَّ ذَلِكَ قالتْ أسْماءُ ( فَيَقولُ: لَا أدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ) ..
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِشَارَة بِالرَّأْسِ، لكنه من فعل عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فَيكون مَوْقُوفا، لَكِن لَهُ حكم الْمَرْفُوع لِأَنَّهَا كَانَت تصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ فِي الصَّلَاة يرى من خَلفه.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، بل وجود شَيْء فِي حَدِيث الْبابُُ مِمَّا هُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة كافٍ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على بعض التَّرْجَمَة، وَهُوَ الْإِشَارَة بِالرَّأْسِ، كَمَا أَن الْأَوَّلين لَا يدلان أَيْضا إلاَّ على الْبَعْض الآخر، وَهُوَ الْإِشَارَة بِالْيَدِ.
قلت: لَا يلْزم أَن يدل كل حَدِيث فِي الْبابُُ على تَمام التَّرْجَمَة، بل إِذا دلّ الْبَعْض على الْبَعْض بِحَيْثُ دلّ الْمَجْمُوع على الْمَجْمُوع صحت التَّرْجَمَة، وَمثله مر فِي كتاب بَدْء الْوَحْي.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
الثَّانِي: وهيب بن خَالِد، وَقد ذكرا الْآن.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله عَنْهُم، وَقد تقدم.
الرَّابِع: فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام، وَهِي زَوْجَة هِشَام بن عُرْوَة، وَبنت عَمه.
رَوَت عَن جدَّتهَا أَسمَاء، روى عَنْهَا زَوجهَا هِشَام وَمُحَمّد بن إِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد اللَّه: تابعية ثِقَة، روى لَهَا الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، زَوْجَة الزبير، رَضِي الله عَنْهُم، وَكَانَ عبد اللَّه بن أبي بكر شقيقها، وَعَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن أَخَوَاهَا لأَبِيهَا، وَهِي ذَات النطاقين، ولدت قبل الْهِجْرَة بِسبع وَعشْرين سنة، وَأسْلمت بعد سَبْعَة عشر إنْسَانا، رُوِيَ لَهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، انْفَرد البُخَارِيّ بأَرْبعَة، وَمُسلم بِمِثْلِهَا، واتفقا على أَرْبَعَة عشر، توفيت بِمَكَّة فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين بعد قتل ابْنهَا عبد اللَّه بن الزبير، وَقد بلغت الْمِائَة وَلم يسْقط لَهَا سنّ وَلم يتَغَيَّر عقلهَا، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تابعية عَن صحابية مَعَ ذكر صحابية أُخْرَى.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْكُسُوف عَن عبد اللَّه بن يُوسُف، وَفِي الِاعْتِصَام عَن القعْنبِي، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك، وَفِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بابُُ من قَالَ فِي الْخطْبَة: أما بعد،.

     وَقَالَ  فِيهِ مَحْمُود: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، وَفِي كتاب الخسوف:.

     وَقَالَ  أَبُو أُسَامَة، وَفِي كتاب السَّهْو فِي: بابُُ الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة، عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن الثَّوْريّ مُخْتَصرا، وَفِي الخسوف مُخْتَصرا عَن الرّبيع بن يحيى عَن زَائِدَة وَعَن مُوسَى بن مَسْعُود عَن زَائِدَة مُخْتَصرا، وَتَابعه عَليّ عَن الدَّرَاورْدِي وَعَن مُحَمَّد الْمقدمِي عَن تَمام فِي الْعتَاقَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الخسوف عَن أبي كريب عَن ابْن غير، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب عَن أبي أُسَامَة كلهم عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن امْرَأَته فَاطِمَة.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( حَتَّى علاني) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة، من: عَلَوْت الرجل غلبته، تَقول: علاهُ يعلوه علوا، وَعلا فِي الْمَكَان يَعْلُو علوا أَيْضا، وَعلا بِالْكَسْرِ فِي الشِرف يعلي عَلَاء، وَيُقَال أَيْضا: بِالْفَتْح يعلى، قَالَ رؤبة:
( دفعك داواني وَقد جويت ... لما علا كعبك لي عليت)

فَجمع بَين اللغتين، هَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، أَعنِي: علاني.
وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: تجلاني، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَالْجِيم وَتَشْديد اللَّام، وَأَصله: تجللني، أَي: علاني.
قَالَ فِي ( الْعبابُ) : تجلله أَي: علاهُ.
قلت: هَذَا مثل: تقضى الْبَازِي، أَصله: تقضض، فاستثقلوا ثَلَاث ضادات، فابدلوا من إِحْدَاهُنَّ يَاء، فَصَارَ يَاء.
وَكَذَلِكَ استثقلوا ثَلَاث لامات فأبدلوا من إِحْدَاهُنَّ يَاء فَصَارَ: تجلى.
وَرُبمَا يَظُنّهُ من لَا خبْرَة لَهُ من مواد الْكَلَام أَن هَذَا من النواقص، وَهُوَ من المضاعف.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: تجلاني، بمثناة وجيم وَلَام مُشَدّدَة: وجلال الشَّيْء مَا غطي بِهِ.
قلت: الْجلَال جمع: جلّ الْفرس، وَلَا مُنَاسبَة لذكره مَعَ: تجلاني، وَإِن كَانَا مشتركين فِي أصل الْمَادَّة، لِأَن ذَلِك فعل من بابُُ التفعيل، وَهَذَا اسْم، وَهُوَ جمع.
وَلَو قَالَ: وَمِنْه جلال الشَّيْء، كَانَ لَا بَأْس بِهِ، تَنْبِيها على أَنَّهُمَا مشتركان فِي أصل الْمَادَّة.
وَأَيْضًا لَا يُقَال: جلال الشَّيْء مَا غطى بِهِ، بل الَّذِي يُقَال: جلّ الشَّيْء.
قلت: ( الغشي) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره يَاء آخر الْحُرُوف، مُخَفّفَة من غشى عَلَيْهِ غشية وغشياً وغشياناً فَهُوَ مغشي عَلَيْهِ، واستغشى بِثَوْبِهِ وتغشى أَي: تغطى بِهِ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: روينَاهُ فِي مُسلم وَغَيره بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْيَاء، وباسكان الشين وَالْيَاء، وهما بِمَعْنى: الغشاوة، وَذَلِكَ لطول الْقيام وَكَثْرَة الْحر، وَلذَلِك قَالَت: فَجعلت أصب على رَأْسِي، أَو على وَجْهي من المَاء.
قَالَ الْكرْمَانِي: الغشي، بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْيَاء: مرض مَعْرُوف يحصل بطول الْقيام فِي الْحر وَغير ذَلِك، وعرفه أهل الطِّبّ بِأَنَّهُ تعطل القوى المحركة والحساسة لضعف الْقلب واجتماع الرّوح كُله إِلَيْهِ.
فَإِن قلت: إِذا تعطلت القوى فَكيف صبَّتْ المَاء؟ قلت: أَرَادَت بالغشي الْحَالة الْقَرِيبَة مِنْهُ، فأطلقت الغشي عَلَيْهَا مجَازًا، أَو كَانَ الصب بعد الْإِفَاقَة مِنْهُ.
قَالَ بعض الشَّارِحين: ويروى بِعَين مُهْملَة.
قَالَ القَاضِي: لَيْسَ بِشَيْء.
وَفِي ( الْمطَالع) : الغشي، بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْيَاء: كَذَا قَيده الْأصيلِيّ، وَرَوَاهُ بَعضهم: الغشي، وهما بِمَعْنى وَاحِد يُرِيد: الغشاوة وَهُوَ الغطاء.
ورويناه عَن الْفَقِيه ابْن مُحَمَّد عَن الطَّبَرِيّ: الْعشي، بِعَين مُهْملَة، وَلَيْسَ بِشَيْء.
قَوْله: ( تفتنون) أَي: تمتحنون.
قَالَ الْجَوْهَرِي: الْفِتْنَة الامتحان والاختبار.
تَقول: فتنت الذَّهَب إِذا أدخلته النَّار لتنظر مَا جودته، ودينار مفتون، وَيُسمى الصَّائِغ: الفتان.
وأفتن الرجل وَفتن فَهُوَ مفتون إِذا أَصَابَته فتْنَة فَذهب مَاله وعقله، وَذَلِكَ إِذا اختبر.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَفَتَنَّاك فُتُونًا} ( طه: 40) .
قَوْله: ( الْمَسِيح الدَّجَّال) ، إِنَّمَا سمي مسيحاً لِأَنَّهُ يمسح الأَرْض، أَو لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْعين.
قَالَ فِي ( الْعبابُ) : الْمَسِيح الْمَمْسُوح بالشوم.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: سمت الْيَهُود الدَّجَّال مسيحاً لِأَنَّهُ مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ.
وَبَعض الْمُحدثين يَقُولُونَ فِيهِ الْمَسِيح، مِثَال: سكيت، لِأَنَّهُ مسح خلقه، أَي: شوه.
وَأما الْمَسِيح، بِالْفَتْح، فَهُوَ عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِ السَّلَام.
.

     وَقَالَ  ابْن مَاكُولَا عَن شَيْخه: الصَّوَاب هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: المسيخ، يُقَال مَسحه الله، بِالْمُهْمَلَةِ: إِذا خلقه خلقا حسنا.
ومسخه، بِالْمُعْجَمَةِ: إِذا خلقه خلقا ملعوناً.
والدجال على وزن فعال من الدجل، وَهُوَ الْكَذِب والتمويه وخلط الْحق بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ كَذَّاب مموه خلاط.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس: سمي دجالًا لضربه فِي الأَرْض وقطعه أَكثر نَوَاحِيهَا.
يُقَال: دجل الرجل إِذا فعل ذَلِك.
وَيُقَال: دجل إِذا لبس، وَيُقَال: الدجل طلي الْبَعِير بالقطران وَبِغَيْرِهِ، وَمِنْه سمي الدَّجَّال.
وَيُقَال لماء الذَّهَب: دجال، بِالضَّمِّ، وَشبه الدَّجَّال بِهِ لِأَنَّهُ يظْهر خلاف مَا يضمر، وَيُقَال: الدجل السحر وَالْكذب، وكل كَذَّاب دجال،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: سمي بِهِ لِأَنَّهُ يُغطي الأَرْض بِالْجمعِ الْكثير، مثل دجلة تغطي الأَرْض بِمَائِهَا، والدجل: التغطية.
يُقَال: دجل فلَان الْحق بباطله أَي: غطاه.
يُقَال: دجل الرجل، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد مَعَ فتح الْجِيم، ودجل أَيْضا بِالضَّمِّ مخففاً.

بَيَان الْأَعْرَاب: قَوْله: ( عَائِشَة) مَنْصُوب بقوله: ( أتيت) ، وَمنع التَّنْوِين لِأَنَّهُ غير منصرف للعلمية والتأنيث، قَوْله: ( وَهِي تصلي) جملَة إسمية وَقعت حَالا من: عَائِشَة.
قَوْله: ( فَقلت) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَقَوله: ( مَا شَأْن النَّاس) ؟ جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت مقول القَوْل.
قَوْله: ( فَأَشَارَتْ) عطف على قَوْله: ( فَقلت) .
قَوْله: ( فَإِذا) للمفاجأة و: النَّاس، مُبْتَدأ و: قيام خَبره.
قَوْله: ( فَقَالَت) أَي: عَائِشَة.
( سُبْحَانَ الله) .
فَإِن قلت: يَنْبَغِي أَن يكون مقول القَوْل جملَة، و: سُبْحَانَ الله، لَيْسَ بجملة.
قلت: قَالَت: مَعْنَاهُ هَهُنَا ذكرت،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فَقَالَت: سُبْحَانَ الله.
أَي أشارت قائلة: سُبْحَانَ الله.
قلت: هَذَا التَّقْدِير فَاسد، لِأَن: قَالَت، هَهُنَا عطف بِحرف الْفَاء، فَكيف يقدر حَالا مُفْردَة، و: سُبْحَانَ، علم للتسبيح: كعثمان، علم للرجل، وَهُوَ مفعول مُطلق الْتزم إِضْمَار فعله، وَالتَّقْدِير: يسبح الله سُبْحَانَ أَي تسبيحاً، مَعْنَاهُ: أنزهه من النقائص وسمات المخلوقين.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ علما كَيفَ أضيف؟ قلت: يُنكر عِنْد إِرَادَة الْإِضَافَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْحَاجِب: كَونه علما إِنَّمَا هُوَ فِي غير حَالَة الْإِضَافَة.
قَوْله: ( آيَة) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وحذفها، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هِيَ آيَة.
أَي: عَلامَة لعذاب النَّاس.
قَوْله: ( فَأَشَارَتْ) عطف على: قلت.
قَوْله: ( أَي نعم) تَفْسِير لقَوْله: أشارت.
قَوْله: ( حَتَّى علاني) حَتَّى، هَهُنَا للغاية بِمَعْنى: إِلَى أَن علاني.
وعلاني، فعل ومفعول، و: الغشي، بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: ( فَجعلت) من الْأَفْعَال النَّاقِصَة، وَالتَّاء اسْمه، وَقَوله: ( أصب على رَأْسِي المَاء) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهُوَ أَنا الْمُسْتَتر فِي أصب، وَالْمَفْعُول وَهُوَ قَوْله: المَاء، وَمحله النصب، لِأَنَّهَا خبر: جعلت.
قَوْله: ( فَحَمدَ) فعل وَلَفْظَة: ( الله) ، مَفْعُوله، ( وَالنَّبِيّ) فَاعله.
قَوْله: ( وَأثْنى عَلَيْهِ) عطف على: حمد.
قَوْله: ( ثمَّ قَالَ) عطف على: حمد.
قَوْله: ( مَا من شَيْء) كلمة: مَا، للنَّفْي، وَكلمَة: من، زَائِدَة لتأكيد النَّفْي و: شَيْء، اسْم مَا.
وَقَوله: ( لم أكن أريته) فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ صفة لشَيْء، وَهُوَ مَرْفُوع فِي الأَصْل وَإِن كَانَ جر بِمن الزَّائِدَة، وَاسم: أكن، مستتر فِيهِ، و: أريته، بِضَم الْهمزَة جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: لم أكن.
وَقَوله: ( إلاَّ رَأَيْته) اسْتثِْنَاء مفرغ،.

     وَقَالَ ت النُّحَاة: كل اسْتثِْنَاء مفرغ مُتَّصِل وَمَعْنَاهُ أَن مَا قبلهَا مفرغ لما بعْدهَا إِذْ الِاسْتِثْنَاء من كَلَام غير تَامّ فيلغى فِيهِ إلاَّ من حَيْثُ الْعَمَل لَا من حَيْثُ الْمَعْنى نَحْو: مَا جَاءَنِي إلاَّ زيد، وَمَا رَأَيْت إلاَّ زيدا، أَو مَا مَرَرْت إلاَّ بزيد.
فالفعل الْوَاقِع هَهُنَا قبل: إلاَّ، مفرغ لما بعْدهَا، و: إلاَّ، هَهُنَا بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تغير الْمَعْنى دون الْأَلْفَاظ، نَحْو: هَل وَغَيره، وَلَا يجوز هَذَا إلاَّ فِي الْمَنْفِيّ.
فَافْهَم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: و: رَأَيْته، فِي مَوضِع الْحَال وَتَقْدِيره: مَا من شَيْء لم يكن أريته كَائِنا فِي حَال من الْأَحْوَال إلاَّ فِي حَال رؤيتي إِيَّاه.
قلت: لَا يَصح هَذَا الْكَلَام، لِأَن ذَا الْحَال إِن كَانَ لَفظه: شَيْء، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُبْتَدأ يبْقى بِلَا خبر، وَإِن كَانَ هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِي: لم أكن، فَلَا يَصح لذَلِك، بل مَحل رَأَيْته فِي نفس الْأَمر رفع على الخبرية، لِأَن التَّقْدِير: إِذا أزيل: مَا وإلاَّ، يكون هَكَذَا: وَشَيْء لم أكن أريته رَأَيْته فِي مقَامي هَذَا، و: شَيْء، وَإِن كَانَ نكرَة وَلكنه تخصص بِالصّفةِ.
قَوْله: ( فِي مقَامي) حَال تَقْدِيره: حَال كوني فِي مقَامي هَذَا.
فَإِن قلت: هَذَا، مَا موقعه من الْإِعْرَاب؟ قلت: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فِي مقَامي هُوَ هَذَا.
ويؤول بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لفظ الْمقَام يحْتَمل الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان.
قلت: نعم يحْتَمل فِي غير هَذَا الْموضع، وَلكنه هَهُنَا بِمَعْنى الْمَكَان.
قَوْله: ( حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار) يجوز فيهمَا الرّفْع وَالنّصب والجر: أما الرّفْع فعلى أَن تكون: حَتَّى، ابتدائية و: الْجنَّة، تكون مَرْفُوعا على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره: حَتَّى الْجنَّة مرئية، و: النَّار، عطف عَلَيْهِ.
كَمَا فِي قَوْله: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا، بِرَفْع الرَّأْس أَي: رأسُها ماكولٌ، وَهُوَ أحد الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِيهِ.
وَأما النصب فعلى أَن تكون: حَتَّى، عاطفة عطف الْجنَّة فِي الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي رَأَيْته، وَأما الْجَرّ فعلى أَن تكون: حَتَّى، جَارة.
قَوْله: ( فَأُوحي إِلَيّ) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( أَنكُمْ) بِفَتْح الْهمزَة، لِأَنَّهُ مفعول أُوحِي، قد نَاب عَن الْفَاعِل.
قَوْله: ( تفتنون) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر: أَن.
قَوْله: ( مثل أَو قَرِيبا) كَذَا رُوِيَ فِي رِوَايَة بترك التَّنْوِين فِي: مثل، وبالتنوين فِي: قَرِيبا.
وَرُوِيَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: ( مثل أَو قريب) بِغَيْر تَنْوِين فيهمَا، وَرُوِيَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: ( مثلا أَو قَرِيبا) ، بِالتَّنْوِينِ فيهمَا.
قَالَ القَاضِي: روينَاهُ عَن بَعضهم، وَكَذَا رُوِيَ: من فتْنَة الْمَسِيح بِلَفْظَة: من، قبل: فتْنَة الْمَسِيح.
رُوِيَ أَيْضا بِدُونِ: من.
أما وَجه الرِّوَايَة الأولى: فَهُوَ مَا قَالَه ابْن مَالك إِن أَصله: مثل فتْنَة الدَّجَّال أَو قَرِيبا من فتْنَة الدَّجَّال، فَحذف مَا كَانَ: مثل، مُضَافا إِلَيْهِ، وَترك على هَيئته قبل الْحَذف، وَجَاز الْحَذف لدلَالَة مَا بعده.
قَالَ: والمعتاد فِي صِحَة هَذَا الْحَذف أَن يكون مَعَ إضافتين، كَقَوْل الشَّاعِر:
( أَمَام وَخلف الْمَرْء من لطف ربه ... كوال تروى عَنهُ مَا هُوَ يحذر)

وَجَاء أَيْضا فِي إِضَافَة وَاحِدَة، كَمَا هُوَ فِي الحَدِيث:
( مَه عاذلي فهائما لن أبرحا ... كَمثل أَو أحسن من شمس الضُّحَى)

وَأما وَجه الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فَهُوَ أَن يكون: مثل أَو قريب، كِلَاهُمَا مضافان إِلَى: فتْنَة الْمَسِيح، وَيكون قَوْله: ( لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء) مُعْتَرضَة بَين المضافين والمضاف إِلَيْهِ، مُؤَكدَة لِمَعْنى الشَّك الْمُسْتَفَاد من كلمة: أَو، وَمثل هَذِه لَا تسمى أَجْنَبِيَّة حَتَّى يُقَال: كَيفَ يجوز الْفَصْل بَين المضافين وَبَين مَا أضيفا إِلَيْهِ؟ لِأَن الْمُؤَكّدَة للشَّيْء لَا تكون أَجْنَبِيَّة مِنْهُ، فَجَاز كَمَا فِي قَوْله:
( يَا تيم تيم عدي)

وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل يَصح أَن يكون لشَيْء وَاحِد مضافان؟ قلت: لَيْسَ هَهُنَا مضافان، بل مُضَاف وَاحِد، وَهُوَ أَحدهمَا، لَا على التَّعْيِين، وَلَئِن سلمنَا فتقديره: مثل الْمَسِيح أَو قريب فتْنَة الْمَسِيح، فَحذف أحد اللَّفْظَيْنِ مِنْهُمَا لدلَالَة الآخر عَلَيْهِ، نَحْو قَول الشَّاعِر.

( بَين ذراعي وجبهة الْأسد)

قلت: قَوْله: لَيْسَ هُنَا مضافان غير صَحِيح، بل هَهُنَا مضافان صَرِيحًا، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب كَمَا مر فِي الْبَيْت الْمَذْكُور.
وَأما وَجه الرِّوَايَة الثَّالِثَة: فَهُوَ أَن يكون: مثلا، مَنْصُوبًا على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف و: أَو قَرِيبا، عطف عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: تفتنون فِي قبوركم فتْنَة مثلا أَي مماثلاً فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، أَو فتْنَة قَرِيبا من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال.
أما وَجه: من، فِي رِوَايَة من أثبتها قبل قَوْله: فتْنَة الْمَسِيح، على تَقْدِير إِضَافَة الْمثل أَو الْقَرِيب إِلَى فتْنَة الْمَسِيح، فعلى نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا أَن إِظْهَار حرف الْجَرّ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ لَا يمْتَنع عِنْد قوم من النُّحَاة، وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك: أَلا أَبَا لَك وَالْآخر، مَا قيل: إنَّهُمَا ليسَا بمضافين إِلَى فتْنَة الْمَسِيح على هَذَا التَّقْدِير، بل هما مضافان إِلَى فتْنَة مقدرَة، والمذكورة بَيَان لتِلْك الْمقدرَة.
فَافْهَم.
قَوْله: ( لَا أَدْرِي) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل.
قَوْله: ( أَي ذَلِك) كَلَام إضافي و: أَي، مَرْفُوع على الِابْتِدَاء، وَخَبره قَوْله: ( قَالَت اسماء) وَضمير الْمَفْعُول مَحْذُوف، أَي: قالته.
ثمَّ قَوْله: ( أَي) يجوز أَن تكون استفهامية وموصولة، فَإِن كَانَت استفهامية يكون فعل الدِّرَايَة مُعَلّقا بالاستفهام لِأَنَّهُ من أَفعَال الْقُلُوب، وَيجوز أَن تكون: أَي، مَبْنِيا على الضَّم مُبْتَدأ على تَقْدِير حذف صدر صلته، وَالتَّقْدِير: لَا أَدْرِي أَي ذَلِك هُوَ قالته أَسمَاء، وَإِن كَانَت مَوْصُولَة تكون: أَي، مَنْصُوبَة بِأَنَّهَا مفعول: لَا أَدْرِي، وَيجوز أَن يكون انتصابها: بقالت، سَوَاء كَانَت: أَي، مَوْصُولَة أَو استفهامية.
وَيجوز أَن تكون من شريطة التَّفْسِير بِأَن يشْتَغل: قَالَت، بضميره الْمَحْذُوف.
قَوْله: ( يُقَال) بَيَان لقَوْله: ( تفتنون) وَلِهَذَا ترك العاطف بَين الْكَلَامَيْنِ.
قَوْله: ( مَا علمك) ؟ جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت مقول القَوْل.
قَوْله: ( فَأَما الْمُؤمن) كلمة: أما، للتفصيل تَتَضَمَّن معنى الشَّرْط، فَلذَلِك دخلت فِي جوابها الْفَاء، وَهُوَ قَوْله: ( فَيَقُول: هُوَ مُحَمَّد) .
قَوْله: ( أَو الموقن) شكّ من الرواي، وَهِي: فَاطِمَة.
قَوْله: ( لَا أَدْرِي أَيهمَا قَالَت أَسمَاء) جملَة مُعْتَرضَة، أَيْضا.
قَوْله: ( هُوَ مُحَمَّد) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( هُوَ رَسُول الله) .
قَوْله: ( جَاءَنَا) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ جَاءَنَا.
قَوْله: ( فأجبنا) ، عطف على: جَاءَنَا.
وَقَوله: ( وَاتَّبَعنَا) عطف على: ( اجبنا) .
قَوْله: ( هُوَ مُحَمَّد) مُبْتَدأ وَخبر.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف، أَي: يَقُول الْمُؤمن: هُوَ مُحَمَّد.
قَوْله: ( قولا ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث مَرَّات، مرَّتَيْنِ بِلَفْظ مُحَمَّد، وَمرَّة بِصفتِهِ وَهُوَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
لَا يُقَال: إِذا قَالَ هَذَا الْمَذْكُور أَي مَجْمُوعه ثَلَاثًا يلْزم أَن يكون هُوَ مُحَمَّد مقولاً تسع مَرَّات، وَلَيْسَ كَذَلِك، لأَنا نقُول لفظ ثَلَاثًا ذكر للتَّأْكِيد الْمَذْكُور، فَلَا يكون الْمَقُول إلاَّ ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: ( فَيُقَال) عطف على قَوْله: فَيَقُول.
قَوْله: ( نم صَالحا) جملَة وَقعت مقول القَوْل، و: صَالحا، نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: نم، وَهُوَ أَمر من نَام ينَام.
قَوْله: ( إِن كنت) كلمة: إِن، هَذِه هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة، أَي: إِن الشَّأْن كنت، وَهِي مَكْسُورَة، وَدخلت اللَّام فِي قَوْله: ( لموقنا) لتفرق بَين: أَن، هَذِه وَبَين: إِن النافية، هَذَا قَول الْبَصرِيين.
.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ: إِن، بِمَعْنى: مَا.
و: اللَّام، بِمَعْنى: إلاَّ، مثل قَوْله تَعَالَى: { إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} ( الطارق: 4) أَي: مَا كل نفس إلاَّ عَلَيْهَا حَافظ.
وَيكون التَّقْدِير هَهُنَا: مَا كنت إلاَّ موقنا.
وَحكى السفاقسي فتح: إِن، على جعلهَا مَصْدَرِيَّة، أَي علمنَا كونك موقناً بِهِ.
وَيرد مَا قَالَه دُخُول اللَّام.
قَوْله: ( وَأما الْمُنَافِق) عطف على قَوْله: ( فَأَما الْمُؤمن) وَقَوله: ( فَيَقُول: لَا أَدْرِي) جَوَاب: أما، ومفعوله مَحْذُوف.
أَي: لَا أَدْرِي مَا أَقُول.
قَوْله: ( يَقُولُونَ) ، حَال من: النَّاس، و: شَيْئا، مَفْعُوله.
قَوْله: ( فقلته) ، عطف على: يَقُولُونَ.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( مَا شَأْن النَّاس؟) أَي: قَائِمين مضطربين فزعين.
قَوْله: ( فَأَشَارَتْ) أَي: عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، إِلَى السَّمَاء، تَعْنِي: انكسفت الشَّمْس فَإِذا النَّاس قيام أَي لصَلَاة الْكُسُوف، وَالْقِيَام جمع قَائِم كالصيام جمع صَائِم.
قَوْله: ( آيَة) : عَلامَة لعذاب النَّاس كَأَنَّهَا مُقَدّمَة لَهُ، قَالَ الله تَعَالَى: { وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفاً} ( الْإِسْرَاء: 59) أَو عَلامَة لقرب زمَان الْقِيَامَة وأمارة من أماراتها، أَو عَلامَة لكَون الشَّمْس مخلوقة دَاخِلَة تَحت النَّقْص، مسخرة لقدرة الله تَعَالَى لَيْسَ لَهَا سلطنة على غَيرهَا، بل لَا قدرَة لَهَا على الدّفع عَن نَفسهَا.
فَإِن قلت: ماتقول فِيمَا قَالَ أهل الْهَيْئَة: إِن الْكُسُوف سَببه حيلولة الْقَمَر بَينهَا وَبَين الأَرْض؟ فَلَا يرى حينئذٍ إلاَّ لون الْقَمَر وَهُوَ كمد لَا نور لَهُ، وَذَاكَ لَا يكون إلاَّ فِي آخر الشَّهْر عِنْد كَون النيرين فِي إِحْدَى عقدتي الرَّأْس والذنب، وَله آثَار فِي الأَرْض، هَل جَازَ القَوْل بِهِ أم لَا؟ قلت: الْمُقدمَات كلهَا مَمْنُوعَة، وَلَئِن سلمنَا، فَإِن كَانَ غرضهم أَن الله تَعَالَى أجْرى سنته بذلك، كَمَا أجْرى باحتراق الْحَطب الْيَابِس عِنْد مساس النَّار لَهُ فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن كَانَ غرضهم أَنه وَاجِب عقلا، وَله تَأْثِير بِحَسب ذَاته فَهُوَ بَاطِل، لما تقرر أَن جَمِيع الْحَوَادِث مستندة إِلَى إِرَادَة الله تَعَالَى ابْتِدَاء، وَلَا مُؤثر فِي الْوُجُود إِلَّا الله تَعَالَى.
قَوْله: ( وَأثْنى عَلَيْهِ) ، من بابُُ عطف الْعَام على الْخَاص، لِأَن الثَّنَاء أَعم من الْحَمد، وَالشُّكْر والمدح أَيْضا ثَنَاء.
قَوْله: ( مَا من شَيْء لم أكن أريته إِلَّا رَأَيْته) قَالَ الْعلمَاء: يحْتَمل أَن يكون قد رأى رُؤْيَة عين، بِأَن كشف الله تَعَالَى لَهُ مثلا عَن الْجنَّة وَالنَّار، وأزال الْحجب بَينه وَبَينهمَا، كَمَا فرج لَهُ عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى حِين وَصفه بِمَكَّة للنَّاس.
وَقد تقرر فِي علم الْكَلَام أَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقه الله تَعَالَى فِي الرَّائِي، وَلَيْسَت مَشْرُوطَة بِمُقَابلَة وَلَا مُوَاجهَة وَلَا خُرُوج شُعَاع وَغَيره، بل هَذِه شُرُوط عَادِية جَازَ الانفكاك عَنْهَا عقلا وَأَن يكون رُؤْيَة علم ووحي باطلاعه وتعريفه من أمورهما تَفْصِيلًا مَا لم يعرفهُ قبل ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَيجوز على هَذَا القَوْل أَن الله تَعَالَى مثل لَهُ الْجنَّة وَالنَّار وصورهما لَهُ فِي الْحَائِط، كَمَا تمثل المرئيات فِي الْمرْآة.
ويعضده مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أنس فِي الْكُسُوف، فَقَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( الْجنَّة وَالنَّار ممثلتين فِي قبْلَة هَذَا الْجِدَار) .
وَفِي مُسلم: ( إِنِّي صورت لي الْجنَّة وَالنَّار فرأيتهما بدور هَذَا الْحَائِط) .
وَلَا يستبعد هَذَا من حَيْثُ إِن الانطباع كَمَا فِي الْمرْآة إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَجْسَام الصقيلة، لأَنا نقُول: إِن ذَلِك الشَّرْط عادي لَا عَقْلِي، وَيجوز أَن تنخرق الْعَادة خُصُوصا للنبوة، وَلَو سلم أَن تِلْكَ الْأُمُور عقلية لجَاز أَن تُوجد تِلْكَ الصُّور فِي جسم الْحَائِط، وَلَا يدْرك ذَلِك إلاَّ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ: وَالْأول أولى وأشبه بِأَلْفَاظ الْأَحَادِيث، لقَوْله فِي بعض الْأَحَادِيث: ( فتناولت مِنْهَا عنقوداً) وتأخره مَخَافَة أَن يُصِيبهُ النَّار.
قَوْله: ( مَا علمك) ، الْخطاب فِيهِ للمقبور بِدَلِيل قَوْله: ( إِنَّكُم تفتنون فِي قبوركم) ، وَلكنه عدل عَن خطاب الْجمع إِلَى خطاب الْمُفْرد، لِأَن السُّؤَال عَن الْعلم يكون لكل وَاحِد بِانْفِرَادِهِ واستقلاله.
قيل: قد يتَوَهَّم أَن فِيهِ التفاتاً، لِأَنَّهُ انْتِقَال من جمع الْخطاب إِلَى مُفْرد الْخطاب، كَمَا قَالَ المرزوقي فِي شرح ( الحماسة) فِي قَوْله:
( أحمى أباكن يَا ليلى الأماديح)

إِنَّه الْتِفَات، وكما فِي قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} ( الطَّلَاق: 1) قلت: الْجُمْهُور من أهل الْمعَانِي على خلاف ذَلِك، وَلَا يُسمى هَذَا التفاتاً إلاَّ على قَول من يَقُول: إِن الِالْتِفَات هُوَ انْتِقَال من صِيغَة إِلَى صِيغَة أُخْرَى، سَوَاء كَانَ من الضمائر بَعْضهَا إِلَى بعض، أَو من غَيرهَا، وَالتَّفْسِير الْمَشْهُور أَن الِالْتِفَات هُوَ التَّعْبِير عَن معنى بطرِيق من الطّرق الثَّلَاثَة بعد التَّعْبِير عَنهُ بطرِيق آخر من الطّرق الثَّلَاثَة، وَهِي التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة.
أما الشّعْر فَإِن فِيهِ تَخْصِيص الْخطاب بعد التَّعْمِيم لكَون الْمَقْصُود الْأَعْظَم هُوَ خطاب ليلى، وَأما الْآيَة فقد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: خص النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالنداء، وَعم بِالْخِطَابِ لِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَام أمته وقدوتهم، كَمَا يُقَال لرئيس الْقَوْم وَكَبِيرهمْ: يَا فلَان افعلوا كَيْت وَكَيْت، إِظْهَارًا لتقدمه واعتباراً لترؤسه، وَأَنه مَدَرَة قومه ولسانهم، وَالَّذِي يصدر عَنْهُم رَأْيه وَلَا يستبدون بِأَمْر دونه، فَكَانَ هُوَ وَحده فِي حكم كلهم وساداً مسد جَمِيعهم.
قَوْله: ( بِهَذَا الرجل) أَي: بِمُحَمد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَإِنَّمَا لم يقل: بِي، لِأَنَّهُ حِكَايَة عَن قَول الْمَلَائِكَة للمقبور.
وَالْقَائِل هما الْملكَانِ السائلان المسميان بمنكر وَنَكِير.
فَإِن قلت: لِمَ لَا يَقُولَانِ رَسُول الله؟ قلت: لِئَلَّا يَتَلَقَّن المقبور مِنْهُمَا إكرام الرَّسُول وَرفع مرتبته فيعظمه تقليداً لَهما لَا اعتقاداً.
قَوْله: ( أَو الموقن) أَي: الْمُصدق بنبوة مُحَمَّد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو الموقن بنبوته.
قَوْله: ( جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ) أَي: بالمعجزات الدَّالَّة على نبوته، و: الْهدى، أَي: الدّلَالَة الموصلة إِلَى البغية أَو الْإِرْشَاد إِلَى الطَّرِيق الْحق الْوَاضِح.
قَوْله: ( فأجبنا) أَي: قبلنَا نبوته معتقدين حقيتها معترفين بهَا، واتبعناه فِيمَا جَاءَ بِهِ إِلَيْنَا.
وَيُقَال: الْإِجَابَة تتَعَلَّق بِالْعلمِ والاتباع بِالْعَمَلِ.
قَوْله: ( صَالحا) أَي: مُنْتَفعا بأعمالك وأحوالك، إِذْ الصّلاح كَون الشَّيْء فِي حد الِانْتِفَاع.
وَيُقَال: لَا روع عَلَيْك مِمَّا يروع بِهِ الْكفَّار من عرضهمْ على النَّار أَو غَيره من عَذَاب الْقَبْر، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ صَالحا لِأَن تكرم بنعيم الْجنَّة.
قَوْله: ( إِن كنت لموقنا) قَالَ الدَّرَاورْدِي: مَعْنَاهُ أَنَّك مُؤمن، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { كُنْتُم خير أمة} ( آل عمرَان: 110) أَي: أَنْتُم.
قَالَ القَاضِي: وَالْأَظْهَر أَنه على بابُُهَا، وَالْمعْنَى: أَنَّك كنت مُؤمنا.
يكون مَعْنَاهُ: إِن كنت مُؤمنا فِي علم الله تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله: { كُنْتُم خير أمه} ( آل عمرَان: 110) أَي: فِي علم الله.
قَوْله: ( وَأما الْمُنَافِق) أَي: غير الْمُصدق بِقَلْبِه لنبوته، وَهُوَ فِي مُقَابلَة الْمُؤمن.
قَوْله: ( والمرتاب) أَي: الشاك، وَهُوَ فِي مُقَابلَة الموقن.
وَهَذَا اللَّفْظ يشْتَرك فِيهِ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَالْفرق بِالْقَرِينَةِ، وَأَصله: مرتيب، بِفَتْح الْيَاء فِي الْمَفْعُول، وَكسرهَا فِي الْفَاعِل من الريب، وَهُوَ الشَّك.
قَوْله: ( فقلته) أَي: قلت مَا كَانَ النَّاس يَقُولُونَهُ، وَفِي بعض النّسخ بعده: وَذكر الحَدِيث إِلَى آخِره، وَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات الْأُخَر أَنه يُقَال: ( لَا دَريت وَلَا تليت، وَيضْرب بمطارق من حَدِيد ضَرْبَة فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ غير الثقلَيْن) .
نسْأَل الله الْعَافِيَة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ كَون الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتين الْيَوْم، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة، وَيدل عَلَيْهِ الْآيَات وَالْأَخْبَار المتواترة، مثل قَوْله تَعَالَى: { وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} ( الْأَعْرَاف: ، طه: 11) وَقَوله: { عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى} ( النَّجْم: 15) : { وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض} ( آل عمرَان: 133) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات، وتواتر الْأَخْبَار فِي قصَّة آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن الْجنَّة ودخوله إِيَّاهَا وَخُرُوجه مِنْهَا، ووعده الرَّد إِلَيْهَا، كل ذَلِك ثَابت بِالْقطعِ.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: أنكر طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة خلقهما قبل يَوْم الْحساب وَالْعِقَاب، وَقَالُوا: لَا فَائِدَة فِي خلقهما قبل ذَلِك، وحملوا قصَّة آدم على بُسْتَان من بساتين الدُّنْيَا.
قَالَ: وَهَذَا بَاطِل وتلاعب بِالدّينِ وانسلال عَن إِجْمَاع الْمُسلمين.
.

     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْجنَّة مخلوقة مهيأة بِمَا فِيهَا، سقفها عرش الرَّحْمَن وَهِي خَارِجَة من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض، وكل مَخْلُوق يفنى ويجدد أَو لَا يجدد إلاَّ الْجنَّة وَالنَّار، وَلَيْسَ للجنة سَمَاء إلاَّ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيح.
يَعْنِي قَوْله: ( وسقفها عرش الرَّحْمَن) ، وَلها ثَمَانِيَة أَبْوَاب.
وَرُوِيَ: أَنَّهَا كلهَا مغلقة إلاَّ بابُُ التَّوْبَة مَفْتُوح حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا.
وَأما من قَالَ بِأَن قَوْله: { وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض} ( آل عمرَان: 133) يدل على أَنَّهَا مخلوقة فَغير مُسْتَقِيم لما تقدم من أَنَّهَا فِي عَالم آخر، وَالْمعْنَى: عرضهَا كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض، كَمَا جَاءَ فِي مَوضِع آخر فَحذف هَهُنَا.
وَسَأَلت الْيَهُود عمر، رَضِي الله عَنهُ، عَن هَذِه الْآيَة، وَقَالُوا: أَيْن تكون النَّار؟ فَقَالَ لَهُم عمر، رَضِي الله عَنهُ: أَرَأَيْتُم إِذا جَاءَ اللَّيْل، فَأَيْنَ يكون النَّهَار؟ وَإِذا جَاءَ النَّهَار فَأَيْنَ يكون اللَّيْل؟ فَقَالُوا لَهُ: لقد نزعت مِمَّا فِي التَّوْرَاة.
وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنهُ: تقرن السَّمَوَات السَّبع والأرضون السَّبع كَمَا تقرن الثِّيَاب بَعْضهَا بِبَعْض، فَذَلِك عرض الْجنَّة، وَلَا يصف أحد طولهَا لاتساعه.
وَقيل: عرضهَا سعتها، وَلم يرد الْعرض الَّذِي هُوَ ضد الطول، وَالْعرب تَقول: ضربت فِي أَرض عريضة، أَي: وَاسِعَة.
الثَّانِي: فِيهِ إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر مَعَ غَيره من الْأَدِلَّة، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وإحياء الْمَيِّت.
قَالَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بذلك، وباستعاذة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَذَاب الْقَبْر.
الثَّالِث: فِيهِ سُؤال مُنكر وَنَكِير، وهما ملكان يرسلهما الله تَعَالَى يسألان الْمَيِّت عَن الله تَعَالَى وَعَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
الرَّابِع: فِيهِ خُرُوج الدَّجَّال.
الْخَامِس: فِيهِ أَن الرُّؤْيَة لَيست مَشْرُوطَة بِشَيْء عقلا من المواجهة وَنَحْوهَا، وَوُقُوع رُؤْيَة الله تَعَالَى لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن من ارتاب فِي صدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصِحَّة رسَالَته فَهُوَ كَافِر.
السَّادِس: فِيهِ جَوَاز التَّخْصِيص بالمخصصات الْعَقْلِيَّة والعرفية.
السَّابِع: فِيهِ جَوَاز وُقُوع الْفِعْل مُسْتَثْنى صُورَة.
الثَّامِن: فِيهِ تعدد المضافين لفظا إِلَى مُضَاف وَاحِد.
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز إِظْهَار حرف الْجَرّ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ.
الْعَاشِر: فِيهِ سنية صَلَاة الْكُسُوف وَتَطْوِيل الْقيام فِيهَا.
الْحَادِي عشر: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة هَذِه الصَّلَاة للنِّسَاء أَيْضا.
الثَّانِي عشر: فِيهِ جَوَاز حضورهن وَرَاء الرِّجَال فِي الْجَمَاعَات.
الثَّالِث عشر: فِيهِ جَوَاز السُّؤَال من الْمُصَلِّي.
الرَّابِع عشر: فِيهِ امْتنَاع الْكَلَام فِي الصَّلَاة.
الْخَامِس عشر: فِيهِ جَوَاز الْإِشَارَة، وَلَا كَرَاهَة فِيهَا إِذا كَانَ لحَاجَة.
السَّادِس عشر: فِيهِ جَوَاز الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة، وَإنَّهُ لَا يُبْطِلهَا.
السَّابِع عشر: فِيهِ جَوَاز التَّسْبِيح للنِّسَاء فِي الصَّلَاة.
فَإِن قلت: لَهُنَّ التصفيح لَا التَّسْبِيح إِذا نابهن شَيْء.
قلت: الْمَقْصُود من تَخْصِيص التصفيح بِهن أَن لَا يسمع الرِّجَال صوتهن، وَفِيمَا نَحن فِيهِ الْقِصَّة جرت بَين الْأُخْتَيْنِ، أَو التصفيح هُوَ الأولى لَا الْوَاجِب.
الثَّامِن عشر: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْخطْبَة بعد صَلَاة الْكُسُوف.
التَّاسِع عشر: فِيهِ أَن الْخطْبَة يكون أَولهَا التَّحْمِيد وَالثنَاء على الله، عز وَجل.
الْعشْرُونَ: قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ أَن الغشي لَا ينْقض الْوضُوء مَا دَامَ الْعقل بَاقِيا.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا ماقيل: إِن لَفْظَة الشَّيْء فِي قَوْله: ( مَا من شَيْء) أَعم الْعَام، وَقد وَقع نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي أَيْضا، وَلَكِن بعض الْأَشْيَاء مِمَّا لَا يَصح رُؤْيَته.
أُجِيب: بِأَن الْأُصُولِيِّينَ قَالُوا: مَا من عَام إلاَّ وَقد خص، إلاَّ: { وَالله بِكُل شَيْء عليم} ( الْبَقَرَة: 31 و 8، النِّسَاء: 176، الْمَائِدَة: 97، الْأَنْفَال: 75، التَّوْبَة: 115، النُّور: 35 و 64، الحجرات: 16، المجادلة: 7، التغابن: 11) والمخصص قد يكون عقلياً أَو عرفياً، فخصصه الْعقل بِمَا صَحَّ رُؤْيَته، وَالْعرْف بِمَا يَلِيق أَيْضا بِأَنَّهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِأَمْر الدّين وَالْجَزَاء وَنَحْوهمَا.
وَمِنْهَا مَا قيل: هَل فِيهِ دلَالَة على أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رأى فِي هَذَا الْمقَام ذَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ أُجِيب: نعم، إِذْ: الشَّيْء يتَنَاوَلهُ وَالْعقل لَا يمنعهُ وَالْعرْف لَا يَقْتَضِي إِخْرَاجه.
وَمِنْهَا مَا قيل: من أَيْن علم الغشي وصب المَاء كَانَا فِي الصَّلَاة.
أُجِيب: بِأَنَّهُ من حَيْثُ جعل ذَلِك مقدما على الْخطْبَة، وَالْخطْبَة متعقبة للصَّلَاة لَا وَاسِطَة بَينهمَا بِدَلِيل الْفَاء فِي: فَحَمدَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهَا مَا قيل: هَذَانِ فعلان يفسدان الصَّلَاة.
أُجِيب: بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه لم تكن أفعالها مُتَوَالِيَة، وإلاَّ بطلت الصَّلَاة.